القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 52 سورة آل عمران - فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من

سورة آل عمران الآية رقم 52 : سبع تفاسير معتمدة

سورة فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من - عدد الآيات 200 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 52 من سورة آل عمران عدة تفاسير - سورة آل عمران : عدد الآيات 200 - - الصفحة 56 - الجزء 3.

سورة آل عمران الآية رقم 52


﴿ ۞ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ ﴾
[ آل عمران: 52]

﴿ التفسير الميسر ﴾

فلما استشعر عيسى منهم التصميم على الكفر نادى في أصحابه الخُلَّص: مَن يكون معي في نصرة دين الله؟ قال أصفياء عيسى: نحن أنصار دين الله والداعون إليه، صدَّقنا بالله واتبعناك، واشهد أنت يا عيسى بأنا مستسلمون لله بالتوحيد والطاعة.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«فلمّا أحس» علم «عيسى منهم الكفر» وأرادوا قتله «قال مَنْ أنصاري» أعواني ذاهبا «إلى الله» لأنصر دينه «قال الحواريون نحن أنصار الله» أعوان دينه وهم أصفياء عيسى أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها «آمنّا» صدقنا «بالله واشهد» يا عيسى «بأنّا مسلمون».

﴿ تفسير السعدي ﴾

فلما أحس عيسى منهم الكفر أي: رأى منهم عدم الانقياد له، وقالوا هذا سحر مبين، وهموا بقتله وسعوا في ذلك قال من أنصاري إلى الله من يعاونني ويقوم معي بنصرة دين الله قال الحواريون وهم الأنصار نحن أنصار الله أي: انتدبوا معه وقاموا بذلك.
وقالوا: آمنا بالله فاكتبنا مع الشاهدين أي: الشهادة النافعة، وهي الشهادة بتوحيد الله وتصديق رسوله مع القيام بذلك، فلما قاموا مع عيسى بنصر دين الله وإقامة شرعه آمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة، فاقتتلت الطائفتان فأيد الله الذين آمنوا بنصره على عدوهم فأصبحوا ظاهرين، فلهذا قال تعالى هنا ومكروا أي: الكفار بإرادة قتل نبي الله وإطفاء نوره ومكر الله بهم جزاء لهم على مكرهم والله خير الماكرين رد الله كيدهم في نحورهم، فانقلبوا خاسرين.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله تعالى : ( فلما أحس عيسى منهم الكفر ) أي وجد ، قاله الفراء ، وقال أبو عبيدة : عرف ، وقال مقاتل : رأى ( منهم الكفر ) وأرادوا قتله استنصر عليهم و ( قال من أنصاري إلى الله ) قال السدي : كان سبب ذلك أن عيسى عليه السلام لما بعثه الله عز وجل إلى بني إسرائيل وأمره بالدعوة نفته بنو إسرائيل وأخرجوه ، فخرج هو وأمه يسيحان في الأرض ، فنزل في قرية على رجل فأضافهما وأحسن إليهما ، وكان لتلك المدينة جبار متعد فجاء ذلك الرجل يوما مهتما حزينا فدخل منزله ومريم عند امرأته فقالت لها مريم : ما شأن زوجك أراه كئيبا ، قالت : لا تسأليني ، قالت : أخبريني لعل الله يفرج كربته ، قالت : إن لنا ملكا يجعل على كل رجل منا يوما أن يطعمه وجنوده ويسقيهم الخمر فإن لم يفعل عاقبه ، واليوم نوبتنا وليس لذلك عندنا سعة ، قالت : فقولي له لا يهتم فإني آمر ابني فيدعو له فيكفى ذلك ، فقالت مريم لعيسى عليه السلام في ذلك ، فقال عيسى : إن فعلت ذلك وقع شر ، قالت : فلا تبال فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا ، قال عيسى عليه السلام فقولي له إذا اقترب ذلك فاملأ قدورك وخوابيك ماء ثم أعلمني ففعل ذلك ، فدعا الله تعالى عيسى عليه السلام ، فتحول ماء القدور مرقا ولحما وماء الخوابي خمرا لم ير الناس مثله قط فلما جاء الملك أكل فلما شرب الخمر قال : من أين هذا الخمر قال : من أرض كذا ، قال [ الملك ] فإن خمري من تلك الأرض وليست مثل هذه قال : هي من أرض أخرى ، فلما خلط على الملك واشتد عليه قال : فأنا أخبرك عندي غلام لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ، وإنه دعا الله فجعل الماء خمرا وكان للملك ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل ذلك بأيام ، وكان أحب الخلق إليه ، فقال : إن رجلا دعا الله حتى جعل الماء خمرا [ ليستجاب له ] حتى يحيي ابني ، فدعا عيسى فكلمه في ذلك فقال عيسى : لا تفعل فإنه إن عاش وقع شر ، فقال الملك : لا أبالي أليس أراه قال عيسى : إن أحييته تتركوني وأمي نذهب حيث نشاء ، قال : نعم فدعا الله فعاش الغلام فلما رآه أهل مملكته قد عاش تبادروا بالسلاح ، وقالوا : أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف علينا ابنه فيأكلنا كما أكل أبوه فاقتتلوا فذهب عيسى وأمه فمر بالحواريين وهم يصطادون السمك ، فقال : ما تصنعون؟ فقالوا : نصطاد السمك قال : أفلا تمشون حتى نصطاد الناس ، قالوا : ومن أنت قال : أنا عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله من أنصاري إلى الله؟ فآمنوا به وانطلقوا معه .
قوله تعالى : ( من أنصاري إلى الله ) قال السدي وابن جريج : مع الله تعالى تقول العرب : الذود إلى الذود إبل أي مع الذود وكما قال الله تعالى : " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " ( 2 - النساء ) أي مع أموالكم وقال الحسن وأبو عبيدة : إلى بمعنى في أي من أعواني في الله أي في ذات الله وسبيله ، وقيل إلى في موضعه معناه من يضم نصرته إلى نصرة الله لي واختلفوا في الحواريين قال مجاهد والسدي : كانوا صيادين يصطادون السمك سموا حواريين لبياض ثيابهم ، وقيل : كانوا ملاحين وقال الحسن : كانوا قصارين سموا بذلك لأنهم كانوا يحورون الثياب أي يبيضونها وقال عطاء : سلمت مريم عيسى عليه السلام إلى أعمال شتى فكان آخر ما دفعته إلى الحواريين ، وكانوا قصارين وصباغين فدفعته إلى رئيسهم ليتعلم منه فاجتمع عنده ثياب وعرض له سفر ، فقال لعيسى : إنك قد تعلمت هذه الحرفة وأنا خارج في سفر لا أرجع إلى عشرة أيام وهذه ثياب الناس مختلفة الألوان ، وقد أعلمت على كل واحد منها بخيط على اللون الذي يصبغ به فيجب أن تكون فارغا منها وقت قدومي ، وخرج فطبخ عيسى جبا واحدا على لون واحد وأدخل جميع الثياب وقال : كوني بإذن الله على ما أريد منك ، فقدم الحواري والثياب كلها في الجب ، فقال : ما فعلت؟ فقال : فرغت منها ، قال : أين هي؟ قال : في الجب ، قال : كلها ، قال : نعم قال : لقد أفسدت تلك الثياب فقال : قم فانظر ، فأخرج عيسى ثوبا أحمر ، وثوبا أصفر ، وثوبا أخضر ، إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها ، فجعل الحواري يتعجب فعلم أن ذلك من الله ، فقال للناس : تعالوا فانظروا فآمن به هو وأصحابه فهم الحواريون ، وقال الضحاك : سموا حواريين لصفاء [ قلوبهم ] وقال ابن المبارك : سموا به لما عليهم من أثر العبادة ونورها ، وأصل الحور عند العرب شدة البياض ، يقال : رجل أحور وامرأة حوراء أي شديدة بياض العين ، وقال الكلبي وعكرمة : الحواريون هم الأصفياء وهم كانوا أصفياء عيسى عليه السلام ، وكانوا اثني عشر رجلا قال روح بن القاسم : سألت قتادة عن الحواريين قال : هم الذين يصلح لهم الخلافة ، وعنه أنه قال : الحواريون هم الوزراء ، وقال الحسن : الحواريون الأنصار ، والحواري الناصر ، والحواري في كلام العرب خاصة الرجل الذي يستعين به فيما ينوبه .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا الحميدي ، أخبرنا سفيان ، أخبرنا محمد بن المنكدر ، قال : سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول : ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن لكل نبي حواريا وحواريي الزبير " .
قال سفيان الحواري الناصر ، قال معمر : قال قتادة : إن الحواريين كلهم من قريش أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضي الله عنهم أجمعين( قال الحواريون نحن أنصار الله ) أعوان دين الله ورسوله ( آمنا بالله واشهد ) يا عيسى ( بأنا مسلمون ) .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

فقوله- تعالى- فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ شروع في بيان مآل أحواله- عليه السلام- وفي بيان موقف قومه منه بعد أن بين- قبل ذلك بعض صفاته ومعجزاته وخصائص رسالته.
وأحس: بمعنى علم ووجد وعرف.
والإحساس: الإدراك ببعض الحواس الخمس وهي الذوق والشم واللمس والسمع والبصر.
يقال أحس الشيء، علمه بالحس.
وأحس بالشيء شعر به بحاسته والمراد أن عيسى عليه السلام، علم من بنى إسرائيل الكفر علما لا شبهة فيه.
والأنصار جمع نصير مثل شريف وأشراف.
والمعنى أن عيسى- عليه السلام- قد جاء لقومه بالمعجزات الباهرات التي تشهد بصدقه في دعوته ولكنه لم يجد منهم أذنا واعية، فلما رأى تصميمهم على باطلهم، وأحس منهم الكفر أى علمه يقينا وتحققه تحقق ما يدرك بالحواس، قال على سبيل التبليغ وطلب النصرة: من أنصارى إلى الله؟ أى من أعوانى في الدعوة إلى الله والتبشير بدينه حتى أبلغ ما كلفنى بتبليغه.
قال ابن كثير: وذلك كما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول في مواسم الحج قبل أن يهاجر «هل من رجل يؤوينى وينصرني حتى أبلغ كلام ربي فإن قريشا قد منعونى أن أبلغ كلام ربي» فقيض الله له الأنصار فآووه ونصروه ومنعوه من الأسود والأحمر» .
والفاء في قوله فَلَمَّا تؤذن بالتعقيب على الآيات الباهرة.
أى أنهم بعد أن رأوا ما رأوا من معجزات عيسى لم يمتثلوا له ولم يتدبروا عاقبة أمرهم بل كذبوه على الفور، وحاولوا قتله تخلصا منه واستمروا على كفرهم.
والتعبير بأحس- كما أشرنا من قبل- يشعر بأنه علم منهم الكفر علما لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواس.
والمقول لهم مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ هم الحواريون كما يشير إليه قوله- تعالى- في سورة الصف: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ وقيل المقول لهم جميع أفراد قومه.
وقوله مِنْهُمُ متعلق بأحس.
ومن لابتداء الغاية أى ابتداء الإحساس من جهتهم.
أو متعلق بمحذوف على أنه حال من الكفر أى أحس الكفر حال كونه صادرا منهم.
وقوله إِلَى اللَّهِ متعلق بمحذوف على أنه حال من الياء في أنصارى.
أى من أنصارى حال كوني ذاهبا إلى الله أى ملتجئا إليه وشارعا في نصرة دينه.
وفي قوله مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ حض لهم على المسارعة إلى نصرة الحق لأنهم لا ينصرونه من أجل متعة زائلة.
وإنما هم ينصرونه لأنه يدافع عن دين الله ويبشر به، ومن نصر دين الله، نصره الله تعالى.
والآية الكريمة تشير إلى أن الكافرين كانوا هم الكثرة الكاثرة من بنى إسرائيل، بدليل أنه- سبحانه- نسب الكفر إليهم في قوله فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ وذلك لا يكون إلا إذا كان الكافرون هم الكثرة الظاهرة، والمؤمنون هم القلة غير الظاهرة حتى لكأن عيسى بقوله مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ يبحث عنهم من بين تلك الجموع الكثيرة من الكافرين.
وهنا يحكى القرآن أن المؤمنين الصادقين- مع قلتهم- لم يتقاعسوا عن تلبية نداء عيسى- عليه السلام- فقال الله- تعالى- قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ والحواريون جمع حوارى وهم أنصار عيسى الذين آمنوا به وصدقوه، وأخلصوا له ولازموه وكانوا عونا له في الدعوة إلى الحق.
يقال فلان حوارى فلان أى خاصه من أصحابه ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في الزبير بن العوام:«لكل نبي حوارى وحواريي الزبير» وأصل مادة «حور» هي شدة البياض.
أو الخالص من البياض، ولذلك قالوا في خالص لباب الدقيق الحوارى.
وقالوا في النساء البيض الحواريات والحوريات.
وقد سمى- تعالى- أصفياء عيسى وأنصاره بالحواريين لأنهم أخلصوا لله- تعالى نياتهم،وطهرت سرائرهم من النفاق والغش فصاروا في نقائهم وصفائهم كالشىء الأبيض الخالص البياض.
والمعنى: أن عيسى عليه السلام- لما أحس الكفر من بنى إسرائيل قال لهم من أنصارى إلى الله؟ فأجابه الحواريون الذين آمنوا به وصدقوه وباعوا نفوسهم الله- تعالى-: نحن أنصار الله الذين تبحث عنهم، ونحن الذين سنقف إلى جانبك لنصرة الحق، فقد آمنا بالله إيمانا عميقا، ونريدك أن تشهد على إيماننا هذا، وأن تشهد لنا يا عيسى بأنا مسلمون حين تشهد الرسل لأقوامهم وعليهم.
فأنت ترى أن الحواريين لقوة إيمانهم وصفاء نفوسهم قد لبوا دعوة عيسى- عليه السلام- في طلب النصرة دون أن يخشوا أحدا إلا الله.
وقولهم- كما حكى القرآن عنهم نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ إشعار بأنهم ما وقفوا بجانب عيسى إلا نصرة لدين الله ودفاعا عن الحق الذي أنزله على رسوله عيسى.
وقولهم آمَنَّا بِاللَّهِ جملة في معنى العلة للنصرة أى نحن أنصار الله يا عيسى لأننا آمنا بأنه هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأنه هو الخالق لكل شيء والقادر على كل شيء.
وقولهم وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ معطوف على آمنا والشهادة هنا بمعنى العلم المنبعث من المعاينة والمشاهدة فهم يطلبون من عيسى- عليه السلام- أن يكون شاهدا لهم يوم القيامة بأنهم أسلموا وجوههم الله وأخلصوا له العبادة.
وأقوالهم هذه التي حكاها القرآن عنهم تدل على أنهم كانوا في الدرجة العليا من قوة الإيمان وصدق اليقين، ونقاء السريرة.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

يقول تعالى : ( فلما أحس عيسى ) أي : استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال قال : ( من أنصاري إلى الله ) قال مجاهد : أي من يتبعني إلى الله ؟ وقال سفيان الثوري وغيره : من أنصاري مع الله ؟ وقول مجاهد أقرب .والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله ؟ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج ، قبل أن يهاجر : " من رجل يؤويني على [ أن ] أبلغ كلام ربي ، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي " حتى وجد الأنصار فآووه ونصروه ، وهاجر إليهم فآسوه ومنعوه من الأسود والأحمر . وهكذا عيسى ابن مريم ، انتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به وآزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه . ولهذا قال تعالى مخبرا عنهم : ( قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون . ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) الحواريون ، قيل : كانوا قصارين وقيل : سموا بذلك لبياض ثيابهم ، وقيل : صيادين . والصحيح أن الحواري الناصر ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب ، فانتدب الزبير ، ثم ندبهم فانتدب الزبير [ ثم ندبهم فانتدب الزبير ] فقال : " إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير " .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمونقوله تعالى : فلما أحس عيسى منهم الكفر أي من بني إسرائيل .
وأحس معناه علم ووجد قاله الزجاج .
وقال أبو عبيدة : معنى ( أحس ) عرف ، وأصل ذلك وجود الشيء بالحاسة .
والإحساس : العلم بالشيء ; قال الله تعالى : هل تحس منهم من أحد والحس القتل ; قال الله تعالى : إذ تحسونهم بإذنه .
ومنه الحديث في الجراد ( إذا حسه البرد ) .
منهم الكفر أي الكفر بالله .
وقيل : سمع منهم كلمة الكفر .
وقال الفراء : أرادوا قتله .
قال من أنصاري إلى الله استنصر عليهم .
قال السدي والثوري وغيرهما : المعنى مع الله ، فإلى بمعنى مع ; كقوله تعالى : ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ; أي مع ، والله أعلم .
وقال الحسن : المعنى من أنصاري في السبيل إلى الله ; لأنه دعاهم إلى الله عز وجل .
وقيل : المعنى من يضم نصرته إلى نصرة الله عز وجل .
( فإلى ) على هذين القولين على بابها ، وهو الجيد .
وطلب النصرة ليحتمي بها من قومه ويظهر الدعوة ; عن الحسن ومجاهد .
وهذه سنة الله في أنبيائه وأوليائه .
وقد قال لوط : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ; أي عشيرة وأصحاب ينصرونني .
قال الحواريون نحن أنصار الله أي أنصار نبيه ودينه .
والحواريون أصحاب عيسى عليه السلام ، وكانوا اثني عشر رجلا ; قاله الكلبي وأبو روق .
واختلف في تسميتهم بذلك ; فقال ابن عباس : سموا بذلك لبياض ثيابهم ، وكانوا صيادين .
ابن أبي نجيح وابن أرطاة : كانوا قصارين فسموا بذلك لتبييضهم الثياب .
قال عطاء : أسلمت مريم عيسى إلى أعمال شتى ، وآخر ما دفعته إلى الحواريين وكانوا قصارين وصباغين ، فأراد معلم عيسى السفر فقال لعيسى : عندي ثياب كثيرة مختلفة الألوان وقد علمتك الصبغة فاصبغها .
فطبخ عيسى حبا واحدا وأدخله جميع الثياب وقال : كوني بإذن الله على ما أريد منك .
فقدم الحواري والثياب كلها في الحب فلما رآها قال : قد أفسدتها ; فأخرج عيسى ثوبا أحمر وأصفر وأخضر إلى غير ذلك مما كان على كل ثوب مكتوب عليه صبغة ; فعجب الحواري ، وعلم أن ذلك من الله ودعا الناس إليه فآمنوا به ; فهم الحواريون .
قتادة والضحاك : سموا بذلك لأنهم كانوا خاصة الأنبياء .
يريدان لنقاء قلوبهم .
وقيل .
كانوا ملوكا ، وذلك أن الملك صنع طعاما فدعا الناس إليه فكان عيسى على قصعة فكانت لا تنقص ، فقال الملك له : من أنت ؟ قال : عيسى ابن مريم .
قال : إني أترك ملكي هذا وأتبعك .
فانطلق بمن اتبعه معه ، فهم الحواريون ; قاله ابن عون .
وأصل الحور في اللغة البياض ، وحورت الثياب بيضتها ، والحواري من الطعام ما حور ، أي بيض ، واحور ابيض ، والجفنة المحورة : المبيضة بالسنام ، والحواري أيضا الناصر ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لكل نبي حواري وحواريي الزبير .
والحواريات : النساء لبياضهن ; وقال :فقل للحواريات يبكين غيرنا ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " فلما أحسّ عيسى منهم الكفر "، فلما وَجد عيسى منهم الكفر.
* * *" والإحساس "، هو الوجود، ومنه قول الله عز وجل: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ [سورة مريم: 98].
فأما " الحَسُّ"، بغير " ألف "، فهو الإفناء والقتل، ومنه قوله: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [سورة آل عمران: 152].
" والحَسُّ" أيضًا العطف والرقة، ومنه قول الكميت:هَلْ مَنْ بَكَى الدَّارَ رَاجٍ أَنْ تَحِسَّ لَهُ,أَوْ يُبْكِيَ الدَّارَ مَاءُ العَبْرَةِ الخَضِلُ? (56)يعني بقوله: " أن تحس له "، أن ترقّ له.
* * *فتأويل الكلام: فلما وَجد عيسى - من بني إسرائيل الذين أرسله الله إليهم - جحودًا لنبوّته، وتكذيبًا لقوله، وصدًّا عما دعاهم إليه من أمر الله، قال: " مَن أنصاري إلى الله "؟، يعني بذلك: قال عيسى: من أعواني على المكذبين بحجة الله، (57) والمولِّين عن دينه، والجاحدين نبوة نبيه، =" إلى الله " عز وجل؟* * *ويعني بقوله: " إلى الله "، مع الله.
وإنما حَسُن أن يقال: " إلى الله "، بمعنى: مع الله، لأن من شأن العرب إذا ضموا الشيء إلى غيره، ثم أرادوا الخبر عنهما بضم أحدهما مع الآخر إذا ضم إليه، جعلوا مكان " مع "،" إلى " أحيانًا، وأحيانًا تخبر عنهما ب" مع " فتقول: " الذود إلى الذود إبل "، بمعنى: إذا ضممتَ الذود إلى الذود صارت إبلا.
فأما إذا كان الشيء مع الشيء لم يقولوه ب" إلى "، ولم يجعلوا مكان " مع "" إلى ".
غيرُ جائز أن يقال: " قدم فلانٌ وإليه مالٌ"، بمعنى: ومعه مال.
(58)* * *وبمثل ما قلنا في تأويل قوله: " مَنْ أنصاري إلى الله "، قال جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:7120 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " من أنصاري إلى الله "، يقول: مع الله.
(59)7121 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " من أنصاري إلى الله "، يقول: مع الله.
* * *وأما سبب استنصار عيسى عليه السلام من استنصر من الحواريين، فإن بين أهل العلم فيه اختلافًا.
فقال بعضهم: كان سبب ذلك ما:-7122 - حدثني به موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: لما بعث الله عيسى، فأمره بالدعوة، نفتْه بنو إسرائيل وأخرجوه، فخرج هو وأمُّه يسيحون في الأرض.
فنزل في قرية على رجل فضافَهم وأحسن إليهم.
وكان لتلك المدينة ملك جبارٌ معتدٍ، فجاء ذلك الرجل يومًا وقد وقعَ عليه همٌّ وحزن، فدخل منزله ومريم عند امرأته.
فقالت مريم لها: ما شأن زوجك؟ أراه حزينًا! قالت: لا تسألي! قالت: أخبريني! لعل الله يُفرِّج كربته! قالت: فإن لنا ملكًا يجعل على كلّ رجل منا يومًا يُطعمه هو وجنودَه &; 6-445 &; ويسقيهم من الخمر، فإن لم يفعل عاقبه، وإنه قد بلغت نَوبتُه اليوم الذي يريد أن نصنع له فيه، وليس لذلك عندنا سعة! قالت: فقولي له لا يهتم، فإني آمر ابني فيدعُو له، فيُكْفَي ذلك.
قالت مريم لعيسى في ذلك، قال عيسى: يا أمَّهْ، إني إن فعلت كان في ذلك شرٌّ.
قالت: فلا تُبالِ، فإنه قد أحسنَ إلينا وأكرمنا! قال عيسى: فقولي له: إذا اقترب ذلك، فاملأ قُدُورك وخوَابيك ماء، ثم أعلمني.
(60) قال: فلما ملأهنَّ أعلمه، فدعا الله، فتحوَّل ما في القدُور لحمًا ومَرَقًا وخبزًا، وما في الخوابي خمرًا لم ير الناس مثله قطّ وإياه طعامًا.
(61) فلما جاء الملك أكل، فلما شرب الخمرَ سأل: من أين هذه الخمر؟ قال له: هي من أرض كذا وكذا.
قال الملك: فإنّ خمري أوتَي بها من تلك الأرض، فليس هي مثل هذه! قال: هي من أرض أخرى.
فلما خلَّط على الملك اشتدّ عليه، قال: فأنا أخبرك، عندي غلام لا يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وإنه دعا اللهَ، فجعل الماءَ خمرًا.
قال الملك = وكان له ابنٌ يريد أن يستخلفه، فمات قبل ذلك بأيام، وكان أحب الخلق إليه = فقال: إن رجلا دعا الله حتى جعل الماء خمرًا، ليُستجابَنّ له حتى يُحييَ ابني! فدعا عيسى فكلمه، فسأله أن يدعو الله فيحيي ابنه، فقال عيسى: لا تفعلْ، فإنه إن عاش كان شرًا.
فقال الملك: لا أبالي، أليس أراه، فلا أبالي ما كان.
فقال عيسى عليه السلام: فإن أحييته تتركوني أنا وأمي نذهب أينما شئنا؟ قال الملك: نعم.
فدعا الله فعاش الغلام.
فلما رآه أهل مملكته قد عاش، تنادَوْا بالسلاح وقالوا: أكلنا هذا، حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف ابنه، فيأكلنا كما أكلنا أبوه!! فاقتتلوا، وذهب عيسى وأمُّه، وصحبهما يهودي، وكان مع اليهودي رغيفان، ومع عيسى رغيف، فقال له عيسى: شاركني.
فقال اليهودي: نعم.
فلما رأى أنه ليس مع عيسى إلا رغيف ندم، فلما ناما جعل اليهوديّ يريد أن يأكلَ الرغيف، فلما أكل لقمة قال له عيسى: ما تصنع؟ فيقول: لا شيء! فيطرحها، حتى فرغ من الرغيف كله.
فلما أصبحا قال له عيسى: هلمَّ طعامك! فجاء برغيف، فقال له عيسى: أين الرغيف الآخر؟ قال: ما كان معي إلا واحد.
فسكت عنه عيسى، فانطلقوا، فمروا براعي غنم، فنادى عيسى: يا صاحب الغنم، أجزرْنا شاةً من غنمك.
(62) قال: نعم، أرسل صاحبك يأخذها.
فأرسل عيسى اليهوديّ، فجاء بالشاة فذبحوها وشوَوْها، ثم قال لليهودي: كل، ولا تكسِرنّ عظمًا.
فأكلا.
(63) فلما شبعوا، قذفَ عيسى العظام في الجلد، ثم ضربها بعصاه وقال: قومي بإذن الله! فقامت الشاة تَثغُو، فقال: يا صاحبَ الغنم، خذ شاتك.
فقال له الراعي: من أنتَ؟ فقال: أنا عيسى ابن مريم.
قال: أنت الساحر! وفرّ منه.
قال: عيسى لليهودي: بالذي أحيى هذه الشاة بعدَما أكلناها، كم كان معك رغيفًا؟ فحلف كان معه إلا رغيف واحد، فمرُّوا بصاحب بَقر، فنادى عيسى فقال: يا صاحب البقر، أجزرنا من بَقرك هذه عجلا.
قال: ابعث صاحبك يأخذه.
قال: انطلق يا يهوديّ فجئ به.
فانطلق فجاءَ به.
فذبحه وشواه وصاحبُ البقر ينظر، فقال له عيسى: كلْ ولا تكسِرَن عظمًا.
فلما فرغوا، قذف العظام في الجلد ثم ضربه بعصاه، = وقال: قم بإذن الله.
فقام وله خُوَارٌ، قال: خُذ &; 6-447 &; عجلك.
قال: ومن أنت؟ قال: أنا عيسى.
قال: أنت السحَّار! ثم فر منه.
قال اليهودي: يا عيسى أحييته بعد ما أكلناه! قالَ عيسى: فبالذي أحيَى الشاة بعد ما أكلناها، والعجلَ بعد ما أكلناه، كم كان معك رغيفًا؟ فحلف بالله ما كان معه إلا رغيف واحد.
فانطلقا، حتى نزلا قريةً، فنزل اليهودي أعلاها وعيسى في أسفلها، وأخذ اليهودي عَصا مثل عصا عيسى وقال: أنا الآنَ أحيي الموتى! وكان ملك تلك المدينة مريضًا شديد المرض، فانطلق اليهودي يُنادي: من يبتغي طبيبًا؟ حتى أتى ملك تلك القرية، فأخبر بوجعه، فقال: أدخلوني عليه فأنا أبرئه، وإن رأيتموه قد مات فأنا أحييه.
فقيل له: إن وجع الملك قد أعيَى الأطباء قبلك، ليس من طبيب يُداويه ولا يُفيء دواؤه شيئًا إلا أمر به فصلب.
(64) قال: أدخلوني عليه، فإني سأبرئه.
فأدخل عليه فأخذ برجل الملك فضربه بعصاه حتى مات، فجعل يضربه بعصاه وهو ميت ويقول: قُم بإذن الله! فأخذ ليُصْلب، فبلغ عيسى، فأقبل إليه وقد رفع على الخشبة، فقال: أرأيتم إن أحييت لكم صاحبكم، أتتركون لي صاحبي؟ قالوا: نعم.
فأحيى اللهُ الملكَ لعيسى، فقام وأنزل اليهودي فقال: يا عيسى أنتَ أعظم الناس عليّ منةً، والله لا أفارقك أبدًا.
قال عيسى = فيما حدثنا به محمد بن الحسين بن موسى قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي = لليهودي: أنشُدك بالذي أحيى الشاة والعجلَ بعد ما أكلناهما، وأحيى هذا بعد ما مات، وأنزلك من الجِذْع بعد ما رُفعت عليه لتصلب، كم كان معك رغيفًا؟ قال: فحلف بهذا كله ما كان معه إلا رغيف واحد، قال: لا بأس! فانطلقا، حتى مرّا على كنز قد حفرته السباع والدواب، فقال اليهودي: يا عيسى، لمن هذا المال؟ قال عيسى: دعه، فإنّ له أهلا يهلكون عليه.
فجعلت نفسُ اليهودي تَطلَّعُ &; 6-448 &; إلى المال، ويكره أن يعصي عيسى، فانطلق مع عيسى.
ومرّ بالمال أربعة نَفر، فلما رأوه اجتمعوا عليه، فقال: اثنان لصاحبيهما: انطلقا فابتاعا لنا طعامًا وشرابًا ودوابَّ نحملُ عليها هذا المال.
فانطلق الرجلان فابتاعا دوابّ وطعامًا وشرابًا، وقال أحدهما لصاحبه: هل لك أن نجعل لصاحبينا في طعامهما سَمًّا، فإذا أكلا ماتا، فكان المال بيني وبينك، فقال الآخر: نعم! ففعلا.
وقال الآخران: إذا ما أتيانا بالطعام، فليقم كل واحد إلى صاحبه فيقتله، فيكون الطعامُ والدوابّ بيني وبينك.
فلما جاءا بطعامهما قاما فقتلاهما، ثم قعدا على الطعام فأكلا منه، فماتا.
وأعْلِم ذلك عيسى، (65) فقال لليهودي: أخرجه حتى نقتسمه، فأخرجه، فقسمه عيسى بين ثلاثة، فقال اليهودي: يا عيسى، اتق الله ولا تظلمني، فإنما هو أنا وأنت!! وما هذه الثلاثة؟ قال له عيسى: هذا لي، وهذا لك، وهذا الثلث لصاحب الرغيف.
قال اليهودي: فإن أخبرتك بصاحب الرغيف، تعطيني هذا المال؟ فقال عيسى: نعم.
قال: أنا هو.
قال: عيسى: خذ حظي وحظَّك وحظَّ صاحب الرغيف، فهو حظك من الدنيا والآخرة.
فلما حمله مَشى به شيئًا، فخُسِف به.
(66) وانطلق عيسى ابن مريم، فمر بالحواريِّين وهم يصطادون السمك، فقال: ما تصنعون؟ فقالوا: نصطاد السمك.
فقال: أفلا تمشون حتى نصطادَ الناس؟ قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا عيسى ابن مريم، فآمنوا به وانطلقوا معه.
فذلك قول الله عز وجل: " مَنْ أنصاري إلى الله قال الحواريون نحنُ أنصارُ الله آمنا بالله واشهدْ بأنا مسلمون ".
7122م - حدثنا محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد بن منصور، عن الحسن في قوله: " فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله "، الآية قال: استنصر فنصرَه الحواريون، وظهر عليهم.
* * *وقال آخرون: كان سببُ استنصار عيسى من استنصرَ، لأن من استنصرَ الحواريِّين عليه كانوا أرادُوا قتله.
ذكر من قال ذلك:7123 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: " فلما أحس عيسى منهم الكفر "، قال: كفروا وأرادُوا قتله، فذلك حين استنصر قومه =" قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصارُ الله ".
* * *" والأنصار "، جمع " نصير "، (67) كما " الأشراف " جمع " شريف "،" والأشهاد " جمع " شهيد ".
* * *وأما " الحواريون "، فإن أهل التأويل اختلفوا في السبب الذي من أجله سموا " حواريون ".
فقال بعضهم: سموا بذلك لبياض ثيابهم.
ذكر من قال ذلك:7124 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال: مما روى أبي قال، حدثنا قيس بن الربيع، عن ميسرة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال: إنما سمُّوا " الحواريين "، ببياض ثيابهم.
* * *وقال آخرون: سموا بذلك: لأنهم كانوا قَصّارين يبيِّضون الثياب.
ذكر من قال ذلك:7125 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن أبي أرطأة قال: " الحواريون "، الغسالون الذين يحوّرون الثياب، يغسلونها.
* * *وقال آخرون: هم خاصّة الأنبياء وصفوتهم.
ذكر من قال ذلك:7126 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن روح بن القاسم، أن قتادة ذكرَ رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان من الحواريين.
فقيل له: من الحواريُّون؟ قال: الذين تصلح لهم الخلافة.
7127 - حدثت عن المنجاب قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا بشر، عن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك في قوله: " إذ قال الحواريون "، قال: أصفِياء الأنبياء.
* * *قال أبو جعفر: وأشبه الأقوال التي ذكرنا في معنى " الحواريين "، قولُ من قال: " سموا بذلك لبياض ثيابهم، ولأنهم كانوا غسّالين ".
وذلك أن " الحوَر " عند العرب شدة البياض، ولذلك سمي" الحُوَّارَى " من الطعام " حُوّارَى " لشدة بياضه، (68) ومنه قيل للرجل الشديد البياض مقلة العينين " أحور "، وللمرأة " حوراء ".
وقد يجوز أن يكون حواريو عيسى كانوا سُمُّوا بالذي ذكرنا، من تبييضهم الثيابَ، وأنهم كانوا قصّارين، فعرفوا بصحبة عيسى، واختياره إياهم لنفسه أصحابًا وأنصارًا، فجرى ذلك الاسم لهم، واستُعمل، &; 6-451 &; حتى صار كل خاصّة للرجل من أصحابه وأنصاره: " حواريُّه "، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم.
7128 -" إنّ لكلّ نبيَ حواريًّا، وَحوَاريَّ الزبير ".
(69)* * *= يعني خاصته.
وقد تسمي العرب النساء اللواتي مساكنهن القرَى والأمصار " حَوَاريَّات "، وإنما سمين بذلك لغلبة البياض عليهن، ومن ذلك قول أبي جَلْدة اليشكري: (70)فَقُلْ لِلْحَوَارِيَّاتِ يَبْكِينَ غَيْرَنَاوَلا تَبْكِنَا إلا الكِلابُ النَّوابِحُ (71)* * *ويعني بقوله: " قال الحواريون "، قال هؤلاء الذين صفتهم ما ذكرنا، من تبييضهم الثياب: "آمنا بالله "، صدقنا بالله، واشهد أنتَ يا عيسى بأننا مسلمون.
* * *قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من الله عز وجل أن الإسلامَ دينُه الذي ابتعثَ به &; 6-452 &; عيسى والأنبياءَ قبله، لا النصرانية ولا اليهوديةَ = وتبرئةٌ من الله لعيسى ممن انتحل النصرانية ودان بها، كما برّأ إبراهيم من سائر الأديان غير الإسلام، وذلك احتجاجٌ من الله تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم على وفد نجران، كما:-7129 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " فلما أحسّ عيسى منهم الكفر " والعدوان (72) =" قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله "، وهذا قولهم الذي أصابوا به الفضلَ من ربهم =" واشهد بأنا مسلمون "، لا كما يقول هؤلاء الذين يحاجونك فيه - يعني وفدَ نصارَى نجران.
(73)* * *------------------------الهوامش :(56) معاني القرآن للفراء 1: 217 ، ومجالس ثعلب: 486 ، وإصلاح المنطق: 240 ، واللسان (حسس).
والخضل: المتتابع الدائم الكثير الهمول.
يتعجب من الباكي على أطلال أحبابه ، وما يرجو منها: أترق له ، أم تبكي لبكائه؟ يسفه ما يفعل.
ثم انظر سائر ما قيل في هذا الحرف من اللغة في المراجع السالفة.
(57) انظر تفسير"الأنصار" فيما سلف 2: 489 / 5: 581.
(58) انظر ما سلف 1: 299 ، ثم انظر معاني القرآن للفراء 1: 218 ، وهذا مختصر مقالته.
(59) الأثر: 7120- مضى هذا الإسناد قديمًا برقم: 2100 ، "محمد بن الحسين بن موسى ابن أبي حنين الكوفي" ، روى عن عبيد الله بن موسى ، وأحمد بن المفضل ، وأبي غسان مالك بن إسماعيل.
وهو صدوق قاله ابن أبي حاتم في كتابه 3 / 2 / 230.
و"أحمد بن المفضل القرشي الأموي" الكوفي الحفري.
روى عن الثوري ، وأسباط بن نصر ، وإسرائيل.
روى عنه أبو زرعة ، وأبو حاتم ، وغيرهما قال أبو حاتم: "كان صدوقًا ، وكان من رؤساء الشيعة".
مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 77.
(60) الخوابي جمع خابية: وهي الحب (بضم الحاء) ، والحب: جرة ضخمة يجعل فيها الماء والخمر وغيرهما.
(61) هذه الكلمة: "وإياه طعامًا" هكذا هي غير منقوطة في المخطوطة ، وأما المطبوعة ، فإنها جعلتها"وإياه طعامًا" ، ولم أجد لها وجهًا أرتضيه.
وقد رأيت كل من نقل خبر السدي قد أسقط هذه الكلمة من روايته ، فأسقطها الثعلبي في قصص الأنبياء: 341 ، والبغوي في تفسيره (بهامش ابن كثير) 2: 146 ، والدر المنثور 2: 34 ، وغيرهم.
وأنا أستبعد أن تكون زيادة من الناسخ ، وأقطع بأنها ثابتة في أصل أبي جعفر ، ولكني لم أجد لها وجهًا من وجوه التصحيف أحملها عليه ، ولكنها ولا شك تعني: "وهيأ طعامًا".
وأرجو أن يوفق غيري إلى معرفة صوابها ، وأسأل الله أن يوفقني إلى مثله.
(62) في المخطوطة: "اجزر شاة" ، والصواب ما في المطبوعة: أجزره شاة: أعطاه شاة تصلح للذبح.
وستأتي مرة أخرى على الصواب في حديث البقرة الآتي ، في المخطوطة.
(63) خالف بين الضمائر ، فقال"فأكلا" يعني عيسى وصاحبه ، ثم قال: "فلما شبعوا" ، يعني عيسى وصاحبه وأمه مريم عليهما السلام.
وهذا سياق لا بأس به في مجاز العربية.
(64) أفا يفيء: رد وأرجع.
يعني: لا يرد عليه عافيته.
وفي المخطوطة: "لا يفي" ، وهذا صواب قراءتها.
(65) في المطبوعة: "أعلم ذلك لعيسى" ، والصواب ما في المخطوطة.
(66) قوله: "شيئًا" ، أي قليلا ، كقول سالم بن وابصة الأسدي:غِنَى النَّفْسِ مَا يَكْفِيكَ مِنْ سَدِّ خَلَّةٍفإن زادَ شيئًا, عَادَ ذَاكَ الغِنَى فَقْرَاوكقول عمر بن أبي ربيعة:وقالت لَهُنَّ: ارْبَعْنَ شيئًا, لَعَلَّنِيوَإنْ لامَني فِيمَا ارْتَأَيْتَ مُلِيمُوهذا من نوادر اللغة ، مما أغفلت بيانه المعاجم.
(67) انظر تفسير"الأنصار" فيما سلف قريبًا: 443 ، تعليق: 2.
والمراجع هناك.
(68) الحواري (بضم الحاء وتشديد الواو ، وراء مفتوحة): هو ما حور من الطعام ، أي بيض ، ودقيق حوارى: هو الدقيق الأبيض ، وهو لباب الدقيق وأجوده وأخلصه.
(69) الأثر: 7128- ذكره الطبري بغير إسناد ، وهو من صحيح الحديث.
أخرجه البخاري في مواضع (الفتح 6: 39 / 7: 64 ، 412 / 13: 203 ، 204) ، وأخرجه مسلم في صحيحه 15: 188.
وكان في المطبوعة: "إن لكل نبي حواري" ، وصوابه ما أثبت.
والرواية الأخرى بحذف: "إن" أي: "لكل نبي حواري".
(70) هو أبو جلدة بن عبيد بن منقذ اليشكري ، من شعراء الدولة الأموية ، كان من أخص الناس بالحجاج ، ثم فارقه وخرج مع ابن الأشعث ، وصار من أشد الناس تحريضًا على الحجاج.
فلما قتل وأتى الحجاج برأسه ووضع بين يديه ، مكث ينظر إليه طويلا ثم قال: كم من سر أودعته هذا الرأس فلم يخرج منه حتى أتيت به مقطوعًا!!(71) الؤتلف والمختلف للآمدي: 79 ، والأغاني 11: 311 ، والوحشيات: 36 ، وحماسة ابن الشجري: 65 ، واللسان (حور) ، وبعده.
بَكَيْنَ إِلَيْنَا خَشْيَةً أَنْ تُبِيحَهَارمَاحُ النَّصَارَى والسُّيُوفُ الجوارحُبَكَيْنَ لِكَيْمَا يَمْنَعُوهُنَّ مِنْهُمُوَتَأْبَى قُلُوبٌ أَضْمَرَتْها الجَوَانِحُيقولها تحريضًا وتحضيضًا على قتال أهل الشام.
(72) في سيرة ابن هشام: "والعدوان عليه".
(73) الأثر: 7129- سيرة ابن هشام 2: 230 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها رقم: 7119.

﴿ فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ﴾

قراءة سورة آل عمران

المصدر : تفسير : فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من