القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 36 سورة النساء - واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين

سورة النساء الآية رقم 36 : سبع تفاسير معتمدة

سورة واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين - عدد الآيات 176 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 36 من سورة النساء عدة تفاسير - سورة النساء : عدد الآيات 176 - - الصفحة 84 - الجزء 5.

سورة النساء الآية رقم 36


﴿ ۞ وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا ﴾
[ النساء: 36]

﴿ التفسير الميسر ﴾

واعبدوا الله وانقادوا له وحده، ولا تجعلوا له شريكًا في الربوبية والعبادة، وأحسنوا إلى الوالدين، وأدُّوا حقوقهما، وحقوق الأقربين، واليتامى والمحتاجين، والجار القريب منكم والبعيد، والرفيق في السفر وفي الحضر، والمسافر المحتاج، والمماليك من فتيانكم وفتياتكم. إن الله تعالى لا يحب المتكبرين من عباده، المفتخرين على الناس.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«واعبدوا الله» وحِّدوه «ولا تُشركوا به شيئا و» أحسنوا «بالوالدين إحسانا» برّا ولين جانب «وبذي القربى» القرابة «واليتامى والمساكين والجار ذي القربى» القريب منك في الجوار أو النسب «والجار الجُنُب» البعيد عنك في الجوار أو النسب «والصاحب بالجنب» الرفيق في سفر أو صناعة وقيل الزوجة «وابن السبيل» المنقطع في سفره «وما ملكت أيمانكم» من الأرقاء «إن الله لا يحب من كان مختالا» متكبرا «فخورا» على الناس بما أوتي.

﴿ تفسير السعدي ﴾

يأمر تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له، وهو الدخول تحت رق عبوديته، والانقياد لأوامره ونواهيه، محبة وذلا وإخلاصا له، في جميع العبادات الظاهرة والباطنة.
وينهى عن الشرك به شيئا لا شركا أصغر ولا أكبر، لا ملكا ولا نبيا ولا وليا ولا غيرهم من المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، بل الواجب المتعين إخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وله التدبير الكامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه أحد.
ثم بعد ما أمر بعبادته والقيام بحقه أمر بالقيام بحقوق العباد الأقرب فالأقرب.
فقال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا أي: أحسنوا إليهم بالقول الكريم والخطاب اللطيف والفعل الجميل بطاعة أمرهما واجتناب نهيهما والإنفاق عليهما وإكرام من له تعلق بهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا بهما.
وللإحسان ضدان، الإساءةُ وعدمُ الإحسان.
وكلاهما منهي عنه.
وَبِذِي الْقُرْبَى أيضا إحسانا، ويشمل ذلك جميع الأقارب، قربوا أو بعدوا، بأن يحسن إليهم بالقول والفعل، وأن لا يقطع برحمه بقوله أو فعله.
وَالْيَتَامَى أي: الذين فقدوا آباءهم وهم صغار، فلهم حق على المسلمين، سواء كانوا أقارب أو غيرهم بكفالتهم وبرهم وجبر خواطرهم وتأديبهم، وتربيتهم أحسن تربية في مصالح دينهم ودنياهم.
وَالْمَسَاكِين وهم الذين أسكنتهم الحاجة والفقر، فلم يحصلوا على كفايتهم، ولا كفاية من يمونون، فأمر الله تعالى بالإحسان إليهم، بسد خلتهم وبدفع فاقتهم، والحض على ذلك، والقيام بما يمكن منه.
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى أي: الجار القريب الذي له حقان حق الجوار وحق القرابة، فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف.
و كذلك الْجَارِ الْجُنُبِ أي: الذي ليس له قرابة.
وكلما كان الجار أقرب بابًا كان آكد حقًّا، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل.
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ قيل: الرفيق في السفر، وقيل: الزوجة، وقيل الصاحب مطلقا، ولعله أولى، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ويشمل الزوجة.
فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد إسلامه، من مساعدته على أمور دينه ودنياه، والنصح له؛ والوفاء معه في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، وأن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد.
وَابْنَ السَّبِيلِ وهو: الغريب الذي احتاج في بلد الغربة أو لم يحتج، فله حق على المسلمين لشدة حاجته وكونه في غير وطنه بتبليغه إلى مقصوده أو بعض مقصوده [وبإكرامه وتأنيسه] وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ : أي: من الآدميين والبهائم بالقيام بكفايتهم وعدم تحميلهم ما يشق عليهم وإعانتهم على ما يتحملون، وتأديبهم لما فيه مصلحتهم.
فمن قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لربه، المتواضع لعباد الله، المنقاد لأمر الله وشرعه، الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء الجميل، ومن لم يقم بذلك فإنه عبد معرض عن ربه، غير منقاد لأوامره، ولا متواضع للخلق، بل هو متكبر على عباد الله معجب بنفسه فخور بقوله، ولهذا قال: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا أي: معجبا بنفسه متكبرًا على الخلق فَخُورًا يثني على نفسه ويمدحها على وجه الفخر والبطر على عباد الله، فهؤلاء ما بهم من الاختيال والفخر يمنعهم من القيام بالحقوق.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله تعالى : ( واعبدوا الله ) أي : وحدوه وأطيعوه ، ( ولا تشركوا به شيئا ) [ أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنا علي أبو إسماعيل محمد بن محمد الصفار ، أنا أحمد بن منصور الرمادي ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون الأودي ] عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " هل تدري يا معاذ ما حق الله على الناس؟ قال قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، أتدري يا معاذ ما حق الناس على الله إذا فعلوا ذلك؟ قال : قلت الله ورسوله أعلم ، قال : فإن حق الناس على الله أن لا يعذبهم ، قال قلت : يا رسول الله ألا أبشر الناس؟ قال : دعهم يعملون " .
قوله تعالى : ( وبالوالدين إحسانا ) برا بهما وعطفا عليهما ، ( وبذي القربى ) أي : أحسنوا بذي القربى ، ( واليتامى والمساكين ) [ أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عمرو بن زرارة ، أنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا " .
[ أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنا عبد الله بن محمود ، أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أنا عبد الله بن مبارك ، عن يحيى بن أيوب ، عن عبد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد عن القاسم ] عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة تمر عليها يده حسنات ، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وقرن بين أصبعيه "قوله تعالى : ( والجار ذي القربى ) أي : ذي القرابة ، ( والجار الجنب ) أي : البعيد الذي ليس بينك وبينه قرابة .
[ أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، أنا علي بن الجعد ، أنا شعبة عن أبي عمران الجوني قال : سمعت ] طلحة قال : قالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال : " إلى أقربهما منك بابا " .
أخبرنا الأستاذ الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفرايني ، أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق ، أنا يزيد بن سنان ، أخبرنا عثمان بن عمر ، أخبرنا أبو عامر الخزاز ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ، وإذا طبخت مرقة فأكثر ماءها واغرف لجيرانك منها " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا محمد بن منهال ، أنا يزيد بن زريع ، أنا عمر بن محمد ، عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " .
قوله تعالى : ( والصاحب بالجنب ) يعني : الرفيق في السفر ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة وعكرمة وقتادة ، وقال علي وعبد الله والنخعي : هو المرأة تكون معه إلى جنبه ، وقال ابن جريج وابن زيد : هو الذي يصحبك رجاء نفعك .
( وابن السبيل ) قيل : هو المسافر لأنه ملازم للسبيل ، والأكثرون : على أنه الضيف ، أخبرنا الأستاذ الإمامأبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الاسفراييني ، أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق ، أنا شعيب بن عمرو الدمشقي ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، أنه سمع نافع بن جبير ، عن أبي شريح الخزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب ، عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي شريح الكعبي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، جائزته يوم وليلة ، والضيافة ثلاثة أيام ، وما كان بعد ذلك فهو صدقة ، ولا يحل أن يثوي - أي : أن يقيم - عنده حتى يحرجه " .
قوله تعالى : ( وما ملكت أيمانكم ) أي : المماليك أحسنوا إليهم ، أخبرنا محمد بن الحسن المروزي أخبرنا أبو العباس الطحان ، أنا أبو أحمد محمد بن قريش ، أنا علي بن عبد العزيز المكي أنا أبو عبيد القاسم بن سلام ، أنا يزيد ، عن همام ، عن قتادة ، عن صالح أبي الخليل ، عن سفينة ، عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في مرضه : " الصلاة وما ملكت أيمانكم " ، فجعل يتكلم وما يفيض بها لسانه .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عمر بن حفص ، أنا أبي ، أنا الأعمش ، عن المعرور ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : رأيت عليه بردا وعلى غلامه برد ، فقلت : لو أخذت هذا فلبسته كانا حلة وأعطيته ثوبا آخر ، فقال : كان بيني وبين رجل كلام وكانت أمه أعجمية فنلت منها فذكرني إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي أساببت فلانا؟ قلت : نعم ، قال : أفنلت أمه؟ قلت : نعم ، قال إنك امرؤ فيك جاهلية ، قلت : على ساعتي هذه من كبر السن؟ قال : نعم ، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا يكلفه من العمل ما يغلبه ، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه " .
أخبرنا الإمام أبو الحسين بن محمد القاضي ، أنا أبو طاهر الزيادي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمرو بن حفص التاجر ، أنا سهل بن عمار ، أنا يزيد بن هارون ، أخبرنا صدقة بن موسى ، عن فرقد السبخي ، عن مرة الطيب ، عن أبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة سيئ الملكة " .
( إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) المختال : المتكبر ، والفخور : الذي يفتخر على الناس بغير الحق تكبرا ، ذكر هذا بعدما ذكر من الحقوق ، لأن المتكبر يمنع الحق تكبرا .
أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي ، أنا أبو طاهر الزيادي ، أنا محمد بن الحسين القطان ، أنا أحمد بن يوسف السلمي ، أنا عبد الرزاق أنا معمر ، عن همام بن منبه ، قال : أنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينما رجل يتبختر في بردين وقد أعجبته نفسه خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة " .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء " .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

قال القرطبي ما ملخصه: أجمع العلماء على أن هذه الآية- وهي قوله- تعالى- وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً- من المحكم المتفق عليه- ليس منها شيء منسوخ.
وكذلك هي في جميع الكتب.
ولو لم يكن كذلك لعرف ذلك من جهة العقل وإن لم ينزل به الكتاب.
والعبودية هي التذلل والافتقار لمن له الحكم والاختيار.
فالآية أصل في خلوص الأعمال لله وتصفيتها من شوائب الرياء وغيره.
وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله- تعالى- أنا أغنى الشركاء عن الشرك.
من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته وشركه» .
والمعنى: عليكم أيها الناس أن تخلصوا لله- تعالى- العبادة والخضوع، وأن تتجهوا إليه وحده في كل شئونكم بدون أن تتخذوا معه أى شريك لا في عقيدتكم ولا في عبادتكم ولا في أقوالكم ولا في أعمالكم، كما قال- تعالى- وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ.
وهذه العبادة الخالصة لله- تعالى- هي حقه- سبحانه- علينا، فهو الذي خلقنا وهو الذي رزقنا وهو المتفضل علينا في جميع الحالات.
روى البخاري عن معاذ بن جبل قال: كنت ردف النبي- صلى الله عليه وسلم- على حمار يقال له عفيرة.
فقال: يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟ قلت الله ورسوله أعلم.
قال: فان حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا.
وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا.
فقلت: يا رسول الله! أفلا أبشر به الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا) .
وقد صدر- سبحانه- تلك الوصايا الحكيمة التي اشتملت عليها الآية الكريمة بالأمر بعبادته والنهى عن أن نشرك به شيئا، لأن إخلاص العبادة له أساس الدين، ومداره الأعظم الذي بدونه لا يقبل الله من العبد عملاما، ولأن في ذلك إيماء إلى ارتفاع شأن تلك الوصايا التي سيقت بعد ذلك، إذ قرنها بالعبادة والتوحيد يكسبها عظمة وجلالا.
وعطف النهى عن الشرك على الأمر بالعبادة لله- تعالى- من باب عطف الخاص على العام، لأن الإشراك ضد التوحيد فيفهم من النهى عن الإشراك الأمر بالتوحيد.
ثم أوصى- سبحانه- بالإحسان إلى الوالدين فقال: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.
أى: عليكم أن تخلصوا لله العبادة ولا تشركوا معه شيئا، وعليكم كذلك أن تحسنوا إلى الوالدين بأن تطيعوهما وتكرموهما وتستجيبوا لمطالبهما التي يرضاها الله، والتي في استطاعتكم أداؤها.
وقد جاء الأمر بالإحسان إلى الوالدين عقب الأمر بتوحيد الله، لأن أحق الناس بالاحترام والطاعة بعد الله- عز وجل- هما الوالدان لأنهما هما السبب المباشر في وجود الإنسان.
ومن الآيات التي قرنت الأمر بالإحسان إلى الوالدين بالأمر بطاعة الله قوله- تعالى-:وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.
وقوله- تعالى-: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.
وقوله- تعالى-: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.
ومن الأحاديث التي أمرت بالإحسان إلى الوالدين ونهت عن الإساءة إليهما ما رواه الترمذي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين» .
وروى أبو داود والبيهقي عن رجل من بنى سلمة أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله هل بقي على من بر أبوى شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم.
الصلاة عليهما.
والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما» .
وقد جاءت هذه الجملة وهي قوله تعالى وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً في صورة الخبر إلا أن المراد بها الأمر بالإحسان إليهما، ففي الكلام محذوف والتقدير: وأحسنوا بالوالدين إحسانا.
فقوله وبالوالدين متعلق بالفعل المقدر.
ثم أمر- سبحانه- بالإحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين فقال: وبذي القربى واليتامى والمساكين.
أى وأحسنوا كذلك إلى أقاربكم الذين جمعت بينكم وبينهم رابطة القرابة والنسب، وإلى اليتامى الذين فقدوا الأب الحانى بأن تعطفوا عليهم، وترحموا ضعفهم، وتحسنوا تربيتهم ورعايتهم.
وإلى المساكين الذين هم في حاجة إلى العون والمساعدة لفقرهم وضعفهم وعدم وجود ما يقوم بكفايتهم.
وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تدعو المسلمين إلى الإحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين، ومن ذلك قوله- تعالى- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ.
وقوله- تعالى- وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً.
ومن الأحاديث التي وردت في هذا المعنى ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه» ، وروى الشيخان أيضا عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا وكافل اليتيم في الجنة كهذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى- أى أشار وفرج بين إصبعيه السبابة والوسطى» .
وروى البخاري وغيره عن صفوان بن سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل» .
ثم أمر- سبحانه- بالإحسان إلى طائفة أخرى من الناس فقال- تعالى-: وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.
والجار ذو القربى: هو الجار الذي قرب جواره.
أو هو الذي له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين، فإن له مع حق الجوار حق القرابة.
والجار الجنب: هو الجار الذي بعد جواره عن جوارك من الجنابة ضد القرابة.
يقال:اجتنب فلان فلانا إذا بعد عنه.
وقيل هو الجار الذي لا قرابة في النسب بينه وبين جاره، ويقابله الجار ذو القربى.
وقد ساق ابن كثير عند تفسيره لهذه الجملة أكثر من عشرة أحاديث تتعلق بالإحسان إلى الجار ومنها ما رواه الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» .
وروى الترمذي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه.
وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» .
والصاحب بالجنب: هو الرفيق في كل أمر حسن: كتعليم أو تجارة أو سفر أو غير ذلك.
قال صاحب الكشاف: «والصاحب بالجنب: هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك إما رفيقا في سفر، وإما جارا ملاصقا، وإما شريكا في تعلم علم أو حرفة، وإما قاعدا إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإحسان.
وقيل: الصاحب بالجنب المرأة» وابن السبيل: هو المسافر الذي انقطع عن بلده، ونفد ما في يده من مال يوصله إلى مبتغاه.
والسبيل: الطريق فنسب المسافر إليه لمروره عليه وملابسته له.
ومن الإحسان إليه.
إيواؤه وإطعامه ومساعدته بما يوصله إلى موطنه.
والمراد بقوله وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ العبيد الأرقاء الذين ملكت رقابهم، فصاروا ضعاف الحيلة لامتلاك غيرهم لهم.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليهم في كثير من الأحاديث ومن ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجة عن على بن أبى طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جعل يوصى أمته في مرض موته فيقول:الصلاة الصلاة.
اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم» .
وروى الإمام أحمد والنسائي عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة.
وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة.
وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة.
وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة) .
وروى الشيخان عن أبى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هم إخوانكم خولكم.
جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم.
فإن كلفتموهم فأعينوهم» وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد أمرت الناس بإخلاص العبادة لله- تعالى-، كما أمرتهم بالإحسان إلى آبائهم وإلى أقاربهم وإلى البائسين والمحتاجين وغيرهم ممن هم في حاجة إلى مدّ يد العون والمساعدة.
وبتنفيذ هذه الوصايا السامية تسعد الإنسانية، وتنال ما تصبو إليه من رقى واستقرار.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً.
والمختال: هو المتكبر المعجب بنفسه: سمى بذلك لأنه يتخيل لنفسه من السجايا والصفات والأفعال ما ليس فيه فيستعلى على الناس ولا يلتفت إليهم.
والفخور: هو الشديد الفخر بما يقول أو يفعل، المكثر من ذكر مزاياه ومناقبه، والمحب لأن يحمد بما لم يفعل.
أى: إن الله لا يحب من كان متكبرا معجبا بنفسه، ومن كان كثير الفخر بما يقول أو يفعل لأن من هذه صفاته لا يقوم برعاية حقوق الناس بل إن غروره ليجعله يستنكف عن الاتصال بهم وإن فخره ليحمله على التطاول عليهم.
والجملة الكريمة علة لكلام محذوف والتقدير: لا تفتخروا ولا تختالوا فإن الله لا يحب من كان متصفا بهذه الصفات القبيحة.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

يأمر تبارك وتعالى بعبادته وحده لا شريك له; فإنه هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الآنات والحالات ، فهو المستحق منهم أن يوحدوه ، ولا يشركوا به شيئا من مخلوقاته ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ : " أتدري ما حق الله على العباد ؟ " قال : الله ورسوله أعلم . قال : " أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا " ، ثم قال : " أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ ألا يعذبهم " ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين ، فإن الله ، سبحانه ، جعلهما سببا لخروجك من العدم إلى الوجود ، وكثيرا ما يقرن الله ، سبحانه ، بين عبادته والإحسان إلى الوالدين ، كقوله : ( أن اشكر لي ولوالديك ) [ لقمان : 14 ] وكقوله : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) [ الإسراء : 23 ] .ثم عطف على الإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء ، كما جاء في الحديث : " الصدقة على المسكين صدقة ، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة " .ثم قال : ( واليتامى ) وذلك لأنهم قد فقدوا من يقوم بمصالحهم ، ومن ينفق عليهم ، فأمر الله بالإحسان إليهم والحنو عليهم .ثم قال : ( والمساكين ) وهم المحاويج من ذوي الحاجات الذين لا يجدون ما يقوم بكفايتهم ، فأمر الله بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم وتزول به ضرورتهم . وسيأتي الكلام على الفقير والمسكين في سورة براءة .وقوله : ( والجار ذي القربى والجار الجنب ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( والجار ذي القربى ) يعني الذي بينك وبينه قرابة ، ( والجار الجنب ) الذي ليس بينك وبينه قرابة . وكذا روي عن عكرمة ، ومجاهد ، وميمون بن مهران ، والضحاك ، وزيد بن أسلم ، ومقاتل بن حيان ، وقتادة .وقال أبو إسحاق عن نوف البكالي في قوله : ( والجار ذي القربى ) يعني المسلم ( والجار الجنب ) يعني اليهودي والنصراني رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم .وقال جابر الجعفي ، عن الشعبي ، عن علي وابن مسعود : ( والجار ذي القربى ) يعني المرأة . وقال مجاهد أيضا في قوله : ( والجار الجنب ) يعني الرفيق في السفر .وقد وردت الأحاديث بالوصايا بالجار ، فنذكر منها ما تيسر ، والله المستعان :الحديث الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عمر بن محمد بن زيد : أنه سمع أباه محمدا يحدث ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " .أخرجاه في الصحيح من حديث عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، به .الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن داود بن شابور ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " .وروى أبو داود والترمذي نحوه ، من حديث سفيان بن عيينة ، عن بشير أبي إسماعيل - زاد الترمذي : وداود بن شابور - كلاهما عن مجاهد ، به ثم قال الترمذي : حسن غريب من هذا الوجه وقد روي عن مجاهد عن عائشة وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .الحديث الثالث عنه : قال أحمد أيضا : حدثنا عبد الله بن يزيد ، أخبرنا حيوة ، أخبرنا شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه ، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره " .ورواه الترمذي عن أحمد بن محمد ، عن عبد الله بن المبارك ، عن حيوة بن شريح - به ، وقال : [ حديث ] حسن غريب .الحديث الرابع : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن عباية بن رفاعة عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يشبع الرجل دون جاره " . تفرد به أحمد .الحديث الخامس : قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان ، حدثنا محمد بن سعد الأنصاري ، سمعت أبا ظبية الكلاعي ، سمعت المقداد بن الأسود يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : [ " ما تقولون في الزنا ؟ " قالوا : حرام حرمه الله ورسوله ، فهو حرام إلى يوم القيامة . فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ] لأن يزني الرجل بعشر نسوة ، أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره " . قال : ما تقولون في السرقة ؟ قالوا : حرمها الله ورسوله فهي حرام . قال " لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات ، أيسر عليه من أن يسرق من جاره " .تفرد به أحمد وله شاهد في الصحيحين من حديث ابن مسعود : قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " . قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " . قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " .الحديث السادس : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا هشام ، عن حفصة ، عن أبي العالية ، عن رجل من الأنصار قال : خرجت من أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا به قائم ورجل معه مقبل عليه ، فظننت أن لهما حاجة - قال الأنصاري : لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أرثي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من طول القيام ، فلما انصرف قلت : يا رسول الله ، لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام . قال : " ولقد رأيته ؟ " قلت : نعم . قال : " أتدري من هو ؟ " قلت : لا . قال : " ذاك جبريل ، ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه . ثم قال : أما إنك لو سلمت عليه ، رد عليك السلام " .الحديث السابع : قال عبد بن حميد في مسنده : حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا أبو بكر - يعني المدني - عن جابر بن عبد الله قال : جاء رجل من العوالي ورسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام يصليان حيث يصلى على الجنائز ، فلما انصرف قال الرجل : يا رسول الله ، من هذا الرجل الذي رأيت معك ؟ قال : " وقد رأيته ؟ " قال : نعم . قال : " لقد رأيت خيرا كثيرا ، هذا جبريل ما زال يوصيني بالجار حتى رئيت أنه سيورثه " .تفرد به من هذا الوجه وهو شاهد للذي قبله .الحديث الثامن : قال أبو بكر البزار : حدثنا عبيد الله بن محمد أبو الربيع الحارثي ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، أخبرني عبد الرحمن بن الفضل عن عطاء الخراساني ، عن الحسن ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجيران ثلاثة : جار له حق واحد ، وهو أدنى الجيران حقا ، وجار له حقان ، وجار له ثلاثة حقوق ، وهو أفضل الجيران حقا ، فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له ، له حق الجوار . وأما الذي له حقان فجار مسلم ، له حق الإسلام وحق الجوار ، وأما الذي له ثلاثة حقوق ، فجار مسلم ذو رحم له حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم " .قال البزار : لا نعلم أحدا روى عن عبد الرحمن بن الفضيل إلا ابن أبي فديك .الحديث التاسع : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي عمران ، عن طلحة بن عبد الله ، عن عائشة; أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : " إن لي جارين ، فإلى أيهما أهدي ؟ قال : " إلى أقربهما منك بابا " .ورواه البخاري من حديث شعبة ، به .وقوله : ( والصاحب بالجنب ) قال الثوري ، عن جابر الجعفي ، عن الشعبي ، عن علي وابن مسعود قالا هي المرأة .وقال ابن أبي حاتم : وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وإبراهيم النخعي ، والحسن ، وسعيد بن جبير - في إحدى الروايات - نحو ذلك .وقال ابن عباس ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة : هو الرفيق في السفر . وقال سعيد بن جبير : هو الرفيق الصالح . وقال زيد بن أسلم : هو جليسك في الحضر ، ورفيقك في السفر .وأما ) ابن السبيل ) فعن ابن عباس وجماعة هو : الضيف .4وقال مجاهد ، وأبو جعفر الباقر ، والحسن ، والضحاك ، ومقاتل : هو الذي يمر عليك مجتازا في السفر .وهذا أظهر ، وإن كان مراد القائل بالضيف : المار في الطريق ، فهما سواء . وسيأتي الكلام على أبناء السبيل في سورة براءة ، وبالله الثقة وعليه التكلان .وقوله : ( وما ملكت أيمانكم ) وصية بالأرقاء ; لأن الرقيق ضعيف الحيلة أسير في أيدي الناس ، ولهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوصي أمته في مرض الموت يقول : " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " . فجعل يرددها حتى ما يفيض بها لسانه .وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا بقية ، حدثنا بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن المقدام بن معد يكرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة ، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة ، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة ، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقه " .ورواه النسائي من حديث بقية ، وإسناده صحيح ولله الحمد .وعن عبد الله بن عمرو أنه قال لقهرمان له : هل أعطيت الرقيق قوتهم ؟ قال : لا . قال : فانطلق فأعطهم ; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم " رواه مسلم .وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " للمملوك طعامه وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق " . رواه مسلم أيضا .وعنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه ، فإن لم يجلسه معه ، فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين ، فإنه ولي حره وعلاجه " .أخرجاه ولفظه للبخاري ولمسلم فليقعده معه فليأكل ، فإن كان الطعام مشفوها قليلا فليضع في يده أكلة أو أكلتين " .وعن أبي ذر ، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هم إخوانكم خولكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم ، فأعينوهم " . أخرجاه .وقوله : ( إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) أي : مختالا في نفسه ، معجبا متكبرا ، فخورا على الناس ، يرى أنه خير منهم ، فهو في نفسه كبير ، وهو عند الله حقير ، وعند الناس بغيض .قال مجاهد في قوله : ( إن الله لا يحب من كان مختالا ) يعني : متكبرا ( فخورا ) يعني : يعد ما أعطي ، وهو لا يشكر الله ، عز وجل . يعني : يفخر على الناس بما أعطاه الله من نعمه ، وهو قليل الشكر لله على ذلك .وقال ابن جرير : حدثني القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا محمد بن كثير ، عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهروي قال : لا تجد سيئ الملكة إلا وجدته مختالا فخورا - وتلا ( وما ملكت أيمانكم [ إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ] ) ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيا - وتلا ( وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ) [ مريم : 32 ] .وروى ابن أبي حاتم ، عن العوام بن حوشب ، مثله في المختال الفخور . وقال :حدثنا أبي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا الأسود بن شيبان ، حدثنا يزيد بن عبد الله بن الشخير قال : قال مطرف : كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه ، فلقيته فقلت : يا أبا ذر ، بلغني أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثكم : " إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة " ؟ قال : أجل ، فلا إخالني أكذب على خليلي ، ثلاثا . قلت : من الثلاثة الذين يبغض الله ؟ قال : المختال الفخور ، أوليس تجدونه عندكم في كتاب الله المنزل ؟ ثم قرأ الآية : ( إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) [ النساء : 36 ] .وحدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب عن خالد ، عن أبي تميمة عن رجل من بلهجيم قال : قلت يا رسول الله ، أوصني . قال : " إياك وإسبال الإزار ، فإن إسبال الإزار من المخيلة ، وإن الله لا يحب المخيلة " .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورافيه ثمان عشرة مسألة :الأولى : أجمع العلماء على أن هذه الآية من المحكم المتفق عليه ، ليس منها شيء منسوخ .
وكذلك هي في جميع الكتب .
ولو لم يكن كذلك لعرف ذلك من جهة العقل ، وإن لم ينزل به الكتاب .
وقد مضى معنى العبودية وهي التذلل والافتقار ، لمن له الحكم والاختيار ؛ فأمر الله تعالى عباده بالتذلل له والإخلاص فيه ، فالآية أصل في خلوص الأعمال لله تعالى وتصفيتها من شوائب الرياء وغيره ؛ قال الله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا حتى لقد قال بعض علمائنا : إنه من تطهر تبردا أو صام محما لمعدته ونوى مع ذلك التقرب لم يجزه ؛ لأنه مزج في نية التقرب نية دنياوية وليس لله إلا العمل الخالص ؛ كما قال تعالى : ألا لله الدين الخالص .
وقال تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين .
وكذلك إذا أحس الرجل بداخل في الركوع وهو إمام لم ينتظره ؛ لأنه يخرج ركوعه بانتظاره عن كونه خالصا لله تعالى .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تبارك وتعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه .
وروى الدارقطني عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجاء يوم القيامة بصحف مختمة فتنصب بين يدي الله تعالى فيقول الله تعالى للملائكة : ألقوا هذا واقبلوا هذا فتقول الملائكة : وعزتك ما رأينا إلا خيرا فيقول الله عز وجل - وهو أعلم - : إن هذا كان لغيري ولا أقبل اليوم من العمل إلا ما كان ابتغي به وجهي .
وروي أيضا عن الضحاك بن قيس الفهري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى يقول : أنا خير شريك فمن أشرك معي شريكا فهو لشريكي ، يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم لله تعالى فإن الله لا يقبل إلا ما خلص له ولا تقولوا هذا لله وللرحم فإنها للرحم وليس لله منها شيء ولا تقولوا هذا لله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس لله تعالى منها شيء .
مسألة : إذا ثبت هذا فاعلم أن علماءنا رضي الله عنهم قالوا : الشرك على ثلاث مراتب وكله محرم .
وأصله اعتقاد شريك لله في ألوهيته ، وهو الشرك الأعظم وهو شرك الجاهلية ، وهو المراد بقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .
ويليه في الرتبة اعتقاد شريك لله تعالى في الفعل ، وهو قول من قال : إن موجودا ما غير الله تعالى يستقل بإحداث فعل وإيجاده وإن لم يعتقد كونه إلها كالقدرية مجوس هذه الأمة ، وقد تبرأ منهم ابن عمر كما في حديث جبريل عليه السلام .
ويلي هذه الرتبة الإشراك في العبادة وهو الرياء ؛ وهو أن يفعل شيئا من العبادات التي أمر الله بفعلها له لغيره .
وهذا هو الذي سيقت الآيات والأحاديث لبيان تحريمه ، وهو مبطل للأعمال وهو خفي لا يعرفه كل جاهل غبي .
ورضي الله عن المحاسبي فقد أوضحه في كتابه " الرعاية " وبين إفساده للأعمال .
وفي سنن ابن ماجه عن أبي سعيد بن أبي فضالة الأنصاري وكان من الصحابة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله لله عز وجل أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك .
وفيه عن أبي سعيد الخدري قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال : ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قال : فقلنا بلى يا رسول الله ؛ فقال : الشرك الخفي أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل .
وفيه عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أخوف ما أتخوف على أمتي الإشراك بالله أما إني لست أقول يعبدون شمسا ولا قمرا ولا وثنا ولكن أعمالا لغير الله وشهوة خفية خرجه الترمذي الحكيم .
وسيأتي في آخر الكهف ، وفيه بيان الشهوة الخفية .
وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهوة الخفية فقال : هو الرجل يتعلم العلم يحب أن يجلس إليه .
قال سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه : الرياء على ثلاثة وجوه ؛ أحدها : أن يعقد في أصل فعله لغير الله ويريد به أن يعرف أنه لله ، فهذا صنف من النفاق وتشكك في الإيمان .
والآخر : يدخل في الشيء لله فإذا اطلع عليه غير الله نشط ، فهذا إذا تاب يزيد أن يعيد جميع ما عمل .
والثالث : دخل في العمل بالإخلاص وخرج به لله فعرف بذلك ومدح عليه وسكن إلى مدحهم ؛ فهذا الرياء الذي نهى الله عنه .
قال سهل : قال لقمان لابنه : الرياء أن تطلب ثواب عملك في دار الدنيا ، وإنما عمل القوم للآخرة .
قيل له : فما دواء الرياء ؟ قال كتمان العمل ، قيل له : فكيف يكتم العمل ؟ قال : ما كلفت إظهاره من العمل فلا تدخل فيه إلا بالإخلاص ، وما لم تكلف إظهاره أحب ألا يطلع عليه إلا الله .
قال : وكل عمل اطلع عليه الخلق فلا تعده من العمل .
وقال أيوب السختياني : ما هو بعاقل من أحب أن يعرف مكانه من عمله .
قلت : قول سهل " والثالث دخل في العمل بالإخلاص " إلى آخره ، إن كان سكونه وسروره إليهم لتحصل منزلته في قلوبهم فيحمدوه ويجلوه ويبروه وينال ما يريده منهم من مال أو غيره فهذا مذموم ؛ لأن قلبه مغمور فرحا باطلاعهم عليه ، وإن كانوا قد اطلعوا عليه بعد الفراغ .
فأما من أطلع الله عليه خلقه وهو لا يحب اطلاعهم عليه فيسر بصنع الله وبفضله عليه فسروره بفضل الله طاعة ؛ كما قال تعالى : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون .
وبسط هذا وتتميمه في كتاب " الرعاية للمحاسبي " ، فمن أراده فليقف عليه هناك .
وقد سئل سهل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أني أسر العمل فيطلع عليه فيعجبني قال : يعجبه من جهة الشكر لله الذي أظهره الله عليه أو نحو هذا .
فهذه جملة كافية في الرياء وخلوص الأعمال .
وقد مضى في " البقرة " .
حقيقة الإخلاص .
والحمد لله .
الثانية : قوله تعالى : وبالوالدين إحسانا قد تقدم في صدر هذه السورة أن من الإحسان إليهما عتقهما ، ويأتي في " سبحان " حكم برهما معنى مستوفى .
وقرأ ابن أبي عبلة " إحسان " بالرفع أي واجب الإحسان إليهما .
الباقون بالنصب ، على معنى أحسنوا إليهما إحسانا .
قال العلماء : فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان والتزام البر والطاعة له والإذعان من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره وهما الوالدان ؛ فقال تعالى : أن اشكر لي ولوالديك .
وروى شعبة وهشيم الواسطيان عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رضا الرب في رضا الوالدين وسخطه في سخط الوالدين .
الثالثة : قوله تعالى : وبذي القربى واليتامى والمساكين وقد مضى الكلام فيه في البقرةالرابعة : قوله تعالى : والجار ذي القربى والجار الجنب أما الجار فقد أمر الله تعالى بحفظه والقيام بحقه والوصاة برعي ذمته في كتابه وعلى لسان نبيه .
ألا تراه سبحانه أكد ذكره بعد الوالدين والأقربين فقال تعالى : والجار ذي القربى أي القريب .
والجار الجنب أي الغريب ؛ قاله ابن عباس ، وكذلك هو في اللغة .
ومنه فلان أجنبي ، وكذلك الجنابة البعد .
وأنشد أهل اللغة :فلا تحرمني نائلا عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريبوقال الأعشى :أتيت حريثا زائرا عن جنابة فكان حريث عن عطائي جامداوقرأ الأعمش والمفضل " والجار الجنب " بفتح الجيم وسكون النون وهما لغتان ؛ يقال : جنب وجنب وأجنب وأجنبي إذا لم يكن بينهما قرابة ، وجمعه أجانب .
وقيل : على تقدير حذف المضاف ، أي والجار ذي الجنب أي ذي الناحية .
وقال نوف الشامي : الجار ذي القربى المسلم والجار الجنب اليهودي والنصراني .
قلت : وعلى هذا فالوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلما كان أو كافرا ، وهو الصحيح .
والإحسان قد يكون بمعنى المواساة ، وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الأذى والمحاماة دونه .
روى البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه .
وروي عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن ) قيل : يا رسول الله ومن ؟ قال : ( الذي لا يأمن جاره بوائقه وهذا عام في كل جار .
وقد أكد عليه السلام ترك إذايته بقسمه ثلاث مرات ، وأنه لا يؤمن الإيمان الكامل من آذى جاره .
فينبغي للمؤمن أن يحذر أذى جاره ، وينتهي عما نهى الله ورسوله عنه ، ويرغب فيما رضياه وحضا العباد عليه .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الجيران ثلاثة فجار له ثلاثة حقوق وجار له حقان وجار له حق واحد فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق فالجار المسلم القريب له حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام والجار الذي له حقان فهو الجار المسلم فله حق الإسلام وحق الجوار والجار الذي له حق واحد هو الكافر له حق الجوار .
الخامسة : روى البخاري عن عائشة قالت : قلت يا رسول الله ، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ، قال : إلى أقربهما منك بابا .
فذهب جماعة من العلماء إلى أن هذا الحديث يفسر المراد من قوله تعالى : والجار ذي القربى وأنه القريب المسكن منك .
والجار الجنب هو البعيد المسكن منك .
واحتجوا بهذا على إيجاب الشفعة للجار ، وعضدوه وبقوله عليه السلام : الجار أحق بصقبه .
ولا حجة في ذلك ، فإن عائشة رضي الله عنها إنما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عمن تبدأ به من جيرانها في الهدية فأخبرها أن من قرب بابه فإنه أولى بها من غيره .
قال ابن المنذر : فدل هذا الحديث على أن الجار يقع على غير اللصيق .
وقد خرج أبو حنيفة عن ظاهر هذا الحديث فقال : إن الجار اللصيق إذا ترك الشفعة وطلبها الذي يليه وليس له جدار إلى الدار ولا طريق لا شفعة فيه له .
وعوام العلماء يقولون : إن أوصى الرجل لجيرانه أعطي اللصيق وغيره ؛ إلا أبا حنيفة فإنه فارق عوام العلماء وقال : لا يعطى إلا اللصيق وحده .
السادسة : واختلف الناس في حد الجيرة ؛ فكان الأوزاعي يقول : أربعون دارا من كل ناحية ؛ وقاله ابن شهاب .
وروي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نزلت محلة قوم وإن أقربهم إلي جوارا أشدهم لي أذى ؛ فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا يصيحون على أبواب المساجد : ألا إن أربعين دارا جار ولا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه .
وقال علي بن أبي طالب : من سمع النداء فهو جار .
وقالت فرقة : من سمع إقامة الصلاة فهو جار ذلك المسجد .
وقالت فرقة : من ساكن رجلا في محلة أو مدينة فهو جار .
قال الله تعالى : لئن لم ينته المنافقون إلى قوله : ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا فجعل تعالى اجتماعهم في المدينة جوارا .
والجيرة مراتب بعضها ألصق من بعض ، أدناها الزوجة ؛ كما قال :أيا جارتا بيني فإنك طالقهالسابعة : ومن إكرام الجار ما رواه مسلم عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك .
فحض عليه السلام على مكارم الأخلاق ؛ لما رتب عليها من المحبة وحسن العشرة ودفع الحاجة والمفسدة ؛ فإن الجار قد يتأذى بقتار قدر جاره ، وربما تكون له ذرية فتهيج من ضعفائهم الشهوة ، ويعظم على القائم عليهم الألم والكلفة ، لا سيما إن كان القائم ضعيفا أو أرملة فتعظم المشقة ويشتد منهم الألم والحسرة .
وهذه كانت عقوبة يعقوب في فراق يوسف عليهما السلام فيما قيل .
وكل هذا يندفع بتشريكهم في شيء من الطبيخ يدفع إليهم ، ولهذا المعنى حض عليه السلام الجار القريب بالهدية ؛ لأنه ينظر إلى ما يدخل دار جاره وما يخرج منها ، فإذا رأى ذلك أحب أن يشارك فيه ؛ وأيضا فإنه أسرع إجابة لجاره عندما ينوبه من حاجة في أوقات الغفلة والغرة ؛ فلذلك بدأ به على من بعد بابه وإن كانت داره أقرب .
والله أعلم .
الثامنة : قال العلماء : لما قال عليه السلام فأكثر ماءها نبه بذلك على تيسير الأمر على البخيل تنبيها لطيفا ، وجعل الزيادة فيما ليس له ثمن وهو الماء ؛ ولذلك لم يقل : إذا طبخت مرقة فأكثر لحمها ؛ إذ لا يسهل ذلك على كل أحد .
ولقد أحسن القائل :قدري وقدر الجار واحدة وإليه قبلي ترفع القدرولا يهدي النزر اليسير المحتقر ؛ لقوله عليه السلام : ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف أي بشيء يهدى عرفا ؛ فإن القليل وإن كان مما يهدى فقد لا يقع ذلك الموقع ، فلو لم يتيسر إلا القليل فليهده ولا يحتقر ، وعلى المهدى إليه قبوله ؛ لقوله عليه السلام :يا نساء المؤمنات لا تحتقرن إحداكن لجارتها ولو كراع شاة محرقا أخرجه مالك في موطئه .
وكذا قيدناه ( يا نساء المؤمنات ) بالرفع على غير الإضافة ، والتقدير : يا أيها النساء المؤمنات ؛ كما تقول يا رجال الكرام ؛ فالمنادى محذوف وهو يا أيها ، والنساء في التقدير النعت لأيها ، والمؤمنات نعت للنساء .
قد قيل : فيه : يا نساء المؤمنات بالإضافة ، والأول أكثر .
التاسعة : من إكرام الجار ألا يمنع من غرز خشبة له إرفاقا به ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره .
ثم يقول أبو هريرة : ما لي أراكم عنها معرضين ، والله لأرمين بها بين أكنافكم .
روي " خشبه وخشبة " على الجمع والإفراد .
وروي " أكتافهم " بالتاء و " أكنافهم " بالنون .
ومعنى " لأرمين بها " أي بالكلمة والقصة .
وهل يقضى بهذا على الوجوب أو الندب ؟ فيه خلاف بين العلماء .
فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أن معناه الندب إلى بر الجار والتجاوز له والإحسان إليه ، وليس ذلك على الوجوب ؛ بدليل قوله عليه السلام : لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه .
قالوا : ومعنى قوله ( لا يمنع أحدكم جاره ) هو مثل معنى قوله عليه السلام : إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها .
وهذا معناه عند الجميع الندب ، على ما يراه الرجل من الصلاح والخير في ذلك .
وقال الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود بن علي وجماعة أهل الحديث : إلى أن ذلك على الوجوب .
قالوا : ولولا أن أبا هريرة فهم فيما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم معنى الوجوب ما كان ليوجب عليهم غير واجب .
وهو مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ فإنه قضى على محمد بن مسلمة للضحاك بن خليفة في الخليج أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة ، فقال محمد بن مسلمة : لا والله .
فقال عمر : والله ليمرن به ولو على بطنك .
فأمره عمر أن يمر به ففعل الضحاك ؛ رواه مالك في الموطأ .
وزعم الشافعي في كتاب " الرد " أن مالكا لم يرو عن أحد من الصحابة خلاف عمر في هذا الباب ؛ وأنكر على مالك أنه رواه وأدخله في كتابه ولم يأخذ به ورده برأيه .
قال أبو عمر : ليس كما زعم الشافعي ؛ لأن محمد بن مسلمة كان رأيه في ذلك خلاف رأي عمر ، ورأي الأنصار أيضا كان خلافا لرأي عمر ، وعبد الرحمن بن عوف في قصة الربيع وتحويله - والربيع الساقية - وإذا اختلفت الصحابة وجب الرجوع إلى النظر ، والنظر يدل على أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم بعضهم على بعض حرام إلا ما تطيب به النفس خاصة ؛ فهذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ويدل على الخلاف في ذلك قول أبي هريرة : ما لي أراكم عنها معرضين والله لأرمينكم بها ؛ هذا أو نحوه .
أجاب الأولون فقالوا : القضاء بالمرفق خارج بالسنة عن معنى قوله عليه السلام : لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه لأن هذا معناه التمليك والاستهلاك وليس المرفق من ذلك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فرق بينهما في الحكم .
فغير واجب أن يجمع بين ما فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وحكى مالك أنه كان بالمدينة قاض يقضي به يسمى أبو المطلب .
واحتجوا من الأثر بحديث الأعمش عن أنس قال : استشهد منا غلام يوم أحد فجعلت أمه تمسح التراب عن وجهه وتقول : أبشر هنيئا لك الجنة ؛ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره .
والأعمش لا يصح له سماع من أنس ، والله أعلم .
قاله أبو عمر .
العاشرة : ورد حديث جمع النبي صلى الله عليه وسلم فيه مرافق الجار ، وهو حديث معاذ بن جبل قال : قلنا يا رسول الله ، ما حق الجار ؟ قال : إن استقرضك أقرضته وإن استعانك أعنته وإن احتاج أعطيته وإن مرض عدته وإن مات تبعت جنازته وإن أصابه خير سرك وهنيته وإن أصابته مصيبة ساءتك وعزيته ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها ولا تستطل عليه بالبناء لتشرف عليه وتسد عليه الريح إلا بإذنه وإن اشتريت فاكهة فأهد له منها وإلا فأدخلها سرا لا يخرج ولدك بشيء منه يغيظون به ولده وهل تفقهون ما أقول لكم لن يؤدي حق الجار إلا القليل ممن رحم الله أو كلمة نحوها .
هذا حديث جامع وهو حديث حسن ، في إسناده أبو الفضل عثمان بن مطر الشيباني غير مرضي .
الحادية عشرة : قال العلماء : الأحاديث في إكرام الجار جاءت مطلقة غير مقيدة حتى الكافر كما بينا .
وفي الخبر قالوا : يا رسول الله أنطعمهم من لحوم النسك ؟ قال : لا تطعموا المشركين من نسك المسلمين .
ونهيه صلى الله عليه وسلم عن إطعام المشركين من نسك المسلمين يحتمل النسك الواجب في الذمة الذي لا يجوز للناسك أن يأكل منه ولا أن يطعمه الأغنياء ؛ فأما غير الواجب الذي يجزيه إطعام الأغنياء فجائز أن يطعمه أهل الذمة .
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة عند تفريق لحم الأضحية : ابدئي بجارنا اليهودي .
وروي أن شاة ذبحت في أهل عبد الله بن عمرو فلما جاء قال : أهديتم لجارنا اليهودي ؟ - ثلاث مرات - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه .
الثانية عشرة : قوله تعالى : والصاحب بالجنب أي الرفيق في السفر .
وأسند الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم غيضة ، فقطع قضيبين أحدهما معوج ، فخرج وأعطى لصاحبه القويم ؛ فقال : كنت يا رسول الله أحق بهذا ! فقال : يا فلان إن كل صاحب يصحب آخر فإنه مسئول عن صحابته ولو ساعة من نهار .
وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن : للسفر مروءة وللحضر مروءة ؛ فأما المروءة في السفر فبذل الزاد ، وقلة الخلاف على الأصحاب ، وكثرة المزاح في غير مساخط الله .
وأما المروءة في الحضر فالإدمان إلى المساجد ، وتلاوة القرآن وكثرة الإخوان في الله عز وجل .
ولبعض بني أسد - وقيل إنها لحاتم الطائي :إذا ما رفيقي لم يكن خلف ناقتي له مركب فضلا فلا حملت رجليولم يك من زادي له شطر مزودي فلا كنت ذا زاد ولا كنت ذا فضلشريكان فيما نحن فيه وقد أرى علي له فضلا بما نال من فضليوقال علي وابن مسعود وابن أبي ليلى : الصاحب بالجنب الزوجة .
ابن جريج : هو الذي يصحبك ويلزمك رجاء نفعك .
والأول أصح ؛ وهو قول ابن عباس وابن جبير وعكرمة ومجاهد والضحاك .
وقد تتناول الآية الجميع بالعموم .
والله أعلم .
الثالثة عشرة : قوله تعالى : وابن السبيل قال مجاهد : هو الذي يجتاز بك مارا .
والسبيل الطريق ؛ فنسب المسافر إليه لمروره عليه ولزومه إياه .
ومن الإحسان إليه إعطاؤه وإرفاقه وهدايته ورشده .
الرابعة عشرة : قوله تعالى : وما ملكت أيمانكم أمر الله تعالى بالإحسان إلى المماليك ، وبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فروى مسلم وغيره عن المعرور بن سويد قال : مررنا بأبي ذر بالربذة وعليه برد وعلى غلامه مثله ، فقلنا : يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة ؛ فقال : إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام ، وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه ، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية قلت : يا رسول الله ، من سب الرجال سبوا أباه وأمه .
قال : يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم .
وروي عن أبي هريرة أنه ركب بغلة ذات يوم فأردف غلامه خلفه ، فقال له قائل : لو أنزلته يسعى خلف دابتك ؛ فقال أبو هريرة : لأن يسعى معي ضغثان من نار يحرقان مني ما أحرقا أحب إلي من أن يسعى غلامي خلفي .
وخرج أبو داود عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لايمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون واكسوه مما تكتسون ومن لا يلايمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله .
لايمكم وافقكم .
والملايمة الموافقة .
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق وقال عليه السلام : لا يقل أحدكم عبدي وأمتي بل ليقل فتاي وفتاتي وسيأتي بيانه في سورة يوسف عليه السلام .
فندب صلى الله عليه وسلم السادة إلى مكارم الأخلاق وحضهم عليها وأرشدهم إلى الإحسان وإلى سلوك طريق التواضع حتى لا يروا لأنفسهم مزية على عبيدهم ، إذ الكل عبيد الله والمال مال الله ، لكن سخر بعضهم لبعض ، وملك بعضهم بعضا إتماما للنعمة وتنفيذا للحكمة ؛ فإن أطعموهم أقل مما يأكلون ، وألبسوهم أقل مما يلبسون صفة ومقدارا جاز إذا قام بواجبه عليه .
ولا خلاف في ذلك والله أعلم .
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو إذ جاءه قهرمان له فدخل فقال : أعطيت الرقيق قوتهم ؟ قال لا .
قال : فانطلق فأعطهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم .
الخامسة عشرة : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من ضرب عبده حدا لم يأته أو لطمه فكفارته أن يعتقه .
ومعناه أن يضربه قدر الحد ولم يكن عليه حد .
وجاء عن نفر من الصحابة أنهم اقتصوا للخادم من الولد في الضرب وأعتقوا الخادم لما لم يرد القصاص وقال عليه السلام : من قذف مملوكه بالزنى أقام عليه الحد يوم القيامة ثمانين .
وقال عليه السلام : لا يدخل الجنة سيئ الملكة .
وقال عليه السلام : سوء الخلق شؤم وحسن الملكة نماء وصلة الرحم تزيد في العمر والصدقة تدفع ميتة السوء .
السادسة عشرة : واختلف العلماء من هذا الباب أيهما أفضل الحر أو العبد ؛ فروى مسلم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : للعبد المملوك المصلح أجران والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك .
وروي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين .
فاستدل بهذا وما كان مثله من فضل العبد ؛ لأنه مخاطب من جهتين : مطالب بعبادة الله ، مطالب بخدمة سيده .
وإلى هذا ذهب أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري وأبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد العامري البغدادي الحافظ .
استدل من فضل الحر بأن قال : الاستقلال بأمور الدين والدنيا إنما يحصل بالأحرار والعبد كالمفقود لعدم استقلاله ، وكالآلة المصرفة بالقهر ، وكالبهيمة المسخرة بالجبر ؛ ولذلك سلب مناصب الشهادات ومعظم الولايات ، ونقصت حدوده عن حدود الأحرار إشعارا بخسة المقدار ، والحر وإن طولب من جهة واحدة فوظائفه فيها أكثر ، وعناؤه أعظم فثوابه أكثر .
وقد أشار إلى هذا أبو هريرة بقوله : لولا الجهاد والحج ؛ أي لولا النقص الذي يلحق العبد لفوت هذه الأمور .
والله أعلم .
السابعة عشرة : روى أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ، وما زال يوصيني بالنساء حتى ظننت أنه سيحرم طلاقهن ، وما زال يوصيني بالمماليك حتى ظننت أنه سيجعل لهم مدة إذا انتهوا إليها عتقوا ، وما زال يوصيني بالسواك حتى خشيت أن يحفي فمي - وروي حتى كاد - وما زال يوصيني بقيام الليل حتى ظننت أن خيار أمتي لا ينامون ليلا .
ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسيره .
الثامنة عشرة : قوله تعالى : إن الله لا يحب - أي لا يرضى - من كان مختالا فخورا .
فنفى سبحانه محبته ورضاه عمن هذه صفته ؛ أي لا يظهر عليه آثار نعمه في الآخرة .
وفي هذا ضرب من التوعد .
والمختال ذو الخيلاء أي الكبر .
والفخور : الذي يعدد مناقبه كبرا .
والفخر : البذخ والتطاول .
وخص هاتين الصفتين بالذكر هنا لأنهما تحملان صاحبيهما على الأنفة من القريب الفقير والجار الفقير وغيرهم ممن ذكر في الآية فيضيع أمر الله بالإحسان إليهم .
وقرأ عاصم فيما ذكر المفضل عنه " والجار الجنب " بفتح الجيم وسكون النون .
قال المهدوي : هو على تقدير حذف المضاف ؛ أي والجار ذي الجنب أي ذي الناحية .
وأنشد الأخفش :الناس جنب والأمير جنبوالجنب الناحية ، أي المتنحي عن القرابة .
والله أعلم .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله جل ذكره : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وذِلُّوا لله بالطاعة، واخضعوا له بها، وأفردوه بالربوبية، وأخلصوا له الخضوع والذلة، بالانتهاء إلى أمره، والانزجار عن نهيه، ولا تجعلوا له في الربوبية والعبادة شريكًا تعظمونه تعظيمكم إياه.
(98)=" وبالوالدين إحسانًا "، يقول: وأمركم بالوالدين إحسانًا = يعني برًّا بهما = ولذلك نصب " الإحسان "، لأنه أمر منه جل ثناؤه بلزوم الإحسان إلى الوالدين، على وجه الإغراء.
(99)* * *وقد قال بعضهم: معناه: " واستوصوا بالوالدين إحسانًا "، وهو قريب المعنى مما قلناه.
* * *وأما قوله: " وبذي القربى "، فإنه يعني: وأمرَ أيضًا بذي القربى = وهم ذوو قرابة أحدنا من قبل أبيه أو أمه، ممن قربت منه قرابته برحمه من أحد الطرفين (100) إحسانًا بصلة رحمه.
* * *وأما قوله: " واليتامى "، فإنهم جمع " يتيم "، وهو الطفل الذي قد مات والده وهلك.
(101)* * *=" والمساكين " وهو جمع " مسكين "، وهو الذي قد ركبه ذل الفاقة والحاجة، فتمسكن لذلك.
(102)* * *يقول تعالى ذكره: استوصوا بهؤلاء إحسانًا إليهم، وتعطفوا عليهم، والزموا وصيتي في الإحسان إليهم.
* * *القول في تأويل قوله : وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: والجار ذي القرابة والرحم منك.
*ذكر من قال ذلك:9437 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " والجار ذي القربى "، يعني: الذي بينك وبينه قرابة.
9438 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " والجار ذي القربى "، يعني: ذا الرَّحم.
9439 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: " والجار ذي القربى "، قال: جارك، هو ذو قرابتك.
9440 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد في قوله: " والجار ذي القربى "، قالا القرابة.
9441 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " والجار ذي القربى "، قال: جارك الذي بينك وبينه قرابة.
9442 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " والجار ذي القربى "، جارك ذو القرابة.
9443 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " والجار ذي القربى "، إذا كان له جار له رحم، فله حقَّان اثنان: حق القرابة، وحق الجار.
9444 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " والجار ذي القربى "، قال: الجار ذو القربى، ذو قرابتك.
* * *وقال آخرون: بل هو جارُ ذي قرابتك.
*ذكر من قال ذلك:9445 - حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن ميمون بن مهران في قوله: " والجار ذي القربى " قال: الرجل يتوسل إليك بجوار ذي قرابتك.
* * *قال أبو جعفر: وهذا القول قولٌ مخالفٌ المعروفَ من كلام العرب.
وذلك أن الموصوف بأنه " ذو القرابة " في قوله: " والجار ذي القربى "،" الجار " دون غيره.
فجعله قائل هذه المقالة جار ذي القرابة.
ولو كان معنى الكلام كما قال ميمون بن مهران لقيل: " وجار ذي القربى "، ولم يُقَل: " والجار ذي القربى ".
فكان يكون حينئذ = إذا أضيف " الجار " إلى " ذي القرابة " = الوصية ببرّ جار ذي القرابة، (103) دون الجار ذي القربى.
وأما و " الجار " بالألف واللام، فغير جائز أن يكوى " ذي القربى " إلا من صفة " الجار ".
وإذا كان ذلك كذلك، كانت الوصية من الله في قوله: " والجار ذي القربى " ببرّ الجار ذي القربى، (104) دون جار ذي القرابة.
وكان بينًا خطأ ما قال ميمون بن مهران في ذلك.
* * *وقال آخرون: معنى ذلك: والجار ذي القربى منكم بالإسلام.
*ذكر من قال ذلك:9446 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، حدثنا سفيان عن أبي إسحاق، عن نَوْف الشامي: " والجار ذي القربى "، المسلم.
(105)* * *قال أبو جعفر: وهذا أيضًا مما لا معنى له.
وذلك أن تأويل كتاب الله تبارك وتعالى، غير جائز صرفه إلا إلى الأغلب من كلام العرب الذين نزل بلسانهم القرآن، المعروفِ فيهم، (106) دون الأنكر الذي لا تتعارفه، إلا أن يقوم بخلاف ذلك حجة يجب التسليم لها.
وإذا كان ذلك كذلك = وكان معلومًا أن المتعارف من كلام العرب إذا قيل: " فلان ذو قرابة "، إنما يعني به: إنه قريب الرحم منه، دون القرب بالدين = كان صرفه إلى القرابة بالرحم، أولى من صرفه إلى القرب بالدين.
* * *القول في تأويل قوله : وَالْجَارِ الْجُنُبِقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: والجار البعيد الذي لا قرابة بينك وبينه.
*ذكر من قال ذلك:9447 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " والجار الجنب "، الذي ليس بينك وبينه قرابة.
9448 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " والجار الجنب "، يعني: الجار من قوم جنب.
9449 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " والجار الجنب "، الذي ليس بينهما قرابة، وهو جار، فله حق الجوار.
9450 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " والجار الجنب "، الجار الغريب يكون من القوم.
9451 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد: " والجار الجنب "، جارك من قوم آخرين.
9452 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " والجار الجنب "، جارك لا قرابة بينك وبينه، البعيد في النسب وهو جار.
9453 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد في قوله: " والجار الجنب "، قال: المجانب.
9454 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " والجار الجنب "، الذي ليس بينك وبينه رَحمٌ ولا قرابة.
(107)9455 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: " والجار الجنب "، قال: من قوم آخرين.
* * *وقال آخرون: هو الجار المشرك.
*ذكر من قال ذلك:9456 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف الشامي: " والجار الجنب "، قال: اليهوديّ والنصرانيّ.
(108)* * *قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: " معنى، الجنب، في هذا الموضع: الغريبُ البعيد، مسلمًا كان أو مشركًا، يهوديًا كان أو نصرانيًا "، لما بينا قبل من أن " الجار ذي القربى "، هو الجار ذو القرابة والرحم.
والواجب أن يكون " الجار ذو الجنابة "، الجار البعيد، ليكون ذلك وصية بجميع أصناف الجيران قريبهم وبعيدهم.
* * *وبعد، فإن " الجُنب "، في كلام العرب: البعيد، كما قال أعشى بني قيس:أَتَيْتُ حُرَيْثًا زَائِرًا عَنْ جَنَابَةٍفَكانَ حُرَيْثٌ فِي عَطَائِي جَامِدَا (109)يعني بقوله: " عن جنابة "، عن بعد وغُربة.
ومنه، قيل: " اجتنب فلان فلانًا "، إذا بعد منه =" وتجنّبه "، و " جنَّبه خيره "، إذا منعه إياه.
(110) ومنه قيل للجنب: " جُنُب "، لاعتزاله الصلاة حتى يغتسل.
فمعنى ذلك: والجار المجانب للقرابة.
* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك.
فقال بعضهم: هو رفيق الرجل في سَفره.
*ذكر من قال ذلك:9457 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " والصاحب بالجنب "، الرفيق.
9458 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان، عن أبي بكير قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: " والصاحب بالجنب "، الرفيق في السفر.
(111)9459 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " والصاحب بالجنب "، صاحبك في السفر.
9460 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " والصاحب بالجنب "، وهو الرفيق في السفر.
9461 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " والصاحب بالجنب "، الرفيق في السفر، منزله منزلك، وطعامه طعامك، ومسيره مسيرك.
9462 - حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد: " والصاحب بالجنب "، قالا الرفيق في السفر.
9463 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن جابر، عن عامر، عن علي وعبد الله قالا " الصاحب بالجنب "، الرفيق الصالح.
9464 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني سليم، عن مجاهد قال: " الصاحب بالجنب "، رفيقك في السفر، الذي يأتيك ويده مع يدك.
9465 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، قراءة على ابن جريج قال، أخبرنا سليم: أنه سمع مجاهدًا يقول: " والصاحب بالجنب "، فذكر مثله.
9466 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " والصاحب بالجنب "، الصاحب في السفر.
9467 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو دكين قال، حدثنا سفيان، عن أبي بكير، عن سعيد بن جبير،" والصاحب بالجنب "، الرفيق الصالح.
9468 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي بكير، عن سعيد بن جبير مثله.
9469 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " والصاحب بالجنب "، قال: الرفيق في السفر.
9470 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك مثله.
* * *وقال آخرون: بل هو امرأة الرجل التي تكون معه إلى جنبه.
*ذكر من قال ذلك:9471- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن عامر = أو القاسم = عن علي وعبد الله رضوان الله عليهما: " والصاحب بالجنب "، قالا هي المرأة.
(112)9472 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن بعض أصحابه، عن جابر، عن علي وعبد الله مثله.
9473 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " والصاحب بالجنب "، يعني: الذي معك في منزلك.
9474 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن هلال، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أنه قال في هذه الآية: " والصاحب بالجنب "، قال: هي المرأة.
9475 - حدثنا ابن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم: " والصاحب بالجنب "، قال: المرأة.
9476 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، قال الثوري، قال أبو الهيثم، عن إبراهيم: هي المرأة.
9477 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم مثله.
9478 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو معاوية، عن محمد بن سوقة، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم مثله.
9479 - حدثني عمرو بن بَيْذَق قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن محمد بن سوقة، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم مثله.
(113)* * *وقال آخرون: هو الذي يلزمك ويصحبك رَجاء نفعك.
*ذكر من قال ذلك:9480 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: " الصاحب بالجنب "، الملازم = وقال أيضًا: رفيقك الذي يرافقك.
9481 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: " والصاحب بالجنب "، الذي يلصق بك، وهو إلى جنبك، ويكون معك إلى جنبك رجاءَ خيرك ونفعك.
* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك عندي: أن معنى: " الصاحب بالجنب "، الصاحب إلى الجنب، كما يقال: " فلان بجَنب فلان، وإلى جنبه "، وهو من قولهم: " جَنَب فلانٌ فلانًا فهو يجنُبُه جَنْبًا "، إذا كان لجنبه.
(114) ومن ذلك: " جَنَب الخيل "، إذا قاد بعضها إلى جنب بعض.
وقد يدخل في هذا: الرفيقُ في السفر، والمرأة، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاءَ نفعه، لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريبٌ منه.
وقد أوصى الله تعالى بجميعهم، لوجوب حق الصاحب على المصحوب، وقد:-9482 - حدثنا سهل بن موسى الرازي قال، حدثنا ابن أبي فديك، عن فلان بن عبد الله، عن الثقة عنده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وسلم في غَيْضِة طرفاء، (115) فقطع قَصِيلين، أحدهما معوجٌّ، والآخر معتدل، (116) فخرج بهما، &; 8-345 &; فأعطى صاحبه المعتدل، وأخذ لنفسه المعوج، فقال الرجل: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أنت أحق بالمعتدل مني! فقال: " كلا يا فلان، إن كل صاحب يصحب صاحبًا، مسئول عن صحابته ولو ساعة من نهار.
(117)9483 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة قال، حدثني شرحبيل بن شريك، عن أبي عبد الرحمن الحُبُليّ، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن خير الأصحاب عند الله تبارك وتعالى، خيرهم لصاحبه.
وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره.
(118)* * *قال أبو جعفر: فإذ كان " الصاحب بالجنب "، محتملا معناه ما ذكرناه: (119) من أن يكون داخلا فيه كل من جَنَب رجلا بصحبةٍ في سفر، (120) أو نكاح، أو انقطاع إليه واتصال به = (121) ولم يكن الله جل ثناؤه خصّ بعضَهم مما احتمله ظاهر التنزيل &; 8-346 &; = (122) فالصواب أن يقال: جميعهم معنيّون بذلك، وكلهم قد أوصى الله بالإحسان إليه.
(123)* * *القول في تأويل قوله : وَابْنِ السَّبِيلِقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: " ابن السبيل "، هو المسافر الذي يجتاز مارًا.
*ذكر من قال ذلك:9484 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة = وابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وابن السبيل "، هو الذي يمر عليك وهو مسافر.
9484م - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وقتادة مثله.
9485 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " وابن السبيل "، قال: هو المارُّ عليك، وإن كان في الأصل غنيًّا.
* * *وقال آخرون: هو الضيف.
*ذكر من قال ذلك:9486 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " وابن السبيل "، قال: الضيف، له حق في السفر والحضر.
9487 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وابن السبيل "، وهو الضيف.
9488 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: " وابن السبيل "، قال: الضيف.
9489 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك مثله.
* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك: أن " ابن السبيل "، هو صاحب الطريق = و " السبيل ": هو الطريق، وابنه: صاحبه الضاربُ فيه (124) = فله الحق على من مرّ به محتاجًا منقطَعًا به، إذا كان سفره في غير معصية الله، أن يعينه إن احتاج إلى معونة، ويضيفه إن احتاج إلى ضيافة، وأن يحمله إن احتاج إلى حُمْلان.
(125)* * *القول في تأويل قوله : وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: والذين ملكتموهم من أرقائكم = فأضاف " الملك " إلى " اليمين "، كما يقال: " تكلم فوك "، و " مشَتْ رجلك "، و " بطشت يدك "، بمعنى: تكلمتَ، ومشيتَ، وبطشتَ.
غير أن ما وصف به كل عضو من ذلك، فإنما أضيف إليه ما وُصف به (126) لأنه بذلك يكون، في المتعارف في الناس، دون سائر جوارح الجسد.
فكان معلومًا = بوصف ذلك العضو بما وصف به من ذلك = المعنى المراد من الكلام.
فكذلك قوله: " وما ملكت أيمانكم "، لأن مماليك أحدنا تحت يديه، (127) إنما يَطعم ما تُناوله أيماننا، ويكتسي ما تكسوه، (128) وتصرِّفه فيما أحبَّ صرفه فيه بها.
فأضيف ملكهم إلى " الأيمان " لذلك.
* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:9490 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وما ملكت أيمانكم "، ممّا خوّلك الله.
كل هذا أوصى الله به.
* * *قال أبو جعفر: وإنما يعني مجاهد بقوله: " كل هذا أوصى الله به "، الوالدين، وذا القربى، واليتامى، والمساكين، والجار ذا القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل.
فأوصى ربنا جل جلاله بجميع هؤلاء عبادَه إحسانًا إليهم، وأمر خلقه بالمحافظة على وصيته فيهم.
فحقٌّ على عباده حفظ وصية الله فيهم، ثم حفظ وصية رسوله صلى الله عليه.
* * *القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا (36)قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " إن الله لا يحبّ من كان مختالا "، إن الله لا يحب من كان ذا خُيَلاء.
و " المختال: " المفتعل "، من قولك: " خال الرجل فهو يخول خَوْلا وخَالا "، (129) ومنه قول الشاعر: (130)فَإنْ كُنْتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَاوإنْ كُنْتَ لِلْخَالِ فَاذْهَبْ فَخُلْ (131)ومنه قول العجاج:وَالْخَالُ ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِ الْجُهَّالْ (132)وأما " الفخور "، فهو المفتخر على عباد الله بما أنعم الله عليه من آلائه، وبسط له من فضله، ولا يحمده على ما أتاه من طَوْله، ولكنه به مختال مستكبر، وعلى غيره به مُسْتطيل مفتخر.
كما:-9491 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " إن الله لا يحب من كان مختالا "، قال: متكبرًا، =" فخورا "، قال: يعدّ ما أُعطي، وهو لا يشكر الله.
9492 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن كثير، عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهرويّ قال: لا تجد سيِّئ الملِكة إلا وجدته مختالا فخورًا.
(133) وتلا " وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورًا " = ولا عاقًّا إلا وجدته جبارًا شقيًا.
وتلا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا [سورة مريم: 32]---------------------الهوامش :(98) انظر تفسير"عبد" فيما سلف 1: 160 ، 161 ، 362 / 3: 120 ، 317 / 6: 488.
(99) انظر تفسير"وبالوالدين إحسانًا" فيما سلف 2: 290-292.
(100) انظر تفسير"ذي القربى" فيما سلف 2: 292 / 3: 344.
(101) انظر تفسير"اليتامى" فيما سلف 2: 292 / 3: 345 / 4: 295 / 7: 524 ، 541.
(102) انظر تفسير"المساكين" فيما سلف 2: 137 ، 293 / 3: 345 / 4: 295 / 7: 116.
(103) في المخطوطة والمطبوعة: "الوصية بين جار ذي القرابة" ، وهو كلام لا معنى له ، وهو تصحيف وتحريف ، صوابه ما أثبت.
(104) في المخطوطة والمطبوعة هنا أيضًا: "بين الجار ذي القربى" ، وهو خطأ وتصحيف كما أسلفت.
(105) الأثر: 9446 -"نوف الشامي" ، هو: نوف بن فضالة الحميري البكالي ، مضت ترجمته برقم: 3965 ، وسيأتي في رقم: 9456.
(106) "المعروف" بالكسر ، صفة لقوله: "إلى الأغلب".
وفي المطبوعة: "المعروف وفيهم" ، وهو خطأ في الطباعة ولا شك.
(107) في المطبوعة: ".
.
.
وجه ولا قرابة" ، وهو لا معنى له ، والصواب من المخطوطة.
(108) الأثر: 9456 -"عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي" ، مضت ترجمته برقم: 5796 ، وهو يروي عن سفيان الثوري ، وعن شيبان بن عبد الرحمن التميمي.
وقد جاء في هذا الإسناد في المطبوعة"شيبان ، عن أبي إسحاق" ، وكذلك هو في المخطوطة ، ولكنه كتب"شيبان" كتابة سيئة ، كتابة شاك في قراءتها.
وقد سلف في الإسناد رقم: 9446 قريبًا"سفيان ، عن أبي إسحاق" واضحة جدًا في المخطوطة ، فرجحتها لذلك ، وأثبتها هنا.
وانظر التعليق على الأثر: 9446.
(109) ديوانه: 49 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 126 ، الكامل 2: 26 ، وسيأتي في التفسير 20: 26 (بولاق) من قصيدة هجا فيها الحارث بن وعلة بن مجالد بن زبان الرقاشي ، وكان جاء يسأله فقال له: "ولا كرامة!! ألست القائل:أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي حُرَيْثًامُغَلْغَلَةً? أَحَانَ أَمِ ادَّرَانَا?تهجوني وتصغرني ، ثم تسألني!! = فكان مما قال له بعد البيت السالف ، فأوجعه:لَعَمْرُكَ مَا أَشْبَهْتَ وَعْلَةَ فَي النَّدَىشَمَائِلَهُ، وَلا أَباهُ المُجَالِدَاإذَا زَارَهُ يَوْمًا صَدِيقٌ، كأنَّمايَرَى أُسُدًا فِي بَيْتِهِ وَأَسَاوِدَافي شعر كثير ، و"حريث" تصغير"الحارث" ، تصغير ترخيم ، وقياسه"حويرث".
ورجل"جامد الكف ، وجماد الكف": بخيل لا تلين صفاته.
وكان في المطبوعة هنا: "جاهدا" وهو خطأ ، وفي الموضع الآخر من التفسير: "جاحدا" وهو خطأ أيضًا.
وروى هنا: في عطائي" ، وروايته في التفسير 20: 26"عن عطائي" وهي المطابقة لرواية المراجع السالفة جميعًا ، ولا بأس بها.
(110) في المطبوعة: "وتجنبه خيره" ، أسقط: "وجنبه" بين الكلامين ، ففسد السياق ، والصواب من المخطوطة.
(111) الأثر: 9458 -"أبو بكير التيمي" ، مؤذن لتيم ، واسمه"مرزوق".
روى عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد.
وروى عنه ليث بن أبي سليم ، وإسرائيل ، وسفيان الثوري ، وشريك.
مترجم في التهذيب.
وكان في المطبوعة: "أبو بكر" وهو خطأ ، صوابه ما أثبت من المخطوطة.
وسيأتي على الصواب في رقم: 9467 ، 9468.
(112) قوله: "رضوان الله عليهما" ، زيادة من المخطوطة.
(113) الأثر: 9479 -"عمرو بن بيذق" (بالذال المعجمة) هكذا في المخطوطة ، شيخ الطبري ، لم أعرف له ترجمة ، وقد روى عنه في كتاب تاريخ الصحابة والتابعين ، الملحق بالتاريخ ص: 86 ، وكتبه هناك"عمرو بين بيدق" بالدال المهملة ، وكأن الأول أصح.
(114) هذا النص من تفسير اللغة ، قلما تجده في كتاب من كتب اللغة.
(115) "الغيضة" ، مكان يجتمع فيه الماء ويفيض ، فينبت فيه الشجر ويلتف ، والجمع"غياض".
و"الطرفاء" من شجر العضاء ، وهدبه مثل هدب الأثل ، وليس له خشب ، إنما يخرج عصيًا سمحة في السماء ، وقد تتحمض به الإبل ، إذا لم تجد حمضًا غيره.
(116) في المطبوعة: "فصيلين" بالفاء ، ولا معنى لها ، وفي المخطوطة: "فصيلين" غير منقوطة ، وفي الدر المنثور: "فصلين" وليس لها معنى.
و"القصيل" بالقاف: ما اقتصل (أي: اقتطع) من الزرع أخضر ، ومنه: "القصيل" وهو الذي تعلف به الدواب.
يقال: "قصل الدابة" ، أي: علفها القصيل.
(117) الأثر: 9482 -"سهل بن موسى الرازي" انظر ما كتبت عنه برقم: 4319 ، وقبله رقم: 180.
وأما "ابن أبي فديك" فهو: محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك ، مضت ترجمته برقم: 4319.
وهذا الأثر على إرساله ضعيف ، لجهالة من روى عنهم ابن أبي فديك.
ولم أجده إلا في الدر المنثور 2: 159 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.
(118) الأثر: 9483 - رواه أحمد في مسنده رقم: 6566 من طريق عبد الله بن يزيد ، عن حيوة وابن لهيعة ، بمثله ، والحاكم في المستدرك 4: 164 ، والترمذي: 3: 129 ، من طريق عبد الله بن المبارك ، كرواية الطبري.
قال أخي السيد أحمد: "إسناده صحيح".
و"أبو عبد الرحمن الحبلي" ، هو: عبد الله بن يزيد المعافري ، مضت ترجمته برقم: 6657.
(119) في المطبوعة: "وإن كان الصاحب بالجنب معناه ما ذكرناه" ، أسقط"محتملا" ، لأنها كتبت في المخطوطة"متصلا" مختلطة الكتابة ، فلم يحسن قراءتها فحذفها ، مع أن الكلام لا يستقيم إلا بها.
أما ما كان في المطبوعة والمخطوطة من قوله: "وإن كان" ، فهو خطأ محض لا تستقيم به الجملة ، صوابه ما أثبت: "فإذ كان".
(120) في المطبوعة: "يصحبه في سفر" ، وهو خطأ معرق يختل به سياق الكلام.
وهو في المخطوطة غير منقوط ، وصواب قراءته ما أثبت.
(121) قوله: "ولم يكن الله" معطوف على قوله: "فإذ كان الصاحب".
(122) قوله"فالصواب" ، جواب قوله: "فإذ كان الصاحب.
.
.
فالصواب أن يقال".
(123) في المطبوعة: "وبكلهم قد أوصى.
.
.
" ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، والصواب ما أثبت.
(124) انظر تفسير"ابن السبيل" فيما سلف 3: 345-347 / 4: 295 = وتفسير"السبيل" في 2: 497 ، وسائر فهارس اللغة.
(125) "الحملان" (بضم الحاء وسكون الميم): ما يحمل عليه من الدواب.
(126) في المطبوعة: "ما وصفت به" في الموضعين ، والصواب من المخطوطة.
(127) في المطبوعة: "يده" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(128) في المطبوعة: "ونكسي ما يكسوه" ، وهو خطأ صوابه من المخطوطة ، وأفعال هذه الجملة إلى آخرها غير منقوطة في المخطوطة ، فأساء ناشر المطبوعة وضع النقط عليها ، فاختل معناها ، فقد كان فيها: " .
.
.
نطعم .
.
.
ونكسي .
.
.
ونصرفه" ، والصواب ما أثبت.
(129) هذا أحد وجهي الكلام ، والآخر: "خال يخال خيلا وخالا" ، بالياء ، ورجحه بعضهم لأنه من"الخيلاء".
(130) هو أنس بن مساحق العبدي ، رجل من عبد القيس.
(131) حماسة أبي تمام 1: 133 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 127 ، واللسان (خيل).
وقبل البيت:أَلا أبْلِغَا خُلَّتِي رَاشِدًاقَدِيمًا، وصِنْوِي إذَا ما تَصِلْبِأَنَّ الدَّقِيقَ يَهِيجُ الْجَلِيلَوَأَنَّ الْعَزِيزَ لإذا سَاءَ ذَلْوَأَنَّ الْحَزَامَةَ أَنْ تَصْرِفُوالِحَيٍّ سِوَانَا صُدُورَ الأسَلْوتقول في البيت"فخل" بضم الخاء وبفتحها ، أي: اذهب فاختل ما شاءت لك الخيلاء.
(132) وَالدَّهْرُ فِيهِ غَفْلَةٌ لِلْغُفَّالْوَالْمَرْءُ يُبْلِيهِ بَلاء السِّرْبالْكَرُّ الَّليَالِي وَاخْتِلافُ الأحْوَالْوكان في المطبوعة: "ثياب الجمال" ، وهو تصحيف ، صوابه في المخطوطة.
(133) "الملكة" (بفتح الميم واللام) و(بكسر الميم وسكون اللام) ، وهو الذي يسيء إذا ملك شيئًا ، فتجبر وتغطرس ، وفي الحديث: "لا يدخل الجنة سيئ الملكة" ، وهو الذي يسيء إلى مماليكه أو إلى ما يقع تحت سلطانه.

﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ﴾

قراءة سورة النساء

المصدر : تفسير : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين