القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 57 سورة البقرة - وظللنا عليكم الغمام وأنـزلنا عليكم المن والسلوى

سورة البقرة الآية رقم 57 : سبع تفاسير معتمدة

سورة وظللنا عليكم الغمام وأنـزلنا عليكم المن والسلوى - عدد الآيات 286 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 57 من سورة البقرة عدة تفاسير - سورة البقرة : عدد الآيات 286 - - الصفحة 8 - الجزء 1.

سورة البقرة الآية رقم 57


﴿ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ﴾
[ البقرة: 57]

﴿ التفسير الميسر ﴾

واذكروا نعمتنا عليكم حين كنتم تتيهون في الأرض؛ إذ جعلنا السحاب مظللا عليكم من حَرِّ الشمس، وأنزلنا عليكم المنَّ، وهو شيء يشبه الصَّمغ طعمه كالعسل، وأنزلنا عليكم السَّلوى وهو طير يشبه السُّمانَى، وقلنا لكم: كلوا من طيِّبات ما رزقناكم، ولا تخالفوا دينكم، فلم تمتثلوا. وما ظلمونا بكفران النعم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون؛ لأن عاقبة الظلم عائدة عليهم.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«وظلَّلنا عليكم الغمام» سترناكم بالسحاب الرقيق من حر الشمس في التيه «وأنزلنا عليكم» فيه «المن والسلوى» هما الترنجبين والطير السماني بتخفيف الميم والقصر، وقلنا: «كلوا من طيبات ما رزقناكم» ولا تدَّخروا، فكفروا النعمة وادخروا فقطع عنهم «وما ظلمونا» بذلك «ولكن كانوا أنفسهم يظلمون» لأن وباله عليهم.

﴿ تفسير السعدي ﴾

ثم ذكر نعمته عليكم في التيه والبرية الخالية من الظلال وسعة الأرزاق، فقال: وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وهو اسم جامع لكل رزق حسن يحصل بلا تعب، ومنه الزنجبيل والكمأة والخبز وغير ذلك.
وَالسَّلْوَى طائر صغير يقال له السماني، طيب اللحم، فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم ويقيتهم كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ أي: رزقا لا يحصل نظيره لأهل المدن المترفهين, فلم يشكروا هذه النعمة, واستمروا على قساوة القلوب وكثرة الذنوب.
وَمَا ظَلَمُونَا يعني بتلك الأفعال المخالفة لأوامرنا لأن الله لا تضره معصية العاصين, كما لا تنفعه طاعات الطائعين، وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ فيعود ضرره عليهم.


﴿ تفسير البغوي ﴾

وظللنا عليكم الغمام في التيه يقيكم حر الشمس، والغمام من الغم وأصله التغطية والستر سمي السحاب غماماً لأنه يغطي وجه الشمس؛ وذلك أنه لم يكن لهم في التيه كن يسترهم فشكوا إلى موسى فأرسل الله تعالى غماماً أبيض رقيقاً أطيب من غمام المطر، وجعل لهم عموداً من نور يضيء لهم الليل إذا لم يكن لهم قمر.
وأنزلنا عليكم المن والسلوى أي في التيه، الأكثرون على أن المن هو الترنجبين.
وقال مجاهد: "هو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار طعمه كالشهد".
وقال وهب: "هو الخبز الرقاق".
قال الزجاج: "جملة المن ما يمن الله به من غير تعب.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو نعيم أنا أبو سفيان عن عبد الملك هو ابن عمير عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين".
قالوا فكان المن كل ليلة يقع على أشجارهم مثل الثلج، لكل إنسان منهم صاع، فقالوا: يا موسى قتلنا هذا المن بحلاوته فادع لنا ربك أن يطعمنا اللحم فأنزل الله تعالى عليهم السلوى وهو طائر يشبه السماني، وقيل: هو السماني بعينه، بعث الله سحابة فمطرت السماني في عرض ميل وطول رمح في السماء، بعضه على بعض والسلوى: العسل، فكان الله ينزل عليهم المن والسلوى كل صباح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فيأخذ كل واحد منهم ما يكفيه يوماً وليلة وإذا كان يوم الجمعة أخذ كل واحد منهم ما يكفيه ليومين لأنه لم يكن ينزل يوم السبت.
كلوا أي: وقلنا لهم: كلوا.
من طيبات حلالات.
ما رزقناكم ولا تدخروا لغد، ففعلوا، فقطع الله ذلك عنهم، ودَوَّد وفسد ما ادخروا، فقال الله تعالى:وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون أي وما بخسوا بحقنا، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون باستيجابهم عذابي، وقطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا مؤنة في الدنيا ولا حساب في العقبى.
أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر".

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم عطف - سبحانه - على نعمة بعثهم من بعد موتهم نعمة أخرى بل نعمتين ، وهما تظليلهم بالغمام ومنحهم المن والسلوى ، فقال تعالى :( وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ .
.
.
)الغمام : جمع غمامة ، وهي السحابة ، وخصه بعض علماء اللغة بالسحاب الأبيض .
والمن : اسم جنس لا واحد من لفظه ، وهو - على أرجح الأقوال - مادة صمغية تسقط على الشجر تشبه حلاوته حلاوة العسل .
والسلوى : اسم جنس جمعي ، واحدته سلواة ، وهو طائر بري لذيذ اللحم ، سهل الصيد يسمى بالسماني ، كانت تسوقه لهم ريح الجنوب كل مساء ، فيمسكونه قبضاً بدون تعب .
وتظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم ، كان في مدة تيههم بين مصر والشام المشار إليه بقوله - تعالى : ( قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرض ) قال السدي : " لما دخل بنو إسرائيل التيه ، قالوا لموسى - عليه السلام - كيف لنا بما ها هنا ، أين الطعام؟ فأنزل الله عليهم المن فكان ينزل على شجرة النجبيل ، والسلوى وهو طائر يشبه السماني أكبر منه فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير فإن كان سميناً ذبحه وإلا أرسله ، فإذا سمن أتاه فقالوا هذا الطعام فأين الشراب؟ فأمر الله - تعالى - موسى أن يضرب بعصاه الحجر فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، فشرب كل سبط من عين ، فقالوا : هذا الشراب فأين الظل؟ فظلل الله عليهما الغمام .
قالوا : هذا الظل فأين اللباس؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان ولا يتمزق لهم توب ، فذلك قوله تعالى : ( وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى .
.
.
)ومعنى الآية الكريمة : واذكروا يا بني إسرائيل من بين نعمي عليكم نعمة إظلالكم بالغمام وأنتم في التيه ليقيكم حر الشمس ، وحرارة الجو ، ولولا منحي إياكم الطعام اللذيذ المشتهي بدون تعب منكم في تحصيله لهلكتم ، وقلنا لكم كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الذي رزقكم هذه النعم ، ولكنكم كفرتم بها ، فظلمتم أنفسكم دون أن ينالنا من ذلك شيء ، لأن الخلق جميعاً لن يبلغوا ضرى فيضروني ولن يبلغوا نفعي فينفعوني .
فالآية الكريمة قد أشارت إلى جحودهم النعمة بقوله تعالى : ( وَمَا ظَلَمُونَا ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .
وقوله تعالى : ( وَمَا ظَلَمُونَا ) معطوف على محذوف ، أي فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر .
ويرى البعض أنه لا حاجة إلى التقدير ، وأن جملة ( وَمَا ظَلَمُونَا ) معطوفة على ما قبلها لأنها مثلها في أنها من أحوال بني إسرائيل .
والتعبير عن ظلمهم لأنفسهم بكلمة ( كانوا ) والفعل المضارع ( يَظْلِمُونَ ) يدل على أن ظلمهم لأنفسهم كان يتكرر منهم ، لأنك لا تقول في ذم إنسان كان يسيء إلى الناس إلا إذا كانت الإِساءة تصدر منه المرة تلو الأخرى .
قال الإِمام ابن جرير - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى : ( وَمَا ظَلَمُونَا ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) ما ملخصه : ( هذا من الذي استغنى بدلالة ظاهره على ما ترك منه ، وذلك أن معنى الكلام : كلوا من طيبات ما رزقناكم فخالفوا ما أمرناهم به ، وعصوا ربهم ، ثم رسولنا إليهم ، وما ظلمونا فاكتفى بما ظهر عما ترك ، وقوله ( وَمَا ظَلَمُونَا ) أي : ما ظلمونا بفعلهم ذلك ومعصيتهم ، وما وضعوا فعلهم ذلك وعصيانهم إيانا موضع مضرة علينا ومنقصة لنا ، ولكنهم وضعوه من أنفسهم موضع مضرة عليها ومنقصة لها فإن الله - تعالى - لا تضره معصية عاص ، ولا يتحيف خزائنه ظلم ظالم ، ولا تنفعه طاعة مطيع ، ولا يزيد في ملكه عدل عادل ، بل نفسَه يظلم الظالم وحظَّها يبخس العاصي ، وإياها ينفع المطيع ، وحظها يصيب العادل ) .
وبذلك تكون الآيات الكريمة قد ذكرت بني إسرائيل بنعمة من أعظم النعم وهي تظليلهم بالغمام بإنزال المن والسلوى عليهم ، ولكن بني إسرائيل لم يشكروا الله على نعمه ، ولذا أرسل الله عليهم رجزاً من السماء بسبب ظلمهم وفسقهم .
تاسعاً : نعمة تمكينهم من دخول بيت المقدس ونكولهم عن ذلك .

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم ، شرع يذكرهم - أيضا - بما أسبغ عليهم من النعم ، فقال : ( وظللنا عليكم الغمام ) وهو جمع غمامة ، سمي بذلك لأنه يغم السماء ، أي : يواريها ويسترها . وهو السحاب الأبيض ، ظللوا به في التيه ليقيهم حر الشمس . كما رواه النسائي وغيره عن ابن عباس في حديث الفتون ، قال : ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام .قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن عمر ، والربيع بن أنس ، وأبي مجلز ، والضحاك ، والسدي ، نحو قول ابن عباس .وقال الحسن وقتادة : ( وظللنا عليكم الغمام ) [ قال ] كان هذا في البرية ظلل عليهم الغمام من الشمس .وقال ابن جرير قال آخرون : وهو غمام أبرد من هذا ، وأطيب .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وظللنا عليكم الغمام ) قال : ليس بالسحاب ، هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ، ولم يكن إلا لهم .وهكذا رواه ابن جرير ، عن المثنى بن إبراهيم ، عن أبي حذيفة .وكذا رواه الثوري ، وغيره ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وكأنه يريد ، والله أعلم ، أنه ليس من زي هذا السحاب ، بل أحسن منه وأطيب وأبهى منظرا ، كما قال سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ( وظللنا عليكم الغمام ) قال : غمام أبرد من هذا وأطيب ، وهو الذي يأتي الله فيه في قوله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) [ البقرة : 210 ] وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر . قال ابن عباس : وكان معهم في التيه .وقوله : ( وأنزلنا عليكم المن ) اختلفت عبارات المفسرين في المن : ما هو ؟ فقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : كان المن ينزل عليهم على الأشجار ، فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا .وقال مجاهد : المن : صمغة . وقال عكرمة : المن : شيء أنزله الله عليهم مثل الطل ، شبه الرب الغليظ .وقال السدي : قالوا : يا موسى ، كيف لنا بما هاهنا ؟ أين الطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن ، فكان يسقط على شجر الزنجبيل .وقال قتادة : كان المن ينزل عليهم في محلتهم سقوط الثلج ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يأخذ الرجل منهم قدر ما يكفيه يومه ذلك ؛ فإذا تعدى ذلك فسد ولم يبق ، حتى إذا كان يوم سادسه ، ليوم جمعته ، أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه ؛ لأنه كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر معيشته ولا يطلبه لشيء ، وهذا كله في البرية .وقال الربيع بن أنس : المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل ، فيمزجونه بالماء ثم يشربونه .وقال وهب بن منبه - وسئل عن المن - فقال : خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي .وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر وهو الشعبي ، قال : عسلكم هذا جزء من سبعين جزءا من المن .وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنه العسل .ووقع في شعر أمية بن أبي الصلت ، حيث قال :فرأى الله أنهم بمضيع لا بذي مزرع ولا مثمورا فسناها عليهم غادياتوترى مزنهم خلايا وخورا عسلا ناطفا وماء فراتاوحليبا ذا بهجة مرمورافالناطف : هو السائل ، والحليب المرمور : الصافي منه .والغرض أن عبارات المفسرين متقاربة في شرح المن ، فمنهم من فسره بالطعام ، ومنهم من فسره بالشراب ، والظاهر ، والله أعلم ، أنه كل ما امتن الله به عليهم من طعام وشراب ، وغير ذلك ، مما ليس لهم فيه عمل ولا كد ، فالمن المشهور إن أكل وحده كان طعاما وحلاوة ، وإن مزج مع الماء صار شرابا طيبا ، وإن ركب مع غيره صار نوعا آخر ، ولكن ليس هو المراد من الآية وحده ؛ والدليل على ذلك قول البخاري :حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن عبد الملك ، عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك ، وهو ابن عمير ، به .وأخرجه الجماعة في كتبهم ، إلا أبا داود ، من طرق عن عبد الملك ، وهو ابن عمير ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح ، ورواه البخاري ومسلم والنسائي من رواية الحكم ، عن الحسن العرني ، عن عمرو بن حريث ، به .وقال الترمذي : حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر ومحمود بن غيلان ، قالا حدثنا سعيد بن عامر ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : العجوة من الجنة ، وفيها شفاء من السم ، والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين .تفرد بإخراجه الترمذي ، ثم قال : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن عمرو ، وإلا من حديث سعيد بن عامر ، عنه ، وفي الباب عن سعيد بن زيد ، وأبي سعيد وجابر .كذا قال ، وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره ، من طريق آخر ، عن أبي هريرة ، فقال : حدثنا أحمد بن الحسن بن أحمد البصري ، حدثنا أسلم بن سهل ، حدثنا القاسم بن عيسى ، حدثنا طلحة بن عبد الرحمن ، عن قتادة عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، وطلحة بن عبد الرحمن هذا سلمي واسطي ، يكنى بأبي محمد، وقيل : أبو سليمان المؤدب قال فيه الحافظ أبو أحمد بن عدي : روى عن قتادة أشياء لا يتابع عليها .ثم قال [ الترمذي ] حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة : أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : الكمأة جدري الأرض ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين ، والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم .وهذا الحديث قد رواه النسائي ، عن محمد بن بشار ، به . وعنه ، عن غندر ، عن شعبة ، عن أبي بشر جعفر بن إياس ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، به . وعن محمد بن بشار ، عن عبد الأعلى ، عن خالد الحذاء ، عن شهر بن حوشب . بقصة الكمأة فقط .وروى النسائي - أيضا - وابن ماجه من حديث محمد بن بشار ، عن أبي عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد ، عن مطر الوراق ، عن شهر : بقصة العجوة عند النسائي ، وبالقصتين عند ابن ماجه .وهذه الطريق منقطعة بين شهر بن حوشب وأبي هريرة فإنه لم يسمعه منه ، بدليل ما رواه النسائي في الوليمة من سننه ، عن علي بن الحسين الدرهمي عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي هريرة ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يذكرون الكمأة ، وبعضهم يقول جدري الأرض ، فقال : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .وروي عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد وجابر ، كما قال الإمام أحمد :حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن شهر بن حوشب ، عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري ، قالا قال 1 270رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم .قال النسائي في الوليمة أيضا : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر جعفر بن إياس عن شهر بن حوشب ، عن أبي سعيد وجابر ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين . ثم رواه - أيضا - ، وابن ماجه من طرق ، عن الأعمش ، عن أبي بشر ، عن شهر ، عنهما ، به .وقد رويا - أعني النسائي وابن ماجه - من حديث سعيد بن مسلم كلاهما عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، زاد النسائي : [ وحديث ] جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .ورواه ابن مردويه ، عن أحمد بن عثمان ، عن عباس الدوري ، عن لاحق بن صواب عن عمار بن رزيق عن الأعمش ، كابن ماجه .وقال ابن مردويه أيضا : حدثنا أحمد بن عثمان ، حدثنا عباس الدوري ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كمآت ، فقال : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .وأخرجه النسائي ، عن عمرو بن منصور ، عن الحسن بن الربيع ثم [ رواه ] ابن مردويه . رواه أيضا عن عبد الله بن إسحاق عن الحسن بن سلام ، عن عبيد الله بن موسى ، عن شيبان عن الأعمش به ، وكذا رواه النسائي عن أحمد بن عثمان بن حكيم ، عن عبيد الله بن موسى [ به ] .وقد روى من حديث أنس بن مالك ، رضي الله عنه كما قال ابن مردويه :حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا حمدون بن أحمد ، حدثنا حوثرة بن أشرس ، حدثنا حماد ، عن شعيب بن الحبحاب عن أنس : أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدارؤوا في الشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ، فقال بعضهم : نحسبه الكمأة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين ، والعجوة من الجنة ، وفيها شفاء من السم .وهذا الحديث محفوظ أصله من رواية حماد بن سلمة . وقد روى الترمذي والنسائي من طريقه شيئا من هذا ، والله أعلم .[ وقد ] روي عن شهر ، عن ابن عباس ، كما رواه النسائي - أيضا - في الوليمة ، عن أبي بكر أحمد بن علي بن سعيد ، عن عبد الله بن عون الخراز ، عن أبي عبيدة الحداد ، عن عبد الجليل بن عطية ، عن شهر ، عن عبد الله بن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .فقد اختلف - كما ترى فيه - على شهر بن حوشب ، ويحتمل عندي أنه حفظه ورواه من هذه الطرق كلها ، وقد سمعه من بعض الصحابة وبلغه عن بعضهم ، فإن الأسانيد إليه جيدة ، وهو لا يتعمد الكذب ، وأصل الحديث محفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم من رواية سعيد بن زيد .وأما السلوى فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : السلوى طائر شبيه بالسمانى ، كانوا يأكلون منه .وقال السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : السلوى : طائر يشبه السمانى .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثنا قرة بن خالد ، عن جهضم ، عن ابن عباس ، قال : السلوى : هو السمانى .وكذا قال مجاهد ، والشعبي ، والضحاك ، والحسن ، وعكرمة ، والربيع بن أنس ، رحمهم الله .وعن عكرمة : أما السلوى فطير كطير يكون بالجنة أكبر من العصفور ، أو نحو ذلك .وقال قتادة : السلوى من طير إلى الحمرة ، تحشرها عليهم الريح الجنوب . وكان الرجل يذبح منها قدر ما يكفيه يومه ذلك ، فإذا تعدى فسد ولم يبق عنده ، حتى إذا كان يوم سادسه ليوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه ؛ لأنه كان يوم عبادة لا يشخص فيه لشيء ولا يطلبه .وقال وهب بن منبه : السلوى : طير سمين مثل الحمام ، كان يأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت . وفي رواية عن وهب ، قال : سألت بنو إسرائيل موسى عليه السلام ، اللحم ، فقال الله : لأطعمنهم من أقل لحم يعلم في الأرض ، فأرسل عليهم ريحا ، فأذرت عند مساكنهم السلوى ، وهو السمانى مثل ميل في ميل قيد رمح إلى السماء فخبئوا للغد فنتن اللحم وخنز الخبز .وقال السدي : لما دخل بنو إسرائيل التيه ، قالوا لموسى ، عليه السلام : كيف لنا بما هاهنا ؟ أين الطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن فكان يسقط على الشجر الزنجبيل ، والسلوى وهو طائر يشبه السمانى أكبر منه ، فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير ، فإن كان سمينا ذبحه وإلا أرسله ، فإذا سمن أتاه ، فقالوا : هذا الطعام فأين الشراب ؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، فشرب كل سبط من عين ، فقالوا : هذا الشراب ، فأين الظل ؟ فظلل عليهم الغمام . فقالوا : هذا الظل ، فأين اللباس ؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما يطول الصبيان ، ولا ينخرق لهم ثوب ، فذلك قوله تعالى : ( وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى ) وقوله ( وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم ) [ البقرة : 60 ] .وروي عن وهب بن منبه ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو ما قاله السدي .وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : خلق لهم في التيه ثياب لا تخرق ولا تدرن ، قال ابن جريج : فكان الرجل إذا أخذ من المن والسلوى فوق طعام يوم فسد ، إلا أنهم كانوا يأخذون في يوم الجمعة طعام يوم السبت فلا يصبح فاسدا .[ قال ابن عطية : السلوى : طير بإجماع المفسرين ، وقد غلط الهذلي في قوله : إنه العسل ، وأنشد في ذلك مستشهدا :وقاسمها بالله جهدا لأنتم ألذ من السلوى إذا ما أشورهاقال : فظن أن السلوى عسلا قال القرطبي : دعوى الإجماع لا تصح ؛ لأن المؤرج أحد علماء اللغة والتفسير قال : إنه العسل ، واستدل ببيت الهذلي هذا ، وذكر أنه كذلك في لغة كنانة ؛ لأنه يسلى به ومنه عين سلوان ، وقال الجوهري : السلوى العسل ، واستشهد ببيت الهذلي - أيضا - ، والسلوانة بالضم خرزة ، كانوا يقولون إذا صب عليها ماء المطر فشربها العاشق سلا قال الشاعر :شربت على سلوانة ماء مزنة فلا وجديد العيش يا مي ما أسلوواسم ذلك الماء السلوان ، وقال بعضهم : السلوان دواء يشفي الحزين فيسلو والأطباء يسمونه ( مفرج ) ، قالوا : والسلوى جمع بلفظ - الواحد - أيضا ، كما يقال : سمانى للمفرد والجمع وويلى كذلك ، وقال الخليل واحده سلواة ، وأنشد :وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض السلواة من بلل القطروقال الكسائي : السلوى واحدة وجمعه سلاوي ، نقله كله القرطبي ] .وقوله تعالى : ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ) أمر إباحة وإرشاد وامتنان . وقوله : ( وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) [ البقرة : 57 ] ، أي أمرناهم بالأكل مما رزقناهم وأن يعبدوا ، كما قال : ( كلوا من رزق ربكم واشكروا له ) [ سبأ : 15 ] فخالفوا وكفروا فظلموا أنفسهم ، هذا مع ما شاهدوه من الآيات البينات والمعجزات القاطعات ، وخوارق العادات ، ومن هاهنا تتبين فضيلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم ، على سائر أصحاب الأنبياء في صبرهم وثباتهم وعدم تعنتهم ، كما كانوا معه في أسفاره وغزواته ، منها عام تبوك ، في ذلك القيظ والحر الشديد والجهد ، لم يسألوا خرق عادة ، ولا إيجاد أمر ، مع أن ذلك كان سهلا على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن لما أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم فجمعوا ما معهم ، فجاء قدر مبرك الشاة ، فدعا [ الله ] فيه ، وأمرهم فملئوا كل وعاء معهم ، وكذا لما احتاجوا إلى الماء سأل الله تعالى ، فجاءت سحابة فأمطرتهم ، فشربوا وسقوا الإبل وملئوا أسقيتهم . ثم نظروا فإذا هي لم تجاوز العسكر . فهذا هو الأكمل في الاتباع : المشي مع قدر الله ، مع متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمونفيه ثماني مسائل : الأولى : قوله تعالى : وظللنا عليكم الغمام أي جعلناه عليكم كالظلة والغمام جمع غمامة كسحابة وسحاب قاله الأخفش سعيد .
قال الفراء ويجوز غمائم وهي السحاب ؛ لأنها تغم السماء أي تسترها وكل مغطى فهو مغموم ، ومنه المغموم على عقله وغم الهلال إذا غطاه الغيم والغين مثل الغيم ، ومنه قوله عليه السلام ( إنه ليغان على قلبي ) قال صاحب العين : غين عليه غطي عليه والغين شجر ملتف وقال السدي الغمام السحاب الأبيض وفعل هذا بهم ليقيهم حر الشمس نهارا ، وينجلي في آخره ليستضيئوا بالقمر ليلا وذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين وقتالهم وقالوا لموسى فاذهب أنت وربك فقاتلا فعوقبوا في ذلك الفحص أربعين سنة يتيهون في خمسة فراسخ أو ستة ، روي أنهم كانوا يمشون النهار كله وينزلون للمبيت فيصبحون حيث كانوا بكرة أمس ، وإذ كانوا بأجمعهم في التيه قالوا لموسى : من لنا بالطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن والسلوى ، قالوا : من لنا من حر الشمس ؟ فظلل عليهم الغمام ، قالوا : فبم نستصبح ؟ فضرب لهم عمود نور في وسط محلتهم .
وذكر مكي : عمود من نار ، قالوا : من لنا بالماء ؟ فأمر موسى بضرب الحجر ، قالوا : من لنا باللباس ؟ فأعطوا ألا يبلى لهم ثوب ولا يخلق ولا يدرن ، وأن تنمو صغارها حسب نمو الصبيان ، والله أعلم .
الثانية : قوله تعالى : وأنزلنا عليكم المن والسلوى اختلف في المن ما هو ، وتعيينه على أقوال ؛ فقيل : الترنجبين بتشديد الراء وتسكين النون ، ذكره النحاس ويقال : الطرنجبين بالطاء ، وعلى هذا أكثر المفسرين .
وقيل : صمغة حلوة ، وقيل : عسل ، وقيل : شراب حلو ، وقيل : خبز الرقاق عن وهب بن منبه ، وقيل : " المن " مصدر يعم جميع ما من الله به على عباده من غير تعب ولا زرع ، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل : الكمأة من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل ، وماؤها شفاء للعين في رواية : من المن الذي أنزل الله على موسى رواه مسلم .
قال علماؤنا : وهذا الحديث يدل على أن الكمأة مما أنزل الله على بني إسرائيل أي : مما خلقه الله لهم في التيه قال أبو عبيد : إنما شبهها بالمن لأنه لا مئونة فيها ببذر ولا سقي ولا علاج ، فهي منه ، أي : من جنس من بني إسرائيل في أنه كان دون تكلف ، روي أنه كان ينزل عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كالثلج ، فيأخذ الرجل ما يكفيه ليومه ، فإن ادخر منه شيئا فسد عليه إلا في يوم الجمعة ، فإنهم كانوا يدخرون ليوم السبت فلا يفسد عليهم ؛ لأن يوم السبت يوم عبادة ، وما كان ينزل عليهم يوم السبت شيء .
الثالثة : لما نص عليه السلام على أن ماء الكمأة شفاء للعين قال بعض أهل العلم بالطب : إما لتبريد العين من بعض ما يكون فيها من الحرارة ، فتستعمل بنفسها مفردة ، وإما لغير ذلك فمركبة مع غيرها وذهب أبو هريرة رضي الله عنه إلى استعمالها بحتا في جميع مرض العين ، وهذا كما استعمل أبو وجزة العسل في جميع الأمراض كلها حتى في الكحل على ما يأتي بيانه في سورة " النحل " إن شاء الله تعالى ، وقال أهل اللغة : الكمء واحد ، وكمآن اثنان ، وأكمؤ ثلاثة ، فإذا زادوا قالوا : كمأة بالتاء ، على عكس شجرة وشجر ، والمن اسم جنس لا واحد له من لفظه مثل الخير والشر ، قاله الأخفش .
الرابعة : قوله تعالى : والسلوى اختلف في السلوى ، فقيل : هو السمانى بعينه ، قاله الضحاك ، قال ابن عطية : السلوى طير بإجماع المفسرين ، وقد غلط الهذلي [ خالد بن زهير ] فقال :وقاسمها بالله جهدا لأنتم ألذ من السلوى إذا ما نشورهاظن السلوى العسل .
قلت : ما ادعاه من الإجماع لا يصح ، وقد قال المؤرج - أحد علماء اللغة والتفسير - : إنه العسل ، واستدل ببيت الهذلي ، وذكر أنه كذلك بلغة كنانة ، سمي به لأنه يسلى به ، ومنه عين السلوان ، وأنشد :لو أشرب السلوان ما سليت ما بي غنى عنك وإن غنيتوقال الجوهري : والسلوى : العسل ، وذكر بيت الهذلي :ألذ من السلوى إذا ما نشورهاولم يذكر غلطا ، والسلوانة ( بالضم ) خرزة كانوا يقولون إذا صب عليها ماء المطر فشربه العاشق سلا ، قال :شربت على سلوانة ماء مزنة فلا وجديد العيش يا مي ما أسلوواسم ذلك الماء السلوان ، وقال بعضهم : السلوان دواء يسقاه الحزين فيسلو ، والأطباء يسمونه المفرح ، يقال : سليت وسلوت لغتان ، وهو في سلوة من العيش أي : في رغد ، عن أبي زيد .
الخامسة : واختلف في السلوى ، هل هو جمع أو مفرد ، فقال الأخفش : جمع لا واحد له من لفظه ، مثل الخير والشر ، وهو يشبه أن يكون واحده سلوى ، مثل جماعته ، كما قالوا : دفلى للواحد والجماعة وسمانى وشكاعى في الواحد والجميع ، وقال الخليل : واحده سلواة ، وأنشد :وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض السلواة من بلل القطروقال الكسائي : السلوى واحدة ، وجمعه سلاوي .
السادسة : السلوى عطف على المن ولم يظهر فيه الإعراب ؛ لأنه مقصور ، ووجب هذا في المقصور كله ؛ لأنه لا يخلو من أن يكون في آخره ألف ، قال الخليل : والألف حرف هوائي لا مستقر له ، فأشبه الحركة ، فاستحالت حركته ، وقال الفراء : لو حركت الألف صارت همزة .
السابعة : قوله تعالى : كلوا من طيبات ما رزقناكم كلوا فيه حذف تقديره : وقلنا كلوا ، فحذف اختصارا لدلالة الظاهر عليه ، والطيبات هنا قد جمعت الحلال واللذيذ .
الثامنة : قوله تعالى : وما ظلمونا يقدر قبله : فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر .
ولكن كانوا أنفسهم يظلمون لمقابلتهم النعم بالمعاصي .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله تعالى وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ(وظللنا عليكم الغمام) عطف على قوله: ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ .
فتأويل الآية: ثم بعثناكم من بعد موتكم , وظللنا عليكم الغمام - وعدد عليهم سائر ما أنعم به عليهم - لعلكم تشكرون .
* * *و " الغمام " جمع " غمامة "، كما السحاب جمع سحابة ," والغمام " هو ما غم السماء فألبسها من سحاب وقتام، وغير ذلك مما يسترها عن أعين الناظرين .
وكل مغطى فالعرب تسميه مغموما.
(175)* * *وقد قيل: إن الغمام التي ظللها الله على بني إسرائيل لم تكن سحابا.
962 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله: (وظللنا عليكم الغمام)، قال: ليس بالسحاب.
963 - وحدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن أبي نجيح , عن مجاهد قوله: (وظللنا عليكم الغمام)، قال: ليس بالسحاب، هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة، لم يكن إلا لهم.
(176)964 - وحدثني محمد بن عمرو الباهلي قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه: (وظللنا عليكم الغمام)، قال: هو بمنزلة السحاب.
965 - وحدثني القاسم بن الحسن قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وظللنا عليكم الغمام)، قال: هو غمام أبرد من هذا وأطيب , وهو الذي يأتي الله عز وجل فيه يوم القيامة في قوله: (177) فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ [ البقرة: 210], وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر.
قال ابن عباس: وكان معهم في التيه .
(178)* * *وإذ كان معنى الغمام ما وصفنا، مما غم السماء من شيء يغطى وجهها عن الناظر إليها, (179) فليس الذي ظلله الله عز وجل على بني إسرائيل - فوصفه بأنه كان غماما - بأولى، بوصفه إياه بذلك أن يكون سحابا، منه بأن يكون غير ذلك مما ألبس وجه السماء من شيء.
* * *وقد قيل: إنه ما ابيض من السحاب.
* * *القول في تأويل قوله تعالى وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّاختلف أهل التأويل في صفة " المن " .
فقال بعضهم بما: -966 - حدثني به محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله عز وجل: (وأنزلنا عليكم المن)، قال: المن صمغة .
967 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن &; 2-92 &; أبي نجيح , عن مجاهد مثله .
968 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله: (وأنزلنا عليكم المن والسلوى)، يقول: كان المن ينزل عليهم مثل الثلج .
* * *وقال آخرون: هو شراب .
* ذكر من قال ذلك:969 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع بن أنس قال: المن، شراب كان ينزل عليهم مثل العسل , فيمزجونه بالماء , ثم يشربونه .
* * *وقال آخرون: " المن "، عسل .
* ذكر من قال ذلك:970 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: المن: عسل كان ينزل لهم من السماء .
971 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل , عن جابر , عن عامر قال: عسلكم هذا جزء من سبعين جزءا من المن .
* * *وقال آخرون: " المن " الخبز الرقاق .
(180)* ذكر من قال ذلك:972 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد قال: سمعت وهبا - وسئل: ما المن ؟ قال: خبز الرقاق، , مثل الذرة , ومثل النقي.
(181)* * *وقال آخرون: " المن "، الزنجبيل.
(182)* ذكر من قال ذلك:&; 2-93 &;973 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط , عن السدي: المن كان يسقط على شجر الزنجبيل (183)* * *وقال آخرون: " المن "، هو الذي يسقط على الشجر الذي يأكله الناس.
* ذكر من قال ذلك:974 - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثتي حجاج , عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: كان المن ينزل على شجرهم، فيغدون عليه، فيأكلون منه ما شاءوا.
(184) .
975 - وحدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك , عن مجالد ، عن عامر في قوله: (وأنزلنا عليكم المن)، قال: المن: الذي يقع على الشجر.
976 - حدثت عن المنجاب بن الحارث قال، حدثنا بشر بن عمارة , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس في قوله: (المن)، قال: المن الذي يسقط من السماء على الشجر فتأكله الناس.
977 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا شريك , عن مجالد , عن عامر قال: المن، هذا الذي يقع على الشجر.
* * *وقد قيل .
إن " المن "، هو الترنجبين.
* * *وقال بعضهم: " المن "، هو الذي يسقط على الثمام والعُشَر , وهو حلو كالعسل , وإياه عنى الأعشى -ميمون بن قيس- بقوله:&; 2-94 &; لو أُطعِموا المن والسلوى مكانَهمُما أبصر الناس طُعما فيهمُ نجعا (185)وتظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه صلى الله عليه و سلم قال:978 -" الكمأة من المن, وماؤها شفاء للعين " .
(186)وقال بعضهم: " المن "، شراب حلو كانوا يطبخونه فيشربونه .
* * *وأما أمية بن أبي الصلت، فإنه جعله في شعره عسلا فقال يصف أمرهم في التيه وما رزقوا فيه:فرأى الله أنهم بمَضِيعٍلا بذي مَزْرعٍ ولا معمورا (187)&; 2-95 &; فَنَساها عليهم غاديات,ومرى مزنهم خلايا وخورا (188)عسلا ناطِفا وماء فراتاوحليبا ذا بهجة مثمورا (189)المثمور: الصافي من اللبن (190) .
فجعل المن الذي كان ينزل عليهم عسلا ناطفا , والناطف: هو القاطر .
(191) .
* * *القول في تأويل قوله تعالى وَالسَّلْوَىقال أبو جعفر: و " السلوى " اسم طائر يشبه السُّمانَى , واحده وجِماعه بلفظ واحد , كذلك السماني لفظ جماعها وواحدها سواء .
وقد قيل: إن واحدة السلوى سلواة .
* ذكر من قال ذلك:979 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثني عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط , عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة الهمداني , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: السلوى طير يشبه السُّمانى .
(192)980 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط , عن السدي قال: كان طيرا أكبر من السمانى .
981 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر , عن قتادة قال: السلوى: طائر كانت تحشرها عليهم الريح الجنوب.
982 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال: السلوى: طائر .
983 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: السلوى طير.
984 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد قال: سمعت وهبا - وسئل: ما السلوى؟ فقال: طير سمين مثل الحمام .
(193)&; 2-97 &;985 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: السلوى طير.
986 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع بن أنس: السلوى كان طيرا يأتيهم مثل السمانى .
987 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك , عن مجالد , عن عامر , قال: السلوى السمانى .
988 - حدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس قال: السلوى، هو السمانى .
989 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، أخبرنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك , عن مجالد , عن عامر قال: السلوى السمانى .
990 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة , عن الضحاك قال: السمانى هو السلوى .
* * *فإن قال قائل: وما سبب تظليل الله جل ثناؤه الغمام، وإنزاله المن والسلوى على هؤلاء القوم؟قيل: قد اختلف أهل العلم في ذلك .
ونحن ذاكرون ما حضرنا منه: -991 - فحدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط بن نصر , عن السدي: لما تاب الله على قوم موسى، (194) وأحيا السبعين الذين اختارهم موسى بعد ما أماتهم , أمرهم الله بالسير إلى أريحا , (195) وهي أرض بيت المقدس .
فساروا حتى إذا كانوا قريبا منها بعث موسى اثني عشر نقيبا .
فكان من أمرهم وأمر الجبارين وأمر قوم موسى، ما قد قص الله في كتابه .
(196) &; 2-98 &; فقال قوم موسى لموسى: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون).
فغضب موسى فدعا عليهم فقال: رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ .
فكانت عَجْلَةً من موسى عجلها، فقال الله تعالى: (إنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض).
فلما ضرب عليهم التيه، ندم موسى , وأتاه قومه الذين كانوا معه يطيعونه فقالوا له: ما صنعت بنا يا موسى؟ فلما ندم، أوحى الله إليه: أن لا تأس على القوم الفاسقين - أي لا تحزن على القوم الذين سميتهم فاسقين - فلم يحزن، فقالوا: يا موسى كيف لنا بماء ههنا ؟ أين الطعام؟ فأنزل ألله عليهم المن - فكان يسقط على شجر الترنجبين (197) - والسلوى = وهو طير يشبه السمانى = فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير، إن كان سمينا ذبحه وإلا أرسله , فإذا سمن أتاه .
فقالوا: هذا الطعام , فأين الشراب؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا , فشرب كل سبط من عين .
فقالوا: هذا الطعام والشراب؟ فأين الظل؟ فظلل عليهم الغمام.
فقالوا: هذا الظل، فأين اللباس؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان , ولا يتخرق لهم ثوب , فذلك قوله: (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى) وقوله: وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ .
[البقرة: 60] (198)992 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: لما تاب الله عز وجل على بني إسرائيل، وأمر موسى أن يرفع عنهم السيف من عبادة العجل , أمر موسى أن يسير بهم إلى الأرض المقدسة , (199) وقال: إني قد كتبتها لكم دارا وقرارا ومنزلا فاخرج إليها، وجاهد من فيها من العدو، فإني ناصركم &; 2-99 &; عليهم.
فسار بهم موسى إلى الأرض المقدسة بأمر الله عز وجل.
حتى إذا نزل التيه -بين مصر والشام، وهي أرض ليس فيها خَمَر ولا ظل (200) - دعا موسى ربه حين آذاهم الحر , فظلل عليهم بالغمام ؛ ودعا لهم بالرزق , فأنزل الله لهم المن والسلوى .
993 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبى جعفر , عن أبيه , عن الربيع بن أنس -994 - وحدثت عن عمار بن الحسن , حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع (201) قوله: وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ، قال: ظلل عليهم الغمام في التيه، تاهوا في خمسة فراسخ أو ستة , (202) كلما أصبحوا ساروا غادين , فأمسوا فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه .
فكانوا كذلك حتى مرت أربعون سنة .
(203) قال: وهم في ذلك ينزل عليهم المن والسلوى، ولا تبلى ثيابهم.
ومعهم حجر من حجارة الطور يحملونه معهم , فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه , فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا.
995 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد قال، سمعت وهبا يقول: إن بني إسرائيل -لما حرم الله عليهم أن يدخلوا الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الأرض- شكوا إلى موسى فقالوا: ما نأكل؟ فقال: إن الله سيأتيكم بما تأكلون .
قالوا: من أين لنا؟ إلا أن يمطر علينا خبزا! قال: إن الله عز وجل سينزل عليكم خبزا مخبوزا .
فكان ينزل عليهم المن - سئل وهب: ما المن؟ قال: خبز الرقاق مثل الذرة أو &; 2-100 &; مثل النقيّ - (204) قالوا: وما نأتدم؟ وهل بد لنا من لحم؟ قال: فإن الله يأتيكم به .
فقالوا: من أين لنا؟ إلا أن تأتينا به الريح! قال: فإن الريح تأتيكم به.
فكانت الريح تأتيهم بالسلوى - فسئل وهب: ما السلوى؟ قال: طير سمين مثل الحمام، (205) كانت تأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت - (206) قالوا: فما نلبس؟ قال: لا يخلق لأحد منكم ثوب أربعين سنة .
قالوا: فما نحتذي؟ قال: لا ينقطع لأحدكم شسع أربعين سنة.
(207) قالوا: فإن يولد فينا أولاد، فما نكسوهم؟ (208) قال: ثوب الصغير يشب معه .
قالوا: فمن أين لنا الماء؟ قال: يأتيكم به الله .
قالوا: فمن أين؟ إلا أن يخرج لنا من الحجر ! فأمر الله تبارك وتعالى موسى أن يضرب بعصاه الحجر .
قالوا: فما نبصر! تغشانا الظلمة! (209) فضرب لهم عمودا من نور في وسط عسكرهم، أضاء عسكرهم كله , قالوا: فبم نستظل؟ فإن الشمس علينا شديده! قال: يظلكم الله بالغمام .
(210) .
996 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد , فذكر نحو حديث موسى بن هارون، عن عمرو بن حماد , عن أسباط , عن السدي .
997 - حدثني القاسم بن الحسن قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: قال عبد الله بن عباس: خلق لهم في التيه ثياب لا تخلق &; 2-101 &; ولا تدرن .
(211) قال، وقال ابن جريج: إن أخذ الرجل من المن والسلوى فوق طعام يوم فسد , إلا أنهم كانوا يأخذون في يوم الجمعة طعام يوم السبت، فلا يصبح فاسدا.
* * *القول في تأويل قوله تعالى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْوهذا مما استغني بدلالة ظاهره على ما ترك منه .
وذلك أن تأويل الآية: وظللنا عليكم الغمام , وأنزلنا عليكم المن والسلوى , وقلنا لكم: كلوا من طيبات ما رزقناكم .
فترك ذكر قوله: " وقلنا لكم "، لما بينا من دلالة الظاهر في الخطاب عليه.
وعنى جل ذكره بقوله: (كلوا من طيبات ما رزقناكم): كلوا من شهيات رزقنا الذي رزقناكموه .
(212) وقد قيل عنى بقوله: (من طيبات ما رزقناكم): من حلاله الذي أبحناه لكم فجعلناه لكم رزقا.
والأول من القولين أولى بالتأويل، لأنه وصف ما كان القوم فيه من هنيء العيش الذي أعطاهم , فوصف ذلك ب " الطيب "، الذي هو بمعنى اللذة، أحرى من وصفه بأنه حلال مباح .
و " ما " التي مع " رزقناكم "، بمعنى " الذي".
كأنه قيل: كلوا من طيبات الرزق الذي رزقناكموه.
* * *القول في تأويل قوله تعالى وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)وهذا أيضا من الذي استغني بدلالة ظاهره على ما ترك منه.
وذلك أن معنى الكلام: كلوا من طيبات ما رزقناكم.
فخالفوا ما أمرناهم به وعصوا ربهم، ثم رسولنا إليهم , و " ما ظلمونا " ، فاكتفى بما ظهر عما ترك.
وقوله: (وما ظلمونا) يقول: وما ظلمونا بفعلهم ذلك ومعصيتهم , ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
ويعني بقوله: (وما ظلمونا)، وما وضعوا فعلهم ذلك وعصيانهم إيانا موضع مضرة علينا ومنقصة لنا , ولكنهم وضعوه من أنفسهم موضع مضرة عليها ومنقصة لها .
كما: -999 - حدثنا عن المنجاب قال، حدثنا بشر , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس: (وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) قال: يضرون.
* * *وقد دللنا فيما مضى، على أن أصل " الظلم ": وضع الشيء في غير موضعه - بما فيه الكفاية , فأغنى ذلك عن إعادته.
(213)* * *وكذلك ربنا جل ذكره، لا تضره معصية عاص , ولا يتحيَّف خزائنه ظلم ظالم , ولا تنفعه طاعة مطيع , ولا يزيد في ملكه عدل عادل، بل نفسه يظلم الظالم , وحظها يبخس العاصي , وإياها ينفع المطيع , وحظها يصيب العادل .
* * *---------------------------الهوامش :(175) في المطبوعة : "فإن العرب تسميه" .
(176) الأثر 963 - في المخطوطة ، ساق هذا الأثر إلى قوله"قال : ليس بالسحاب" ثم قال بعده ما نصه : "وبإسناده عن مجاهد قال : ليس بالسحاب ، هو الغمام الذي .
.
.
" إلى آخر الخبر .
(177) في المخطوطة : "فيه في قوله" بحذف"يوم القيامة" .
(178) الضمير في قوله : "وكان" ، للغمام .
(179) في المطبوعة: "فغطى وجهها" وتلك أجود.
(180) في المطبوعة : "خبز الرقاق" .
خبز رقاق رقيق ، كطويل وطوال ، صفة .
وهو خبز منبسط رقيق .
(181) الأثر : 972 - بعض أثر سيأتي برقم : 995 .
وفي المخطوطة : "من الذرة" ، وفي ابن كثير كما في المطبوعة ، وسيأتي كذلك في رقم : 995 .
(182) في المطبوعة"الترنجبين" ، وكذلك في البغوي"الترنجبين" .
وفي تاج العروس : "الترنجبين" .
بالضم ، هو المن المذكور في القرآن" .
وسيأتي ذلك بعد رقم : 977 ، وهو هنا"الزنجيل" كما في ابن كثير ، والمخطوطة .
وانظر لسان العرب : (منن) .
(183) في المطبوعة"شجر الترنجبين" .
(184) الأثر : 974 - هو في المخطوطة بعد رقم : 976 .
(185) ديوانه: 87 من قصيدة طويلة، يذكر فيها ذا التاج هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة، وكانت بنو تميم قد وثبت على مال وطرف كانت تساق إلى كسرى، فأوقع بهم المكعبر الفارسي، والي كسرى على البحرين، وأدخلهم المشقر - وهو حصن بالبحرين - بخديعة خدعهم بها، فقتل رجالهم واستبقى الغلمان.
وكلم هوذة بن علي المكعبر يومئذ في مائة من أسرى بني تميم، فوهبهم له يوم الفصح، فأعتقهم، فقال الأعشى، يذكر ما كان من قبل هوذة في بني تميم:سائل تميما به أيام صفقتهملما أتوه أسارى كلهم ضرعاوسط المشقر في عيطاء مظلمةلا يستطيعون فيها ثَمَّ ممتنعالو أُطعموا المن .
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
فوصف بني تميم بالكفر لنعمته (تاريخ الطبري 2: 132 - 134).
والطعم: ما أكل من الطعام.
ونجع الطعام في الإنسان: هنا أكله وتبينت تنميته، واستمرأه وصلح عليه.
(186) الحديث : 978 - هكذا رواه الطبري دون إسناد .
وقد صدق في أنه تظاهرت به الأخبار .
فقد رواه أحمد والشيخان والترمذي ، من حديث سعيد بن زيد .
ورواه أيضًا أحمد والشيخان وابن ماجه ، من حديث أبي سعيد وجابر .
ورواه أبو نعيم في الطب ، من حديث ابن عباس وعائشة .
انظر مثلا ، المسند : 1625 ، 1626 .
والجامع الصغير : 6463 .
وزاد المعاد لابن القيم 3 : 383 .
وتفسير ابن كثير 1 : 174 - 176 ، وقد ساق كثيرا من طرقه .
(187) ديوانه : 34 - 35 .
في الأصول والديوان .
"ولا مثمورا" .
مضيع : بموضع ضياع وهوان وهلاك .
يقال : هو بدار مضيعة (بفتح الميم وكسر الضاد) ، كأنه فيها ضائع .
وهو مفعلة ، وطرح التاء منها كما يقولون : المنزل والمنزلة .
ومزرع : مصدر ميمي من"زرع" يعني ليس بذي زرع ، ومعمور : أي آهل ذهب خرابه .
ونصب"ولا معمورا" ، عطفا على محل"بذي مزرع" ، وهو نصب .
وآثرت هذه الكلمة ، لأنها هي التي تتفق مع سياقه الشعر ، ولأن التحريف في"معمور" و"مثمور" سهل ، ولما سترى في شرح البيت الثالث .
(188) في المطبوعة : "فعفاها" وفي المخطوطة : "فسناها" ، وفي الديوان"فعفاها" ولا معنى لشيء منها ، فاستظهرت أن أقرأها من المخطوط"فنساها" ، أصلها"فنسأها" مهموزة ، كما قالوا : برأ الله الخلق وبراهم بطرح الهمزة .
ونسأ الدابة رالإبل ينسؤها نسأ : زجرها وساقها .
يقول : ساق عليهم السحاب .
غاديات جمع غادية : وهي السحابة التي تنشأ غدوة .
ومرى الناقة مريا : مسح ضرعها لتدر .
والمزن جمع مزنة : وهي السحابة ذات الماء .
وخلايا جمع خلية : وهي الناقة التي خليت للحلب لكرمها وغزارة لبنها .
الخور" : إبل حمر إلى الغبرة ، رقيقات الجلود ، طوال الأوبار ، لها شعر ينفذ وبرها ، وهي أطول من سائر الوبر ، فإذا كانت فهي غزار كثيرة اللبن .
شبه السحاب الغزير الماء بهذين الضربين من النوق الغزيرة اللبن ، يحلب مطرها عليهم حلبا ، ثم فصل في البيت التالي أنواع ما نزل عليهم من السماء .
(189) ناطف ، من نطف ينطف : قطر .
وهو مشروح بعد - أي يقطر من السماء .
والفرات : أشد الماء عذوبة .
ووصف اللبن بأنه ذو بهجة .
وهي الحسن والنضارة ، لأنه لم يؤخذ زبده ، فيرق ، وتذهب لمعة الزبد منه ، فاستعار البهجة لذلك .
أما قوله : "مثمورا" ، فهي في المطبوعة "ممرورا"، وفي المخطوطة في الصلب كانت تقرأ "مثمورا" ثم لعب فيها قلم الناسخ في الثاء والميم ، ثم كتب هو نفسه في الهامش : "مزمورا" ، ثم شرح في طرف الصفحة فقال : "المزمور : الصافي من اللبن" .
وذلك شيء لا وجود له في كتب اللغة ، وقد رأيت أنه كتب في البيت الأول"مثمورا" ، ورجحت أن صوابها"معمورا" ، ورجحت في هذا البيت أن يكون اختلط عليه حين كتب"مثمورا" فعاد فجعلها"مزمورا" .
ولم أجد"مثمورا" في كتب اللغة ، ولكن يقال : الثمير والثميرة : اللبن الذي ظهر زبده وتحبب قال ابن شميل : إذا مخض رؤي عليه أمثال الحصف في الجلد ، ثم يجتمع فيصير زبدا ، وما دامت صغارا فهو ثمير .
ويقولون : إن لبنك لحسن الثمر ، وقد أثمر مخاضك .
فكأنه قال : "مثمورا" ويعني"ثميرا" ، لأن فعيلا بمعنى مفعول هنا .
(190) كانت في المطبوعة"الممرور" ، وقد ذكرت في التعليقة ، أنها بهامش المخطوطة"المزمور" .
(191) قوله : "فجعل المن .
.
.
" إلى آخر الجملة ليس في المخطوطة .
(192) الأثر : 978 - اقتصر في المخطوطة على بعض هذا الإسناد ، إلى قوله : عن السدي" ، وأسقط الباقي ، وهو الإسناد الدائر في تفسيره ، فكأن كل إسناد وقف على السدي ، هو هذا الإسناد ، ثم اجتزأ ببعضه عن جميعه ، كما مضى آنفًا ، وكما سيأتي بعد .
(193) الأثر 984 - بعض أثر سيأتي برقم : 995 .
(194) في المخطوطة : "على موسى" بحذف"قوم" .
(195) في المطبوعة : "بالمسير" ، وهما سواء .
(196) هذا اختصار ، وتفصيله في التاريخ في موضعه ، كما سيأتي في موضعه من ذكره مراجعه .
(197) في المخطوطة وحدها : "الزنجبيل" .
وانظر ما مضى : 92 .
(198) الأثر : 991 - في تاريخ الطبري 1 : 221 - 222 .
(199) في المخطوطة : "أن يسبق بهم" ، وأراد الناسخ أن يصححها في الهامش ، فكتب"-" ولم يتمها .
(200) الخمر (بفتحتين) : كل ما سترك من شجر أو بناء أو غيره .
(201) هذا الإسناد الثاني ساقط من المخطوطة .
(202) في المخطوطة : "فإذا هو في قدر" مصفحة ، وانظر تفسير الطبري 6 : 116 - 117 ، 119 (بولاق) وقوله : "قدر" ليست في المطبوعة .
(203) في المخطوطة : "حتى قمرت أربعين سنة" محرفا .
(204) هذه الجملة سلفت في الأثر رقم : 972(205) هذه الجملة سلفت في الأثر رقم : 984(206) في المطبوعة : "من السبت إلى السبت" .
(207) الشسع : أحد سيور النعل الذي يدخل بين الإصبعين(208) في المطبوعة : "فإن فينا أولادا" .
(209) في المطبوعة : "فبم نبصر" .
(210) الأثر : 995 - إسحاق : هو ابن راهويه الإمام الكبير .
إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل ابن منبه الصنعاني : ثقة ، مترجم في التهذيب ، ترجمة البخاري 1 /1 /367 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 /187 .
وهو يروي هنا عن عمه : عبد الصمد بن معقل بن منبه ، وهو ثقة أيضًا ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 /50 .
وعبد الصمد يروى عن عمه : وهب بن منبه ، هذا الأثر .
(211) درن الثوب يدرن درنا فهو درن وأدرن : تلطخ بالوسخ .
(212) في المطبوعة : "من مشهيات" ، ليست بشيء .
(213) انظر ما مضى 1 : 523 - 524 ، وهذا الجزء 2 : 69 .

﴿ وظللنا عليكم الغمام وأنـزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾

قراءة سورة البقرة

المصدر : تفسير : وظللنا عليكم الغمام وأنـزلنا عليكم المن والسلوى