القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 69 سورة يس - وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن

سورة يس الآية رقم 69 : سبع تفاسير معتمدة

سورة وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن - عدد الآيات 83 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 69 من سورة يس عدة تفاسير - سورة يس : عدد الآيات 83 - - الصفحة 444 - الجزء 23.

سورة يس الآية رقم 69


﴿ وَمَا عَلَّمۡنَٰهُ ٱلشِّعۡرَ وَمَا يَنۢبَغِي لَهُۥٓۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ وَقُرۡءَانٞ مُّبِينٞ ﴾
[ يس: 69]

﴿ التفسير الميسر ﴾

وما علَّمنا رسولنا محمدًا الشعر، وما ينبغي له أن يكون شاعرًا، ما هذا الذي جاء به إلا ذكر يتذكر به أولو الألباب، وقرآن بيِّن الدلالة على الحق والباطل، واضحة أحكامه وحِكَمه ومواعظه؛ لينذر مَن كان حيَّ القلب مستنير البصيرة، ويحق العذاب على الكافرين بالله؛ لأنهم قامت عليهم بالقرآن حجة الله البالغة.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«وما علمناه» أي النبي «الشعر» رد لقولهم إن ما أتى به من القرآن شعر «وما ينبغي» يسهل «له» الشعر «إن هو» ليس الذي أتى به «إلا ذكر» عظة «وقرآن مبين» مظهر للأحكام وغيرها.

﴿ تفسير السعدي ﴾

ينزه تعالى نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم، عما رماه به المشركون، من أنه شاعر، وأن الذي جاء به شعر فقال: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أن يكون شاعرا، أي: هذا من جنس المحال أن يكون شاعرا، لأنه رشيد مهتد، والشعراء غاوون، يتبعهم الغاوون، ولأن اللّه تعالى حسم جميع الشبه التي يتعلق بها الضالون على رسوله، فحسم أن يكون يكتب أو يقرأ، وأخبر أنه ما علمه الشعر وما ينبغي له، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ أي: ما هذا الذي جاء به إلا ذكر يتذكر به أولو الألباب، جميع المطالب الدينية، فهو مشتمل عليها أتم اشتمال، وهو يذكر العقول، ما ركز اللّه في فطرها من الأمر بكل حسن، والنهي عن كل قبيح.
وَقُرْآنٍ مُبِينٍ أي: مبين لما يطلب بيانه.
ولهذا حذف المعمول، ليدل على أنه مبين لجميع الحق، بأدلته التفصيلية والإجمالية، والباطل وأدلة بطلانه، أنزله اللّه كذلك على رسوله.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله تعالى : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) قال الكلبي : إن كفار مكة قالوا : إن محمدا شاعر ، وما يقوله شعر ، فأنزل الله تكذيبا لهم : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) أي : ما يتسهل له ذلك ، وما كان يتزن له بيت من شعر ، حتى إذا تمثل ببيت شعر جرى على لسانه منكسرا .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد الثقفي ، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدثنا يوسف بن عبد الله بن ماهان ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتمثل بهذا البيت :كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيافقال أبو بكر : يا رسول الله إنما قال الشاعر :كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا ، فقال أبو بكر وعمر : أشهد أنك رسول الله ، يقول الله تعالى : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له )أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح ، أخبرنا أبو القاسم البغوي ، أخبرنا علي بن الجعد ، حدثنا شريك ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه قال : قلت لعائشة : أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتمثل بشيء من الشعر ؟ قالت : كان يتمثل من شعر عبد الله بن رواحة .
قالت : وربما قال :ويأتيك بالأخبار من لم تزودوقال معمر عن قتادة : بلغني أن عائشة سئلت : هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمثل بشيء من الشعر ؟ قالت : كان الشعر أبغض الحديث إليه ، قالت : ولم يتمثل بشيء من الشعر إلا ببيت أخي بني قيس طرفة :ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزودفجعل يقول : " ويأتيك من لم تزود بالأخبار " فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : ليس هكذا يا رسول الله ، فقال : " إني لست بشاعر ولا ينبغي لي " .
) ( إن هو ) يعني : القرآن ) ( إلا ذكر ) موعظة ( وقرآن مبين ) فيه الفرائض والحدود والأحكام .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

أى: وما علّمنا الرسول صلّى الله عليه وسلم الشعر وإنما الذي علمناه إياه هو القرآن الكريم، المشتمل على ما يسعد الناس في دنياهم وفي آخرتهم.
فالمقصود من هذه الجملة الكريمة، نفى أن يكون القرآن شعرا بأبلغ وجه لأن الذي علمه الله- تعالى- لنبيه هو القرآن وليس الشعر، وما دام الأمر كذلك فالقرآن ليس شعرا.
وقوله- تعالى-: وَما يَنْبَغِي لَهُ.
أى: ما علمناه الشعر، وإنما علمناه القرآن، فقد اقتضت حكمتنا أن لا نعجل الشعر في طبعه صلّى الله عليه وسلم ولا في سليقته، فحتى لو حاوله- على سبيل الفرض- فإنه لا يتأتى له، ولا يسهل عليه ولا يستقيم مع فطرته صلّى الله عليه وسلم.
والضمير في قوله- تعالى-: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ يعود إلى القرآن الكريم:أى: ما هذا القرآن الكريم إلا ذكر من الأذكار النافعة، والمواعظ الناجحة، والتوجيهات الحكيمة، وهو في الوقت نفسه قُرْآنٌ مُبِينٌ أى: كتاب مقروء من الكتب السماوية الواضحة، التي لا تختلط ولا تلتبس بكلام البشر.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

وقوله : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) : يقول تعالى مخبرا عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أنه ما علمه الشعر ، ( وما ينبغي له ) أي : وما هو في طبعه ، فلا يحسنه ولا يحبه ، ولا تقتضيه جبلته ; ولهذا ورد أنه ، عليه الصلاة والسلام ، كان لا يحفظ بيتا على وزن منتظم ، بل إن أنشده زحفه أو لم يتمه .وقال أبو زرعة الرازي : حدثت عن إسماعيل بن مجالد ، عن أبيه ، عن الشعبي أنه قال : ما ولد عبد المطلب ذكرا ولا أنثى إلا يقول الشعر ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكره ابن عساكر في ترجمة " عتبة بن أبي لهب " الذي أكله السبع بالزرقاء .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن - هو البصري - قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت :كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيافقال أبو بكر : يا رسول الله :كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياقال أبو بكر ، أو عمر : أشهد أنك رسول الله ، يقول الله : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) .وهكذا روى البيهقي في الدلائل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : للعباس بن مرداس السلمي : " أنت القائل :أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة " . 50 فقال : إنما هو : " بين عيينة والأقرع " فقال : " الكل سواء " .يعني : في المعنى ، صلوات الله وسلامه عليه .وقد ذكر السهيلي في " الروض الأنف " لهذا التقديم والتأخير الذي وقع في كلامه ، عليه السلام ، في هذا البيت مناسبة أغرب فيها ، حاصلها شرف الأقرع بن حابس على عيينة بن بدر الفزاري ; لأنه ارتد أيام الصديق ، بخلاف ذاك ، والله أعلم .وهكذا روى الأموي في مغازيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يمشي بين القتلى يوم بدر ، وهو يقول : " نفلق هاما . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . " .فيقول الصديق رضي الله عنه متمما للبيت :. . . . . من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلماوهذا لبعض شعراء العرب في قصيدة له ، وهي في الحماسة .وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، حدثنا مغيرة ، عن الشعبي ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استراث الخبر ، تمثل فيه ببيت طرفة :ويأتيك بالأخبار من لم تزودوهكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " من طريق إبراهيم بن مهاجر ، عن الشعبي ، عنها . ورواه الترمذي والنسائي أيضا من حديث المقدام بن شريح بن هانئ ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، كذلك . ثم قال الترمذي . هذا حديث حسن صحيح .وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا أسامة ، عن زائدة ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل من الأشعار :ويأتيك بالأخبار من لم تزودثم قال : رواه غير زائدة ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن عائشة .وهذا في شعر طرفة بن العبد ، في معلقته المشهورة ، وهذا المذكور [ هو عجز بيت ] منها ، أوله :ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزودويأتيك بالأخبار من لم تبع له بتاتا ولم تضرب له وقت موعدوقال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو عبد الحافظ ، حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن نعيم - وكيل المتقي ببغداد - حدثنا أبو محمد عبد الله بن هلال النحوي الضرير ، حدثنا علي بن عمرو الأنصاري ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت شعر قط ، إلا بيتا واحدا .تفاءل بما تهوى يكن فلقلما يقال لشيء كان إلا تحققاسألت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي عن هذا الحديث ، فقال : هو منكر . ولم يعرف شيخ الحاكم ، ولا الضرير .وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : قيل لعائشة : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر ؟ قالت : كان أبغض الحديث إليه ، غير أنه كان يتمثل ببيت أخي بني قيس ، فيجعل أوله آخره ، وآخره أوله . فقال أبو بكر ليس هكذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني والله ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي " . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، وهذا لفظه .وقال معمر عن قتادة : بلغني أن عائشة سئلت : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر ؟ فقالت : لا إلا بيت طرفة :ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزودفجعل يقول : " من لم تزود بالأخبار " . فقال أبو بكر : ليس هذا هكذا . فقال : " إني لست بشاعر ، ولا ينبغي لي "وثبت في الصحيحين أنه ، عليه الصلاة والسلام ، تمثل يوم حفر الخندق بأبيات عبد الله بن رواحة ، ولكن تبعا لقول أصحابه ، فإنهم يرتجزون وهم يحفرون ، فيقولون :اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينافأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقيناإن الألى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبيناويرفع صوته بقوله : " أبينا " ويمدها . وقد روي هذا بزحاف في الصحيح أيضا . وكذلك ثبت أنه قال يوم حنين وهو راكب البغلة ، يقدم بها في نحور العدو :أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلبلكن قالوا : هذا وقع اتفاقا من غير قصد لوزن شعر ، بل جرى على اللسان من غير قصد إليه .وكذلك ما ثبت في الصحيحين عن جندب بن عبد الله قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار فنكبت أصبعه ، فقال :هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيتوسيأتي عند قوله تعالى : ( إلا اللمم ) [ النجم : 32 ] إنشاد :إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك ما ألماوكل هذا لا ينافي كونه صلى الله عليه وسلم ما علم شعرا ولا ينبغي له ; فإن الله تعالى إنما علمه القرآن العظيم الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) [ فصلت : 42 ] . وليس هو بشعر كما زعمه طائفة من جهلة كفار قريش ، ولا كهانة ، ولا مفتعل ، ولا سحر يؤثر ، كما تنوعت فيه أقوال الضلال وآراء الجهال . وقد كانت سجيته صلى الله عليه وسلم تأبى صناعة الشعر طبعا وشرعا ، كما رواه أبو داود قال :حدثنا عبيد الله بن عمر ، حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثنا شرحبيل بن يزيد المعافري ، عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ] : ما أبالي ما أوتيت إن أنا شربت ترياقا ، أو تعلقت تميمة ، أو قلت الشعر من قبل نفسي " . تفرد به أبو داود .وقال الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن الأسود بن شيبان ، عن أبي نوفل قال : سألت عائشة : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسامع عنده الشعر ؟ فقالت : كان أبغض الحديث إليه . وقال عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الجوامع من الدعاء ، ويدع ما بين ذلك .وقال أبو داود : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا ، خير له من أن يمتلئ شعرا " . تفرد به من هذا الوجه ، وإسناده على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .وقال الإمام أحمد : حدثنا بريد ، حدثنا قزعة بن سويد الباهلي ، عن عاصم بن مخلد ، عن أبي الأشعث ، الصنعاني ( ح ) وحدثنا الأشيب فقال : عن ابن عاصم ، عن [ أبي ] الأشعث عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرض بيت شعر بعد العشاء الآخرة ، لم تقبل له صلاة تلك الليلة " .وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة . والمراد بذلك نظمه لا إنشاده ، والله أعلم . على أن الشعر فيه ما هو مشروع ، وهو هجاء المشركين الذي كان يتعاطاه شعراء الإسلام ، كحسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة ، وأمثالهم وأضرابهم ، رضي الله عنهم أجمعين . ومنه ما فيه حكم ومواعظ وآداب ، كما يوجد في شعر جماعة من الجاهلية ، ومنهم أمية بن أبي الصلت الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " آمن شعره وكفر قلبه " . وقد أنشد بعض الصحابة منه للنبي صلى الله عليه وسلم مائة بيت ، يقول عقب كل بيت : " هيه " . يعني يستطعمه ، فيزيده من ذلك .وقد روى أبو داود من حديث أبي بن كعب ، وبريدة بن الحصيب ، وعبد الله بن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من البيان سحرا ، وإن من الشعر حكما " .ولهذا قال تعالى : ( وما علمناه الشعر ) يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم ما علمه الله شعرا ، ( وما ينبغي له ) أي : وما يصلح له ، ( إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) أي : ما هذا الذي علمناه ، ( إلا ذكر وقرآن مبين ) أي : بين واضح جلي لمن تأمله وتدبره . ولهذا قال :

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرينقوله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له فيه أربع مسائل :الأولى : أخبر تعالى عن حال نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ورد قول من قال من الكفار إنه شاعر ، وإن القرآن شعر ، بقوله : وما علمناه الشعر وما ينبغي له وكذلك كان رسول الله صلى عليه وسلم لا يقول الشعر ولا يزنه ، وكان إذا حاول إنشاد بيت قديم متمثلا كسر وزنه ، وإنما كان يحرز المعاني فقط صلى الله عليه وسلم .
من ذلك أنه أنشد يوما قول طرفة :ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك من لم تزوده بالأخباروأنشد يوما وقد قيل له من أشعر الناس ؟ فقال : الذي يقول :ألم ترياني كلما جئت طارقا وجدت بها وإن لم تطيب طيباوأنشد يوما :أتجعل نهبي ونهب العبي د بين الأقرع وعيينةوقد كان - عليه السلام - ربما أنشد البيت المستقيم في النادر .
روي أنه أنشد بيت [ عبد الله بن رواحة ] :يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجعوقال الحسن بن أبي الحسن : أنشد النبي - عليه السلام - :كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيافقال أبو بكر - رضي الله عنه - : يا رسول الله إنما قال الشاعر :هريرة ودع إن تجهزت غاديا كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيافقال أبو بكر أو عمر : أشهد أنك رسول الله ، يقول الله - عز وجل - : وما علمناه الشعر وما ينبغي له .
وعن الخليل بن أحمد : كان الشعر أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كثير من الكلام ، ولكن لا يتأتى له .
الثانية : إصابته الوزن أحيانا لا يوجب أنه يعلم الشعر ، وكذلك ما يأتي أحيانا من نثر كلامه ما يدخل في وزن ، كقوله يوم حنين وغيره :هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيتوقوله :أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلبفقد يأتي مثل ذلك في آيات القرآن ، وفي كل كلام ، وليس ذلك شعرا ولا في معناه ، كقوله تعالى : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وقوله : نصر من الله وفتح قريب وقوله : وجفان كالجواب وقدور راسيات إلى غير ذلك من الآيات .
وقد ذكر ابن العربي منها آيات وتكلم عليها وأخرجها عن الوزن ، على أن أبا الحسن الأخفش قال في قول : " أنا النبي لا كذب " ليس بشعر .
وقال الخليل في كتاب العين : إن ما جاء من السجع على جزأين لا يكون شعرا .
وروي عنه أنه من منهوك الرجز .
وقد قيل : لا يكون من منهوك الرجز إلا بالوقف على الباء من قوله : " لا كذب " ، ومن قوله : " عبد المطلب " .
ولم يعلم كيف قاله النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن العربي : والأظهر من حاله أنه قال : " لا كذب " الباء مرفوعة ، ويخفض الباء من عبد المطلب على الإضافة .
وقال النحاس قال بعضهم : إنما الرواية بالإعراب ، وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعرا ، لأنه إذا فتح الباء من البيت الأول أو ضمها أو نونها ، وكسر الباء من البيت الثاني خرج عن وزن الشعر .
وقال بعضهم : ليس هذا الوزن من الشعر .
وهذا مكابرة العيان ، لأن أشعار العرب على هذا قد رواها الخليل وغيره .
وأما قوله : " هل أنت إلا إصبع دميت " فقيل إنه من بحر السريع ، وذلك لا يكون إلا إذا كسرت التاء من ( دميت ) ، فإن سكن لا يكون شعرا بحال ، لأن هاتين الكلمتين على هذه الصفة تكون ( فعول ) ، ولا مدخل لفعول في بحر السريع .
ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالها ساكنة التاء أو متحركة التاء من غير إشباع .
والمعول عليه في الانفصال على تسليم أن هذا شعر ، ويسقط الاعتراض ، ولا يلزم منه أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - عالما بالشعر ولا شاعرا - أن التمثل بالبيت النزر وإصابة القافيتين من الرجز وغيره ، لا يوجب أن يكون قائلها عالما بالشعر ، ولا يسمى شاعرا باتفاق العلماء ، كما أن من خاط خيطا لا يكون خياطا .
قال أبو إسحاق الزجاج : معنى : وما علمناه الشعر وما علمناه أن يشعر ، أي : ما جعلناه شاعرا ، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئا من الشعر .
قال النحاس : وهذا من أحسن ما قيل في هذا .
وقد قيل : إنما خبر الله - عز وجل - أنه ما علمه الله الشعر ولم يخبر أنه لا ينشد شعرا ، وهذا ظاهر الكلام .
وقيل : فيه قول بين ، زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة ، وذلك أنهم قالوا : كل من قال قولا موزونا لا يقصد به إلى شعر فليس بشعر ، وإنما وافق الشعر .
وهذا قول بين .
قالوا : وإنما الذي نفاه الله عن نبيه - عليه السلام - فهو العلم بالشعر وأصنافه ، وأعاريضه وقوافيه والاتصاف بقوله ، ولم يكن موصوفا بذلك بالاتفاق .
ألا ترى أن قريشا تراوضت فيما يقولون للعرب فيه إذا قدموا عليهم الموسم ، فقال بعضهم : نقول إنه شاعر .
فقال أهل الفطنة منهم : والله لتكذبنكم العرب ، فإنهم يعرفون أصناف الشعر ، فوالله ما يشبه شيئا منها ، وما قوله بشعر .
وقال أنيس أخو أبي ذر : لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم أنه شعر .
أخرجه مسلم ، وكان أنيس من أشعر العرب ، وكذلك عتبة بن أبي ربيعة لما كلمه : والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ، على ما يأتي بيانه من خبره في سورة [ فصلت ] إن شاء الله تعالى .
وكذلك قال غيرهما من فصحاء العرب العرباء ، واللسن البلغاء .
ثم إن ما يجري على اللسان من موزون الكلام لا يعد شعرا ، وإنما يعد منه ما يجري على وزن الشعر مع القصد إليه ، فقد يقول القائل : حدثنا شيخ لنا وينادي يا صاحب الكسائي ، ولا يعد هذا شعرا .
وقد كان رجل ينادي في مرضه وهو من عرض العامة العقلاء : اذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى .
الثالثة : روى ابن القاسم عن مالك أنه سئل عن إنشاد الشعر فقال : لا تكثرن منه ، فمن عيبه أن الله يقول : وما علمناه الشعر وما ينبغي له قال : ولقد بلغني أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - - كتب إلى أبي موسى الأشعري : أن اجمع الشعراء قبلك ، وسلهم عن الشعر ، وهل بقي معهم معرفة ، وأحضر لبيدا ذلك ، قال : فجمعهم فسألهم فقالوا : إنا لنعرفه ونقوله .
وسأل لبيدا فقال : ما قلت شعرا منذ سمعت الله - عز وجل - يقول : الم ذلك الكتاب لا ريب فيه .
قال ابن العربي : هذه الآية ليست من عيب الشعر ، كما لم يكن قوله : وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك من عيب الكتابة ، فلما لم تكن الأمية من عيب الخط ، كذلك لا يكون نفي النظم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عيب الشعر .
روي أن المأمون قال لأبي علي المنقري : بلغني أنك أمي ، وأنك لا تقيم الشعر ، وأنك تلحن .
فقال : يا أمير المؤمنين ، أما اللحن فربما سبق لساني منه بشيء ، وأما الأمية وكسر الشعر فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكتب ولا يقيم الشعر .
فقال له : سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتني رابعا وهو الجهل ، يا جاهل! إن ذلك كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - فضيلة ، وهو فيك وفي أمثالك نقيصة ، وإنما منع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لنفي الظنة عنه ، لا لعيب في الشعر والكتابة .
الرابعة : قوله تعالى : وما ينبغي له أي : وما ينبغي له أن يقوله .
وجعل الله - جل وعز - ذلك علما من أعلام نبيه - عليه السلام - لئلا تدخل الشبهة على من أرسل إليه ، فيظن أنه قوي على القرآن بما في طبعه من القوة على الشعر .
ولا اعتراض لملحد على هذا بما يتفق الوزن فيه من القرآن وكلام الرسول ، لأن ما وافق وزنه وزن الشعر ، ولم يقصد به إلى الشعر ليس بشعر ، ولو كان شعرا لكان كل من نطق بموزون من العامة الذين لا يعرفون الوزن شاعرا ، على ما تقدم بيانه .
وقال الزجاج : معنى وما ينبغي له أي : ما يتسهل له قول الشعر لا الإنشاء .
إن هو إلا ذكر وقرآن مبين أي : هذا الذي يتلوه عليكم إلا ذكر وقرآن مبين

﴿ تفسير الطبري ﴾

وقوله ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ) يقول تعالى ذكره: وما علَّمنا محمدا الشعر، وما ينبغي له أن يكون شاعرا.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ) قال: قيل لعائشة: هل كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان أبغض الحديث إليه، غير أنه كان يتمثَّل ببيت أخي بني قيس، فيجعل آخره أوله، وأوله آخره، فقال له أبو بكر: إنه ليس هكذا، فقال نبي الله: " إني وَاللهِ ما أنا بِشاعِرٍ، وَلا يَنْبَغِي لي".
وقوله ( إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ ) يقول تعالى ذكره: ما هو إلا ذكر، يعني بقوله) إنْ هُوَ) أي: محمد إلا ذكر لكم أيها الناس، ذكركم الله بإرساله إياه إليكم، ونبهكم به على حظكم ( وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ) يقول: وهذا الذي جاءكم به محمد قرآن مبين، يقول: يَبِين لمن تدبَّره بعقل ولب، أنه تنزيل من الله أنزله إلى محمد، وأنه ليس بشعر ولا مع كاهن.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ) قال: هذا القرآن .

﴿ وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ﴾

قراءة سورة يس

المصدر : تفسير : وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن