القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 54 سورة النساء - أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله

سورة النساء الآية رقم 54 : سبع تفاسير معتمدة

سورة أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله - عدد الآيات 176 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 54 من سورة النساء عدة تفاسير - سورة النساء : عدد الآيات 176 - - الصفحة 87 - الجزء 5.

سورة النساء الآية رقم 54


﴿ أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ فَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ ءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَيۡنَٰهُم مُّلۡكًا عَظِيمٗا ﴾
[ النساء: 54]

﴿ التفسير الميسر ﴾

بل أيحسدون محمدًا صلى الله عليه وسلم على ما أعطاه الله من نعمة النبوة والرسالة، ويحسدون أصحابه على نعمة التوفيق إلى الإيمان، والتصديق بالرسالة، واتباع الرسول، والتمكين في الأرض، ويتمنون زوال هذا الفضل عنهم؟ فقد أعطينا ذرية إبراهيم عليه السلام -من قَبْلُ- الكتب، التي أنزلها الله عليهم وما أوحي إليهم مما لم يكن كتابا مقروءا، وأعطيناهم مع ذلك ملكا واسعا.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«أم» بل «يحسدون الناس» أي النبي صلى الله عليه وسلم «على ما آتاهم الله من فضله» من النبوة وكثرة النساء، أي يتمنون زواله عنه ويقولون لو كان نبيا لاشتغل عن النساء «فقد آتينا آل إبراهيم» جده كموسى وداود وسليمان «الكتاب والحكمة» والنبوة «وآتيناهم ملكا عظيما» فكان لداود تسع وتسعون امرأة ولسليمان ألف ما بين حُرَّةِ وسرية.

﴿ تفسير السعدي ﴾

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي: هل الحامل لهم على قولهم كونهم شركاءَ لله فيفضلون من شاءوا؟ أم الحامل لهم على ذلك الحسدُ للرسول وللمؤمنين على ما آتاهم الله من فضله؟ وذلك ليس ببدع ولا غريب على فضل الله.
فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا وذلك ما أنعم الله به على إبراهيم وذريته من النبوة والكتاب والملك الذي أعطاه من أعطاه من أنبيائه ك "داود" و "سليمان" .
فإنعامه لم يزل مستمرًا على عباده المؤمنين.
فكيف ينكرون إنعامه بالنبوة والنصر والملك لمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأجلهم وأعظمهم معرفة بالله وأخشاهم له؟"

﴿ تفسير البغوي ﴾

( أم يحسدون الناس ) يعني : اليهود ، ويحسدون الناس : قال قتادة : المراد بالناس العرب ، حسدهم اليهود على النبوة ، وما أكرمهم الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم .
وقيل : أراد محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وجماعة : المراد بالناس : رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده حسدوه على ما أحل الله له من النساء ، وقالوا : ما له هم إلا النكاح ، وهو المراد من قوله : ( على ما آتاهم الله من فضله ) وقيل : حسدوه على النبوة وهو المراد من الفضل المذكور في الآية ، ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة ) أراد بآل إبراهيم : داود وسليمان ، وبالكتاب : ما أنزل الله عليهم وبالحكمة النبوة ( وآتيناهم ملكا عظيما ) فمن فسر الفضل بكثرة النساء فسر الملك العظيم في حق داود وسليمان عليهما السلام بكثرة النساء ، فإنه كان لسليمان ألف امرأة ثلاثمائة حرة وسبعمائة سرية وكان لداود مائة امرأة ، ولم يكن يومئذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسع نسوة ، فلما قال لهم ذلك سكتوا .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم انتقل- سبحانه- من تبكيتهم على البخل وغيره مما سبق إلى تقريعهم على رذيلة الحسد التي استولت عليهم فأضلتهم وجعلتهم يتألمون لما يصيب الناس من خير ويتمنون زواله فقال- تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
وأَمْ هنا منقطعة أيضا كسابقتها، والاستفهام المقدر بعدها لإنكار الواقع وهو حسدهم لغيرهم.
والمراد من الناس: النبي صلى الله عليه وسلم أو هو والمؤمنون معه.
وقيل المقصود من الناس: العرب عامة.
قال الفخر الرازي: والمراد من الناس- عند الأكثرين- أنه محمد صلى الله عليه وسلم.
وإنما جاز أن يقع عليه لفظ الجمع وهو واحد لأنه اجتمع عنده من خصال الخير ما لا يحصل إلا متفرقا في الجمع العظيم أو المراد بهم: الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين لأن لفظ الناس جمع فحمله على الجمع أولى من حمله على المفرد.
وحسن لفظ إطلاق الناس عليهم لأنهم القائمون بالعبودية الحق لله- تعالى- فكأنهم كل الناس .
.
.
» .
والمراد بالفضل في قوله عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ النبوة والهدى والإيمان.
والمعنى: إن هؤلاء اليهود ليسوا بخلاء فقط بل إن فيهم من الصفات ما هو أقبح من البخل وهو الحسد، فقد حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله منحه النبوة وهو رجل عربي ليس منهم، وحسدوا أتباعه لأنهم آمنوا به وصدقوه والتفوا من حوله يؤازرونه ويفتدونه بأرواحهم وأموالهم.
وقوله فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً توبيخ لهم على حسدهم، وإلزام لهم بما هو مسلم عندهم.
والمعنى: إنكم بحسدكم للنبي صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله، تكونون قد ضللتم وسرتم في طريق الشيطان، لأنكم لو كنتم عقلاء لما فعلتم ذلك، إذ أنتم تعلمون علم اليقين أن الله- تعالى- قد أعطى آلَ إِبْراهِيمَ أى: قرابته القريبة من ذريته كإسماعيل- وهو جد العرب- وإسحاق ويعقوب وغيرهم.
.
أعطاهم الْكِتابَ أى: جنس الكتب السماوية فيشمل ذلك التوراة والإنجيل والزبور وغيرها.
وأعطاهم الْحِكْمَةَ أى العلم النافع مع العمل به.
وأعطاهم مُلْكاً عَظِيماً أى سلطانا واسعا وبسطة في الأرض.
ومع ذلك فأنتم لم تحسدوا هؤلاء على ما أعطاهم الله من كتاب وحكمة وملك عظيم، فلماذا تحسدون محمدا صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله مع أنه من نسل إبراهيم- عليه السلام-؟.
فالجملة الكريمة توبيخ لهم على أنانيتهم وحسدهم، وإلزام لهم بما يعرفونه من واقع كتبهم، وكشف للناس عن أن أحقادهم مرجعها إلى انطماس بصيرتهم، وخبث نفوسهم.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

ثم قال : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) يعني بذلك : حسدهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة ، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له ; لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل .قال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا يحيى الحماني ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن السدي ، عن عطاء ، عن ابن عباس قوله : ( أم يحسدون الناس ) [ على ما آتاهم الله من فضله ] ) الآية ، قال ابن عباس : نحن الناس دون الناس ، قال الله تعالى : ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) أي : فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل - الذين هم من ذرية إبراهيم - النبوة ، وأنزلنا عليهم الكتب ، وحكموا فيهم بالسنن - وهي الحكمة - وجعلنا فيهم الملوك

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيمافيه مسائل :الأولى : قوله تعالى : أم يحسدون يعني اليهود .
الناس يعني النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ؛ عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما .
حسدوه على النبوة وأصحابه على الإيمان به .
وقال قتادة قلت : " الناس " : العرب ، حسدتهم اليهود على النبوة .
الضحاك : حسدت اليهود قريشا ؛ لأن النبوة فيهم .
والحسد مذموم وصاحبه مغموم وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ؛ رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال الحسن : ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد ؛ نفس دائم ، وحزن لازم ، وعبرة لا تنفد .
وقال عبد الله بن مسعود : لا تعادوا نعم الله .
قيل له : ومن يعادي نعم الله ؟ قال : الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، يقول الله تعالى في بعض الكتب : الحسود عدو نعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي .
ولمنصور الفقيه :ألا قل لمن ظل لي حاسدا أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في حكمهإذا أنت لم ترض لي ما وهبويقال : الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء ، وأول ذنب عصي به في الأرض ؛ فأما في السماء فحسد إبليس لآدم ، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل .
ولأبي العتاهية في الناس :فيا رب إن الناس لا ينصفونني فكيف ولو أنصفتهم ظلمونيوإن كان لي شيء تصدوا لأخذه وإن شئت أبغي شيئهم منعونيوإن نالهم بذلي فلا شكر عندهم وإن أنا لم أبذل لهم شتمونيوإن طرقتني نكبة فكهوا بها وإن صحبتني نعمة حسدونيسأمنع قلبي أن يحن إليهمو وأحجب عنهم ناظري وجفونيوقيل : إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك .
ولرجل من قريش :حسدوا النعمة لما ظهرت فرموها بأباطيل الكلموإذا ما الله أسدى نعمة لم يضرها قول أعداء النعمولقد أحسن من قال :اصبر على حسد الحسو د فإن صبرك قاتلهفالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكلهوقال بعض أهل التفسير في قول الله تعالى : ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين .
إنه إنما أراد بالذي من الجن إبليس والذي من الإنس قابيل ؛ وذلك أن إبليس كان أول من سن الكفر ، وقابيل كان أول من سن القتل ، وإنما كان أصل ذلك كله الحسد .
وقال الشاعر :إن الغراب وكان يمشي مشية فيما مضى من سالف الأحوالحسد القطاة فرام يمشي مشيها فأصابه ضرب من التعقالالثانية : قوله تعالى : فقد آتينا ثم أخبر تعالى أنه آتى آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتاهم ملكا عظيما .
قال همام بن الحارث : أيدوا بالملائكة .
وقيل : يعني ملك سليمان ؛ عن ابن عباس .
وعنه أيضا : المعنى أم يحسدون محمدا على ما أحل الله له من النساء فيكون الملك العظيم على هذا أنه أحل لداود تسعا وتسعين امرأة ولسليمان أكثر من ذلك .
واختار الطبري أن يكون المراد ما أوتيه سليمان من الملك وتحليل النساء .
والمراد تكذيب اليهود والرد عليهم في قولهم : لو كان نبيا ما رغب في كثرة النساء ولشغلته النبوة عن ذلك ؛ فأخبر الله تعالى بما كان لداود وسليمان يوبخهم ، فأقرت اليهود أنه اجتمع عند سليمان ألف امرأة ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ألف امرأة ؟ قالوا : نعم ثلاثمائة مهرية ، وسبعمائة سرية ، وعند داود مائة امرأة .
فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ألف عند رجل ومائة عند رجل أكثر أو تسع نسوة ؟ فسكتوا .
وكان له يومئذ تسع نسوة .
الثالثة : يقال : إن سليمان عليه السلام كان أكثر الأنبياء نساء .
والفائدة في كثرة تزوجه أنه كان له قوة أربعين نبيا ، وكل من كان أقوى فهو أكثر نكاحا .
ويقال : إنه أراد بالنكاح كثرة العشيرة ؛ لأن لكل امرأة قبيلتين قبيلة من جهة الأب وقبيلة من جهة الأم ؛ فكلما تزوج امرأة صرف وجوه القبيلتين إلى نفسه فتكون عونا له على أعدائه .
ويقال : إن كل من كان أتقى فشهوته أشد ؛ لأن الذي لا يكون تقيا فإنما يتفرج بالنظر والمس ، ألا ترى ما روي في الخبر : ( العينان تزنيان واليدان تزنيان ) .
فإذا كان في النظر والمس نوع من قضاء الشهوة قل الجماع ، والمتقي لا ينظر ولا يمس فتكون الشهوة مجتمعة في نفسه فيكون أكثر جماعا .
وقال أبو بكر الوراق : كل شهوة تقسي القلب إلا الجماع فإنه يصفي القلب ؛ ولهذا كان الأنبياء يفعلون ذلك .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِقال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " أم يحسدون الناس "، أم يحسد هؤلاء الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب من اليهود، كما:-9812 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " أم يحسدون الناس "، قال: يهود.
9813 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
9814 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة مثله.
* * *وأما قوله: " الناس "، فإن أهل التأويل اختلفوا فيمن عَنَى الله به.
فقال بعضهم: عنى الله بذلك محمدًا صلى الله عليه وسلم خاصةً.
*ذكر من قال ذلك:9815 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط قال، أخبرنا هشيم، عن خالد، عن عكرمة في قوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، قال: " الناس " في هذا الموضع، النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصةً.
9816 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم.
9817 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس مثله.
9818 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، قال: " الناس "، محمدًا صلى الله عليه وسلم.
9819 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول، فذكر نحوه.
* * *وقال آخرون: بل عنى الله به العرب.
*ذكر من قال ذلك:9820 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، أولئك اليهود، حسدوا هذا الحيَّ من العرب على ما آتاهم الله من فضله.
* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إنّ الله عاتب اليهودَ الذين وصف صفتهم في هذه الآيات، فقال لهم في قيلهم للمشركين من عبدة الأوثان إنهم أهدى من محمد وأصحابه سبيلا على علم منهم بأنهم في قيلهم ما قالوا من ذلك كذَبة = : أتحسدون محمدًا وأصحابه على ما آتاهم الله من فضله.
(8)* * *وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن ما قبل قوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، مضى بذّم القائلين من اليهود للذين كفروا: " هؤلاء أهدىَ من الذين آمنوا سبيلا "، فإلحاق قوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، بذمهم على ذلك، وتقريظ الذين آمنوا الذين قيل فيهم ما قيل = أشبهُ وأولى، ما لم تأت دلالة على انصراف معناه عن معنى ذلك.
* * *واختلف أهل التأويل في تأويل " الفضل " الذي أخبر الله أنه آتى الذين ذكرهم في قوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ".
(9) فقال بعضهم: ذلك " الفضل " هو النبوّة.
*ذكر من قال ذلك:9821 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، حسدوا هذا الحيَّ من العرب على ما آتاهم الله من فضله.
بعث الله منهم نبيًا، فحسدوهم على ذلك.
9822 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: " على ما آتاهم الله من فضله "، قال: النبوة.
وقال آخرون: بل ذلك " الفضل " الذي ذكر الله أنه آتاهموه، هو إباحته ما أباح لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من النساء، ينكح منهن ما شاء بغير عدد.
قالوا: وإنما يعني: ب " الناس "، محمدًا صلى الله عليه وسلم، على ما ذكرتُ قبل.
*ذكر من قال ذلك:9823 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " الآية، وذلك أن أهل الكتاب قالوا: " زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع، وله تسع نسوة، ليس همه إلا النكاح! فأيّ ملك أفضَلُ من هذا "! فقال الله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ".
9824 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، يعني: محمدًا، أن ينكح ما شَاء من النساء.
9825 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله "، وذلك أن اليهود قالوا: " ما شأن محمد أُعطي النبوّة كما يزعم، وهو جائع عارٍ، وليس له هم إلا نكاحُ النساء؟" فحسدوه على تزويج الأزواج، وأحل الله لمحمد أن ينكح منهن ما شاء أن ينكح.
(10)* * *قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، قولُ قتادة وابن جريج الذي ذكرناه قبل: أن معنى " الفضل " في هذا الموضع: النبوّة التي فضل الله بها محمدًا، وشرّف بها العرب، إذ آتاها رجلا منهم دون غيرهم = لما ذكرنا من أن دلالة ظاهر هذه الآية، تدلّ على أنها تقريظٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رحمة الله عليهم، (11) على ما قد بينا قبل.
وليس النكاح وتزويجُ النساء = وإن كان من فضْل الله جل ثناؤهُ الذي آتاه عباده = بتقريظ لهم ومدح.
* * *القول في تأويل قوله : فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: أم يحسد هؤلاء اليهود = الذين وصف صفتهم في هذه الآيات = الناسَ على ما آتاهم الله من فضله، من أجل أنهم ليسوا منهم؟ فكيف لا يحسدون آل إبراهيم، فقد آتيناهم الكتاب = ويعني بقوله: " فقد آتينا آل إبراهيم "، فقد أعطينا آل إبراهيم، يعني: أهله وأتباعه على دينه (12) " الكتاب "، يعني كتاب الله الذي أوحاه إليهم، وذلك كصحف إبراهيم وموسى والزّبور، وسائر ما آتاهم من الكتب.
* * *= وأما " الحكمة "، فما أوحى إليهم مما لم يكن كتابًا مقروءًا (13) " وآتيناهم ملكًا عظيمًا ".
* * *واختلف أهل التأويل في معنى " الملك العظيم " الذي عناه الله في هذه الآية.
(14)فقال بعضهم: هو النبوّة.
*ذكر من قال ذلك:9826 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ، قال: يهود =" على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب "، وليسوا منهم =" والحكمة وآتيناهم ملكًا عظيمًا "، قال: النبوّة.
9827 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله = إلا أنه قال: " ملكًا "، النبوّة.
* * *وقال آخرون: بل ذلك تحليلُ النساء.
قالوا: وإنما عنى الله بذلك: أم يحسدون محمدًا على ما أحلّ الله له من النساء، فقد أحل الله مثل الذي أحله له منهن، لداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء، فكيف لم يحسدوهم على ذلك، وحسدوا محمدًا عليه السلام؟*ذكر من قال ذلك:9828 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فقد آتينا آل إبراهيم "، سليمان وداود =" الحكمة "، يعني: النبوة =" وآتيناهم ملكًا عظيمًا "، في النساء، فما باله حَلّ لأولئك وهم أنبياء: أن ينكح داود تسعًا وتسعين امرأة، وينكح سليمان مئة، ولا يحل لمحمد أن ينكح كما نكحوا؟* * *وقال آخرون: بل معنى قوله: " وآتيناهم ملكًا عظيمًا "، الذي آتى سليمان بن داود.
*ذكر من قال ذلك:9829 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " وآتيناهم ملكًا عظيمًا ".
يعني ملكَ سليمان.
* * *وقال آخرون: بل كانوا أُيِّدوا بالملائكة.
*ذكر من قال ذلك:9830 - حدثنا أحمد بن حازم الغفاري قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن همام بن الحارث: " وآتيناهم ملكًا عظيمًا "، قال: أُيِّدوا بالملائكة والجنود.
* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية = وهي قوله: " وآتيناهم ملكًا عظيمًا " = القولُ الذي رُوي عن ابن عباس أنه قال: " يعني ملك سليمان ".
لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، دون الذي قال إنه ملك النبوّة، ودون قول من قال: إنه تحليلُ النساء والملك عليهن.
(15) لأن كلام الله الذي خوطب به العرب، غيرُ جائز توجيهه إلا إلى المعروف المستعمل فيهم من معانيه، إلا أن تأتي دلالةٌ أو تقوم حُجة على أن ذلك بخلاف ذلك، يجبُ التسليم لها.
------------------الهوامش :(8) في المطبوعة: "أم يحسدون" ، والصواب من المخطوطة.
(9) انظر تفسير"الفضل" فيما سلف في فهارس اللغة.
(10) الأثر: 9825 - في المخطوطة والمطبوعة: "حدثت عن الحسين بن الفرج قال سمعت الضحاك يقول" ، أسقط من الإسناد ما أثبته.
وهو إسناد دائر في التفسير ، أقربه رقم: 9819.
وقد أسلفت أن مقالة اليهود هذه ، قد تلقفها من بعدهم أهل الضغن على محمد رسول الله ، ولا يزالون يبثونها في كتبهم ، وقد تعلق بها أشياعهم من أهل الضلالة المتعبدين لسادتهم من المستشرقين في زماننا هذا.
(11) في المطبوعة: "رضي الله عنهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وقد فعلت ذلك مرارًا دون أن أنبه عليه في بعض المواضع.
(12) انظر تفسير"آل" فيما سلف 2: 37 / 3: 222 ، تعليق: 1 / 6: 326.
(13) انظر تفسير"الحكمة" فيما سلف 7: 369 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(14) انظر تفسير"الملك" فيما سلف 1: 148 - 150 / 2: 488 / 5: 312 ، 314 ، 371 / 6: 299 ، 300.
(15) انظر تفسير"الملك" فيما سلف 1: 148 - 150 / 2: 488 / 5: 312 ، 314 ، 371 / 6: 299 ، 300.

﴿ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ﴾

قراءة سورة النساء

المصدر : تفسير : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله