القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 50 سورة الكهف - وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا

سورة الكهف الآية رقم 50 : سبع تفاسير معتمدة

سورة وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا - عدد الآيات 110 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 50 من سورة الكهف عدة تفاسير - سورة الكهف : عدد الآيات 110 - - الصفحة 299 - الجزء 15.

سورة الكهف الآية رقم 50


﴿ وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلٗا ﴾
[ الكهف: 50]

﴿ التفسير الميسر ﴾

واذكر حين أمرنا الملائكة بالسجود لآدم، تحية له لا عبادة، وأمرنا إبليس بما أُمِروا به، فسجد الملائكة جميعًا، لكن إبليس الذي كان من الجن خرج عن طاعة ربه، ولم يسجد كِبرًا وحسدًا. أفتجعلونه -أيها الناس- وذريته أعوانًا لكم تطيعونهم وتتركون طاعتي، وهم ألد أعدائكم؟ قَبُحَتْ طاعة الظالمين للشيطان بدلا عن طاعة الرحمن.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«وإذ» منصوب باذكر «قلنا للملائكة اسجدوا لآدم» سجود انحناء لا وضع جبهة تحية له «فسجدوا إلا إبليس كان من الجن» قيل هم نوع من الملائكة فالاستثناء متصل وقيل هو منقطع وإبليس هو أبو الجن فله ذرية ذكرت معه بعد والملائكة لا ذرية لهم «ففسق عن أمر ربه» أي خرج عن طاعته بترك السجود «أفتتخذونه وذريته» الخطاب لآدم وذريته والهاء في الموضعين لإبليس «أولياء من دوني» تطيعونهم «وهم لكم عدو» أي أعداء حال «بئس للظالمين بدلاً» إبليس وذريته في إطاعتهم بدل إطاعة الله.

﴿ تفسير السعدي ﴾

يخبر تعالى، عن عداوة إبليس لآدم وذريته، وأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم، إكراما وتعظيما، وامتثالا لأمر الله، فامتثلوا ذلك إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ وقال: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا وقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ فتبين بهذا عداوته لله ولأبيكم ولكم، فكيف تتخذونه وذريته أي: الشياطين أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا أي: بئس ما اختاروا لأنفسهم من ولاية الشيطان، الذي لا يأمرهم إلا بالفحشاء والمنكر عن ولاية الرحمن، الذي كل السعادة والفلاح والسرور في ولايته.
وفي هذه الآية، الحث على اتخاذ الشيطان عدوا، والإغراء بذلك، وذكر السبب الموجب لذلك، وأنه لا يفعل ذلك إلا ظالم، وأي: ظلم أعظم من ظلم من اتخذ عدوه الحقيقي وليا، وترك الولي الحميد؟".
قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ وقال تعالى: إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله عز وجل : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) يقول : واذكر يا محمد إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ( فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ) قال ابن عباس : كان من حي من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم .
وقال الحسن : كان من الجن ولم يكن من الملائكة فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس ( ففسق ) أي خرج ( عن أمر ربه ) عن طاعة ربه ( أفتتخذونه ) يعني يا بني آدم ( وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ) أي أعداء .
روى مجالد عن الشعبي قال : إني لقاعد يوما إذ أقبل رجل فقال : أخبرني هل لإبليس زوجة؟ قلت : إن ذلك عرس ما شهدته ، ثم ذكرت قوله تعالى : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ) فعلمت أنه لا تكون الذرية إلا من الزوجة ، فقلت : نعم .
وقال قتادة : يتوالدون كما يتوالد بنو آدم .
وقيل : إنه يدخل ذنبه في دبره فيبيض فتنفلق البيضة عن جماعة من الشياطين .
قال مجاهد : من ذرية إبليس : " لاقيس " و " ولهان " وهما صاحبا الطهارة والصلاة ، و " الهفاف " و " مرة " وبه يكنى و " زلنبور " وهو صاحب [ الأسواق ، يزين اللغو والحلف الكاذب ومدح السلع ، و " ثبر " وهو صاحب المصائب ] يزين خمش الوجوه ولطم الخدود وشق الجيوب و " الأعور " وهو صاحب الزنا ينفخ في إحليل الرجل وعجز المرأة و " مطوس " وهو صاحب الأخبار الكاذبة يلقيها في أفواه الناس لا يجدون لها أصلا و " داسم " وهو الذي إذا دخل الرجل بيته ولم يسلم ولم يذكر اسم الله بصره من المتاع ما لم يرفع أو يحتبس موضعه وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه قال الأعمش : ربما دخلت البيت ولم أذكر اسم الله ولم أسلم فرأيت مطهرة فقلت ارفعوا هذه وخاصمتهم ثم أذكر اسم الله فأقول داسم داسم .
وروي عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنبأنا عبد الغافر بن محمد أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنبأنا مسلم بن الحجاج حدثنا يحيى بن خلف الباهلي أنبأنا عبد الأعلى عن سعيد الجريري عن أبي العلاء; أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذاك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا " قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني .
وأخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنبأنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنبأنا مسلم بن الحجاج حدثنا أبو كريب محمد بن علاء أنبأنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا فيقول : ما صنعت شيئا ، قال : ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته ، قال : فيدنيه منه ، ويقول : نعم أنت " .
قال الأعمش أراه قال : فيلتزمه .
قوله تعالى ( بئس للظالمين بدلا ) قال قتادة : بئس ما استبدلوا طاعة إبليس وذريته بعبادة ربهم .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

فقوله- سبحانه-: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ.
تذكير لبنى آدم بالعداوة القديمة بين أبيهم آدم وبين إبليس وذريته.
والمقصود بهذا التذكير تحذيرهم من وساوسه، وحضهم على مخالفته، كما قال- تعالى-:إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ .
والملائكة: جمع ملك.
وهم- كما وصفهم الله تعالى-: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ .
وآدم: اسم لأبى البشر، قيل: إنه اسم عبراني مشتق من أدمه بمعنى التراب.
والسجود لغة: التذلل والخضوع.
وخص في الشرع بوضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة.
وإبليس اسم مشتق من الإبلاس، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس وفعله أبلس، والراجح أنه اسم أعجمى.
ومنعه من الصرف للعلمية والعجمة.
والمعنى- واذكر- أيها العاقل- لتعتبر وتتعظ، وقت أن قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، سجود تحية واحترام وتوقير، لا سجود عبادة وطاعة لأن ذلك لا يكون إلا لله رب العالمين.
فامتثلوا أمرنا وسجدوا جميعا، كما قال- تعالى-: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.
وجاء العطف في قوله فَسَجَدُوا بالفاء المفيدة للتعقيب، للإشارة إلى أن الملائكة قد بادروا بالامتثال بدون تردد، استجابة لأمر خالقهم- عز وجل.
وقوله- تعالى- إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ بيان لموقف إبليس من أمر الله تعالى، وهو أنه أبى واستكبر وامتنع عن السجود لآدم.
وظاهر الآية يفيد أن سبب فسقه عن أمر ربه: كونه من الجن لا من الملائكة إذ من المقرر في علم الأصول أن الفاء من الحروف الدالة على التعليل، كما في قولهم، سرق فقطعت يده.
والمعنى: امتثل الملائكة جميعا أمرنا فسجدوا لآدم، إلا إبليس فإنه أبى واستكبر ولم يسجد لأنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة «ففسق عن أمر ربه» أى.
فخرج بذلك عن طاعتنا، واستحق لعنتنا وغضبنا.
وأصل الفسق: الخروج عن الطاعة مأخوذ من قولهم: فسق الرطب فسوقا إذا خرج عن قشره وهو أعم من الكفر، فيقال للعاصي فاسق، وللكافر فاسق.
قال بعض العلماء ما ملخصه: والخلاف في كون إبليس من الملائكة أولا مشهور عند أهل العلم.
وحجة من قال إنه ليس منهم أمران: أحدهما: عصمة الملائكة من ارتكاب الكفر الذي ارتكبه إبليس، فهم- كما قال الله عنهم: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.
والثاني: أن الله- تعالى- صرح في هذه الآية الكريمة بأنه كان من الجن، والجن غير الملائكة.
قالوا: وهو نص قرآنى في محل النزاع.
واحتج من قال بأنه منهم، بما تكرر في الآيات القرآنية من قوله: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ قالوا: فإخراجه بالاستثناء من لفظ الملائكة دليل على أنه منهم، والظواهر إذا كثرت صارت بمنزلة النص ومن المعلوم أن الأصل في الاستثناء الاتصال لا الانقطاع.
قالوا: ولا حجة لمن خالفنا في قوله- تعالى- كانَ مِنَ الْجِنِّ، لأن الجن قبيلة من الملائكة، خلقوا من بين الملائكة من نار السموم.
وأظهر الحجج في المسألة.
حجة من قال: إنه ليس من الملائكة، لأن قوله- تعالى- إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ هو أظهر شيء في الموضوع من نصوص الوحى، والعلم عند الله- تعالى- .
ومن المفسرين الذين يدل كلامهم على أن إبليس لم يكن من الملائكة.
الإمام ابن كثير، فقد قال- رحمه الله- قوله: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ أى: خانه أصله، فإنه خلق من مارج من نار، وأصل خلق الملائكة من نور، كما ثبت في صحيح مسلم، عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» .
فعند الحاجة نضح كل إناء بما فيه، وخانه الطبع عند الحاجة، وذلك أنه قد توسم بأفعال الملائكة، وتشبه بهم، وتعبد وتنسك فلهذا دخل في خطابهم، وعصى بالمخالفة.
ونبه- تعالى- هاهنا على أنه «من الجن» أى: «أنه خلق من نار.
.
» .
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالإنكار والتوبيخ والتعجيب ممن يتبع خطوات إبليس وذريته فقال: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا.
أى: أفبعد أن ظهر لكم- يا بنى آدم- ما ظهر من فسوق إبليس عن أمر ربه، تتخذونه وذريته الذين نهجوا نهجه، أولياء، وأصفياء من دوني، فتطيعونهم بدل أن تطيعوني، والحال أن إبليس وذريته لكم عدو؟لا شك أن من يفعل ذلك منكم يكون قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وآثر الغي على الرشد، والضلالة على الهداية، والفسوق على الإيمان!!.
فالجملة الكريمة تستبعد من كل عاقل، أن يطيع إبليس وذريته، بعد أن تبين له عداوتهم إياه، وحرصهم على إيقاعه في موارد الهلكة والسوء.
وقوله: وَذُرِّيَّتَهُ يدل على أن لإبليس ذرية، إلا أن الطريقة التي بواسطتها كانت له الذرية، لم يرد بها نص صحيح يعتمد عليه، لذا وجب تفويض علمها إلى- الله تعالى-.
قال الآلوسى عند تفسيره لهذه الآية: والظاهر أن المراد من الذرية الأولاد فتكون الآية دالة على أن له أولادا، وبذلك قال جماعة.
.
وعن قتادة أنه قال: إنه ينكح وينسل كما ينسل بنو آدم.
ثم قال الآلوسى: ولا يلزمنا أن نعلم كيفية ولادته، فكثير من الأشياء مجهول الكيفية عندنا، ونقول به.
وقوله- تعالى-: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا حكم منه- سبحانه- بسوء التفكير والمصير على المتخذين إبليس وذريته أولياء من دونه- تعالى- وبئس فعل يفيد الذم، والبدل: العوض عن الشيء.
أى بئس للظالمين، الواضعين للشيء في غير موضعه، ما فعلوه من تركهم طاعة الله- تعالى- وأخذهم في مقابل ذلك طاعة إبليس وذريته.
والمخصوص بالذم محذوف دل عليه المقام والتقدير: بئس البدل والعوض عن طاعة الله- تعالى- طاعة إبليس وذريته.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

يقول تعالى منبها بني آدم على عداوة إبليس لهم ولأبيهم من قبلهم ، ومقرعا لمن اتبعه منهم وخالف خالقه ومولاه ، الذي أنشأه وابتداه ، وبألطاف رزقه وغذاه ، ثم بعد هذا كله والى إبليس وعادى الله ، فقال تعالى : ( وإذ قلنا للملائكة ) أي : لجميع الملائكة ، كما تقدم تقريره في أول سورة " البقرة " .( اسجدوا لآدم ) أي : سجود تشريف وتكريم وتعظيم ، كما قال تعالى : ( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) [ الحجر : 29 ، 28 ]وقوله ( فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ) أي : خانه أصله ؛ فإنه خلق من مارج من نار ، وأصل خلق الملائكة من نور ، كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " خلقت الملائكة من نور ، وخلق إبليس من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " . فعند الحاجة نضح كل وعاء بما فيه ، وخانه الطبع عند الحاجة ، وذلك أنه كان قد توسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم ، وتعبد وتنسك ، فلهذا دخل في خطابهم ، وعصى بالمخالفة .ونبه تعالى هاهنا على أنه ( من الجن ) أي : إنه خلق من نار ، كما قال : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) [ الأعراف : 12 ، وص : 76 ]قال الحسن البصري : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط ، وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم ، عليه السلام ، أصل البشر . رواه ابن جرير بإسناد صحيح [ عنه ] .وقال الضحاك ، عن ابن عباس : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة ، يقال لهم : الجن ، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة - قال : وكان اسمه الحارث ، وكان خازنا من خزان الجنة ، وخلقت الملائكة من نور غير هذا الحي - قال : وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار . وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت .وقال الضحاك أيضا ، عن ابن عباس : كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة ، وكان خازنا على الجنان ، وكان له سلطان [ السماء ] الدنيا وسلطان الأرض ، وكان مما سولت له نفسه ، من قضاء الله أنه رأى أن له بذلك شرفا على أهل السماء ، فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله . فاستخرج الله ذلك الكبر منه حين أمره بالسجود لآدم " فاستكبر ، وكان من الكافرين . قال ابن عباس : وقوله : ( كان من الجن ) أي : من خزان [ الجنان ، كما يقال للرجل : مكي ، ومدني ، وبصري ، وكوفي . وقال ابن جريج ، عن ابن عباس ، نحو ذلك .وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : هو من خزان ] الجنة ، وكان يدبر أمر السماء الدنيا ، رواه ابن جرير من حديث الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد ، به .وقال سعيد بن المسيب : كان رئيس ملائكة سماء الدنيا .وقال ابن إسحاق ، عن خلاد بن عطاء ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : كان إبليس - قبل أن يركب المعصية - من الملائكة ، اسمه عزازيل ، وكان من سكان الأرض . وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما . فذلك دعاه إلى الكبر ، وكان من حي يسمون جنا .وقال ابن جريج ، عن صالح مولى التوأمة وشريك بن أبي نمر ؛ أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس قال : إن من الملائكة قبيلة من الجن ، وكان إبليس منها ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض . فعصى ، فسخط الله عليه ، فمسخه شيطانا رجيما - لعنه الله - ممسوخا ، قال : وإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه ، وإذا كانت في معصية فارجه .وعن سعيد بن جبير أنه قال : كان من الجنانين ، الذين يعملون في الجنة .وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف ، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها ، والله أعلم بحال كثير منها . ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا ، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة ؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان ، وقد وضع فيها أشياء كثيرة ، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، كما لهذه [ الأمة من ] الأئمة والعلماء ، والسادة الأتقياء والأبرار والنجباء من الجهابذة النقاد ، والحفاظ الجياد ، الذين دونوا الحديث وحرروه ، وبينوا صحيحه من حسنه ، من ضعيفه ، من منكره وموضوعه ، ومتروكه ومكذوبه ، وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين ، وغير ذلك من أصناف الرجال ، كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي ، خاتم الرسل ، وسيد البشر [ عليه أفضل التحيات والصلوات والتسليمات ] ، أن ينسب إليه كذب ، أو يحدث عنه بما ليس [ منه ] ، فرضي الله عنهم وأرضاهم ، وجعل جنات الفردوس مأواهم ، وقد فعل .وقوله : ( ففسق عن أمر ربه ) أي : فخرج عن طاعة الله ؛ فإن الفسق هو الخروج ، يقال فسقت الرطبة : إذا خرجت من أكمامها وفسقت الفأرة من جحرها : إذا خرجت منه للعيث والفساد .ثم قال تعالى مقرعا وموبخا لمن اتبعه وأطاعه : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ) أي : بدلا عني ؛ ولهذا قال : ( بئس للظالمين بدلا )وهذا المقام كقوله بعد ذكر القيامة وأهوالها ومصير كل من الفريقين السعداء والأشقياء في سورة " يس " : ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ) [ يس : 59 - 62 ] .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاقوله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه تقدم في ( البقرة ) هذا مستوفى .
قال أبو جعفر النحاس : وفي هذه الآية سؤال ، يقال : ما معنى ففسق عن أمر ربه ففي هذا قولان : أحدهما : وهو مذهب الخليل وسيبويه أن المعنى أتاه الفسق لما أمر فعصى ، فكان سبب الفسق أمر ربه ; كما تقول : أطعمته عن جوع .
والقول الآخر : وهو مذهب محمد بن قطرب أن المعنى : ففسق عن رد أمر ربهأفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وقف - عز وجل - الكفرة على جهة التوبيخ بقوله أفتتخذونه يا بني آدم وذريته أولياء وهم لكم عدو ; أي أعداء ، فهو اسم جنس .
بئس للظالمين بدلا أي بئس عبادة الشيطان بدلا عن عبادة الله .
أو بئس إبليس بدلا عن الله .
واختلف هل لإبليس ذرية من صلبه ; فقال الشعبي : سألني رجل فقال هل لإبليس زوجة ؟ فقلت : إن ذلك عرس لم أشهده ، ثم ذكرت قوله أفتتخذونه وذريته أولياء فعلمت أنه لا يكون ذرية إلا من زوجة فقلت نعم .
وقال مجاهد : إن إبليس أدخل فرجه في فرج نفسه فباض خمس بيضات ; فهذا أصل ذريته .
وقيل : إن الله - تعالى - خلق له في فخذه اليمنى ذكرا وفي اليسرى فرجا ; فهو ينكح هذا بهذا ، فيخرج له كل يوم عشر بيضات ، يخرج من كل بيضة سبعون شيطانا وشيطانة ، فهو يخرج وهو يطير ، وأعظمهم عند أبيهم منزلة أعظمهم في بني آدم فتنة ، وقال قوم : ليس له أولاد ولا ذرية ، وذريته أعوانه من الشياطين .
قال القشيري أبو نصر : والجملة أن الله - تعالى - أخبر أن لإبليس أتباعا وذرية ، وأنهم يوسوسون إلى بني آدم وهم أعداؤهم ، ولا يثبت عندنا كيفية في كيفية التوالد منهم وحدوث الذرية عن إبليس ، فيتوقف الأمر فيه على نقل صحيح .
قلت : الذي ثبت في هذا الباب من الصحيح ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن الإمام أبي بكر البرقاني أنه خرج في كتابه مسندا عن أبي محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ من رواية عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فبها باض الشيطان وفرخ .
وهذا يدل على أن للشيطان ذرية من صلبه ، والله أعلم .
قال ابن عطية : وقوله وذريته ظاهر اللفظ يقتضي الموسوسين من الشياطين ، الذين يأتون بالمنكر ويحملون على الباطل .
وذكر الطبري وغيره أن مجاهدا قال : ذرية إبليس الشياطين ، وكان يعدهم : زلنبور صاحب الأسواق ، يضع رايته في كل سوق بين السماء والأرض ، يجعل تلك الراية على حانوت أول من يفتح وآخر من يغلق .
ثبر صاحب المصائب ، يأمر بضرب الوجوه وشق الجيوب ، والدعاء بالويل والحرب .
والأعور صاحب أبواب الزنا .
ومسوط صاحب الأخبار ، يأتي بها فيلقيها في أفواه الناس فلا يجدون لها أصلا .
وداسم الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسلم ولم يذكر اسم الله بصره من المتاع ما لم يرفع وما لم يحسن موضعه ، وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه .
قال الأعمش : وإني ربما دخلت البيت فلم أذكر الله ولم أسلم ، فرأيت مطهرة فقلت : ارفعوا هذه وخاصمتهم ، ثم أذكر فأقول : داسم داسم أعوذ بالله منه زاد الثعلبي وغيره عن مجاهد : والأبيض ، وهو الذي يوسوس للأنبياء .
وصخر وهو الذي اختلس خاتم سليمان - عليه السلام - .
والولهان وهو صاحب الطهارة يوسوس فيها .
والأقيس وهو صاحب الصلاة يوسوس فيها .
ومرة وهو صاحب المزامير وبه يكنى .
والهفاف يكون بالصحارى يضل الناس ويتيههم .
ومنهم الغيلان .
وحكى أبو مطيع مكحول بن الفضل النسفي في كتاب اللؤلؤيات عن مجاهد أن الهفاف هو صاحب الشراب ، لقوس صاحب التحريش ، والأعور صاحب أبواب السلطان .
قال وقال الداراني : إن لإبليس شيطانا يقال له المتقاضي ، يتقاضى ابن آدم فيخبر بعمل كان عمله في السر منذ عشرين سنة ، فيحدث به في العلانية .
قال ابن عطية : وهذا وما جانسه مما لم يأت به سند صحيح ، وقد طول النقاش في هذا المعنى وجلب حكايات تبعد عن الصحة ، ولم يمر بي في هذا صحيح إلا ما في كتاب مسلم من أن للصلاة شيطانا يسمى خنزب .
وذكر الترمذي أن للوضوء شيطانا يسمى الولهان .
قلت : أما ما ذكر من التعيين في الاسم فصحيح ; وأما أن له أتباعا وأعوانا وجنودا فمقطوع به ، وقد ذكرنا الحديث الصحيح في أن له أولادا من صلبه ، كما قال مجاهد وغيره .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود : إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون فيقول الرجل منهم سمعت رجلا أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث .
وفي مسند البزار عن سلمان الفارسي قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته .
وفي مسند أحمد بن حنبل قال : أنبأنا عبد الله بن المبارك قال حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى الأشعري قال : إذا أصبح إبليس بث جنوده فيقول من أضل مسلما ألبسته التاج قال فيقول له القائل لم أزل بفلان حتى طلق زوجته ، قال : يوشك أن يتزوج .
ويقول آخر : لم أزل بفلان حتى عق ; قال : يوشك أن يبر .
قال ويقول القائل : لم أزل بفلان حتى شرب ; قال : أنت قال ويقول : لم أزل بفلان حتى زنى ; قال : أنت قال ويقول : لم أزل بفلان حتى قتل ; قال : أنت أنت وفي صحيح مسلم عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله قال فيدنيه أو قال فيلتزمه ويقول نعم أنت .
وقد تقدم وسمعت شيخنا الإمام أبا محمد عبد المعطي بثغر الإسكندرية يقول : إن شيطانا يقال له البيضاوي يتمثل للفقراء المواصلين في الصيام فإذا استحكم منهم الجوع وأضر بأدمغتهم يكشف لهم عن ضياء ونور حتى يملأ عليهم البيوت فيظنون أنهم قد وصلوا وأن ذلك من الله وليس كما ظنوا .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا (50)يقول تعالى ذكره مذكرًا هؤلاء المشركين حسد إبليس أباهم ومعلمهم ما كان منه من كبره واستكباره عليه حين أمره بالسجود له، وأنه من العداوة والحسد لهم على مثل الذي كان عليه لأبيهم: (وَ) اذكر يا محمد ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ ) الذي يطيعه هؤلاء المشركون ويتبعون أمره، ويخالفون أمر الله، فإنه لم يسجد له استكبارا على الله، وحسدا لآدم ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ).
واختلف أهل التأويل في معنى قوله ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) فقال بعضهم: إنه كان من قبيلة يقال لهم الجنّ.
وقال آخرون: بل كان من خزّان الجنة، فنسب إلى الجنة ، وقال آخرون: بل قيل من الجنّ، لأنه من الجنّ الذين استجنوا عن أعين بني آدم.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن خلاد بن عطاء، عن طاوس، عن ابن عباس قال: كان اسمه قبل أن يركب المعصية عزازيل، وكان من سكان الأرض، وكان من أشدّ الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما، فذلك هو الذي دعاه إلى الكبر، وكان من حيّ يسمى جنا.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم الجن ، خُلقوا من نار السموم من بين الملائكة، وكان اسمه الحارث ، قال: وكان خازنا من خزّان الجنة.
قال: وخلقت الملائكة من نور غير هذا الحيّ ، قال: وخُلقت الجنّ الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثني شيبان، قال: ثنا سلام بن مسكين، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: ( إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) قال: كان إبليس من خزّان الجنة، وكان يدبر أمر سماء الدنيا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: كان إبليس من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة.
وكان خازنا على الجنان، وكان له سلطان السماء الدنيا، وكان له سلطان الأرض، وكان فيما قضى الله أنه رأى أن له بذلك شرفا وعظمة على أهل السماء، فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله ، فلما كان عند السجود حين أمره أن يسجد لآدم استخرج الله كبره عند السجود، فلعنه وأخَّره إلى يوم الدين، قال: قال ابن عباس: وقوله: ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) إنما سمي بالجنان أنه كان خازنا عليها، كما يقال للرجل: مكي، ومدني، وكوفي، وبصري، قاله ابن جريج.
وقال آخرون: هم سبط من الملائكة قبيلة، وكان اسم قبيلته الجنّ.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن صالح مولى التوأمة، وشريك بن أبي نمر أحدهما أو كلاهما، عن ابن عباس، قال: إن من الملائكة قبيلة من الجنّ، وكان إبليس منها، وكان يسوس ما بين السماء والأرض، فعصى، فسخط الله عليه فمسخه شيطانا رجيما، لعنه الله ممسوخا ، قال: وإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه، وإذا كانت خطيئته في معصية فارجه، وكانت خطيئة آدم في معصية، وخطيئة إبليس في كبر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) قبيل من الملائكة يقال لهم الجنّ ، وقال ابن عباس: لو لم يكن من الملائكة لم يؤمر بالسجود ، وكان على خزانة السماء الدنيا ، قال: وكان قتادة يقول: جنّ عن طاعة ربه ، وكان الحسن يقول: ألجأه الله إلى نسبه.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) قال: كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجنّ.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن عوف، عن الحسن، قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجنّ، كما أن آدم عليه السلام أصل الإنس.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: كان إبليس على السماء الدنيا وعلى الأرض وخازن الجنان.
حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) : كان ابن عباس يقول: إن إبليس كان من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة، وكان خازنا على الجنان، وكان له سلطان السماء الدنيا وسلطان الأرض، وكان مما سولت له نفسه من قضاء الله أنه رأى أن له بذلك شرفا على أهل السماء ، فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله، فاستخرج الله ذلك الكبر منه حين أمره بالسجود لآدم، فاستكبر وكان من الكافرين، فذلك قوله للملائكة: إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يعني: ما أسر إبليس في نفسه من الكبر.
وقوله: ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) كان ابن عباس يقول: قال الله ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) لأنه كان خازنا على الجنان، كما يقال للرجل: مكيّ، ومدنيّ، وبصريّ، وكوفيّ.
وقال آخرون: كان اسم قبيلة إبليس الجنّ ، وهم سبط من الملائكة يقال لهم الجنّ، فلذلك قال الله عزّ وجلّ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) فنسبه إلى قبيلته.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) قال: من الجنانين الذين يعملون في الجنان.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو سعيد اليحمدي إسماعيل بن إبراهيم، قال: ثني سوار بن الجعد اليحمدي، عن شهر بن حوشب، قوله: ( مِنَ الْجِنِّ ) قال: كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة ، فأسره بعض الملائكة، فذهب به إلى السماء.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) قال: كان خازن الجنان فسمي بالجنان.
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: ثنا أحمد بن بشير، عن سفيان بن أبي المقدام، عن سعيد بن جبير، قال: كان إبليس من خزنة الجنة.
وقد بينا القول في ذلك فيما مضى من كتابنا هذا ، وذكرنا اختلاف المختلفين فيه، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: ( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) يقول: فخرج عن أمر ربه، وعدل عنه ومال، كما قال رؤبة:يَهْوِينَ في نَجْدٍ وغَوْرًا غائرَافَوَاسقا عَنْ قَصْدِها جَوَائرَا (2)يعني بالفواسق: الإبل المنعدلة عن قصد نجد، وكذلك الفسق في الدين إنما هو الانعدال عن القصد، والميل عن الاستقامة ، ويُحكى عن العرب سماعا: فسقت الرطبة من قشرها: إذا خرجت منه، وفسقت الفأرة: إذا خرجت من جحرها ، وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: إنما قيل: ( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) لأنه مراد به: ففسق عن ردّه أمر الله، كما تقول العرب: اتخمت عن الطعام، بمعنى: اتخمت لما أكلته.
وقد بيَّنا القول في ذلك، وأن معناه: عدل وجار عن أمر الله، وخرج عنه.
وقال بعض أهل العلم بكلام العرب: معنى الفسق: الاتساع.
وزعم أن العرب تقول: فسق في النفقة: بمعنى اتسع فيها.
قال: وإنما سمي الفاسق فاسقا، لاتساعه في محارم الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى " ح " ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى ( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) قال: في السجود لآدم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله ( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) قال: عصى في السجود لآدم.
وقوله: ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ) يقول تعالى ذكره: أفتوالون يا بني آدم من استكبر على أبيكم وحسده، وكفر نعمتي عليه، وغره حتى أخرجه من الجنة ونعيم عيشه فيها إلى الأرض وضيق العيش فيها، وتطيعونه وذريّته من دون الله مع عدواته لكم قديما وحديثا، وتتركون طاعة ربكم الذي أنعم عليكم وأكرمكم، بأن أسجد لوالدكم ملائكته، وأسكنه جناته، وآتاكم من فواضل نعمه ما لا يحصى عدده، وذرّية إبليس: الشياطين الذين يغرّون بني آدم.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج، عن مجاهد ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي ) قال : ذرّيته: هم الشياطين، وكان يعدّهم " زلنبور (3) " صاحب الأسواق ويضع رايته في كلّ سوق ما بين السماء والأرض، و " ثبر " صاحب المصائب، و " الأعور " صاحب الزنا و " مسوط" صاحب الأخبار، يأتي بها فيلقيها في أفواه الناس، ولا يجدون لها أصلا و " داسم " الذي إذا دخل الرجل بيته ولم يسلم ولم يذكر الله بصره من المتاع ما لم يرفع، وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: ثنا حفص بن غياث، قال : سمعت الأعمش يقول: إذا دخلتُ البيت ولم أسلم، رأيت مطهرة، فقلت : ارفعوا ارفعوا، وخاصمتهم، ثم أذكر فأقول: داسم داسم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: هم أربعة ثبر، وداسم، وزلنبور، والأعور، ومسوط: أحدها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي ).
.
.
.
الآية، وهم يتوالدون كما تتوالد بنو آدم، وهم لكم عدوّ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ) وهو أبو الجنّ كما آدم أبو الإنس.
وقال: قال الله لإبليس: إني لا أذرأ لآدم ذرّية إلا ذرأت لك مثلها، فليس من ولد آدم أحد إلا له شيطان قد قرن به.
وقوله: ( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا ) يقول عزّ ذكره : بئس البدل للكافرين بالله اتخاذ إبليس وذريته أولياء من دون الله ، وهم لكم عدوّ من تركهم اتخاذ الله وليا باتباعهم أمره ونهيه، وهو المنعم عليهم وعلى أبيهم آدم من قبلهم، المتفضّل عليهم من الفواضل ما لا يحصى بدلا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا ) بئسما استبدلوا بعبادة ربهم إذ أطاعوا إبليس.
------------------------الهوامش:(2) هذان بيتان من مشطور الرجز لرؤبة ، أوردها صاحب مجموع أشعار العرب ج 3 في ملحق ديوان رؤبة ص 190 والبيت الثاني في ( اللسان : فسق ) .
والشاهد في قوله : فواسقا بمعنى خوارج .
وقد استشهد بهما أبو عبيدة في ( مجاز القرآن : 1 : 406 ) قال : " ففسق عن أمر ربه " .
جار عنه ، وكفر به ، وقال رؤبة : " يهوين .
.
.
إلخ " ، وما قاله المؤلف شبيه بما قال أبو عبيدة .
(3) زلنبور وما عطف عليه من أسماء أولاد إبليس : مذكورة في ( التاج : زلنبور ) ، نقلا عن الأزهري في التهذيب في الخماسي ، والغزالي في الإحياء ، والصاغاني في التكملة .

﴿ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ﴾

قراءة سورة الكهف

المصدر : تفسير : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا