ويعلم الذين أُعطوا العلم أن القرآن الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق، ويرشد إلى طريق الله، العزيز الذي لا يغالَب ولا يمانع، بل قهر كل شيء وغلبه، المحمود في أقواله وأفعاله وشرعه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ويرى» يعلم «الذين أوتوا العلم» مؤمنوا أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه «الذي أنزل إليك من ربك» أي القرآن «هو» فصل «الحق ويهدي إلى صراط» طريق «العزيز الحميد» أي الله ذي العزة المحمود.
﴿ تفسير السعدي ﴾
لما ذكر تعالى إنكار من أنكر البعث, وأنهم يرون ما أنزل على رسوله ليس بحق، ذكر حالة الموفقين من العباد, وهم أهل العلم, وأنهم يرون ما أنزل اللّه على رسوله من الكتاب, وما اشتمل عليه من الأخبار, هو الحق, أي: الحق منحصر فيه, وما خالفه وناقضه, فإنه باطل, لأنهم وصلوا من العلم إلى درجة اليقين.ويرون أيضا أنه في أوامره ونواهيه يَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ وذلك أنهم جزموا بصدق ما أخبر به من وجوه كثيرة: من جهة علمهم بصدق من أخبر به، ومن جهة موافقته للأمور الواقعة, والكتب السابقة، ومن جهة ما يشاهدون من أخبارها, التي تقع عيانا، ومن جهة ما يشاهدون من الآيات العظيمة الدالة عليها في الآفاق وفي أنفسهم ومن جهة موافقتها, لما دلت عليه أسماؤه تعالى وأوصافه.ويرون في الأوامر والنواهي, أنها تهدي إلى الصراط المستقيم, المتضمن للأمر بكل صفة تزكي النفس، وتنمي الأجر، وتفيد العامل وغيره، كالصدق والإخلاص وبر الوالدين, وصلة الأرحام, والإحسان إلى عموم الخلق, ونحو ذلك. وتنهى عن كل صفة قبيحة, تدنس النفس, وتحبط الأجر, وتوجب الإثم والوزر, من الشرك, والزنا, والربا, والظلم في الدماء والأموال, والأعراض.وهذه منقبة لأهل العلم وفضيلة, وعلامة لهم, وأنه كلما كان العبد أعظم علما وتصديقا بأخبار ما جاء به الرسول, وأعظم معرفة بحكم أوامره ونواهيه, كان من أهل العلم الذين جعلهم اللّه حجة على ما جاء به الرسول, احتج اللّه بهم على المكذبين المعاندين, كما في هذه الآية وغيرها.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ويرى الذين ) أي : ويرى الذين ( أوتوا العلم ) يعني : مؤمني أهل الكتاب : عبد الله بن سلام وأصحابه . وقال قتادة : هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ( الذي أنزل إليك من ربك ) يعني : القرآن ( هو الحق ) يعني : أنه من عند الله ) ( ويهدي ) يعني : القرآن ( إلى صراط العزيز الحميد ) وهو الإسلام .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والمراد بالرؤية في قوله- تعالى-: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ المعرفة والعلم واليقين. والمراد بالذين أوتوا العلم: المؤمنون الصادقون الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاءهم به من عند ربه، سواء أكانوا من العرب أم من غيرهم، كمؤمنى أهل الكتاب من اليهود والنصارى.والجملة الكريمة مستأنفة لمدح هؤلاء العلماء العقلاء على إيمانهم بالحق، أو معطوفة على يجزى في قوله- تعالى- قبل ذلك: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ.والمراد ب الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ القرآن الكريم.والمعنى: لا تحزن- أيها الرسول الكريم- لما يقوله الكافرون بشأنك ولما يفعلونه لإبطال دعوتك، فإن الذين أوتوا العلم وهم أتباعك الصادقون، يعلمون ويعتقدون أن ما أنزل إليك من ربك هو الحق الذي لا يحوم حوله باطل، وهو الصدق الذي لا يشوبه كذب، وهو الكتاب الذي يهدى من اتبعه وأطاع توجيهاته إلى دين الله- تعالى-، العزيز، الذي يقهر ولا يقهر الْحَمِيدِ أى المحمود في جميع شئونه.والمفعول الأول ليرى قوله: الَّذِي أُنْزِلَ.. والمفعول الثاني «الحق» و «هو» ضمير فصل متوسط بين المفعولين و «يهدى» معطوف على المفعول الثاني من باب عطف الفعل على الاسم لتأويله به، أى: يرونه حقا وهاديا.وعبر- سبحانه- عن إيمان أهل العلم بما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:وَيَرَى، للإشعار بأنهم قد آمنوا هذا الإيمان الجازم عن إدراك ومشاهدة ويقين، وأنهم قد صاروا لا يشكون في كون هذا المنزّل عليه من ربه، هو الحق الهادي إلى الصراط المستقيم.وفي وصفهم بقوله: أُوتُوا الْعِلْمَ ثناء عظيم عليهم، لأنهم انتفعوا بعلمهم وسخروه لخدمة الحق، وللشهادة له بأنه حق، ويهدى إلى السعادة الدينية والدنيوية والأخروية.وهكذا العلماء العاملون بمقتضى علمهم النافع. يكونون أنصارا للحق والهدى في كل زمان ومكان.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ) . هذه حكمة أخرى معطوفة على التي قبلها ، وهي أن المؤمنين بما أنزل على الرسل إذا شاهدوا قيام الساعة ومجازاة الأبرار والفجار بالذي كانوا قد علموه من كتب الله في الدنيا رأوه حينئذ عين اليقين ، ويقولون يومئذ أيضا : ( لقد جاءت رسل ربنا بالحق ) [ الأعراف : 43 ] ، ويقال أيضا : ( هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) [ يس : 52 ] ، ( لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ) [ الروم : 56 ] ، ( ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ) . العزيز هو : المنيع الجناب ، الذي لا يغالب ولا يمانع ، بل قد قهر كل شيء ، الحميد في جميع أقواله وأفعاله وشرعه ، وقدره ، وهو المحمود في ذلك كله .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد .لما ذكر الذين سعوا في إبطال النبوة بين أن الذين أوتوا العلم يرون أن القرآن حق . قال مقاتل : الذين أوتوا العلم هم مؤمنو أهل الكتاب . وقال ابن عباس : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل جميع المسلمين ، وهو أصح لعمومه . والرؤية بمعنى العلم ، وهو في موضع نصب عطفا على ليجزي أي ليجزي وليرى ، قاله الزجاج والفراء . وفيه نظر ؛ لأن قوله : ليجزي متعلق بقوله : لتأتينكم الساعة ، ولا يقال : لتأتينكم الساعة ليرى الذين أوتوا العلم أن القرآن حق ، فإنهم يرون القرآن حقا وإن لم تأتهم الساعة . والصحيح أنه رفع على الاستئناف ، ذكره القشيري .قلت : وإذا كان ( ليجزي ) متعلقا بمعنى أثبت ذلك في كتاب مبين ، فيحسن عطف ( ويرى ) عليه ، أي وأثبت أيضا ليرى الذين أوتوا العلم أن القرآن حق . ويجوز أن يكون مستأنفا . ( الذي ) في موضع نصب على أنه مفعول أول ل ( يرى ) ، ( هو الحق ) مفعول ثان ، و ( هو ) فاصلة . والكوفيون يقولون ( هو ) عماد . ويجوز الرفع على أنه مبتدأ . والحق خبره ، والجملة في موضع نصب على المفعول الثاني ، والنصب أكثر فيما كانت فيه الألف واللام عند جميع النحويين ، وكذا ما كان نكرة لا يدخله الألف واللام فيشبه المعرفة . فإن كان الخبر اسما معروفا نحو قولك : كان أخوك هو زيد ، فزعم الفراء أن الاختيار فيه الرفع . وكذا كان محمد هو عمرو . وعلته في اختياره الرفع أنه لما لم تكن فيه الألف واللام أشبه النكرة في قولك : كان زيد هو جالس ؛ لأن هذا لا يجوز فيه إلا الرفع . ويهدي إلى صراط العزيز الحميد أي يهدي القرآن إلى طريق الإسلام الذي هو دين الله . ودل بقوله : العزيز على أنه لا يغالب . وبقوله : الحميد على أنه لا يليق به صفة العجز .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)يقول تعالى ذكره: أثبت ذلك في كتاب مبين ليجزي الذين آمنوا والذين سعوا في آياتنا ما قد بين لهم، وليرى الذين أوتوا العلم، فيرى في موضع نصب عطفًا به على قوله: يجزي في قوله لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وعنى بالذين أوتوا العلم مسلمة أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، ونظرائه الذين قد قرءوا كتب الله التي أنزلت قبل الفرقان، فقال تعالى ذكره: وليرى هؤلاء الذين أوتوا العلم بكتاب الله الذي هو التوراة الكتاب الذي أنزل إليك يا محمد من ربك هو الحق.وقيل: عنى بالذين أوتوا العلم: أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة ( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ ) قال: أصحاب محمد.وقوله ( وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) يقول: ويرشد من اتبعه وعمل بما فيه إلى سبيل الله العزيز في انتقامه من أعدائه الحميد عند خلقه، فأياديه عندهم ونعمه لديهم. وإنما يعني أن الكتاب الذي أنزل على محمد يهدي إلى الإسلام.
﴿ ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنـزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ﴾