فكيف يكون حال أولئك المناففين، إذا حلَّت بهم مصيبة بسبب ما اقترفوه بأيديهم، ثم جاؤوك -أيها الرسول- يعتذرون، ويؤكدون لك أنهم ما قصدوا بأعمالهم تلك إلا الإحسان والتوفيق بين الخصوم؟
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فكيف» يصنعون «إذا أصابتهم مصيبة» عقوبة «بما قدّمت أيديهم» من الكفر والمعاصي أي أيقدرون على الإعراض والفرار منها؟ لا «ثم جَاءُوك» معطوف على يصدون «يحلفون بالله إن» ما «أردنا» بالمحاكمة إلى غيرك «إلا إحسانا» صلحا «وتوفيقا» تأليفا بين الخصمين بالتقريب في الحكم دون الحمل على مر الحق.
﴿ تفسير السعدي ﴾
فَكَيْفَ يكون حال هؤلاء الضالين إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من المعاصي ومنها تحكيم الطاغوت؟! ثُمَّ جَاءُوكَ معتذرين لما صدر منهم، ويقولون: إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا أي: ما قصدنا في ذلك إلا الإحسان إلى المتخاصمين والتوفيق بينهم، وهم كَذَبة في ذلك. فإن الإحسان كل الإحسان تحكيم الله ورسوله ومَنْ أحْسَن من الله حكمًا لقوْمٍ يوقنون
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فكيف إذا أصابتهم مصيبة ) هذا وعيد ، أي : فكيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة ، ( بما قدمت أيديهم ) يعني : عقوبة صدودهم ، وقيل : هي كل مصيبة تصيب جميع المنافقين في الدنيا والآخرة ، وتم الكلام هاهنا ، ثم عاد الكلام إلى ما سبق ، يخبر عن فعلهم فقال : ( ثم جاءوك ) يعني : يتحاكمون إلى الطاغوت ، ( ثم جاءوك ) [ يحيونك ويحلفون ] .وقيل : أراد بالمصيبة قتل عمر رضي الله عنه المنافق ، ثم جاءوا يطلبون ديته ، ( يحلفون بالله إن أردنا ) ما أردنا بالعدول عنه في المحاكمة أو بالترافع إلى عمر ، ( إلا إحسانا وتوفيقا ) قال الكلبي : إلا إحسانا في القول ، وتوفيقا : صوابا ، وقال ابن كيسان : حقا وعدلا نظيره : ليحلفن إن أردنا إلا الحسنى ، وقيل : هو إحسان بعضهم إلى بعض ، وقيل : هو تقريب الأمر من الحق ، لا القضاء على أمر الحكم ، والتوفيق : هو موافقة الحق ، وقيل : هو التأليف والجمع بين الخصمين .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم يعرض القرآن بعد ذلك مظهرا آخر من مظاهر نفاقهم عند الشدائد والمحن فيقول:فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ، إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً.والفاء في قوله فَكَيْفَ للتفريع. و «كيف» في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف.والمعنى: فكيف يكون حالهم إذا نزلت بهم النوازل، وأصابتهم المصائب بسبب تركهم حكم الله، واتباعهم حكم الطغيان ثُمَّ جاؤُكَ معتذرين عما حدث منهم من قبائح، والحال أنهم يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ كذبا وزورا إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً أى ما أردنا بالتحاكم إلى غيرك- يا محمد- إلا إحسانا إلى المتخاصمين، وتوفيقا بينهم حتى لا يتسع الخلاف بينهم، ولم نرد بذلك عدم الرضا بحكمك، فلا تؤاخذنا بما فعلنا.والاستفهام بكيف هنا للتهويل. أى أن حالهم عند ما تصيبهم المصائب بسبب أفعالهم الخبيثة، ويأتون للرسول صلى الله عليه وسلم معتذرين، ستكون حالا بائسة شنيعة مخزية: لأنهم لا يجدون وجها مقبولا للدفاع عما ارتكبوه من قبائح.والباء في بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ للسببية. والمراد بما قدمت أيديهم ما اجترحوه من سيئات من أشدها تحاكمهم إلى الطاغوت. وعبر عن ذلك بقوله: بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ: لأن الأيدى مظهر من مظاهر الإنسان.والتعبير ب «ثم» في هذا المقام للإشعار بالتباين الشديد بين إعراضهم وصدودهم إذا ما قال لهم قائل: تعالوا إلى حكم الله ... وبين إقبالهم بعد ذلك معتذرين ومقسمين بالأيمان الكاذبة أنهم ما أرادوا بما فعلوا إلا الإحسان والتوفيق.وإن ما قاله هؤلاء المنافقون من أعذار بعد أن أصابتهم المصائب. وانكشف أمرهم بين المؤمنين، وصاروا محل الازدراء والنبذ لتحاكمهم إلى الطاغوت. ما قاله هؤلاء- كما حكاه القرآن الكريم- ليشبهه ما يقوله منافقو اليوم عند ما يتهربون من التحاكم إلى شريعة الله إلى التحاكم إلى غيرها من شرائع الناس. فأنت تراهم إذا ما أحيط بهم، وعجزوا عن الدفاع عن أنفسهم، اعتذروا بأنهم ما تركوا الحكم بشريعة الله إلى غيرها إلا بقصد الإحسان إلى المتنازعين، والتوفيق بين مختلف الطوائف في المجتمع حتى لا يغضب من ليسوا مسلمين.ولا شك أن هذه الأعذار لن تغنى عنهم من عذاب الله شيئا، لأنه لا عذر لمن يهجر شريعة الله، ويهرع إلى التحاكم إلى غيرها.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ثم قال تعالى في ذم المنافقين : ( فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ) أي : فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم واحتاجوا إليك في ذلك ، ( ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ) أي : يعتذرون إليك ويحلفون : ما أردنا بذهابنا إلى غيرك ، وتحاكمنا إلى عداك إلا الإحسان والتوفيق ، أي : المداراة والمصانعة ، لا اعتقادا منا صحة تلك الحكومة ، كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله : ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى [ أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ] فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) [ المائدة : 52 ] .وقد قال الطبراني : حدثنا أبو زيد أحمد بن يزيد الحوطي ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا صفوان بن عمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . قال : كان أبو برزة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله عز وجل : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك [ يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ] ) إلى قوله : ( إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا )
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقاأي فكيف يكون حالهم ، أو فكيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة أي من ترك الاستعانة بهم ، وما يلحقهم من الذل في قوله : فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا . وقيل : يريد قتل صاحبهم بما قدمت أيديهم وتم الكلام . ثم ابتدأ يخبر عن فعلهم ؛ وذلك أن عمر لما قتل صاحبهم جاء قومه يطلبون ديته ويحلفون ما نريد بطلب ديته إلا الإحسان وموافقة الحق . وقيل : المعنى ما أردنا بالعدول عنك في المحاكمة إلا التوفيق بين الخصوم ، والإحسان بالتقريب في الحكم . ابن كيسان : عدلا وحقا ؛ نظيرها وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فكيف بهؤلاء الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وهم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك =" إذا أصابتهم مصيبة "، يعني: إذا نزلت بهم نقمة من الله =" بما قدمت أيديهم "، يعني: بذنوبهم التي سلفت منهم، (16) =" ثم جاؤوك يحلفون بالله "، يقول: ثم جاؤوك يحلفون بالله كذبًا وزورًا =" إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا ". وهذا خبرٌ من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المنافقين أنهم لا يردعهم عن النفاق العِبر والنِّقم، وأنهم إن تأتهم عقوبة من الله على تحاكمهم إلى الطاغوت لم ينيبوا ولم يتوبوا، (17) ولكنهم يحلفون بالله كذبًا وجرأة على الله: ما أردنا باحتكامنا إليه إلا الإحسان من بعضنا إلى بعض، والصوابَ فيما احتكمنا فيه إليه.--------------------الهوامش :(16) انظر تفسير"قدمت أيديهم" فيما سلف 2: 368 / 7: 447.(17) في المطبوعة والمخطوطة: "وأنهم وإن تأتهم" ، والأجود حذف الواو.
﴿ فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ﴾