القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 6 سورة الطلاق - أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا

سورة الطلاق الآية رقم 6 : سبع تفاسير معتمدة

سورة أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا - عدد الآيات 12 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 6 من سورة الطلاق عدة تفاسير - سورة الطلاق : عدد الآيات 12 - - الصفحة 559 - الجزء 28.

سورة الطلاق الآية رقم 6


﴿ أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيۡهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأۡتَمِرُواْ بَيۡنَكُم بِمَعۡرُوفٖۖ وَإِن تَعَاسَرۡتُمۡ فَسَتُرۡضِعُ لَهُۥٓ أُخۡرَىٰ ﴾
[ الطلاق: 6]

﴿ التفسير الميسر ﴾

أسكنوا المطلقات من نسائكم في أثناء عدتهن مثل سكناكم على قدر سَعَتكم وطاقتكم، ولا تلحقوا بهن ضررًا؛ لتضيِّقوا عليهن في المسكن، إن كان نساؤكم المطلقات ذوات حَمْل، فأنفقوا عليهن في عدتهن حتى يضعن حَمْلهن، فإن أرضعن لكم أولادهن منكم بأجرة، فوفوهن أجورهن، وليأمر بعضكم بعضًا بما عرف من سماحة وطيب نفس، وإن لم تتفقوا على إرضاع الأم، فستُرضع للأب مرضعة أخرى غير الأم المطلقة.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«أسكنوهن» أي المطلقات «من حيث سكنتم» أي بعض مساكنكم «من وجدكم» أي سعتكم عطف بيان أو بدل مما قبله بإعادة الجار وتقدير مضاف، أي أمكنة سعتكم لا ما دونها «ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن» المساكن فيحتجن إلى الخروج أو النفقة فيفتدين منكم «وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم» أولادكم منهن «فآتوهن أجورهن» على الإرضاع «وأتمروا بينكم» وبينهن «بمعروف» بجميل في حق الأولاد بالتوافق على أجر معلوم على الإرضاع «وإن تعاسرتم» تضايقتم في الإرضاع فامتنع الأب من الأجرة والأم من فعله «فسترضع له» للأب «أخرى» ولا تكره الأم على إرضاعه.

﴿ تفسير السعدي ﴾

تقدم أن الله نهى عن إخراج المطلقات عن البيوت وهنا أمر بإسكانهن وقدر الإسكان بالمعررف، وهو البيت الذي يسكنه مثله ومثلها، بحسب وجد الزوج وعسره، وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ أي: لا تضاروهن، عند سكناهن بالقول أو الفعل، لأجل أن يمللن، فيخرجن من البيوت، قبل تمام العدة، فتكونوا، أنتم المخرجين لهن، وحاصل هذا أنه نهى عن إخراجهن، ونهاهن عن الخروج، وأمر بسكناهن، على وجه لا يحصل به عليهن، ضرر ولا مشقة، وذلك راجع إلى العرف، وَإِنْ كُنَّ أي: المطلقات أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وذلك لأجل الحمل الذي في بطنها، إن كانت بائنًا، ولها ولحملها إن كانت رجعية، ومنتهى النفقة حتى يضعن حملهن فإذا وضعن حملهن، فإما أن يرضعن أولادهن أو لا، فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ المسماة لهن، إن كان مسمى، وإلا فأجر المثل، وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ أي: وليأمر كل واحد من الزوجين ومن غيرهما، الآخر بالمعروف، وهو كل ما فيه منفعة ومصلحة في الدنيا والآخرة، فإن الغفلة عن الائتمار بالمعروف، يحصل فيه من الشر والضرر، ما لا يعلمه إلا الله، وفي الائتمار، تعاون على البر والتقوى، ومما يناسب هذا المقام، أن الزوجين عند الفراق وقت العدة، خصوصًا إذا ولد لهما ولد في الغالب يحصل من التنازع والتشاجر لأجل النفقة عليها وعلى الولد مع الفراق، الذي في الغالب ما يصدر إلا عن بغض، ويتأثر منه البغض شيء كثيرفكل منهما يؤمر بالمعروف، والمعاشرة الحسنة، وعدم المشاقة والمخاصمة وينصح على ذلك.
وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ بأن لم يتفقوا على إرضاعها لولدها، فلترضع له أخرى غيرها فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وهذا حيث كان الولد يقبل ثدي غير أمه، فإن لم يقبل إلا ثدي أمه، تعينت لإرضاعه، ووجب عليها، وأجبرت إن امتنعت، وكان لها أجرة المثل إن لم يتفقا على مسمى، وهذا مأخوذ من الآية الكريمة من حيث المعنى، فإن الولد لما كان في بطن أمه مدة الحمل، ليس له خروج منه عين تعالى على وليه النفقة، فلما ولد، وكان يمكن أن يتقوت من أمه، ومن غيرها، أباح تعالى، الأمرين، فإذا، كان بحالة لا يمكن أن يتقوت إلا من أمه، كان بمنزلة الحمل، وتعينت أمه طريقًا لقوته

﴿ تفسير البغوي ﴾

( أسكنوهن ) يعني مطلقات نسائكم ( من حيث سكنتم ) " من " صلة ، أي : أسكنوهن حيث سكنتم ( من وجدكم ) يعني : سعتكم وطاقتكم ، يعني : إن كان موسرا يوسع عليها في المسكن والنفقة ، وإن كان فقيرا فعلى قدر الطاقة ( ولا تضاروهن ) لا تؤذوهن ( لتضيقوا عليهن ) مساكنهن فيخرجن ( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) فيخرجن من عدتهن .
اعلم أن المعتدة الرجعية تستحق على الزوج النفقة والسكنى ما دامت في العدة .
ونعني بالسكنى : مؤنة السكنى فإن كانت الدار التي طلقها فيها ملكا للزوج يجب على الزوج أن يخرج ويترك الدار لها مدة عدتها وإن كانت بإجارة فعلى الزوج الأجرة ، وإن كانت عارية فرجع المعير فعليه أن يكتري لها دارا تسكنها .
فأما المعتدة البائنة بالخلع أو الطلقات الثلاث [ أو باللعان فلها السكنى حاملا كانت أو حائلا عند أكثر أهل العلم ] .
روي عن ابن عباس أنه قال : لا سكنى لها إلا أن تكون حاملا وهو قول الحسن وعطاء والشعبي .
واختلفوا في نفقتها : فذهب قوم إلى أنه لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا .
روي ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن وعطاء والشعبي وبه قال الشافعي وأحمد .
ومنهم من أوجبها بكل حال روي ذلك عن ابن مسعود ، وهو قول إبراهيم النخعي وبه قال الثوري وأصحاب الرأي .
وظاهر القرآن يدل على أنها لا تستحق إلا أن تكون حاملا لأن الله تعالى قال : " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن " .
والدليل عليه من جهة السنة ما :أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك ، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام ، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته ، فقال : والله ما لك علينا من شيء .
فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له .
فقال لها : ليس لك عليه نفقة ، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك .
ثم قال : تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم ، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك ، فإذا حللت فآذنيني .
قالت : فلما حللت ، ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ، وأما معاوية فصعلوك لا مال له ، انكحي أسامة بن زيد ، قالت : فكرهته ، ثم قال : انكحي أسامة ، فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به .
واحتج من لم يجعل لها السكنى بحديث فاطمة بنت قيس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تعتد في بيت عمرو بن أم مكتوم .
ولا حجة فيه ، لما روي عن عائشة أنها قالت : كانت فاطمة في مكان وحش ، فخيف على ناحيتها .
وقال سعيد بن المسيب : إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على أحمائها وكان للسانها ذرابة .
أما المعتدة عن وطء الشبهة والمفسوخ نكاحها بعيب أو خيار عتق فلا سكنى لها ولا نفقة وإن كانت حاملا .
[ والمعتدة عن وفاة الزوج لا نفقة لها حاملا ] كانت أو حائلا عند أكثر أهل العلم ، وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أن لها النفقة إن كانت حاملا من التركة حتى تضع ، وهو قول شريح والشعبي والنخعي والثوري .
.
واختلفوا في سكناها وللشافعي رضي الله عنه فيه قولان : أحدهما لا سكنى لها بل تعتد حيث تشاء ، وهو قول علي وابن عباس وعائشة .
وبه قال عطاء والحسن ، وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه .
والثاني : لها السكنى وهو قول عمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر ، وبه قال مالك وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق .
واحتج من أوجب لها السكنى بما :أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك ، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن عمته زينب بنت كعب : أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها : أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة ، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم ، فقتلوه فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة ؟ فقالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم ، فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعيت له فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف قلت ؟ قالت : فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي ، فقال : امكثي [ في بيتك ] حتى يبلغ الكتاب أجله .
قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا .
قالت : فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به .
فمن قال بهذا القول قال : إذنه لفريعة أولا بالرجوع إلى أهلها صار منسوخا بقوله [ آخرا ] " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " .
ومن لم يوجب السكنى قال : أمرها بالمكث في بيتها آخرا استحبابا لا وجوبا .
قوله - عز وجل - ( فإن أرضعن لكم ) أي أرضعن أولادكم ( فآتوهن أجورهن ) على إرضاعهن ( وأتمروا بينكم بمعروف ) [ ليقبل بعضكم من بعض إذا أمره بالمعروف ] قال الكسائي : شاوروا قال مقاتل : بتراضي الأب والأم على أجر مسمى .
والخطاب للزوجين جميعا يأمرهم أن يأتوا بالمعروف وبما هو الأحسن ، ولا يقصدوا الضرار .
( وإن تعاسرتم ) في الرضاع والأجرة فأبى الزوج أن يعطي المرأة رضاها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها على إرضاعه ، ولكنه يستأجر للصبي مرضعا غير أمه وذلك قوله : ( فسترضع له أخرى ) .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم أمر- سبحانه- الرجال بأن يحسنوا معاملة النساء المطلقات، ونهاهم عن الإساءة إليهن بأى لون من ألوان الإساءة فقال: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ .
.
.
والخطاب للرجال الذين يريدون فراق أزواجهن، والضمير المنصوب في قوله أَسْكِنُوهُنَّ يعود إلى النساء المطلقات.
ومِنْ للتبعيض، والوجد: السعة والقدرة.
أى: أسكنوا المطلقات في بعض البيوت التي تسكنونها والتي في وسعكم وطاقتكم إسكانهن فيها.
قال صاحب الكشاف: قوله: أَسْكِنُوهُنَّ وما بعده: بيان لما شرط من التقوى في قوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ .
.
.
كأنه قيل: كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات؟ فقيل: أَسْكِنُوهُنَّ.
فإن قلت: فقوله: مِنْ وُجْدِكُمْ ما موقعه؟ قلت: هو عطف بيان لقوله مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ، وتفسير له، كأنه قيل: أسكنوهن مكانا من مسكنكم مما تطيقونه.
والسكنى والنفقة: واجبتان لكل مطلقة.
وعند مالك والشافعى: ليس للمبتونة إلا السكن ولا نفقة لها، وعن الحسن وحماد: لا نفقة لها ولا سكنى، لحديث فاطمة بنت قيس: أن زوجها أبتّ طلاقها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا سكنى لك ولا نفقة .
.
.
» .
ثم أتبع- سبحانه- الأمر بالإحسان إلى المطلقات، بالنهى عن إلحاق الأذى بهن فقال:وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ أى: ولا تستعملوا معهن ما يؤذيهن ويضرهن، لكي تضيقوا عليهن ما منحه الله- تعالى- لهن من حقوق، بأن تطيلوا عليهن مدة العدة، فتصبح الواحدة منهن كالمعلقة، أو بأن تضيقوا عليهن في السكنى، حتى يلجأن إلى الخروج، والتنازل عن حقوقهن.
وقوله- تعالى-: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.
.
أى:وإن كان المطلقات أصحاب حمل- فعليكم يا معشر الأزواج- أن تقدموا لهن النفقة المناسبة، حتى يضعن حملهن.
قال الإمام ابن كثير: قال كثير من العلماء منهم ابن عباس، وطائفة من السلف.
هذه هي البائن، إن كانت حاملا أنفق عليها حتى تضع حملها، قالوا: بدليل أن الرجعية تجب نفقتها سواء أكانت حاملا أم غير حامل.
وقال آخرون: بل السياق كله في الرجعيات، وإنما نص على الإنفاق على الحامل- وإن كانت رجعية- لأن الحمل تطول مدته غالبا.
فاحتيج إلى النص على وجوب الإنفاق إلى الوضع، لئلا يتوهم أنه إنما تجب النفقة بمقدار مدة العدة.
.
.
ولما كان الحمل ينتهى بالوضع، انتقلت السورة الكريمة إلى بيان ما يجب للمطلقات بعد الوضع، فقال- تعالى-: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ.
أى: عليكم- أيها المؤمنون- أن تقدموا لنسائكم ذوات الحمل اللائي طلقتموهن طلاقا بائنا، عليكم أن تقدموا لهن النفقة حتى يضعن حملهن، فإذا ما وضعن حملهن وأرادوا أن يرضعن لكم أولادكم منهن، فعليكم- أيضا- أن تعطوهن أجورهن على هذا الإرضاع، وأن تلتزموا بذلك لهن.
وقد أخذ العلماء من هذه الآية أن الأم المطلقة طلاقا بائنا، إذا أرادت أن ترضع ولدها بأجر المثل، فليس لأحد أن يمنعها من ذلك، لأنها أحق به من غيرها، لشدة شفقتها عليه .
.
.
وليس للأب أن يسترضع غيرها حينئذ.
كما أخذوا منها- أيضا- أن نفقة الولد الصغير على أبيه، لأنه إذا لزمته أجرة الرضاع، فبقية النفقات الخاصة بالصغير تقاس على ذلك.
وقوله- سبحانه-: وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ حض منه- سبحانه- للآباء والأمهات على التعاون والتناصح في وجوه الخير والبر.
والائتمار معناه: التشاور وتبادل الرأى، وسمى التشاور بذلك لأن المتشاورين في مسألة، يأمر أحدهما الآخر بشيء فيستجيب لأمره، ويقال: أئتمر القوم وتآمروا بمعنى واحد.
أى: عليكم- أيها الآباء والأمهات- أن تتشاوروا فيما ينفع أولادكم، وليأمر بعضكم بعضا بما هو حسن، فيما يتعلق بالإرضاع والأجر وغيرهما.
وقوله- تعالى-: وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى إرشاد إلى ما يجب عليهما في حالة عدم التراضي على الإرضاع أو الأجر.
والتعاسر مأخوذ من العسر الذي هو ضد اليسر والسماحة، يقال تعاسر المتبايعان، إذا تمسك كل واحد منهما برأيه، دون أن يتفقا على شيء.
أى: وإن اشتد الخلاف بينكم، ولم تصلوا إلى حل، بأن امتنع الأب عن دفع الأجرة للأم، أو امتنعت الأم عن الإرضاع إلا بأجر معين.
فليس معنى ذلك أن يبقى المولود جائعا بدون رضاعة، بل على الأب أن يبحث عن مرضعة أخرى، لكي ترضع له ولده، فالضمير في قوله لَهُ يعود على الأب.
قال صاحب الكشاف قوله: وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى أى: فستوجد مرضعة غير الأم ترضعه، وفيه طرف من معاتبة الأم على المعاسرة، كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتوانى: سيقضيها غيرك.
تريد لن تبقى غير مقضية وأنت ملوم.
وقد علق المحشى على الكشاف بقوله: وخص الأم بالمعاتبة، لأن المبذول من جهتها هو لبنها وهو غير متمول ولا مضنون به في العرف، وخصوصا في الأم على الولد، ولا كذلك المبذول من جهة الأب، فإنه المال المضنون به عادة فالأم إذا أجدى باللوم، وأحق بالعتب.
.
.
قالوا: وفي هذه الجملة- أيضا- طرف من معاتبة الأب، لأنه كان من الواجب عليه أن يسترضى الأم، ولا يكون مصدر عسر بالنسبة لها، حرصا على مصلحة الولد.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

يقول تعالى آمرا عباده إذا طلق أحدهم المرأة أن يسكنها في منزل حتى تنقضي عدتها ، فقال : ( أسكنوهن من حيث سكنتم ) أي : عندكم ، ( من وجدكم ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : يعني سعتكم . حتى قال قتادة : إن لم تجد إلا جنب بيتك فأسكنها فيه .وقوله : ( ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ) قال مقاتل بن حيان : يعني يضاجرها لتفتدي منه بمالها ، أو تخرج من مسكنه .وقال الثوري ، عن منصور ، عن أبي الضحى : ( ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ) قال : يطلقها ، فإذا بقي يومان راجعها .وقوله : ( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) قال كثير من العلماء منهم ابن عباس ، وطائفة من السلف ، وجماعات من الخلف : هذه في البائن ، إن كانت حاملا أنفق عليها حتى تضع حملها ، قالوا : بدليل أن الرجعية تجب نفقتها ، سواء كانت حاملا أو حائلا .وقال آخرون : بل السياق كله في الرجعيات ، وإنما نص على الإنفاق على الحامل وإن كانت رجعية لأن الحمل تطول مدته غالبا ، فاحتيج إلى النص على وجوب الإنفاق إلى الوضع ; لئلا يتوهم أنه إنما تجب النفقة بمقدار مدة العدة .واختلف العلماء : هل النفقة لها بواسطة الحمل ، أم للحمل وحده ؟ على قولين منصوصين عن الشافعي ، وغيره ، ويتفرع عليها مسائل مذكورة في علم الفروع .وقوله : ( فإن أرضعن لكم ) أي : إذا وضعن حملهن وهن طوالق ، فقد بن بانقضاء عدتهن ، ولها حينئذ أن ترضع الولد ، ولها أن تمتنع منه ، ولكن بعد أن تغذيه باللبإ - وهو باكورة اللبن الذي لا قوام للولد غالبا إلا به - فإن أرضعت استحقت أجر مثلها ، ولها أن تعاقد أباه أو وليه على ما يتفقان عليه من أجرة ; ولهذا قال تعالى : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) وقوله : ( وأتمروا بينكم بمعروف ) أي : ولتكن أموركم فيما بينكم بالمعروف ، من غير إضرار ولا مضارة ، كما قال تعالى في سورة " البقرة " : ( لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده ) [ البقرة : 233 ]وقوله : ( وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ) أي : وإن اختلف الرجل والمرأة ، فطلبت المرأة أجرة الرضاع كثيرا ، ولم يجبها الرجل إلى ذلك أو بذل الرجل قليلا ولم توافقه عليه ، فليسترضع له غيرها . فلو رضيت الأم بما استؤجرت عليه الأجنبية فهي أحق بولدها .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرىفيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم قال أشهب عن مالك : يخرج عنها إذا طلقها ويتركها في المنزل ; لقوله تعالى : أسكنوهن .
فلو كان معها ما قال أسكنوهن .
وقال ابن نافع : قال مالك في قول الله تعالى : أسكنوهن من حيث سكنتم يعني المطلقات اللائي بن من أزواجهن فلا رجعة لهم عليهن وليست حاملا ، فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة ، لأنها بائن منه ، لا يتوارثان ولا رجعة له عليها .
وإن كانت حاملا فلها النفقة والكسوة والمسكن حتى تنقضي عدتها .
أما من لم تبن منهن فإنهن نساؤهم يتوارثون ، ولا يخرجن إلا أن يأذن لهن أزواجهن ما كن في عدتهن ، ولم يؤمروا بالسكنى لهن لأن ذلك لازم لأزواجهن مع نفقتهن وكسوتهن ، حوامل كن أو غير حوامل .
وإنما أمر الله بالسكنى للائي بن من أزواجهن مع نفقتهن ، قال الله تعالى : وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فجعل عز وجل للحوامل اللائي قد بن من أزواجهن السكنى والنفقة .
قال ابن العربي : وبسط ذلك وتحقيقه أن الله سبحانه لما ذكر السكنى أطلقها لكل مطلقة ، فلما ذكر النفقة قيدها بالحمل ، فدل على أن المطلقة البائن لا نفقة لها .
وهي مسألة عظيمة قد مهدنا سبلها قرآنا وسنة ومعنى في مسائل الخلاف .
وهذا مأخذها من القرآن .
قلت : اختلف العلماء في المطلقة ثلاثا على ثلاثة أقوالفمذهب مالك والشافعي : أن لها السكنى ولا نفقة لها .
ومذهب أبي حنيفة وأصحابه : أن لها السكنى والنفقة .
ومذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور : أن لا نفقة لها ولا سكنى ، على حديث فاطمة بنت قيس ، قالت : دخلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي أخو زوجي ، فقلت : إن زوجي طلقني وإن هذا يزعم أن ليس لي سكنى ولا نفقة ؟ قال : " بل لك السكنى ولك النفقة " .
قال : إن زوجها طلقها ثلاثا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما السكنى والنفقة على من له عليها الرجعة " .
فلما قدمت الكوفة طلبني الأسود بن يزيد ليسألني عن ذلك ، وإن أصحاب عبد الله يقولون : إن لها السكنى والنفقة .
خرجه الدارقطني .
ولفظ مسلم عنها : أنه طلقها زوجها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أنفق عليها نفقة دون ، فلما رأت ذلك قالت : والله لأعلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان لي نفقة أخذت الذي يصلحني ، وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ شيئا .
قالت : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " لا نفقة لك ولا سكنى " .
وذكر الدارقطني عن الأسود قال : قال عمر لما بلغه قول فاطمة بنت قيس : لا نجيز في المسلمين قول امرأة .
وكان يجعل للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة .
وعن الشعبي قال : لقيني الأسود بن يزيد فقال .
يا شعبي ، اتق الله وارجع عن حديث فاطمة بنت قيس ; فإن عمر كان يجعل لها السكنى والنفقة .
قلت : لا أرجع عن شيء حدثتني به فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قلت : ما أحسن هذا .
وقد قال قتادة وابن أبي ليلى : لا سكنى إلا للرجعية ; لقوله تعالى : لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، وقوله تعالى : " أسكنوهن " راجع إلى ما قبله ، وهي المطلقة الرجعية .
والله أعلم .
ولأن السكنى تابعة للنفقة وجارية مجراها ; فلما لم تجب للمبتوتة نفقة لم يجب لها سكنى .
وحجة أبي حنيفة أن للمبتوتة النفقة قوله تعالى : ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وترك النفقة من أكبر الأضرار .
وفي إنكار عمر على فاطمة قولها ما يبين هذا ، ولأنها معتدة تستحق السكنى عن طلاق فكانت لها النفقة كالرجعية ، ولأنها محبوسة عليه لحقه فاستحقت النفقة كالزوجة .
ودليل مالك قوله تعالى : وإن كن أولات حمل الآية .
على ما تقدم بيانه .
وقد قيل : إن الله تعالى ذكر المطلقة الرجعية وأحكامها أول الآية إلى قوله : ذوي عدل منكم ثم ذكر بعد ذلك حكما يعم المطلقات كلهن من تعديد الأشهر وغير ذلك .
وهو عام في كل مطلقة ; فرجع ما بعد ذلك من الأحكام إلى كل مطلقة .
الثانية : قوله تعالى : " من وجدكم " أي من سعتكم ; يقال : وجدت في المال أجد وجدا ووجدا ووجدا وجدة .
والوجد : الغنى والمقدرة .
وقراءة العامة بضم الواو .
وقرأ الأعرج والزهري بفتحها ، ويعقوب بكسرها .
وكلها لغات فيها .
الثالثة : قوله تعالى : ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن قال مجاهد : في المسكن .
مقاتل : في النفقة ; وهو قول أبي حنيفة .
وعن أبي الضحى : هو أن يطلقها فإذا بقي يومان من عدتها راجعها ثم طلقها .
الرابعة : قوله تعالى : وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن لا خلاف بين العلماء في وجوب النفقة والسكنى للحامل المطلقة ثلاثا أو أقل منهن حتى تضع حملها .
فأما الحامل المتوفى عنها زوجها فقال علي وابن عمر وابن مسعود وشريح والنخعي والشعبي وحماد وابن أبي ليلى وسفيان والضحاك : ينفق عليها من جميع المال حتى تضع .
وقال ابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم : لا ينفق عليها إلا من نصيبها .
وقد مضى في " البقرة " بيانه .
قوله تعالى : فإن أرضعن لكم الأولى : قوله تعالى : فإن أرضعن لكم - يعني المطلقات - أولادكم منهن فعلى الآباء أن يعطوهن أجرة إرضاعهن .
وللرجل أن يستأجر امرأته للرضاع كما يستأجر أجنبية ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه الاستئجار إذا كان الولد منهن ما لم يبن .
ويجوز عند الشافعي .
وتقدم القول في الرضاع في " البقرة " و " النساء " مستوفى ولله الحمد .
الثانية : قوله تعالى : وأتمروا بينكم بمعروف هو خطاب للأزواج والزوجات ; أي وليقبل بعضكم من بعض ما أمره به من المعروف الجميل .
والجميل منها إرضاع الولد من غير أجرة .
والجميل منه توفير الأجرة عليها للإرضاع .
وقيل : ائتمروا في رضاع الولد فيما بينكم بمعروف حتى لا يلحق الولد إضرار .
وقيل : هو الكسوة والدثار .
وقيل : معناه لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده .
الثالثة : قوله تعالى : وإن تعاسرتم أي في أجرة الرضاع فأبى الزوج أن يعطي الأم رضاعها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها ; وليستأجر مرضعة غير أمه .
وقيل : معناه وإن تضايقتم وتشاكستم فليسترضع لولده غيرها ; وهو خبر في معنى الأمر .
وقال الضحاك : إن أبت الأم أن ترضع استأجر لولده أخرى ، فإن لم يقبل أجبرت أمه على الرضاع بالأجر .
وقد اختلف العلماء فيمن يجب عليه رضاع الولد على ثلاثة أقوال : قال علماؤنا : رضاع الولد على الزوجة ما دامت الزوجية ; إلا لشرفها وموضعها فعلى الأب رضاعه يومئذ في ماله .
الثاني : قال أبو حنيفة : لا يجب على الأم بحال .
الثالث : يجب عليها في كل حال .
الرابعة : فإن طلقها فلا يلزمها رضاعه إلا أن يكون غير قابل ثدي غيرها فيلزمها حينئذ الإرضاع .
فإن اختلفا في الأجر فإن دعت إلى أجر مثلها وامتنع الأب إلا تبرعا فالأم أولى بأجر المثل إذا لم يجد الأب متبرعا .
وإن دعا الأب إلى أجر المثل وامتنعت الأم لتطلب شططا فالأب أولى به .
فإن أعسر الأب بأجرتها أخذت جبرا برضاع ولدها .

﴿ تفسير الطبري ﴾

يقول تعالى ذكره: اسكنوا مطلقات نسائكم من الموضع الذي سكنتم ( مِنْ وُجْدِكُمْ ) : يقول: من سعتكم التي تجدون؛ وإنما أمر الرجال أن يعطوهنّ مسكنًا يسكنه مما يجدونه، حتى يقضين عِددَهنّ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) يقول: من سعتكم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( مِنْ وُجْدِكُمْ ) قال: من سعتكم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) قال: من سعتكم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، قوله: ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) فإن لم تجد إلا ناحية بيتك فأسكنها فيه.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدّي، في قوله: ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) قال: المرأة يطلقها، فعليه أن يسكنها، وينفق عليها.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله عزّ وجلّ: ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) قال: من مقدرتك حيث تقدر، فإن كنت لا تجد شيئًا، وكنت في مسكن ليس لك، فجاء أمر أخرجك من المسكن، وليس لك مسكن تسكن فيه، وليس تجد فذاك، وإذا كان به قوّة على الكراء فذاك وجده، لا يخرجها من منزلها، وإذا لم يجد وقال صاحب المسكن: لا أنزل هذه في بيتي فلا وإذا كان يجد، كان ذلك عليه.
وقوله: ( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ )يقول جلّ ثناؤه: ولا تضاروهنّ في المسكن الذي تسكنونهنّ فيه، وأنتم تجدون سعة من المنازل أن تطلبوا التضييق عليهنّ، فذلك قوله: ( لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) يعني: لتضيقوا عليهنّ في المسكن مع وجودكم السعة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد ( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) قال: في المسكن.
حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( مِنْ وُجْدِكُمْ ) قال: من ملككم، من مقدرتكم.
وفي قوله: ( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) قال: لتضيقوا عليهن مساكنهنّ حتى يخرجن.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان: ( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) قال: ليس ينبغي له أن يضارّها ويضيق عليها مكانها( حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) هذا لمن يملك الرجعة، ولمن لا يملك الرجعة.
وقوله: ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) يقول تعالى ذكره: وإن كان نساؤكم المطلقات أولات حمل وكنّ بائنات منكم، فأنفقوا عليهنّ في عدتهنّ منكم حتى يضعن حملهنّ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا أَبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) فهذه المرأة يطلقها زوجها، فيبتّ طلاقها وهي حامل، فيأمره الله أن يسكنها، وينفق عليها حتى تضع، وإن أرضعت فحتى تفطم، وإن أبان طلاقها، وليس بها حبل، فلها السكنى حتى تنقضي عدتها ولا نفقة، وكذلك المرأة يموت عنها زوجها، فإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ذي بطنها إذا كان ميراث، وإن لم يكن ميراث أنفق عليها الوارث حتى تضع وتفطم ولدها كما قال الله عزّ وجلّ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فإن لم تكن حاملا فإن نفقتها كانت من مالها.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) قال: ينفق على الحبلى إذا كانت حاملا حتى تضع حملها.
وقال آخرون: عُنِيَ بقوله: ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) كلّ مطلقة، ملك زوجُها رجْعَتَهَا أو لم يملك.
وممن قال ذلك: عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما.
* ذكر الرواية عنهما بذلك:حدثني أَبو السائب، قال: ثنا أَبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان عمر وعبد الله يجعلان للمطلقة ثلاثًا: السكنى، والنفقة، والمتعة.
وكان عمر إذا ذكر عنده حديث فاطمة بنت قيس أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أمرها أن تعتدّ في غير بيت زوجها، قال: ما كنا لنجيز في ديننا شهادة امرأة.
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوْدِيّ، قال: ثنا يحيى بن إبراهيم، عن عيسى بن قرطاس، قال: سمعت عليّ بن الحسين يقول في المطلقة ثلاثًا: لها السكنى، والنفقة والمتعة، فإن خرجت من بيتها فلا سكنى ولا نفقة ولا متعة.
حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: للمطلقة ثلاثًا: السكنى والنفقة.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم، قال: إذا طلق الرجل ثلاثًا، فإن لها السكنى والنفقة.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن لا نفقة للمبتوتة إلا أن تكون حاملا لأن الله جلّ ثناؤه جعل النفقة بقوله: ( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن ) للحوامل دون غيرهنّ من البائنات من أزواجهن ولو كان البوائن من الحوامل وغير الحوامل في الواجب لهنّ من النفقة على أزواجهنّ سواء، لم يكن لخصوص أولات الأحمال بالذكر في هذا الموضع وجه مفهوم، إذ هنّ وغيرهنّ في ذلك سواء، وفي خصوصهن بالذكر دون غيرهنّ أدل الدليل على أن لا نفقة لبائن إلا أن تكون حاملا.
وبالذي قلنا في ذلك صحّ الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا بشر بن بكر، عن الأوزاعيّ، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، قال: ثني أَبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: حدثتني فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس أن أبا عمرو المخزوميّ، طلقها ثلاثًا فأمر لها بنفقة فاستقلتها، وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعثه نحو اليمن، فانطلق خالد بن الوليد في نفر من بني مخزوم إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو عند ميمونة، فقال: يا رسول الله إن أبا عمرو طلق فاطمة ثلاثًا، فهل لها من نفقة؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ"، فأرسل إليها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن انتقلي إلى بيت أمّ شريك وأرسل إليها أن لا تسبقيني بنفسك، ثم أرسل إليها أنّ أمّ شريك يأتيها المهاجرون الأوّلون، فانتقلي إلى ابن أم مكتوم، فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك، فزوّجها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أُسامة بن زيد.
وقوله: ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) يقول جلّ ثناؤه: فإن أرضع لكم نساؤكم البوائن منكم أولادهنّ الأطفال منكم بأجرة، فآتوهنّ أجورهن على رضاعهنّ إياهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك أنه قال في الرضاع: إذا قام على شيء فأُمّ الصبيّ أحقّ به، فإن شاءت أرضعته، وإن شاءت تركته إلا أن لا يقبل من غيرها، فإذا كان كذلك أُجْبِرت على رضاعه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) هي أحقّ بولدها أن تأخذه بما كنت مسترضعًا به غيرَها.
حدثنا محمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) قال: ما تراضوا عليه عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في الصبيّ إذا قام على ثمن فأمه أحق أن ترضعه، فإن لم يجد له من يرضعه أجبرت الأم على الرضاع.
قال: ثنا مهران، عن سفيان ( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) قال: إن أرضعت لك بأحر فهي أحقّ من غيرها، وإن هي أبت أن ترضعه ولم تواتك فيما بينك وبينها عاسرتك في الأجر فاسترضع له أخرى.
وقوله: ( وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ) يقول تعالى ذكره: وليقبل بعضكم أيها الناس من بعض ما أمركم بعضكم به بعضا من معروف.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ) قال: اصنعوا المعروف فيما بينكم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ) حثّ بعضهم على بعض.
وقوله: ( وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ) يقول: وإن تعاسر الرجل والمرأة في رضاع ولدها منه، فامتنعت من رضاعه، فلا سبيل له عليها، وليس له إكراهها على إرضاعه، ولكنه يستأجر للصبيّ مرضعة غير أمه البائنة منه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ) قال: إن أبت الأم أن ترضع ولدها إذا طلقها أبوه التمس له مرضعة أخرى، الأمّ أحق إذا رضيت من أجر الرضاع بما يرضى به غيرها، فلا ينبغي له أن ينتزع منها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: إن هي أبت أن ترضعه ولم تواتك فيما بينها وبينك عاسرتك في الأجر، فاسترضع له أخرى.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قول الله: ( وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) قال: فرض لها من قدر ما يجد، فقالت: لا أرضى هذا؛ قال: وهذا بعد الفراق، فأما وهي زوجته فإنها ترضع له طائعة ومكرهة إن شاءت وإن أبت، فقال لها: ليس لي زيادة على هذا إن أحببت أن ترضعي بهذا فأرضعي، وإن كرهت استرضعت ولدي، فهذا قوله: ( وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ) .
وقوله: ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) يقول تعالى ذكره: لينفق الذي بانت منه امرأته إذا كان ذا سعة من المال، وغني من سعة ماله وغناه على امرأته البائنة في أجر رضاع ولده منها، وعلى ولده الصغير ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ) يقول: ومن ضيق عليه رزقه فلم يوسع عليه، فلينفق مما أعطاه الله على قدر ماله، وما أعطى منه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

﴿ أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ﴾

قراءة سورة الطلاق

المصدر : تفسير : أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا