وإذا جاءكم -أيها المؤمنون- منافقو اليهود، قالوا: آمنَّا، وهم مقيمون على كفرهم، قد دخلوا عليكم بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبهم، ثم خرجوا وهم مصرُّون عليه، والله أعلم بسرائرهم، وإن أظهروا خلاف ذلك.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وإذا جاءُوكم» أي مُنَافِقُو اليهود «قالوا آمنا وقد دخلوا» إليكم متلبسين «بالكفر وهم قد خرجوا» من عندكم متلبسين «به» ولم يؤمنوا «والله أعلم بما كانوا يكتمونـ» ـه من النفاق.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا ْ نفاقا ومكرا و ْ هم قد دَّخَلُوا ْ مشتملين على الكفر وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ْ فمدخلهم ومخرجهم بالكفر -وهم يزعمون أنهم مؤمنون، فهل أشر من هؤلاء وأقبح حالا منهم؟" وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ ْ فيجازيهم بأعمالهم خيرها وشرها.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وإذا جاءوكم قالوا ) يعني : هؤلاء المنافقين ، وقيل : هم الذين قالوا : آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : آمنا بك وصدقناك فيما قلت ، وهم يسرون الكفر ، ( وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ) يعني : دخلوا كافرين وخرجوا كافرين ، ( والله أعلم بما كانوا يكتمون )
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك بعض مظاهر نفاقهم وخداعهم فقال: وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ.قال الآلوسى: نزلت كما قال قتادة والسدى- في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيظهرون له الإيمان والرضا بما جاء به نفاقا.والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. والضمير في جاؤُكُمْ يعود على اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم.أى: وإذا جاء إليكم- أيها المؤمنون- أولئك اليهود أظهروا أمامكم الإسلام، وقالوا لكم آمنا بأنكم على حق، وحالهم وحقيقتهم أنهم قد دخلوا إليكم وهم متلبسون بالكفر، وخرجوا من عندكم وهم متلبسون به- أيضا- فهم يدخلون عليكم ويخرجون من عندكم وقلوبهم كما هي لا تتأثر بالمواعظ التي يلقيها الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم قد قست قلوبهم، وفسدت نفوسهم.وقوله: وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ، وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ جملتان في موضع الحال من ضمير الجمع في قالُوا.والباء في قوله: بِالْكُفْرِ وقوله: بِهِ للملابسة. أى: دخلوا وخرجوا وهم متلبسون بالكفر من غير نقصان منه ولا تغيير فيه ألبتة.قال الفخر الرازي: وذكر عند الدخول كلمة قَدْ وذكر عند الخروج كلمة هُمْ لأن الفائدة من ذكر كلمة قَدْ تقريب الماضي من الحال. والفائدة من ذكر كلمة هُمْ التأكيد في إضافة الكفر إليهم، ونفى أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فعل، أى: لم يسمعوا منك يا محمد عند جلوسهم معك ما يوجب كفرا، فتكون أنت الذي ألقيتهم في الكفر، بل هم الذين خرجوا بالكفر باختيار أنفسهم» .ويبدو لنا أنه عبر عن دخولهم بقوله وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وعبر عن خروجهم بقوله: وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ بإضافة ضميرهم مع قد، للإشارة إلى أنهم عند خروجهم كانوا أشد كفرا، وأقسى قلوبا منهم عند دخولهم.وهذا شأن الجاحدين المنافقين، لا تؤثر فيهم العظات مهما كانت بليغة، ولا النذر مهما كانت قوية، بخلاف قلوب المؤمنين فإن المواعظ تزيدها يقينا على يقينها، وإيمانا على إيمانها. ألا ترى إلى قوله- تعالى-:وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ .وقوله- تعالى- وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ وعيد شديد لهم على كفرهم ونفاقهم.أى: والله- تعالى- أعلم بما كانوا يخفونه من نفاق وخداع عند دخولهم وعند خروجهم، لأنه- سبحانه- لا تخفى عليه خافية من أحوالهم.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ) وهذه صفة المنافقين منهم ، أنهم يصانعون المؤمنين في الظاهر وقلوبهم منطوية على الكفر ; ولهذا قال : ( وقد دخلوا [ بالكفر وهم قد خرجوا به ] ) أي عندك يا محمد ( بالكفر ) أي : مستصحبين الكفر في قلوبهم ، ثم خرجوا وهو كامن فيها ، لم ينتفعوا بما قد سمعوا منك من العلم ، ولا نجعت فيهم المواعظ ولا الزواجر ; ولهذا قال : ( وهم [ قد ] خرجوا به ) فخصهم به دون غيرهم .وقوله : ( والله أعلم بما كانوا يكتمون ) أي : والله عالم بسرائرهم وما تنطوي عليهم ضمائرهم وإن أظهروا لخلقه خلاف ذلك ، وتزينوا بما ليس فيهم ، فإن عالم الغيب والشهادة أعلم بهم منهم ، وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمونقوله تعالى : وإذا جاءوكم قالوا آمنا هذه صفة المنافقين ، والمعنى أنهم لم ينتفعوا بشيء مما سمعوه ، بل دخلوا كافرين وخرجوا كافرين . والله أعلم بما كانوا يكتمون أي : من نفاقهم ، وقيل : المراد اليهود الذين قالوا : آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار إذا دخلتم المدينة ، واكفروا آخره إذا رجعتم إلى بيوتكم ، يدل عليه ما قبله من ذكرهم وما يأتي .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا جاءكم، أيها المؤمنون، هؤلاء المنافقون من اليهود قالوا لكم: "آمنا ": أي صدّقنا بما جاء به نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم واتبعناه على دينه، وهم مقيمون على كفرهم وضلالتهم، قد دخلوا عليكم بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبهم ويُضمرونه في صدورهم، وهم يبدون كذبًا التصديق لكم بألسنتهم=" وقد خرجوا به "، يقول: وقد خرجوا بالكفر من عندكم كما دخلوا به عليكم، لم يرجعوا بمجيئهم إليكم عن كفرهم وضلالتهم، يظنون أن ذلك من فعلهم يخفى على الله، جهلا منهم بالله=" والله أعلم بما كانوا يكتمون "، يقول: والله أعلم بما كانوا- عند قولهم لكم بألسنتهم: "آمنا بالله وبمحمد وصدّقنا بما جاء به "- يكتمون منهم، بما يضمرونه من الكفر، بأنفسهم. (42)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:12230 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وإذا جاءوكم قالوا آمنا " الآية، أناسٌ من اليهود، كانوا يدخلون على النبيّ صلى الله عليه وسلم فيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بالذي جاء به، وهم متمسكون بضلالتهم والكفر. وكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند نبي الله صلى الله عليه وسلم.12231 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به "، قال: هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يهود. يقول: دخلوا كفارًا، وخرجوا كفارًا.12232 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به "، وإنهم دخلوا وهم يتكلمون بالحق، وتُسرُّ قلوبهم الكفر، فقال: " دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ".12233 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به "= وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ، [سورة آل عمران: 72]. فإذا رجعوا إلى كفارهم من أهل الكتاب وشياطينهم، رجعوا بكفرهم. وهؤلاء أهل الكتاب من يهود.12234 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير: " وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به "، أي: إنه من عندهم.----------------------الهوامش :(42) في المطبوعة: "مما يضمرونه" ، والصواب من المخطوطة"بما". وسياق هذه الجملة بعد إسقاط الجمل المعترضة المفسرة: والله أعلم بما كانوا... يكتمون منهم... بأنفسهم" أي: أعلم منهم بأنفسهم. وقوله: "بما يضمرون من الكفر" ، متعلق بقوله: "والله أعلم بما كانوا يكتمون" تفسيرًا لقوله: "بما كانوا يكتمون".وانظر تفسير"الكتمان" فيما سلف 2: 228 ، 229.
﴿ وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون ﴾