القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 69 سورة التوبة - كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة

سورة التوبة الآية رقم 69 : سبع تفاسير معتمدة

سورة كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة - عدد الآيات 129 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 69 من سورة التوبة عدة تفاسير - سورة التوبة : عدد الآيات 129 - - الصفحة 198 - الجزء 10.

سورة التوبة الآية رقم 69


﴿ كَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا فَٱسۡتَمۡتَعُواْ بِخَلَٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِي خَاضُوٓاْۚ أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ﴾
[ التوبة: 69]

﴿ التفسير الميسر ﴾

إن أفعالكم -معشر المنافقين- من الاستهزاء والكفر كأفعال الأمم السابقة التي كانت على جانب من القوة والمال والأولاد أشد منكم، فاطْمَأنوا إلى الحياة الدنيا، وتَمتَّعوا بما فيها من الحظوظ والملذات، فاستمعتم أيها المنافقون بنصيبكم من الشهوات الفانية كاستمتاع الذين من قبلكم بحظوظهم الفانية، وخضتم بالكذب على الله كخوض تلك الأمم قبلكم، أولئك الموصوفون بهذه الأخلاق هم الذين ذهبت حسناتهم في الدنيا والآخرة، وأولئك هم الخاسرون ببيعهم نعيم الآخرة بحظوظهم من الدنيا.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

أنتم أيها المنافقون «كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا» تمتعوا «بخلاقهم» نصيبهم من الدنيا «فاستمتعتم» أيها المنافقون «بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم» في الباطل والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم «كالذي خاضوا» أي كخوضهم «أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون».

﴿ تفسير السعدي ﴾

تفسير الآيتين 69 و 70 :قول تعالى محذرا المنافقين أن يصيبهم ما أصاب من قبلهم من الأمم المكذبة‏.
‏ ‏‏قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ‏‏ أي‏:‏ قرى قوم لوط‏.
‏فكلهم ‏‏أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ‏‏ أي‏:‏ بالحق الواضح الجلي، المبين لحقائق الأشياء، فكذبوا بها، فجرى عليهم ما قص اللّه علينا، فأنتم أعمالكم شبيهة بأعمالهم، استمتعتم بخلاقكم، أي‏:‏ بنصيبكم من الدنيا فتناولتموه على وجه اللذة والشهوة معرضين عن المراد منه، واستعنتم به على معاصي اللّه، ولم تتعد همتكم وإرادتكم ما خولتم من النعم كما فعل الذين من قبلكم وخضتم كالذي خاضوا، أي‏:‏ وخضتم بالباطل والزور وجادلتم بالباطل لتدحضوا به الحق، فهذه أعمالهم وعلومهم، استمتاع بالخلاق وخوض بالباطل، فاستحقوا من العقوبة والإهلاك ما استحق من قبلهم ممن فعلوا كفعلهم، وأما المؤمنون فهم وإن استمتعوا بنصيبهم وما خولوا من الدنيا، فإنه على وجه الاستعانة به على طاعة اللّه، وأما علومهم فهي علوم الرسل، وهي الوصول إلى اليقين في جميع المطالب العالية، والمجادلة بالحق لإدحاض الباطل‏.
‏قوله ‏‏فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ‏‏ إذ أوقع بهم من عقوبته ما أوقع‏.
‏ ‏‏وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏‏ حيث تجرأوا على معاصيه، وعصوا رسلهم، واتبعوا أمر كل جبار عنيد‏

﴿ تفسير البغوي ﴾

( كالذين من قبلكم ) أي : فعلتم كفعل الذين من قبلكم بالعدول عن أمر الله ، فلعنتم كما لعنوا ( كانوا أشد منكم قوة ) بطشا ومنعة ، ( وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم ) فتمتعوا أو انتفعوا بخلاقهم ؛ بنصيبهم من الدنيا باتباع الشهوات ورضوا به عوضا عن الآخرة ، ( فاستمتعتم بخلاقكم ) أيها الكفار والمنافقون ، ( كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم ) وسلكتم سبيلهم ، ( وخضتم ) في الباطل والكذب على الله تعالى ، وتكذيب رسله ، وبالاستهزاء بالمؤمنين ، ( كالذي خاضوا ) أي : كما خاضوا .
وقيل : كالذي يعني كالذين خاضوا ، وذلك أن " الذي " اسم ناقص ، مثل " ما " و " من " يعبر به عن الواحد والجميع ، نظيره قوله تعالى : " كمثل الذي استوقد نارا ثم قال : " ذهب الله بنورهم " ( البقرة - 17 ) .
( أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون ) أي : كما حبطت أعمالهم وخسروا ، كذلك حبطت أعمالكم وخسرتم .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن عبد العزيز ، حدثنا أبو عمر الصنعاني من اليمن ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم " ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال : " فمن " ؟ وفي رواية أبي هريرة : " فهل الناس إلا هم " ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : " أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتا وهديا تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا؟ " .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

وقوله- تعالى-: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً .
.
.
جاء على أسلوب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لزجر المنافقين، وتحريك نفوسهم إلى الاعتبار والاتعاظ.
والكاف في قوله: كَالَّذِينَ للتشبيه، وهي في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف.
والتقدير: أنتم- أيها المنافقون- حالكم كحال الذين خلوا من قبلكم من الطغاة في الانحراف عن الحق، والاغترار بشهوات الدنيا وزينتها، ولكن هؤلاء الطغاة المهلكين، يمتازون عنكم بأنهم «كانوا أشد منكم قوة» في أبدانهم، وكانوا «أكثر» منكم «أموالا وأولادا» .
وقوله: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ بيان لموقف هؤلاء المهلكين من نعم الله- تعالى- والخلاق: مشتق من الخلق بمعنى التقدير.
وأطلق على الحظ والنصيب لأنه مقدر لصاحبه.
أى: كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا، ولكنهم لم يشكروا الله على إحسانه، بل فتنوا بما بين أيديهم من نعم، واستمتعوا بنصيبهم المقدر لهم في هذه الحياة الدنيا، استمتاع الجاحدين الفاسقين.
والتعبير بالفاء المفيدة للتعقيب في قوله: فَاسْتَمْتَعُوا للإشعار بأن هؤلاء المهلكين بمجرد أن امتلأت أيديهم بالنعم، قد استعملوها في غير ما خلقت له، وسخروها لإرضاء شهواتهم الخسيسة، وملذاتهم الدنيئة.
وقوله: فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ ذم للمخاطبين وللذين سبقوهم لانتهاجهم جميعا طريق الشر والبطر.
أى: فأنتم- أيها المنافقون- قد استمتعتم بنصيبكم المقدر لكم من ملاذ الدنيا، وشهواتها الباطلة، كما استمتع الذين من قبلكم بنصيبهم في ذلك.
وقوله: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا معطوف على ما قبله.
أى: وخضتم- أيها المنافقون- في حمأة الباطل وفي طريق الغرور والهوى، كالخوض الذي خاضه السابقون من الأمم المهلكة.
قال الآلوسى قوله: «وخضتم» أى: دخلتم في الباطل «كالذي خاضوا» .
أى: كالذين فحذفت نونه تخفيفا، كما في قول الشاعر:إن الذي حانت بفلج دماؤهم .
.
.
هم القوم كل القوم يا أم خالدويجوز أن يكون «الذي» صفة لمفرد اللفظ، مجموع المعنى، كالفوج والفريق، فلوحظ في الصفة اللفظ.
وفي الضمير المعنى، أو هو صفة لمصدر محذوف، أى: كالخوض الذي خاضوه، ورجح بعدم التكلف فيه .
وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: أى فائدة في قوله: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ وقوله: كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ مغن عنه كما أغنى قوله: كَالَّذِي خاضُوا عن أن يقال: وخاضوا فخضتم كالذي خاضوا؟قلت: فائدته أن يذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا ورضاهم بها، والتهائهم بشهواتهم الفانية عن النظر في العاقبة، وطلب الفلاح في الآخرة، وأن يخسس أمر الاستمتاع، ويهجن أمر الرضا به، ثم يشبه بعد ذلك حال المخاطبين بحالهم، كما تريد أن تنبه بعض الظلمة على سماجة فعله فتقول: أنت مثل فرعون: كان يقتل بغير جرم، ويعذب ويعسف وأنت تفعل مثل ما فعله.
وأما «وخضتم كالذي خاضوا» فمعطوف على ما قبله مستند إليه، مستغن باستناده إليه عن تلك التقدمة» .
وقوله: أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ بيان لسوء مصيرهم في الدارين.
واسما الإشارة يعودان على المتصفين بتلك الصفات القبيحة من السابقين واللاحقين.
أى: أولئك المستمتعون بنصيبهم المقدر لهم في الشهوات الخسيسة، والخائضون في الشرور والآثام «حبطت أعمالهم» أى: فسدت وبطلت أعمالهم التي كانوا يرجون منفعتها «في الدنيا والآخرة» لأن هذه الأعمال لم يكن معها إيمان أو إخلاص، وإنما كان معها الرياء والنفاق، والفسوق والعصيان، والله- تعالى- لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم.
وقوله: وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أى: الكاملون في الخسران، الجامعون لكل ما من شأنه أن يؤدى إلى البوار والهلاك.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

يقول تعالى : أصاب هؤلاء من عذاب الله في الدنيا والآخرة كما أصاب من قبلهم ، وقد كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا ، ( فاستمتعوا بخلاقهم ) قال الحسن البصري : بدينهم ، ( كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا ) أي : في الكذب والباطل ، ( أولئك حبطت أعمالهم ) أي : بطلت مساعيهم ، فلا ثواب لهم عليها لأنها فاسدة ( في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون ) ؛ لأنهم لم يحصل لهم عليها ثواب .قال ابن جريج عن عمر بن عطاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( كالذين من قبلكم ) الآية ، قال ابن عباس : ما أشبه الليلة بالبارحة ، ( كالذين من قبلكم ) هؤلاء بنو إسرائيل ، شبهنا بهم ، لا أعلم إلا أنه قال : والذي نفسي بيده ، لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه .قال ابن جريج : وأخبرني زياد بن سعد ، عن محمد بن زيد بن مهاجر ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده ، لتتبعن سنن الذين من قبلكم ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، وباعا بباع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه . قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ أهل الكتاب ؟ قال : فمه .وهكذا رواه أبو معشر ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره وزاد : قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم القرآن . ( كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم ) قال أبو هريرة : الخلاق : الدين . ( وخضتم كالذي خاضوا ) قالوا : يا رسول الله ، كما صنعت فارس والروم ؟ قال : فهل الناس إلا هم .وهذا الحديث له شاهد في الصحيح .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرونفيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى كالذين من قبلكم قال الزجاج : الكاف في موضع نصب ، أي وعد الله الكفار نار جهنم وعدا كما وعد الذين من قبلهم .
وقيل : المعنى فعلتم كأفعال الذين من قبلكم في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ، فحذف المضاف .
وقيل : أي أنتم كالذين من قبلكم ، فالكاف في محل رفع لأنه خبر ابتداء محذوف .
ولم ينصرف ( أشد ) لأنه أفعل صفة .
والأصل فيه أشدد ، أي كانوا أشد منكم قوة فلم يتهيأ لهم ولا أمكنهم رفع عذابالله عز وجل .
الثانية : روى سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تأخذون كما أخذت الأمم قبلكم ذراعا بذراع وشبرا بشبر وباعا بباع حتى لو أن أحدا من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه .
قال أبو هريرة : وإن شئتم فاقرءوا القرآن : كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم قال أبو هريرة : والخلاق : الدين فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم حتى فرغ من الآية .
قالوا : يا نبي الله ، فما صنعت اليهود والنصارى ؟ قال : وما الناس إلا هم .
وفي الصحيح عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .
قالوا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ وقال ابن عباس : ما أشبه الليلة بالبارحة ، هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم .
ونحوه عن ابن مسعود .
الثالثة : فاستمتعوا بخلاقهم أي انتفعوا بنصيبهم من الدين كما فعل الذين من قبلهم .
( وخضتم ) خروج من الغيبة إلى الخطاب .
كالذي خاضوا أي كخوضهم .
فالكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، أي وخضتم خوضا كالذين خاضوا .
و " الذي " اسم ناقص مثل من ، يعبر به عن الواحد والجمع .
وقد مضى في ( البقرة ) ويقال : خضت الماء أخوضه خوضا وخياضا .
والموضع مخاضة ، وهو ما جاز الناس فيها مشاة وركبانا .
وجمعها المخاض والمخاوض أيضا ، عن أبي زيد .
وأخضت دابتي في الماء .
وأخاض القوم ، أي خاضت خيلهم .
وخضت الغمرات : اقتحمتها .
ويقال : خاضه بالسيف ، أي حرك سيفه في المضروب .
وخوض في نجيعه شدد للمبالغة .
والمخوض للشراب كالمجدع للسويق ، يقال منه : خضت الشراب .
وخاض القوم في الحديث وتخاوضوا أي تفاوضوا فيه ، فالمعنى : خضتم في أسباب الدنيا باللهو واللعب .
وقيل : في أمر محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب .
أولئك حبطت بطلت ، وقد تقدم .
( أعمالهم ) حسناتهم .
وأولئك هم الخاسرون وقد تقدم أيضا .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المنافقين الذين قالوا: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ : أبالله وآيات كتابه ورسوله كنتم تستهزئون؟ =(كالذين من قبلكم)، من الأمم الذين فعلوا فعلكم، فأهلكهم الله, وعجل لهم في الدنيا الخزي، مع ما أعدَّ لهم من العقوبة والنكال في الآخرة.
يقول لهم جل ثناؤه: واحذروا أن يحل بكم من عقوبة الله مثل الذي حلّ بهم, فإنهم كانوا أشد منكم قوةً وبطشًا, وأكثر منكم أموالا وأولادًا =(فاستمتعوا بخلاقهم)، يقول: فتمتعوا بنصيبهم وحظهم من دنياهم ودينهم, (1) ورضوا بذلك من نصيبهم في الدنيا عوضًا من نصيبهم في الآخرة، (2) وقد سلكتم، أيها المنافقون، سبيلهم في الاستمتاع بخلاقكم.
يقول: فعلتم بدينكم ودنياكم، كما استمتع الأمم الذين كانوا من قبلكم، الذين أهلكتهم بخِلافهم أمري =(بخلاقهم), يقول: كما فعل الذين من قبلكم بنصيبهم من دنياهم ودينهم =(وخضتم)، في الكذب والباطل على الله =(كالذي خاضوا), يقول: وخضتم أنتم أيضًا، أيها المنافقون، كخوض تلك الأمم قبلكم.
(3)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:16930- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني أبو معشر, عن سعيد بن أبي سعيد المقبري, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتأخذُنَّ كما أخذ الأمم من قبلكم, ذراعًا بذراع, وشبرًا بشبر, وباعًا بباع، حتى لو أن أحدًا من أولئك دخل جُحر ضبٍّ لدخلتموه! = قال أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم القرآن: (كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادًا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا) = قالوا: يا رسول الله, كما صنعت فارس والروم؟ قال: فهل الناس إلا هم؟ (4)16931- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج، عن عمر بن عطاء, عن عكرمة، عن ابن عباس قوله: (كالذين من قبلكم)، الآية قال، قال ابن عباس: ما أشبه الليلة بالبارحة!(كالذين من قبلكم)، هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم, لا أعلم إلا أنه قال: والذي نفسي بيده لتَتَّبِعُنَّهم حتى لو دخل الرجل منهم جُحْر ضبٍّ لدخلتموه.
(5)16932- .
.
.
.
.
.
قال ابن جريج: وأخبرنا زياد بن سعد, عن محمد بن زيد بن مهاجر, عن سعيد بن أبي سعيد المقبري, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتتبعُن سَننَ الذين من قبلكم، شبرًا بشبر, وذراعًا بذراع, وباعًا بباع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه! قالوا: ومن هم، يا رسول الله؟ أهلُ الكتاب! قال: فَمَهْ! (6)16933- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال أبو سعيد الخدري أنه قال: فمن.
(7)16934- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: (فاستمتعوا بخلاقهم)، قال: بدينهم.
16935- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حَذَّركم أن تحدثوا في الإسلام حَدَثًا، وقد علم أنه سيفعل ذلك أقوامٌ من هذه الأمة, (8) فقال الله في ذلك: (فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا)، وإنما حسبوا أن لا يقع بهم من الفتنة ما وقع ببني إسرائيل قبلهم, وإن الفتنة عائدة كما بدأت.
* * *وأما قوله: (أولئك حبطت أعمالهم)، فإن معناه: هؤلاء الذين قالوا: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ وفعلوا في ذلك فعل الهالكين من الأمم قبلهم =(حبطت أعمالهم)، يقول: ذهبت أعمالهم باطلا.
فلا ثوابَ لها إلا النار, لأنها كانت فيما يسخط الله ويكرهه (9) =(وأولئك هم الخاسرون)، يقول: وأولئك هم المغبونون صفقتهم، ببيعهم نعيم الآخرة بخلاقهم من الدنيا اليسيرِ الزهيدِ (10)----------------------الهوامش :(1) انظر تفسير "الاستمتاع" فيما سلف 12 : 116 ، تعليق : 1، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "الخلاق" فيما سلف 2 : 452 - 454 4 : 201 - 203 6 : 527 ، 528 .
(3) انظر تفسير "الخوض" فيما سلف ص : 332، تعليق : 2، والمراجع هناك.
(4) الأثر : 16930 - إسناده ضعيف .
"أبو معشر"، هو: "نجيج بن عبد الرحمن السندي"، منكر الحديث، مضى برقم : 1275 .
ولكن هذا الخبر له أصل في الصحيح ، فقد رواه البخاري في صحيحه من طريق أحمد بن يونس، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة (الفتح 13 : 254)، بغير هذا اللفظ.
يقال: "أخذ إخذ فلان"، إذا سار بسيرته.
(5) الأثر : 16931 - "عمر بن عطاء"، هذا الراوي عن عكرمة هو: "عمر بن عطاء بن وراز"، وهو ضعيف، ليس بشيء.
قال أحمد: "روى ابن جريج، عن عمر بن عطاء، عن عكرمة، فهو: ابن وراز.
وكل شيء روى ابن جريج ، عن عمر بن عطاء ، عن ابن عباس فهو ابن أبي الخوار"، فهما رجلان .
وهو مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 13 126، وميزان الاعتدال 2 : 265 .
فهذا إسناد ضعيف أيضًا ، ولكن له أصل في الصحيح ، كما سلف من قبل.
(6) الأثر : 16932 - هذا إسناد تابع للإسناد السالف، ولكني فصلته عنه، لأن الإسناد الأول قد تم برواية ابن جريج حديث ابن عباس، ثم انتقل إلى إسناد آخر إلى أبي هريرة.
و "زياد بن سعد بن عبد الرحمن الخرساني"، وكان شريك ابن جريج، وهو ثقة، روى له الجماعة.
مترجم في التهذيب ، والكبير 2 1 327 ، وابن أبي حاتم 1 2 533 .
و "محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفذ التيمي القرشي"، ثقة، مضى برقم : 10521 .
فهذا خبر صحيح الإسناد.
وأما قوله: "فمه"، فقد كتبها في المطبوعة: "فمن"، وهي في المخطوطة بالهاء واضحة عليها سكون، ويدل على صواب ذلك، اقتصار ابن جريج في الخبر التالي على ذكر "فمن"، دون ذكر الخبر ، فهذا دال على أن الأولى مخالفة للثانية، لا مطابقة لها.
واستعمال "مه" بمعنى الاستفهام، قد ذكر له صاحب اللسان في مادة "ما"، شاهدًا،ولكنه أ ساء في نقله عن ابن جني بعده ، فلم يتبين ما أراد قبله .
قال: "ما: حرف نفي، وتكون بمعنى الذي .
.
.
وتكون موضوعة موضع : من ، وتكون بمعنى الاستفهام وتبدل من الألف الهاء ، فيقال: مه ، قال الراجز :قَدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْومِنْ هَاهُنَا وَمْنِ هُنَهْإِنْ لَمْ أُرَوِّها فَمَهْقال ابن جني: يحتمل، مه، هنا وجهين: أحدهما أن تكون: فمه، زجرًا منه، أي: فاكفف عني.
ولست أهلا للعتاب = أو : فمه يا إنسان، يخاطب نفسه ويزجرها".
قلت : وهذا تحكم من أبي الفتح بن جني، فإن سياق الرجز يوجب أن يكون معناه: إن لم أرو أنا هذا الإبل، فمن يرويها؟ وهو صريح معنى الاستدلال الذي ساقه صاحب اللسان ، ولكنه أساء في البيان وقصر، وأساء في إردافه الكلام ما أردفه من كلام أبي الفتح .
وهذا الخبر الذي رواه ابن جريج، عن أبي هريرة ، دليل آخر وشاهد قوي على استعمالهم "مه"، بمعنى الاستفهام.
(7) الأثر : 16933 - حديث أبي سعيد الخدري، في معنى الأخبار السالفة رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 13 : 255 ) ، ومسلم في صحيحه 16 : 219 ، من طريق زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري .
وهذا الخبر رواه ابن جريج مختصرًا على كلمة واحدة ، وهي "فمن"، ليبين معنى رواية أبي هريرة قبل: "فمه" ، أنها بمعنى "فمن"، استفهامًا، كما سلف في التعليق قبله.
(8) جاء هكذا في المخطوطة: "حدثكم أن تحثوا في الإسلام حدثًا، وقد علمتم أنه .
.
.
"، وهو غير مقروء، ولا مستقيم، والذي في المطبوعة، كأنه منقول من الدر المنثور 3 : 255 ، فقد نسبه إلى أبي الشيخ، ولم ينسبه إلى ابن جرير، وهو فضلا عن ذلك ، مختصر في الدر المنثور.
(9) انظر تفسير " حبط " فيما سلف ص : 166، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(10) انظر تفسير "الخسران" فيما سلف 13 : 535 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.

﴿ كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون ﴾

قراءة سورة التوبة

المصدر : تفسير : كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة