القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 4 سورة الممتحنة - قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم

سورة الممتحنة الآية رقم 4 : سبع تفاسير معتمدة

سورة قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم - عدد الآيات 13 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 4 من سورة الممتحنة عدة تفاسير - سورة الممتحنة : عدد الآيات 13 - - الصفحة 549 - الجزء 28.

سورة الممتحنة الآية رقم 4


﴿ قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ ﴾
[ الممتحنة: 4]

﴿ التفسير الميسر ﴾

قد كانت لكم-أيها المؤمنون- قدوة حسنة في إبراهيم عليه السلام والذين معه من المؤمنين، حين قالوا لقومهم الكافرين بالله: إنا بريئون منكم وممَّا تعبدون من دون الله من الآلهة والأنداد، كفرنا بكم، وأنكرنا ما أنتم عليه من الكفر، وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا ما دمتم على كفركم، حتى تؤمنوا بالله وحده، لكن لا يدخل في الاقتداء استغفار إبراهيم لأبيه؛ فإن ذلك إنما كان قبل أن يتبين لإبراهيم أن أباه عدو لله، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، ربنا عليك اعتمدنا، وإليك رجعنا بالتوبة، وإليك المرجع يوم القيامة.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

(قد كانت لكم أسوة) بكسر الهمزة وضمها في الموضعين، قدوة (حسنة في إبراهيم) أي به قولا وفعلا (والذين معه) من المؤمنين (إذ قالوا لقومهم إنا برءاء) جمع بريء كظريف (منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم) أنكرناكم (وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا) بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية واوا (حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك) مستثنى من أسوة، فليس لكم التأسي به في ذلك بأن تستغفروا للكفار وقوله (وما أملك لك من الله) أي من عذابه وثوابه (من شيء) كني به عن أنه لا يملك له غير الاستغفار فهو مبني عليه مستثنى من حيث ظاهره مما يتأسى فيه (قل فمن يملك لكم من الله شيئا) واستغفاره له قبل أن يتبين له أنه عدو لله كما ذكره في "" براءة "" (ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير) من مقول الخليل ومن معه أي قالوا:

﴿ تفسير السعدي ﴾

قد كان لكم يا معشر المؤمنين أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أي: قدوة صالحة وائتمام ينفعكم، فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ من المؤمنين، لأنكم قد أمرتم أن تتبعوا ملة إبراهيم حنيفا، إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي: إذ تبرأ إبراهيم عليه السلام ومن معه من المؤمنين، من قومهم المشركين ومما يعبدون من دون الله.
ثم صرحوا بعداوتهم غاية التصريح، فقالوا: كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا أي: ظهر وبان بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أي: البغض بالقلوب، وزوال مودتها، والعداوة بالأبدان، وليس لتلك العداوة والبغضاء وقت ولا حد، بل ذلك أَبَدًا ما دمتم مستمرين على كفركم حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ أي: فإذا آمنتم بالله وحده، زالت العداوة والبغضاء، وانقلبت مودة وولاية، فلكم أيها المؤمنون أسوة [حسنة] في إبراهيم ومن معه في القيام بالإيمان والتوحيد، والقيام بلوازم ذلك ومقتضياته، وفي كل شيء تعبدوا به لله وحده، إِلَّا في خصلة واحدة وهي قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ آزر المشرك، الكافر، المعاند، حين دعاه إلى الإيمان والتوحيد، فامتنع، فقال إبراهيم : لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ و الحال أني لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لكني أدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا، فليس لكم أن تقتدوا بإبراهيم في هذه الحالة التي دعا بها للمشرك، فليس لكم أن تدعوا للمشركين، وتقولوا: إنا في ذلك متبعون لملة إبراهيم، فإن الله ذكر عذر إبراهيم في ذلك بقوله: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إن إبراهيم لأواه حليم ولكم أسوة حسنة في إبراهيم ومن معه، حين دعوا الله وتوكلوا عليه وأنابوا إليه، واعترفوا بالعجز والتقصير، فقالوا: رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا أي: اعتمدنا عليك في جلب ما ينفعنا ودفع ما يضرنا، ووثقنا بك يا ربنا في ذلك.
وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا أي: رجعنا إلى طاعتك ومرضاتك وجميع ما يقرب إليك، فنحن في ذلك ساعون، وبفعل الخيرات مجتهدون، ونعلم أنا إليك نصير، فسنستعد للقدوم عليك، ونعمل ما يقربنا الزلفى إليك

﴿ تفسير البغوي ﴾

( قد كانت لكم أسوة ) قدوة ( حسنة في إبراهيم والذين معه ) من أهل الإيمان ( إذ قالوا لقومهم ) من المشركين ( إنا برآء منكم ) جمع بريء ( ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم ) جحدنا وأنكرنا دينكم ( وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ) يأمر حاطبا والمؤمنين بالاقتداء بإبراهيم عليه الصلاة والسلام والذين معه من المؤمنين في التبرؤ من المشركين ( إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ) يعني : لكم أسوة حسنة في إبراهيم وأموره إلا في استغفاره لأبيه المشرك فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان قد قال لأبيه : لأستغفرن لك ثم تبرأ منه - على ما ذكرناه في سورة التوبة - ( وما أملك لك من الله من شيء ) يقول إبراهيم لأبيه : ما أغني عنك ولا أدفع عنك عذاب الله إن عصيته وأشركت به ( ربنا عليك توكلنا ) يقوله إبراهيم ومن معه من المؤمنين ( وإليك أنبنا وإليك المصير ) .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

والأسوة كالقدوة، وهي اتباع الغير على الحالة التي يكون عليها، قال- تعالى-:لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
قال الآلوسى: قوله- تعالى-: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ تأكيد لأمر الإنكار عليهم، والتخطئة في موالاة الكفار، بقصة إبراهيم- عليه السلام- ومن معه، ليعلم أن الحب في الله- تعالى- والبغض فيه- سبحانه- من أوثق عرا الإيمان، فلا ينبغي أن يغفل عنها.
والأسوة- بضم الهمزة وكسرها- بمعنى الائتساء والاقتداء، وتطلق على الخصلة التي من حقها أن يؤتسى ويقتدى بها، وعلى نفس الشخص المؤتسى بهوالمعنى: قد كان لكم- أيها المؤمنون- أسوة حسنة، وخصلة حميدة، ومنقبة كريمة، في قصة أبيكم إبراهيم- عليه السلام-، وفي قصة الذين آمنوا معه.
وافتتح- سبحانه- الكلام بقوله: قَدْ كانَتْ لتأكيد الخبر، فإن هذا الأسلوب المشتمل على قد وفعل الكون، يفيد التأكيد بموجب الخبر، والتعريض بغفلة من يخالفه.
ووصف- سبحانه- الأسوة بالحسن، على سبيل المدح لها والتحريض على الاقتداء بصاحبها.
وعطف- سبحانه- على إبراهيم الذين آمنوا معه، ليتم التمثيل لحال المسلمين مع رسولهم صلى الله عليه وسلم أى: كونوا- أيها المؤمنون- متأسين ومقتدين برسولكم صلى الله عليه وسلم ومطيعين له، ومستجيبين لتوجيهاته، كما كان أتباع أبيكم إبراهيم كذلك.
ثم بين- سبحانه- ما يجب عليهم الاقتداء به من حال إبراهيم- عليه السلام- والمؤمنين معه، فقال: إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ، وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، كَفَرْنا بِكُمْ، وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً، حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وإِذْ ظرف زمان بمعنى وقت وحين، وهو بدل اشتمال من إبراهيم والذين معه.
أو خبر لكان.
وبُرَآؤُا جمع برىء.
يقال: برئ فلان من كذا يبرأ براء وبراءة.
إذا ابتعد عنه، لكراهته له.
أى: قد كان لكم- أيها المؤمنون- أسوة حسنة في إبراهيم- عليه السلام- وفي الذين آمنوا معه، وقت أن قالوا لقومهم الكافرين، بشجاعة وقوة: إنا برآء منكم، ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله- عز وجل- وإننا قد كفرنا بكم وبمعبوداتكم وَبَدا أى:وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغض على سبيل التأييد والاستمرار، ولن نتخلى عن ذلك معكم، حتى تؤمنوا بالله- تعالى- وحده، وتتركوا عبادتكم لغيره- تعالى-.
فأنت ترى أن إبراهيم- عليه السلام- والمؤمنين معه، قد أعلنوا بكل شجاعة وشدة، إيمانهم الكامل بالحق، وبراءتهم وكراهيتهم واحتقارهم، لكل من أشرك مع الله- تعالى- في العبادة آلهة أخرى.
وأنهم لم يكتفوا بالتغيير القلبي للمنكر، بل جاهروا بعداوتهم له، وبالتنزه عن اقترابهم منه.
وبتجافيهم عنه .
.
.
ولعل هذا هو أقصى ما كانوا يملكونه بالنسبة لتغيير هذا المنكر في ذلك الوقت.
وقد أخبرنا القرآن الكريم أن إبراهيم- عليه السلام- لم يكتف بذلك، بل حطم الأصنام التي كان يعبدها قومه وقال لهم: أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ.
قال صاحب الكشاف: أى: كان فيهم- أى: في إبراهيم ومن آمن معه- مذهب حسن مرضى، جدير بأن يؤتسى به، ويتبع أثره، وهو قولهم لكفار قومهم ما قالوا، حيث كاشفوهم بالعداوة، وقشروا لهم العصا، وأظهروا لهم البغضاء والمقت، وصرحوا بأن سبب عداوتهم وبغضائهم، ليس إلا كفرهم بالله.
وما دام هذا السبب قائما، كانت العداوة قائمة، حتى إن أزالوه وآمنوا بالله وحده،انقلبت العداوة موالاة، والبغضاء مودة، والمقت محبة- فأفصحوا عن محض الإخلاص.
.
.
وقوله- تعالى-: إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ، لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ.
.
كلام معترض بين الأقوال التي حكاها- سبحانه- عن إبراهيم- عليه السلام-.
والاستثناء يترجح أنه منقطع، لأن هذا القول من إبراهيم لأبيه، ليس من جنس الكلام السابق، الذي تبرأ فيه هو ومن معه مما عليه أقوامهم الكافرون.
والمعنى: اقتدوا- أيها المؤمنون- بأبيكم إبراهيم- عليه السلام- وبالذين آمنوا معه، في براءتهم من الشرك والمشركين.
.
ولكن لا تقتدوا به في استغفاره لأبيه الكافر، لأن استغفاره له كان عن موعدة وعدها إياه، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه.
قال الإمام الشوكانى ما ملخصه: قوله: إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ.
.
هو استثناء متصل من قوله: فِي إِبْراهِيمَ بتقدير مضاف.
.
أى: قد كانت لكم أسوة حسنة في مقالات إبراهيم، إلا في قوله لأبيه: لأستغفرن لك.
ويصح أن يكون استثناء متصلا من قوله: أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وصح ذلك لأن القول من جملة الأسوة، فكأنه قيل: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم في جميع أقواله وأفعاله، إلا في قوله لأبيه لأستغفرن لك.
أو هو استثناء منقطع، أى: اقتدوا بإبراهيم في كل أقواله وأحواله، لكن لا تقتدوا به في قوله لأبيه المشرك: لأستغفرن لك، بأن تستغفروا لآبائكم المشركين، لأن استغفار إبراهيم لأبيه المشرك كان عن موعدة وعدها إياه، أو أنه ظن أن أباه قد أسلم.
.
.
وقوله- سبحانه- وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ حكاية لبقية كلام إبراهيم لأبيه، وليس الاستثناء متوجها إليه، لأن هذه الجملة بيان لما تحلى به إبراهيم- عليه السلام- من آداب مع ربه- تعالى- حيث فوض الأمر إليه- سبحانه-.
أى: وعد إبراهيم أباه بالاستغفار له، أملا في هدايته، وقال له: يا أبت إنى لا أملك لك من أمر قبول الاستغفار شيئا، بل الأمر كله لله، إن شاء عذبك وإن شاء عفا عنك، والجملة الكريمة في محل نصب على الحال من فاعل لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ أى: لأستغفرن لك حالة كوني لا أملك من أمر المغفرة أو غيرها شيئا، وإنما الذي يملك ذلك هو الله- عز وجل-.
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك جانبا مما تضرع به إبراهيم- عليه السلام- إلى خالقه فقال: رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
أى: يا ربنا عليك وحدك فوضنا أمورنا، وإليك وحدك قبول توبتنا، وإليك لا إلى أحد سواك مرجعنا ومصيرنا.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

يقول تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين ، وعداوتهم ، ومجانبتهم ، والتبري منهم : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ) أي : وأتباعه الذين آمنوا معه ( إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ) أي : تبرأنا منكم ( ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم ) أي : بدينكم وطريقكم ( وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا ) يعني : وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم ، ما دمتم على كفركم فنحن أبدا نتبرأ منكم ونبغضكم ( حتى تؤمنوا بالله وحده ) أي : إلى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له ، وتخلعوا ما تعبدون معه من الأنداد والأوثان .وقوله : ( إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ) أي : لكم في إبراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون بها ، إلا في استغفار إبراهيم لأبيه ، فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه . وذلك أن بعض المؤمنين كانوا يدعون لآبائهم الذين ماتوا على الشرك ويستغفرون لهم ، ويقولون : إن إبراهيم كان يستغفر لأبيه ، فأنزل الله ، عز وجل : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ) [ التوبة : 113 ، 114 ] . وقال تعالى في هذه الآية الكريمة : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ) إلى قوله : ( إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ) أي : ليس لكم في ذلك أسوة ، أي : في الاستغفار للمشركين ، هكذا قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، ومقاتل ، والضحاك ، وغير واحد .ثم قال تعالى مخبرا عن قول إبراهيم والذين معه ، حين فارقوا قومهم وتبرءوا منهم ، فلجئوا إلى الله وتضرعوا إليه فقالوا : ( ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ) أي : توكلنا عليك في جميع الأمور ، وسلمنا أمورنا إليك ، وفوضناها إليك ( وإليك المصير ) أي : المعاد في الدار الآخرة .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصيرقوله تعالى : قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم لما نهى عز وجل عن موالاة الكفار ذكر قصة إبراهيم عليه السلام ، وأن من سيرته التبرؤ من الكفار ; أي فاقتدوا به وأتموا ; إلا في استغفاره لأبيه .
والإسوة والأسوة ما يتأسى به ، مثل القدوة والقدوة .
ويقال : هو إسوتك ; أي مثلك وأنت مثله .
وقرأ عاصم أسوة بضم الهمزة لغتان .
والذين معه يعني أصحاب إبراهيم من المؤمنين .
وقال ابن زيد : هم الأنبياءإذ قالوا لقومهم الكفار .
إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله أي الأصنام .
وبرآء جمع بريء ; مثل شريك وشركاء ، وظريف وظرفاء .
وقراءة العامة على وزن فعلاء .
وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق " براء " بكسر الباء على وزن فعال ; مثل قصير وقصار ، وطويل وطوال ، وظريف وظراف .
ويجوز ترك الهمزة حتى تقول : برا ; وتنون .
وقرئ " براء " على الوصف بالمصدر .
وقرئ " براء " على إبدال الضم من الكسر ; كرخال ورباب .
والآية نص في الأمر بالاقتداء بإبراهيم عليه السلام في فعله .
وذلك يصحح أن شرع من قبلنا شرع لنا فيما أخبر الله ورسوله .
" كفرنا بكم " أي بما آمنتم به من الأوثان .
وقيل : أي بأفعالكم وكذبناها وأنكرنا أن تكونوا على حق .
وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا أي هذا دأبنا معكم ما دمتم على كفركم .
حتى تؤمنوا بالله وحده فحينئذ تنقلب المعاداة موالاة .
إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك فلا تتأسوا به في الاستغفار فتستغفرون للمشركين ; فإنه كان عن موعدة منه له ; قاله قتادة ومجاهد وغيرهما .
وقيل : معنى الاستثناء أن إبراهيم هجر قومه وباعدهم إلا في الاستغفار لأبيه ، ثم بين عذره في سورة " التوبة " .
وفي هذا دلالة على تفضيل نبينا عليه الصلاة والسلام على سائر الأنبياء ; لأنا حين أمرنا بالاقتداء به أمرنا أمرا مطلقا في قوله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وحين أمرنا بالاقتداء بإبراهيم عليه السلام استثنى بعض أفعاله .
وقيل : هو استثناء منقطع ; أي لكن قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ، إنما جرى لأنه ظن أنه أسلم ، فلما بان له أنه لم يسلم تبرأ منه .
وعلى هذا يجوز الاستغفار لمن يظن أنه أسلم ; وأنتم لم تجدوا مثل هذا الظن ، فلم توالوهم .
وما أملك لك من الله من شيء هذا من قول إبراهيم عليه السلام لأبيه ; أي ما أدفع عنك من عذاب الله شيئا إن أشركت به .
" ربنا عليك توكلنا " هذا من دعاء إبراهيم عليه السلام وأصحابه .
وقيل : علم المؤمنين أن يقولوا هذا .
أي تبرءوا من الكفار وتوكلوا على الله وقولوا : ربنا عليك توكلنا ؛ أي اعتمدنا .
وإليك أنبنا ؛ أي رجعنا .
" وإليك المصير " لك الرجوع في الآخرة .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله تعالى : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قد كان لكم أيها المؤمنون أُسوة حسنة: يقول: قدوة حسنة في إبراهيم خليل الرحمن، تقتدون به، والذين معه من أنبياء الله.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله عزّ وجلّ: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) قال: الذين معه الأنبياء.
وقوله: ( إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) يقول: حين قالوا لقومهم الذين كفروا بالله، وعبدوا الطاغوت: أيها القوم إنا برآء منكم، ومن الذين تعبدون من دون الله من الآلهة والأنداد.
وقوله: ( كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن قيل أنبيائه لقومهم الكفرة: كفرنا بكم، أنكرنا ما كنتم عليه من الكفر بالله وجحدنا عبادتكم ما تعبدون من دون الله أن تكون حقًّا، وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا على كفركم بالله، وعبادتكم ما سواه، ولا صلح بيننا ولا هوادة، حتى تؤمنوا بالله وحده، يقول: حتى تصدّقوا بالله وحده، فتوحدوه، وتفردوه بالعبادة.
وقوله: ( إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) يقول تعالى ذكره: قد كانت لكم أُسوة حسنة في إبراهيم والذين معه في هذه الأمور التي ذكرناها من مباينة الكفار ومعاداتهم، وترك موالاتهم إلا في قول إبراهيم لأبيه ( لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ) فإنه لا أسوة لكم فيه في ذلك، لأن ذلك كان من إبراهيم لأبيه عن موعدة وعدها إياه قبل أن يتبين له أنه عدوّ الله؛ فلما تبين له أنه عدوّ لله تبرأ منه.
يقول تعالى ذكره: فكذلك أنتم أيها المؤمنون بالله، فتبرّءوا من أعداء الله من المشركين به ولا تتخذوا منهم أولياء حتى يؤمنوا بالله وحده ويتبرّءوا عن عبادة ما سواه وأظهروا لهم العداوة والبغضاء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ ) قال: نُهُوا أن يتأسَّوْا باستغفار إبراهيم لأبيه، فيستغفروا للمشركين.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي جعفر، عن مطرَّف الحارثي، عن مجاهد: ( أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ ) .
.
.
إلى قوله: ( لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ) يقول: في كلّ أمره أسوة، إلا الاستغفار لأبيه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ ) .
.
.
الآية، ائتسوا به في كلّ شيء، ما خلا قوله لأبيه: ( لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ) فلا تأتسوا بذلك منه، فإنها كانت عن موعدة وعدها إياه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ ) يقول: لا تأسوا بذلك فإنه كان عليه موعدًا، وتأسوا بأمره كله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عزّ وجلّ: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) .
.
.
إلى قوله: ( إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ) قال: يقول: ليس لكم في هذا أسوة.
ويعني بقوله: ( وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) يقول: وما أدفع عنك من الله من عقوبة، إن الله عاقبك على كفرك به، ولا أُغْنِي عنك منه شيئًا.
وقوله: ( رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا ) يقول جلّ ثناؤه مخبرًا عن قيل إبراهيم وأنبيائه صلوات الله عليهم: ( رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا ) يعني: وإليك رجعنا بالتوبة مما تكره إلى ما تحب وترضى ( وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) يقول: وإليك مصيرنا ومرجعنا يوم تبعثنا من قبورنا، وتحشرنا في القيامة إلى موقف العَرْض.

﴿ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ﴾

قراءة سورة الممتحنة

المصدر : تفسير : قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم