الذين آتيناهم الكتاب من قبل القرآن -وهم اليهود والنصارى الذين لم يبدِّلوا- يؤمنون بالقرآن وبمحمد عليه الصلاة والسلام.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«الذين آتيناهم الكتاب من قبله» أي القرآن «هم به يؤمنون» أيضا نزلت في جماعة أسلموا من اليهود كعبد الله بن سلام وغيره ومن النصارى قدموا من الحبشة ومن الشام.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يذكر تعالى عظمة القرآن وصدقه وحقه، وأن أهل العلم بالحقيقة يعرفونه ويؤمنون به ويقرون بأنه الحق، الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ وهم أهل التوراة، والإنجيل، الذين لم يغيروا ولم يبدلوا هُمْ بِهِ أي: بهذا القرآن ومن جاء به يُؤْمِنُونَ
﴿ تفسير البغوي ﴾
( الذين آتيناهم الكتاب من قبله ) من قبل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وقيل : من قبل القرآن ، ( هم به يؤمنون ) نزلت في مؤمني أهل الكتاب; عبد الله بن سلام وأصحابه . وقال مقاتل : بل هم أهل الإنجيل الذين قدموا من الحبشة وآمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال سعيد بن جبير : هم أربعون رجلا قدموا مع جعفر من الحبشة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة قالوا : يا نبي الله إن لنا أموالا فإن أذنت لنا انصرفنا وجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها فأذن لهم ، فانصرفوا فأتوا بأموالهم ، فواسوا بها المسلمين ، فنزل فيهم : ( الذين آتيناهم الكتاب ) إلى قوله تعالى : ( ومما رزقناهم ينفقون ) . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : نزلت في ثمانين من أهل الكتاب ، أربعون من نجران ، واثنان وثلاثون من الحبشة ، وثمانية من الشام . ثم وصفهم الله فقال : ( وإذا يتلى عليهم )
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها: أنها نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشيّ إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما قدموا عليه، قرأ عليهم سورة يس، فجعلوا يبكون وأسلموا.وقيل: نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه الذين أسلموا من اليهود.وقيل: نزلت في نصارى نجران.وعلى أية حال فالآيات الكريمة تمدح قوما من أهل الكتاب أسلموا، وتعرض بالمشركين الذين أعرضوا عن دعوة الإسلام، مع أن في اتباعها سعادتهم ورشدهم.والضمير في قوله مِنْ قَبْلِهِ يعود إلى القرآن الكريم، أو إلى النبي صلّى الله عليه وسلم والمراد بالموصول من آمن من أهل الكتاب، والمراد بالكتاب التوراة والإنجيل.أى: الذين آتيناهم الكتاب من اليهود والنصارى من قبل نزول القرآن عليك- أيها الرسول الكريم- هم به يؤمنون، لأنهم يرون فيه الحق الذي لا باطل معه، والهداية التي لا ننشوبها ضلالة.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يخبر تعالى عن العلماء الأولياء من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالقرآن ، كما قال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ) [ البقرة : 121 ] ، وقال : ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله ) [ آل عمران : 199 ] ، وقال : ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ) [ الإسراء : 107 ، 108 ] ، وقال : ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون . وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) [ المائدة : 82 ، 83 ] .قال سعيد بن جبير : نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشي ، فلما قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ عليهم : ( يس . والقرآن الحكيم ) حتى ختمها ، فجعلوا يبكون وأسلموا ، ونزلت فيهم هذه الآية الأخرى : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون . وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ) يعني : من قبل هذا القرآن كنا مسلمين ، أي : موحدين مخلصين لله مستجيبين له .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون أخبر أن قوما ممن أوتوا الكتاب من بني إسرائيل من قبل القرآن يؤمنون بالقرآن ، كعبد الله بن سلام وسلمان ويدخل فيه من أسلم من علماء النصارى ، وهم أربعون رجلا ، قدموا مع جعفر بن أبي طالب المدينة ، اثنان وثلاثون رجلا من الحبشة ، وثمانية نفر أقبلوا من الشام وكانوا أئمة النصارى : منهم بحيرا الراهب وأبرهة والأشرف وعامر وأيمن وإدريس ونافع . كذا سماهم الماوردي ، وأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية والتي بعدها أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا . قاله قتادة . وعنه أيضا : نزلت في عبد الله بن سلام وتميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي ، أسلموا فنزلت فيهم هذه الآية وعن رفاعة القرظي : نزلت في عشرة أنا أحدهم . وقال عروة بن الزبير : نزلت في النجاشي وأصحابه ووجه باثني عشر رجلا فجلسوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو جهل وأصحابه قريبا منهم ، فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فلما قاموا من عنده تبعهم أبو جهل ومن معه ، فقال لهم : خيبكم الله من ركب ، وقبحكم من وفد ، ولم تلبثوا أن صدقتموه ، وما رأينا ركبا أحمق منكم ولا أجهل ، فقالوا : ( سلام عليكم ) لم نأل أنفسنا رشدا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم وقد تقدم هذا في ( المائدة ) عند قوله وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول مستوفى . وقال أبو العالية : هؤلاء قوم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وقد أدركه بعضهم . من قبله أي من قبل القرآن . وقيل : من قبل محمد عليه السلام هم به أي بالقرآن أو بمحمد عليه السلام يؤمنون .
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) يعني بذلك تعالى ذكره قوما من أهل الكتاب آمنوا برسوله وصدقوه, فقال الذين آتيناهم الكتاب من قبل هذا القرآن, هم بهذا القرآن يؤمنون. فيقرّون أنه حق من عند الله, ويكذّب جهلة الأميين, الذين لم يأتهم من الله كتاب.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد, قال: ثنى أبي, قال: ثني عمي, قال: ثنى أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله:تعالى: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) قال: يعني من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب.حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ ) ... إلى قوله: لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ في مسلمة أهل الكتاب.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ ) ... إلى قوله: الْجَاهِلِينَ قال: هم مسلمة أهل الكتاب.قال ابن جُرَيج: أخبرني عمرو بن دينار: أن يحيى بن جعدة أخبره, عن عليّ بن رفاعة, قال: خرج عشرة رهط من أهل الكتاب, منهم أبو رفاعة, يعني أباه, إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فآمنوا, فأوذوا, فنزلت: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ ) قبل القرآن.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) قال: كنا نُحدَّث أنها نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحقّ, يأخذون بها, وينتهون إليها, حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم , فآمنوا به, وصدّقوا به, فأعطاهم الله أجرهم مرتين, بصبرهم على الكتاب الأوّل, واتباعهم محمدًا صلى الله عليه وسلم , وصبرهم على ذلك, وذكر أن منهم سلمان, وعبد الله بن سلام.حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) ... إلى قوله: مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ناس من أهل الكتاب آمنوا بالتوراة والإنجيل، ثم أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم , فآمنوا به. فآتاهم الله أجرهم مرّتين بما صبروا: بإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث, وباتباعهم إياه حين بعث, فذلك قوله: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ .