القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 64 سورة الإسراء - واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم

سورة الإسراء الآية رقم 64 : سبع تفاسير معتمدة

سورة واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم - عدد الآيات 111 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 64 من سورة الإسراء عدة تفاسير - سورة الإسراء : عدد الآيات 111 - - الصفحة 288 - الجزء 15.

سورة الإسراء الآية رقم 64


﴿ وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا ﴾
[ الإسراء: 64]

﴿ التفسير الميسر ﴾

واستَخْفِف كل مَن تستطيع استخفافه منهم بدعوتك إياه إلى معصيتي، واجمع عليهم كل ما تقدر عليه مِن جنودك من كل راكب وراجل، واجعل لنفسك شِرْكة في أموالهم بأن يكسبوها من الحرام، وشِرْكة في الأولاد بتزيين الزنى والمعاصي، ومخالفة أوامر الله حتى يكثر الفجور والفساد، وعِدْ أتباعك مِن ذرية آدم الوعود الكاذبة، فكل وعود الشيطان باطلة وغرور.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«واستفزز» استخف «من استطعت منهم بصوتك» بدعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية «وأجلب» صحْ «عليهم بخيلك ورجلك» وهم الركاب والمشاة في المعاصي «وشاركهم في الأموال» المحرمة كالربا والغصب «والأولاد» من الزنى «وعدهم» بأن لا بعث ولا جزاء «وما يعدهم الشيطان» بذلك «إلا غرورا» باطلاً.

﴿ تفسير السعدي ﴾

ثم أمره الله أن يفعل كل ما يقدر عليه من إضلالهم فقال: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ويدخل في هذا كل داع إلى المعصية.
وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ويدخل فيه كل راكب وماش في معصية الله فهو من خيل الشيطان ورجله.
والمقصود أن الله ابتلى العباد بهذا العدو المبين الداعي لهم إلى معصية الله بأقواله وأفعاله.
وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وذلك شامل لكل معصية تعلقت بأموالهم وأولادهم من منع الزكاة والكفارات والحقوق الواجبة، وعدم تأديب الأولاد وتربيتهم على الخير وترك الشر وأخذ الأموال بغير حقها أو وضعها بغير حقها أو استعمال المكاسب الردية.
بل ذكر كثير من المفسرين أنه يدخل في مشاركة الشيطان في الأموال والأولاد ترك التسمية عند الطعام والشراب والجماع، وأنه إذا لم يسم الله في ذلك شارك فيه الشيطان كما ورد فيه الحديث.
وَعِدْهُمْ الوعود المزخرفة التي لا حقيقة لها ولهذا قال: وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا أي: باطلا مضمحلا كأن يزين لهم المعاصي والعقائد الفاسدة ويعدهم عليها الأجر لأنهم يظنون أنهم على الحق، وقال تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا

﴿ تفسير البغوي ﴾

وقوله : ( واستفزز ( واستخفف واستجهد ( من استطعت منهم ( أي : من ذرية آدم ( بصوتك ( قال ابن عباس وقتادة : بدعائك إلى معصية الله .
وكل داع إلى معصية الله [ فهو من جند إبليس .
قال الأزهري : معناه ادعهم دعاء تستفزهم به إلى جانبك أي : تستخفهم ] .
وقال مجاهد : بالغناء والمزامير .
( وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ( قيل : اجمع عليهم مكايدك وخيلك ، ويقال : " أجلبوا " و " جلبوا " إذا صاحوا يقول : صح بخيلك ورجلك وحثهم عليه بالإغواء .
قال مقاتل : استعن عليهم بركبان جندك ومشاتهم والخيل : الركبان والرجل : المشاة .
قال أهل التفسير : كل راكب وماش في معاصي الله فهو من جند إبليس .
وقال مجاهد وقتادة : إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس ، وهو كل من يقاتل في المعصية والرجل والرجالة والراجلة واحد يقال : راجل ورجل مثل : تاجر وتجر وراكب وركب وقرأ حفص ورجلك بكسر الجيم وهما لغتان .
( ( وشاركهم في الأموال والأولاد ) فالمشاركة في الأموال : كل ما أصيب من حرام أو أنفق في حرام هذا قول مجاهد والحسن وسعيد بن جبير .
وقال عطاء : هو الربا وقال قتادة هو ما كان المشركون يحرمونه من الأنعام كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام .
وقال الضحاك : هو ما كانوا يذبحونه لآلهتهم .
وأما الشركة في الأولاد : روي عن ابن عباس : أنها الموءودة .
وقال مجاهد والضحاك : هم أولاد الزنا .
وقال الحسن ، وقتادة : هو أنهم هودوا أولادهم ونصروهم ومجسوهم .
وعن ابن عباس رواية أخرى : هو تسميتهم الأولاد عبد الحارث وعبد شمس وعبد العزى وعبد الدار ونحوهاوروي عن جعفر بن محمد أن الشيطان يقعد على ذكر الرجل فإذا لم يقل : " بسم الله " أصاب معه امرأته وأنزل في فرجها كما ينزل الرجل .
وروي في بعض الأخبار : إن فيكم مغربين قيل : وما المغربون؟ قال : الذين يشارك فيهم الجن .
وروي أن رجلا قال لابن عباس : إن امرأتي استيقظت وفي فرجها شعلة من نار؟ قال : ذلك من وطء الجن .
وفي الآثار : أن إبليس لما أخرج إلى الأرض قال : يا رب أخرجتني من الجنة لأجل آدم فسلطني عليه وعلى ذريته قال : أنت مسلط فقال : لا أستطيعه إلا بك فزدني قال : واستفزز من استطعت منهم بصوتك الآية فقال آدم : يا رب سلطت إبليس علي وعلى ذريتي وإني لا أستطيعه إلا بك قال : لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظونه قال : زدني قال : الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها قال : زدني قال : التوبة معروضة ما دام الروح في الجسد فقال : زدني قال : " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم " الآية ( الزمر - 53 ) .
وفي الخبر : أن إبليس قال : يا رب بعثت أنبياء وأنزلت كتبا فما قراءتي؟ قال : الشعر قال : فما كتابي؟ قال : الوشم قال : ومن رسلي؟ قال : الكهنة قال : وأين مسكني؟ قال الحمامات قال : وأين مجلسي؟ قال : الأسواق قال : أي شيء مطعمي؟ قال : ما لم يذكر عليه اسمي قال : ما شرابه؟ قال : كل مسكر قال : وما حبالي؟ قال النساء قال : وما أذاني؟ قال : المزامير .
قوله عز وجل ( وعدهم ( أي : منهم الجميل في طاعتك .
وقيل : قل لهم : لا جنة ولا نار ولا بعث .
( وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ( والغرور تزيين الباطل بما يظن أنه حق .
فإن قيل : كيف ذكر الله هذه الأشياء وهو يقول : " إن الله لا يأمر بالفحشاء " ( الأعراف - 28 ) ؟قيل : هذا على طريق التهديد كقوله تعالى : " اعملوا ما شئتم " ( فصلت - 40 ) وكقول القائل : افعل ما شئت فسترى .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم أضاف- سبحانه- إلى إهانته وتحقيره لإبليس أوامر أخرى، فقال- تعالى-:وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ، وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ، وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ، وَعِدْهُمْ، وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً.
قال الجمل: أمر الله- تعالى- إبليس بأوامر خمسة، القصد بها: التهديد والاستدراج، لا التكليف، لأنها كلها معاص، والله لا يأمر بها .
وهذه الأوامر الخمسة هي: اذهب، واستفزز .
.
.
وأجلب .
.
.
وشاركهم .
.
.
وعدهم.
وقوله: واستفزز، من الاستفزاز، بمعنى الاستخفاف والإزعاج، يقال: استفز فلان فلانا إذا استخف به، وخدعه، وأوقعه فيما أراده منه.
ويقال: فلان استفزه الخوف، إذا أزعجه.
وقوله: وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ أصل الإجلاب: الصياح بصوت مسموع.
يقال: أجلب فلان على فرسه وجلب عليه، إذا صاح به ليستحثه على السرعة في المشي.
قال الآلوسى: قوله وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ أى: صح عليهم من الجلبة وهي الصياح.
قاله الفراء وأبو عبيدة.
وقال الزجاج: أجلب على العدو: جمع عليه الخيل.
وقال ابن السكيت:جلب عليه: أعان عليه.
وقال ابن الأعرابى: أجلب على الرجل، إذا توعده الشر، وجمع عليه الجمع.
والخيل: يطلق على الأفراس حقيقة ولا واحد له من لفظه، وعلى الفرسان مجازا، وهو المراد هنا.
ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته لأصحابه: «يا خيل الله اركبي» .
والرجل- بكسر الجيم- بمعنى راجل- كحذر بمعنى حاذر- هو الذي يمشى رجلا، أى غير راكب .
.
.
»والمعنى.
قال الله- تعالى- لإبليس: اذهب أيها اللعين مذءوما مدحورا.
فإن جهنم هي الجزاء المعد لك ولأتباعك من ذرية آدم، وافعل ما شئت معهم من الاستفزاز والخداع والإزعاج ولهو الحديث وأجلب عليهم ما تستطيع جلبه من مكايد، وما تقدر عليه من وسائل، كأن تناديهم بصوتك ووسوستك إلى المعاصي، وكأن تحشد جنودك على اختلاف أنواعهم لحربهم وإغوائهم وصدهم عن الطريق المستقيم.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى استفزاز إبليس بصوته، وإجلابه بخيله ورجله؟قلت: هو كلام وارد مورد التمثيل شبهت حاله في تسلطه على من يغويه، بمغوار أوقع على قوم، فصوت بهم صوتا يستفزهم من أماكنهم، ويقلقهم عن مراكزهم، وأجلب عليهم بجنده، من خيالة ورجالة حتى استأصلهم، وقيل: بصوته، أى: بدعائه إلى الشر، وبخيله، ورجله: أى كل راكب وماش من أهل العبث.
وقيل: يجوز أن يكون لإبليس خيل ورجال» .
وعلى أية حال، فالجملة الكريمة تصوير بديع، لعداوة إبليس لآدم وذريته، وأنه معهم في معركة دائمة، يستعمل فيها كل وسائل شروره، ليشغلهم عن طاعة ربهم، وليصرفهم عن الصراط المستقيم، ولكنه لن يستطيع أن يصل إلى شيء من أغراضه الفاسدة، ماداموا معتصمين بدين ربهم- عز وجل-.
وقوله- سبحانه-: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ، معطوف على ما قبله.
أى: وشاركهم في الأموال، بأن تحضهم على جمعها من الطرق الحرام، وعلى إنفاقها في غير الوجوه التي شرعها الله، كأن يستعملوها في الربا والرشوة وغير ذلك من المعاملات المحرمة.
وشاركهم في الأولاد: بأن تحثهم على أن ينشئوهم تنشئة تخالف تعاليم دينهم الحنيف وبأن تيسر لهم الوقوع في الزنا الذي يترتب عليه ضياع الأنساب، وبأن تظاهرهم على أن يسموا أولادهم بأسماء يبغضها الله- عز وجل-، إلى غير ذلك من وساوسك التي تغرى الآباء بأن يربوا أبناءهم تربية يألفون معها الشرور والآثام، والفسوق والعصيان.
قال الإمام ابن جرير بعد أن ساق عددا من الأقوال في ذلك: وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: كل مولود ولدته أنثى، عصى الله فيه، بتسميته بما يكرهه الله، أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله، أو بالزنا بأمه، أو بقتله أو وأده، أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بفعله به أو فيه، فقد دخل في مشاركة إبليس فيه، من ولد ذلك الولد له أو منه، لأن الله لم يخصص بقوله: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ معنى الشركة فيه، بمعنى دون معنى، فكل ما عصى الله فيه أو به، أو أطيع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة .
.
.
» .
وقد علق الإمام ابن كثير على كلام ابن جرير بقوله: وهذا الذي قاله- ابن جرير- متجه، فقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله- عز وجل- إنى خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم» .
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتى أهله قال:باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا» .
وقوله: وَعِدْهُمْ أى: وعدهم بما شئت من المواعيد الباطلة الكاذبة.
كأن تعدهم بأن الدنيا هي منتهى آمالهم.
فعليهم أن يتمتعوا بها كيف شاءوا، بدون تقيد بشرع أو دين أو خلق.
وكأن تعدهم بأنه ليس بعد الموت حساب أو ثواب أو عقاب، أو جنة أو نار .
.
.
وقوله سبحانه وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً تحذير من الله تعالى لعباده من اتباع الشيطان، ومن السير وراء خطواته.
وأصل الغرور تزين الباطل بما يوهم أنه حق.
يقال: غر فلان فلانا فهو يغره غرورا إذا خدعه، وأصله من الغرّ، وهو الأثر الظاهر من الشيء، ومنه غرة الفرس لأنها أبرز ما فيه.
ولفظ غُرُوراً صفة لموصوف محذوف.
والتقدير: وعدهم- أيها الشيطان- بما شئت من الوعود الكاذبة، وما يعد الشيطان بنى آدم إلا وعدا غرورا.
ويجوز أن يكون مفعولا لأجله فيكون المعنى: وما يعدهم الشيطان إلا من أجل الغرور والمخادعة.
وفي الجملة الكريمة التفات من الخطاب إلى الغيبة، إهمالا لشأن الشيطان، وبيانا لحاله مع بنى آدم حتى يحترسوا منه ويحذروه.
ثم ختم- سبحانه- الآيات بغرس الطمأنينة في قلوب المؤمنين الصادقين، فقال- تعالى-: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ، وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا.
أى: إن عبادي الصالحين الذين أخلصوا دينهم لي، ليس لك- يا إبليس- تسلط واقتدار على إغوائهم وإضلالهم، وصرفهم عن السبيل الحق إلى السبيل الباطل.
قال- تعالى-: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.
إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ .

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

وقوله : ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك ) قيل هو الغناء قال مجاهد باللهو والغناء أي استخفهم بذلكوقال ابن عباس في قوله : ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك ) قال كل داع دعا إلى معصية الله عز وجل وقال قتادة واختاره ابن جريروقوله ( وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ) يقول واحمل عليهم بجنودك خيالتهم ورجلتهم ؛ فإن الرجل جمع " راجل ، كما أن الركب جمع راكب " و صحب جمع " صاحبومعناه تسلط عليهم بكل ما تقدر عليه وهذا أمر قدري كما قال تعالى : ( ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ) [ مريم 83 ] أي تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا وتسوقهم إليها سوقا وقال ابن عباس ومجاهد في قوله ( وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ) قال كل راكب وماش في معصية اللهوقال قتادة إن له خيلا ورجالا من الجن والإنس وهم الذين يطيعونهوتقول العرب أجلب فلان على فلان إذا صاح عليه . ومنه نهى في المسابقة عن الجلب والجنب ومنه اشتقاق " الجلبة ، وهي ارتفاع الأصواتوقوله : ( وشاركهم في الأموال والأولاد ) قال ابن عباس ومجاهد هو ما أمرهم به من إنفاق الأموال في معاصي اللهوقال عطاء هو الربا وقال الحسن هو جمعها من خبيث وإنفاقها في حرام وكذا قال قتادةوقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أما مشاركته إياهم في أموالهم فهو ما حرموه من أنعامهم يعني من البحائر والسوائب ونحوها وكذا قال الضحاك وقتادةثم ] قال ابن جرير والأولى أن يقال إن الآية تعم ذلك كلهوقوله : ( والأولاد ) قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك يعني أولاد الزناوقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفها بغير علموقال قتادة عن الحسن البصري قد والله شاركهم في الأموال والأولاد ، مجسوا وهودوا ونصروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزءوا من أموالهم جزءا للشيطان وكذا قال قتادة سواءوقال أبو صالح عن ابن عباس هو تسميتهم أولادهم : عبد الحارث " و عبد شمس " و عبد فلانقال ابن جرير وأولى الأقوال بالصواب أن يقال كل مولود ولدته أنثى عصى الله فيه بتسميته ما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو بقتله ووأده وغير ذلك من الأمور التي يعصي الله بفعله به أو فيه فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه لأن الله لم يخصص بقوله ( وشاركهم في الأموال والأولاد ) معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى فكل ما عصي الله فيه أو به وأطيع فيه الشيطان أو به فهو مشاركةوهذا الذي قاله متجه وكل من السلف رحمهم الله فسر بعض المشاركة فقد ثبت في صحيح مسلم عن عياض بن حمار ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم "وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا "وقوله : ( وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) كما أخبر تعالى عن إبليس أنه يقول إذا حصحص الحق يوم يقضى بالحق ( إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ) الآية إبراهيم 22 ] .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورافيه ست مسائل :الأولى : قوله تعالى : واستفزز أي استزل واستخف .
وأصله القطع ، ومنه تفزز الثوب إذا انقطع .
والمعنى استزله بقطعك إياه عن الحق .
واستفزه الخوف أي استخفه .
وقعد مستوفزا أي غير مطمئن .
واستفزز أمر تعجيز ، أي أنت لا تقدر على إضلال أحد ، وليس لك على أحد سلطان فافعل ما شئت .
الثانية : بصوتك وصوته كل داع يدعو إلى معصية الله - تعالى - ; عن ابن عباس .
مجاهد : الغناء والمزامير واللهو .
الضحاك : صوت المزمار .
وكان آدم - عليه السلام - أسكن أولاد هابيل أعلى الجبل ، وولد قابيل أسفله ، وفيهم بنات حسان ، فزمر اللعين فلم يتمالكوا أن انحدروا فزنوا ذكره الغزنوي .
وقيل : بصوتك بوسوستك .
الثالثة : قوله تعالى : وأجلب عليهم بخيلك ورجلك أصل الإجلاب السوق بجلبة من السائق ; يقال : أجلب إجلابا .
والجلب والجلبة : الأصوات ; تقول منه : جلبوا بالتشديد .
وجلب الشيء يجلبه ويجلبه جلبا وجلبا .
وجلبت الشيء إلى نفسي واجتلبته بمعنى .
وأجلب على العدو إجلابا ; أي جمع عليهم .
فالمعنى أجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك وقال أكثر المفسرين : يريد كل راكب وماش في معصية الله - تعالى - .
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس .
فما كان من راكب وماش يقاتل في معصية الله فهو من خيل إبليس ورجالته .
وروى سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال : كل خيل سارت في معصية الله ، وكل رجل مشت في معصية الله ، وكل مال أصيب من حرام ، وكل ولد بغية فهو للشيطان .
والرجل جمع راجل ; مثل صحب وصاحب .
وقرأ حفص ورجلك بكسر الجيم وهما لغتان ; يقال : رجل ورجل بمعنى راجل .
وقرأ عكرمة وقتادة " ورجالك " على الجمع .
الرابعة : وشاركهم في الأموال والأولاد أي اجعل لنفسك شركة في ذلك .
فشركته في الأموال إنفاقها في معصية الله ; قاله الحسن .
وقيل : هي التي أصابوها من غير حلها ; قاله مجاهد .
ابن عباس : ما كانوا يحرمونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام .
وقاله قتادة .
الضحاك : ما كانوا يذبحونه لآلهتهم .
والأولاد قيل : هم أولاد الزنا ، قاله مجاهد والضحاك وعبد الله بن عباس .
وعنه أيضا هو ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم من الجرائم .
وعنه أيضا : هو تسميتهم عبد الحارث وعبد العزى وعبد اللات وعبد الشمس ونحوه .
وقيل : هو صبغة أولادهم في الكفر حتى هودوهم ونصروهم ، كصنع النصارى بأولادهم بالغمس في الماء الذي لهم ; قال قتادة .
وقول خامس - روي عن مجاهد قال : إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه ، فذلك قوله - تعالى - : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان وسيأتي .
وروى من حديث عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن فيكم مغربين قلت : يا رسول الله ، وما المغربون ؟ قال : الذين يشترك فيهم الجن .
رواه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول .
قال الهروي : سموا مغربين لأنه دخل فيهم عرق غريب .
قال الترمذي الحكيم : فللجن مساماة بابن آدم في الأمور والاختلاط ; فمنهم من يتزوج فيهم ، وكانت بلقيس ملكة سبأ أحد أبويها من الجن .
وسيأتي بيانه إن شاء الله - تعالى - .
الخامسة : قوله تعالى : وعدهم أي منهم الأماني الكاذبة ، وأنه لا قيامة ولا حساب ، وأنه إن كان حساب وجنة ونار فأنتم أولى بالجنة من غيركم .
يقويه قوله - تعالى - : يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا أي باطلا .
وقيل وعدهم أي عدهم النصرة على من أرادهم بسوء .
وهذا الأمر للشيطان تهدد ووعيد له .
وقيل : استخفاف به وبمن اتبعه .
السادسة : في الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو ; لقوله : واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم على قول مجاهد .
وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه .
وروى نافع عن ابن عمر أنه سمع صوت زمارة فوضع أصبعيه في أذنيه ، وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول : يا نافع ! أتسمع ؟ فأقول نعم ; فمضى حتى قلت له لا ، فوضع يديه وأعاد راحلته إلى الطريق وقال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع صوت زمارة راع فصنع مثل هذا .
قال علماؤنا : إذا كان هذا فعلهم في حق صوت لا يخرج عن الاعتدال ، فكيف بغناء أهل هذا الزمان وزمرهم .
وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة [ لقمان ] إن شاء الله - تعالى - .

﴿ تفسير الطبري ﴾

يعني تعالى ذكره بقوله (وَاسْتَفْزِزْ) واستخفف واستجهل، من قولهم: استفزّ فلانا كذا وكذا فهو يستفزّه ( مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ).
اختلف أهل التأويل في الصوت الذي عناه جلّ ثناؤه بقوله ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) فقال بعضهم: عنى به: صوت الغناء واللعب.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) قال: باللهو والغناء.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا يذكر، عن مجاهد، في قوله: ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) قال: اللعب واللهو.
وقال آخرون: عنى به ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ ) بدعائك إياه إلى طاعتك ومعصية الله.
* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) قال: صوته كلّ داع دعا إلى معصية الله.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) قال: بدعائك.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الله تبارك وتعالى قال لإبليس: واستفزز من ذرّية آدم من استطعت أن تستفزّه بصوتك، ولم يخصص من ذلك صوتا دون صوت، فكل صوت كان دعاء إليه وإلى عمله وطاعته، وخلافا للدعاء إلى طاعة الله، فهو داخل في معنى صوته الذي قال الله تبارك وتعالى اسمه له ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ).
وقوله ( وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) يقول: وأجمع عليهم من ركبان جندك ومشاتهم من يجلب عليها بالدعاء إلى طاعتك، والصرف عن طاعتي، يقال منه: أجلب فلان على فلان إجلابا: إذا صاح عليه.
والجَلَبة: الصوت، وربما قيل: ما هذا الجَلَب، كما يقال: الغَلَب، والشَّفَقَة والشَّفَق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثني سلم بن جنادة، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا يذكر عن مجاهد، في قوله ( وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) قال: كلّ راكب وماش في معاصي الله تعالى.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) قال: إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس، وهم الذين يطيعونه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) قال الرجال: المشاة.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) قال: خيله: كل راكب في معصية الله؛ ورجله: كل راجل في معصية الله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله ( وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) قال: ما كان من راكب يقاتل في معصية الله فهو من خيل إبليس، وما كان من راجل في معصية الله فهو من رجال إبليس، والرجْل: جمع راجل، كما التجْر: جمع تاجر، والصَّحْب: جمع صاحب.
وأما قوله ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ ) في الأموال والأولاد فإن أهل التأويل اختلفوا في المشاركة التي عنيت بقوله ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ ) فقال بعضهم: هو أمره إياهم بإنفاق أموالهم في غير طاعة الله واكتسابهموها من غير حلها.
* ذكر من قال ذلك:حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا يذكر عن مجاهد ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ ) التي أصابوها من غير حلها.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ ) قال: ما أكل من مال بغير طاعة الله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء بن أبي رَباح، قال: الشرك في أموال الربا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، في قوله ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ ) قال: قد والله شاركهم في أموالهم، وأعطاهم الله أموالا فأنفقوها في طاعة الشيطان في غير حقّ الله تبارك اسمه، وهو قول قتادة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد، عن معمر، قال: قال الحسن ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ ) مرهم أن يكسبوها من خبيث، وينفقوها في حرام.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ ) قال: كل مال في معصيه الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأولادِ ) قال: مشاركته إياهم في الأموال والأولاد، ما زَيَّن لهم فيها من معاصي الله حتى ركبوها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ ) كلّ ما أنفقوا في غير حقه.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك كلّ ما كان من تحريم المشركين ما كانوا يحرّمون من الأنعام كالبحائر والسوائب ونحو ذلك.
* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمى، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) قال: الأموال: ما كانوا يحرِّمون من أنعامهم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عيسى، عن عمران بن سليمان.
عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: مشاركته في الأموال أن جعلوا البحيرة والسائبة والوصيلة لغير الله.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ ) فإنه قد فعل ذلك، أما في الأموال، فأمرهم أن يجعلوا بحيرة وسائبة ووصيلة وحاما.
قال أبو جعفر: الصواب: حاميا.
وقال آخرون: بل عُنِي به ما كان المشركون يذبحونه لآلهتهم.
* ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) يعني ما كانوا يذبحون لآلهتهم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك كلّ مال عصى الله فيه بإنفاق في حرام أو اكتساب من حرام، أو ذبح للآلهة، أو تسييب، أو بحر للشيطان، وغير ذلك مما كان معصيا به أو فيه، وذلك أن الله قال ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ ) فكلّ ما أطيع الشيطان فيه من مال وعصى الله فيه، فقد شارك فاعل ذلك فيه إبليس، فلا وجه لخصوص بعض ذلك دون بعض.
وقوله (والأوْلاد) اختلف أهل التأويل في صفة شركته بني آدم في أولادهم، فقال بعضهم: شركته إياهم فيهم بزناهم بأمهاتهم.
* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمى، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) قال: أولاد الزنا.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا يذكر عن مجاهد ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) قال: أولاد الزنا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) قال: أولاد الزنا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال : ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: أولاد الزنا.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) قال: أولاد الزنا، يعني بذلك أهل الشرك.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) قال: الأولاد: أولاد الزنا.
وقال آخرون: عنى بذلك: وأْدُهم أولادَهم وقتلهموهم.
* ذكر من قال ذلك:حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) قال: ما قتلوا من أولادهم، وأتوا فيهم الحرام.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: صبغهم إياهم في الكفر.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) قال: قد والله شاركهم في أموالهم وأولادهم، فمجسوا وهوّدوا ونصروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزءوا من أموالهم جزءا للشيطان.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) قال: قد فعل ذلك، أما في الأولاد فانهم هوّدوهم ونصَّروهم ومجّسوهم.
وقال آخرون: بل عنى بذلك تسميتهم أولادهم عبد الحرث وعبد شمس.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني عيسى بن يونس، عن عمران بن سليمان، عن أبي صالح عن ابن عباس ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) قال: مشاركته إياهم في الأولاد، سموا عبد الحرث وعبد شمس وعبد فلان.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: كل ولد ولدته أنثى عصى الله بتسميته ما يكرهه الله، أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله، أو بالزنا بأمه، أو قتله ووأده، أو غير ذلك من الأمور التي يخصص بقوله ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ ) معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى، فكلّ ما عصى الله فيه أو به، وأطيع به الشيطان أو فيه، فهو مشاركة من عصى الله فيه أو به إبليس فيه.
وقوله ( وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا ) يقول تعالى ذكره لإبليس: وعد أتباعك من ذرّية آدم، النصرة على من أرادهم بسوء، يقول الله ( وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا ) لأنه لا يغني عنهم من عقاب الله إذا نزل بهم شيئا، فهم من عداته في باطل وخديعة، كما قال لهم عدو الله حين حصحص الحق إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ .

﴿ واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ﴾

قراءة سورة الإسراء

المصدر : تفسير : واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم