القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 48 سورة إبراهيم - يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا

سورة إبراهيم الآية رقم 48 : سبع تفاسير معتمدة

سورة يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا - عدد الآيات 52 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 48 من سورة إبراهيم عدة تفاسير - سورة إبراهيم : عدد الآيات 52 - - الصفحة 261 - الجزء 13.

سورة إبراهيم الآية رقم 48


﴿ يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ ﴾
[ إبراهيم: 48]

﴿ التفسير الميسر ﴾

وانتقام الله تعالى مِن أعدائه في يوم القيامة يوم تُبَدَّل هذه الأرض بأرض أخرى بيضاء نقيَّة كالفضة، وكذلك تُبَدَّل السموات بغيرها، وتخرج الخلائق من قبورها أحياء ظاهرين للقاء الله الواحد القهار، المتفرد بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله وقهره لكل شيء.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

اذكر (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) هو يوم القيامة فيحشر الناس على أرض بيضاء نقية كما في حديث الصحيحين وروى مسلم حديث: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أين الناس يومئذ قال: "" على الصراط "" (وبرزوا) خرجوا من القبور (لله الواحد القهار).

﴿ تفسير السعدي ﴾

أي: إذا أراد أن ينتقم من أحد، فإنه لا يفوته ولا يعجزه، وذلك في يوم القيامة، يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ تبدل غير السماوات، وهذا التبديل تبديل صفات، لا تبديل ذات، فإن الأرض يوم القيامة تسوى وتمد كمد الأديم ويلقى ما على ظهرها من جبل ومَعْلم، فتصير قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وتكون السماء كالمهل، من شدة أهوال ذلك اليوم ثم يطويها الله -تعالى- بيمينه.
وَبَرَزُوا أي: الخلائق من قبورهم إلى يوم بعثهم، ونشورهم في محل لا يخفى منهم على الله شيء، لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ أي: المتفرد بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله العظيمة، وقهره لكل العوالم فكلها تحت تصرفه وتدبيره، فلا يتحرك منها متحرك، ولا يسكن ساكن إلا بإذنه.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله عز وجل : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يوسف ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا خالد بن مخلد ، عن محمد بن جعفر بن أبي كثير ، حدثني أبو حازم بن دينار ، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث عن خالد - هو ابن يزيد ، - عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر ، نزلا لأهل الجنة " .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه في هذه الآية قال : تبدل الأرض بأرض كفضة بيضاء نقية لم يسفك فيها دم ولم تعمل فيها خطيئة .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : تبدل الأرض من فضة ، والسماء من ذهب .
وقال محمد بن كعب ، وسعيد بن جبير : تبدل الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه .
وقيل : معنى التبديل جعل السماوات جنانا وجعل الأرض نيرانا .
وقيل : تبديل الأرض تغييرها من هيئة إلى هيئة ، وهي تسيير جبالها ، وطم أنهارها ، وتسوية أوديتها ، وقطع أشجارها ، وجعلها قاعا صفصفا ، وتبديل السماوات : تغيير حالها بتكوير شمسها ، وخسوف قمرها وانتثار نجومها ، وكونها مرة كالدهان ، ومرة كالمهل .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا علي بن مسهر ، عن داود - وهو ابن أبي هند ، - عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل : " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات " فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله ؟ فقال : " على الصراط " .
وروي عن ثوبان أن حبرا من اليهود سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض ؟ قال : " هم في الظلمة دون الجسر " .
وقوله تعالى : ( وبرزوا ) خرجوا من قبورهم ( لله الواحد القهار ) الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك بعض العلامات التي تدل على قرب قيام الساعة فقال- تعالى-: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.
والظرف «يوم» متعلق بمحذوف تقديره اذكر.
وقوله «تبدل» من التبديل بمعنى التغيير، وهذا التغيير والتبديل لهما قد يكون في ذواتهما كما في قوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ.
.
.
وقد يكون في صفاتهما كقولك «بدلت الحلقة خاتما» وقد يكون فيهما معا وقد ذكر الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث عند تفسيره لهذه الآية الكريمة فقال: «وقال الإمام أحمد، حدثنا محمد بن عدى، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة أنها قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ .
.
.
قالت: قلت:أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: على الصراط.
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: «لقد سألتنى عن شيء ما سألنى عنه أحد من أمتى، ذاك أن الناس- يومئذ يكونون- على جسر جهنم».
والمعنى: اذكر- أيها العاقل- لتتعظ وتعتبر يوم يتغير هذا العالم المعهود بعالم آخر جديد، يأتى به الله- تعالى- على حسب إرادته ومشيئته ويوم يخرج الخلائق جميعا من قبورهم ليستوفوا جزاءهم، وليجازوا على أعمالهم.
من الله- تعالى- الواحد الأحد، الذي قهر كل شيء وغلبه، ودانت له الرقاب، وخضعت له الألباب.
وختمت الآية الكريمة بهذين الوصفين لله- تعالى- للرد على المشركين الذين جعلوا مع الله آلهة أخرى يشركونها معه في العبادة، ويتوهمون أن هذه الآلهة سوف تدافع عنهم يوم القيامة.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

ولهذا قال : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) أي : وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض ، وهي هذه على غير الصفة المألوفة المعروفة ، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء ، كقرصة النقي ، ليس فيها معلم لأحد " .وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة أنها قالت : أنا أول الناس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ) قالت : قلت : أين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : " على الصراط " .رواه مسلم منفردا به دون البخاري ، والترمذي ، وابن ماجه ، من حديث داود بن أبي هند به . وقال الترمذي : حسن صحيح .ورواه أحمد أيضا ، عن عفان ، عن وهيب عن داود ، عن الشعبي ، عنها ولم يذكر مسروقا .وقال قتادة ، عن حسان بن بلال المزني ، عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) قال : قالت يا رسول الله ، فأين الناس يومئذ ؟ قال : " لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي ، ذاك أن الناس على جسر جهنم .وروى الإمام أحمد من حديث حبيب بن أبي عمرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، حدثتني عائشة أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تعالى : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) [ الزمر : 67 ] فأين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : " هم على متن جهنم " .وقال ابن جرير : حدثنا الحسن ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرني القاسم ، سمعت الحسن قال : قالت عائشة : يا رسول الله ، ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) فأين الناس يومئذ ؟ قال : " إن هذا شيء ما سألني عنه أحد " قال : " على الصراط يا عائشة " .ورواه أحمد ، عن عفان عن القاسم بن الفضل ، عن الحسن به .وقال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثني الحسن بن علي الحلواني ، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد - يعني : أخاه - أنه سمع أبا سلام ، حدثني أبو أسماء الرحبي أن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثه قال : كنت قائما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه حبر من أحبار اليهود ، فقال : السلام عليك يا محمد . فدفعته دفعة كاد يصرع منها ، فقال : لم تدفعني ؟ فقلت : ألا تقول : يا رسول الله ؟! فقال اليهودي : إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي " . فقال اليهودي : جئت أسألك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أينفعك شيء إن حدثتك ؟ " فقال : أسمع بأذني . فنكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعود معه فقال : " سل " فقال اليهودي : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هم في الظلمة دون الجسر " قال فمن أول الناس إجازة ؟ قال : فقال : " [ فقراء ] المهاجرين " . قال اليهودي : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال : " زيادة كبد النون " قال : فما غذاؤهم في أثرها ؟ قال : " ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها " . قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : " من عين فيها تسمى سلسبيلا " . قال : صدقت . قال : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان ؟ قال : " أينفعك إن حدثتك ؟ " قال : أسمع بأذني . قال : جئت أسألك عن الولد . قال : " ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله " " قال اليهودي : لقد صدقت ، وإنك لنبي ، ثم انصرف . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به " .[ و ] قال أبو جعفر بن جرير الطبري : حدثني ابن عوف ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - حبر من اليهود فقال : أرأيت إذ يقول الله في كتابه : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) فأين الخلق عند ذلك ؟ فقال : " أضياف الله ، فلن يعجزهم ما لديه " .ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم به .وقال شعبة : أخبرنا أبو إسحاق ، سمعت عمرو بن ميمون - وربما قال : قال عبد الله ، وربما لم يقل - فقلت له : عن عبد الله ؟ فقال : سمعت عمرو بن ميمون يقول : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : أرض كالفضة البيضاء نقية ، لم يسفك فيها دم ، ولم يعمل عليها خطيئة ، ينفذهم البصر ، ويسمعهم الداعي ، حفاة عراة كما خلقوا . قال : أراه قال : قياما حتى يلجمهم العرق .وروي من وجه آخر عن شعبة عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود بنحوه . وكذا رواه عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود به .وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون لم يخبر به . أورد ذلك كله ابن جرير .وقد قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل ، حدثنا سهل بن حماد أبو عتاب ، حدثنا جرير بن أيوب ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قول الله - عز وجل - : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : " أرض بيضاء لم يسقط عليها دم ولم يعمل عليها خطيئة " . ثم قال : لا نعلم رفعه إلا جرير بن أيوب ، وليس بالقوي .ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن سنان عن جابر الجعفي ، عن أبي جبيرة عن زيد قال : أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليهود فقال : " هل تدرون لم أرسلت إليهم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " أرسلت إليهم أسألهم عن قول الله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) إنها تكون يومئذ بيضاء مثل الفضة " . فلما جاءوا سألهم فقالوا : تكون بيضاء مثل النقي .وهكذا روي عن علي ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، ومجاهد بن جبر أنها تبدل يوم القيامة بأرض من فضة .وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال : تصير الأرض فضة ، والسموات ذهبا .وقال الربيع : عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : تصير السموات جنانا .وقال أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، أو عن محمد بن قيس في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : [ تبدل ] خبزة يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم .وكذا روى وكيع ، عن عمر بن بشير الهمداني ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : تبدل خبزة بيضاء ، يأكل المؤمن من تحت قدميه .وقال الأعمش ، عن خيثمة قال : قال عبد الله - هو ابن مسعود - : الأرض كلها يوم القيامة نار ، والجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها ، ويلجم الناس العرق ، أو يبلغ منهم العرق ، ولم يبلغوا الحساب .وقال الأعمش أيضا ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن السكن قال : قال عبد الله : الأرض كلها نار يوم القيامة ، [ و ] الجنة من ورائها ، ترى أكوابها وكواعبها ، والذي نفس عبد الله بيده ، إن الرجل ليفيض عرقا حتى ترسخ في الأرض قدمه ، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه ، وما مسه الحساب . قالوا مم ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : مما يرى الناس يلقون .وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن كعب في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) قال : تصير السموات جنانا ، ويصير مكان البحر نارا ، وتبدل الأرض غيرها .وفي الحديث الذي رواه أبو داود : " لا يركب البحر إلا غاز أو حاج أو معتمر ، فإن تحت البحر نارا - أو : تحت النار بحرا " .وفي حديث الصور المشهور المروي عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " تبدل الأرض غير الأرض والسموات ، فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة ، فإذا هم في هذه المبدلة " .وقوله : ( وبرزوا لله ) أي : خرجت الخلائق جميعها من قبورهم لله ( الواحد القهار ) أي : الذي قهر كل شيء وغلبه ، ودانت له الرقاب ، وخضعت له الألباب .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات أي اذكر يوم تبدل الأرض ، فتكون متعلقة بما قبله .
وقيل : هو صفة لقوله : يوم يقوم الحساب .
واختلف في كيفية تبديل الأرض ، فقال كثير من الناس : إن تبدل الأرض عبارة عن تغير صفاتها ، وتسوية آكامها ، ونسف جبالها ، ومد أرضها ; ورواه ابن مسعود - رضي الله عنه - ; خرجه ابن ماجه في سننه وذكره ابن المبارك من حديث شهر بن حوشب ، قال حدثني ابن عباس قال : إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وزيد في سعتها كذا وكذا ; وذكر الحديث .
وروي مرفوعا من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : تبدل الأرض غير الأرض فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ثم يزجر الله الخلق زجرة فإذا هم في الثانية في مثل مواضعهم من الأولى من كان في بطنها ففي بطنها ومن كان على ظهرها كان على ظهرها ذكره الغزنوي .
وتبديل السماء تكوير شمسها وقمرها ، وتناثر نجومها ; قال ابن عباس .
وقيل : اختلاف أحوالها ، فمرة كالمهل ومرة كالدهان ; حكاه ابن الأنباري ; وقد ذكرنا هذا الباب مبينا في كتاب التذكرة وذكرنا ما للعلماء في ذلك ، وأن الصحيح إزالة هذه الأرض حسب ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
روى مسلم عن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كنت قائما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه حبر من أحبار اليهود فقال : السلام عليك ; وذكر الحديث ، وفيه : فقال اليهودي أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : في الظلمة دون الجسر .
وذكر الحديث .
وخرج عن عائشة قالت : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فأين يكون الناس يومئذ ؟ قال : ( على الصراط ) .
خرجه ابن ماجه بإسناد مسلم سواء ، وخرجه الترمذي عن عائشة وأنها هي السائلة ، قال : هذا حديث حسن صحيح ; فهذه الأحاديث تنص على أن السماوات والأرض تبدل وتزال ، ويخلق الله أرضا أخرى يكون الناس عليها بعد كونهم على الجسر .
وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد ) .
وقال جابر : سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قول الله - عز وجل - : يوم تبدل الأرض غير الأرض قال : تبدل خبزة يأكل منها الخلق يوم القيامة ، ثم قرأ : وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام .
وقال ابن مسعود : إنها تبدل بأرض غيرها بيضاء كالفضة لم يعمل عليها خطيئة .
وقال ابن عباس : بأرض من فضة بيضاء .
وقال علي - رضي الله عنه - : تبدل الأرض يومئذ من فضة والسماء من ذهب وهذا تبديل للعين ، وحسبك .
وبرزوا لله الواحد القهار أي من قبورهم ، وقد تقدم .

﴿ تفسير الطبري ﴾

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ ) الذي وعدهم من كذّبهم ، وجحد ما أتَوْهم به من عنده ، وإنما قاله تعالى ذكره لنبيه تثبيتا وتشديدا لعزيمته ، ومعرّفه أنه منزل من سخطه بمن كذّبه وجحد نبوّته ، وردّ عليه ما أتاه به من عند الله ، مثال ما أنزل بمن سلكوا سبيلهم من الأمم الذين كانوا قبلهم على مثل منهاجهم من تكذيب رسلهم وجحود نبوّتهم وردّ ما جاءوهم به من عند الله عليهم.
وقوله ( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) يعني بقوله ( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ) لا يمانع منه شيء أراد عقوبته ، قادر على كلّ من طلبه ، لا يفوتُه بالهَرَب منه.
( ذُو انْتِقَامٍ ) ممن كفر برسله وكذّبهم ، وجحد نبوتهم ، وأشرك به واتخذ معه إلها غيره.
وأضيف قوله ( مُخْلِفَ ) إلى الوعد ، وهو مصدر ، لأنه وقع موقع الاسم ، ونصب قوله (رُسُلَهَ) بالمعنى ، وذلك أن المعنى: فلا تحسبنّ الله مخلف رسله وعده ، فالوعد وإن كان مخفوضا بإضافة " مخلف " إليه ، ففي معنى النصب ، وذلك أن الإخلاف يقع على منصوبين مختلفين ، كقول القائل: كسوت عبد الله ثوبا ، وأدخلته دارا ؛ وإذا كان الفعل كذلك يقع على منصوبين مختلفين ، جاز تقديم أيِّهما قُدّم ، وخفضُ ما وَلِيَ الفعل الذي هو في صورة الأسماء ، ونصب الثاني ، فيقال: أنا مدخلُ عبد الله الدار ، وأنا مدخلُ الدَّارِ عبدَ الله ، إن قدَّمت الدار إلى المُدْخل وأخرت عبدَ الله خفضت الدار ، إذ أضيف مُدْخل إليها ، ونُصِب عبد الله ؛ وإن قُدّم عبدُ الله إليه ، وأخِّرت الدار ، خفض عبد الله بإضافة مُدْخلٍ إليه ، ونُصِب الدار ؛ وإنما فعل ذلك كذلك ، لأن الفعل ، أعني مدخل ، يعمل في كلّ واحد منهما نصبا نحو عمله في الآخر ؛ ومنه قول الشاعر:تَرَى الثَّوْرَ فيها مُدْخِلَ الظِّلِّ رأسَهُوسائرُهُ بادٍ إلى الشَّمْسِ أجْمَعُ (14)أضاف مُدْخل إلى الظلّ ، ونصب الرأس ، وإنما معنى الكلام: مدخلٌ رأسَه الظلَّ.
ومنه قول الآخر:فَرِشْني بِخَيْرٍ لا أكُونَ وَمِدْحَتِيكناحِتِ يَوْمٍ صَخْرَةٌ بعَسِيلِ (15)والعسيل: الريشة جُمع بها الطيب ، وإنما معنى الكلام: كناحت صخرة يوما بعسيل ، وكذلك قول الآخر:رُبَّ ابْنِ عَمٍّ لِسُلَيْمَى مُشْمَعِلْطَبَّاخِ ساعاتِ الكَرَى زَادَ الكَسِلْ (16)وإنما معنى الكلام: طباخ زاد الكَسل ساعات الكَرَى.
فأما من قرأ ذلك ( فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلُهُ ) فقد بيَّنا وجه بُعْدِه من الصحة في كلام العرب في سورة الأنعام ، عند قوله وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
--------------------------الهوامش :(14) هذا البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 165 ) كما استشهد به المؤلف ، ولم ينسبه ، قال : وقوله " فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله " أضفت مخلف إلى الوعد ، ونصبت الرسل على التأويل ، وإذا كان الفعل يقع على شيئين مختلفين مثل : كسوتك الثوب ، وأدخلتك الدار ، فابدأ بإضافة الفعل إلى الرجل ، فتقول : هو كاسي عبد الله ثوبا ، ومدخله الدار ، ويجوز هو كاسي الثوب عبد الله ، ومدخل الدار زيدا .
.
ومثله قول الشاعر : ترى الثور .
.
البيت ، فأضاف مدخل إلى الظن ، وكان الوجه أن يضف مدخل إلى الرأس .
(15) وهذا البيت أيضا من شواهد الفراء ( الورقة 165 ) عطفه على آخر قبله وعطفهما على الأول ، ومحل الشاهد فيه : أن الشاعر أضاف ناحت وهو وصف مشبه الفعل إلى يوم ، ونصب الصخرة ، والأولى إضافة الوصف إلى الصخرة ، ونصب يوما على ما قاله القراء .
(16) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( مصورة الجامعة ص 165 ) على أن طباخ كان حقه أن يضاف إلى " زاد الكسل " ، فأضافه الشاعر إلى الساعات .
والمشمعل : الخفيف الماضي في الأمر المسرع .
والكرى : النوم .

﴿ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار ﴾

قراءة سورة إبراهيم

المصدر : تفسير : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا