القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 75 سورة البقرة - أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق

سورة البقرة الآية رقم 75 : سبع تفاسير معتمدة

سورة أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق - عدد الآيات 286 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 75 من سورة البقرة عدة تفاسير - سورة البقرة : عدد الآيات 286 - - الصفحة 11 - الجزء 1.

سورة البقرة الآية رقم 75


﴿ ۞ أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ﴾
[ البقرة: 75]

﴿ التفسير الميسر ﴾

أيها المسلمون أنسيتم أفعال بني إسرائيل، فطمعت نفوسكم أن يصدِّق اليهودُ بدينكم؟ وقد كان علماؤهم يسمعون كلام الله من التوراة، ثم يحرفونه بِصَرْفِه إلى غير معناه الصحيح بعد ما عقلوا حقيقته، أو بتحريف ألفاظه، وهم يعلمون أنهم يحرفون كلام رب العالمين عمدًا وكذبًا.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«أفتطعمون» أيها المؤمنون «أن يؤمنوا لكم» أي اليهود لكم. «وقد كان فريق» طائفة «منهم» أحبارهم «يسمعون كلام الله» في التوراة «ثم يحرّفونه» يغيرونه «من بعد ما عقلوه» فهموه «وهم يعلمون» أنهم مفترون والهمزة للإنكار أي لا تطمعوا فلهم سابقة بالكفر.

﴿ تفسير السعدي ﴾

هذا قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب, أي: فلا تطمعوا في إيمانهم وحالتهم لا تقتضي الطمع فيهم, فإنهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه, فيضعون له معاني ما أرادها الله, ليوهموا الناس أنها من عند الله, وما هي من عند الله، فإذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم يصدون به الناس عن سبيل الله, فكيف يرجى منهم إيمان لكم؟! فهذا من أبعد الأشياء.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله تعالى: أفتطمعون أفترجون؟؛ يريد: محمداً وأصحابه.
أن يؤمنوا لكم تصدقكم اليهود بما تخبرونهم به.
وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يعني التوراة.
ثم يحرفونه يغيرون ما فيها من الأحكام.
من بعد ما عقلوه علموه كما غيروا صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وآية الرجم.
وهم يعلمون أنهم كاذبون، هذا قول مجاهد وقتادة وعكرمة والسدي وجماعة، وقال ابن عباس ومقاتل: "نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى لميقات ربه، وذلك أنهم لما رجعوا - بعد ما سمعوا كلام الله - إلى قومهم رجع الناس إلى قولهم، وأما الصادقون منهم فأدوا كما سمعوا، وقالت طائفة منهم: سمعنا الله يقول في آخر كلامه إن استطعتم أن تفعلوا فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا، فهذا تحريفهم وهم يعلمون أنه الحق".

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم ساق القرآن بعد ذلك لونا آخر من ألوان رذائلهم.
ويتمثل هذا اللون في تحريفهم للكلم عن مواضعه، واشترائهم بآيات الله ثمنا قليلا، وذلك لقسوة قلوبهم، وانطماس بصيرتهم، وبيعهم الدين بالقليل من حطام الدنيا، قال- تعالى-.
( أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ .
.
.
)والآيات الكريمة التي معنا قد افتتحت بتيئيس المؤمنين من دخول اليهود في الإسلام ولكن هذا التيئيس قد سبق بما يدعمه ويؤيده، فقد بينت الآيات السابقة عليها «موقف اليهود الجحودى من نعم الله- عز وجل- كما بينت تنطعهم في الدين، وسوء إدراكهم لمقاصد الشريعة، وقساوة قلوبهم من بعد أن رأوا من الآيات البينات ما رأوا، وبعد هذا البيان الموحى بالقنوط من استجابتهم للحق، خاطب الله المؤمنين بقوله:أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
ومعنى الآية الكريمة: أفتطمعون- أيها المؤمنون- بعد أن وصفت لكم من حال اليهود ما وصفت من جحود ونكران، أن يدخلوا في الإسلام.
والحال أنه كان فريق من علمائهم وأحبارهم يسمعون كلام الله ثم يميلونه عن وجهه الصحيح من بعد ما فهموه، وهم يعلمون أنهم كاذبون بهذا التحريف على الله تعالى، أو يعلمون ما يستحقه محرفه من الخزي والعذاب الأليم.
فالخطاب في الآية الكريمة للمؤمنين، والاستفهام يقصد به الإنكار عليهم، إذ طمعوا في استجابة اليهود لدعوة الحق، بعد أن علموا سوء أحوالهم، وفساد نفوسهم.
والنهى عن الطمع في إيمانهم لا يقتضى عدم دعوتهم إلى الإيمان، فالمؤمنون مأمورون بدعوتهم إليه، لإقامة الحجة عليهم في الدنيا عند إجراء أحكام الكفر عليهم، ولقطع عذرهم في الآخرة وقد تصادف الدعوة إلى الإسلام نفوسا منصفة تستجيب لدعوة الحق، وتهتدى إلى الطريق المستقيم، وهذا ما فعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معهم هو وأصحابه من بعده.
ولكن اليهود صموا آذانهم عن الحق بعد ما عرفوه فأصبحت دعوتهم إلى الإسلام غير مجدية، وهنا يأتى النهى عن الطمع في إيمانهم بهذه الآية وأمثالها.
وجملة وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ حالية، مشتملة على بيان أحد الأسباب الداعية إلى القنوط من إيمانهم، وبذلك يكون التقنيط من إيمانهم قد علل بعلتين:إحداهما: ما سبق هذه الآية من تصوير لأحوالهم السيئة.
والثانية: ما تضمنته هذه الجملة الكريمة من تحريفهم لكلام الله عن علم وتعمد.
والمراد بالفريق في قوله تعالى: وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ أحبارهم وعلماؤهم الذين عاصروا الرسل الكرام، فسمعوا منهم، أو الذين أتوا بعدهم فنقلوا عنهم.
والتحريف أصله انحراف الشيء عن جهته وميله عنها إلى غيرها.
والمراد به هنا: إخراج الوحى والشريعة عما جاءت به، بالتغيير والتبديل في الألفاظ، أو بالكتمان والتأويل الفاسد، والتفسير الباطل.
وقوله تعالى: ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ زيادة تشنيع عليهم، حيث إنهم حرفوا كلام الله بعد فهمهم له عن تعمد وسوء نية، وارتكبوا هذا الفعل الشنيع، رغم علمهم بما يستحقه مرتكبه من عقوبة دنيوية وأخروية.
ففي هذين القيدين من النعي عليهم ما لا مزيد عليه، حيث أبطل بهما عذر الجهل والنسيان، وسجل عليهم تعمد الفسوق والعصيان.
وإنما كان قيام الفريق من أحبار اليهود بتحريف الكتاب سببا في اليأس من إيمان عامتهم، لأن هؤلاء العامة المقلدون، قد تلقوا دينهم عن قوم فاسقين، دون أن يلتفتوا إلى الحق، أو يتجهوا إلى النظر في الأدلة الموصلة إليه، وأمثال هؤلاء الذين شبوا على عماية التقليد، وغواية الشيطان، لا يرجى منهم الوصول إلى نور الحق، وجلال الصدق، ولأن أمة بلغ الحال بعلمائها- وهم مظهر محامدهم- أن يجرؤوا على كلام الله فيحرفوه لا تنتظر من دهمائها أن يكونوا خيرا منهم حالا أو أسعد مآلا.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

يقول تعالى : ( أفتطمعون ) أيها المؤمنون ( أن يؤمنوا لكم ) أي : ينقاد لكم بالطاعة ، هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود ، الذين شاهد آباؤهم من الآيات البينات ما شاهدوه ثم قست قلوبهم من بعد ذلك ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ) أي : يتأولونه على غير تأويله ( من بعد ما عقلوه ) أي : فهموه على الجلية ومع هذا يخالفونه على بصيرة ( وهم يعلمون ) أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله ؟ وهذا المقام شبيه بقوله تعالى : ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ) [ المائدة : 13 ] .قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : ثم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ) وليس قوله : ( يسمعون كلام الله ) يسمعون التوراة . كلهم قد سمعها . ولكن الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها .قال محمد بن إسحاق : فيما حدثني بعض أهل العلم أنهم قالوا لموسى : يا موسى ، قد حيل بيننا وبين رؤية الله تعالى ، فأسمعنا كلامه حين يكلمك . فطلب ذلك موسى إلى ربه تعالى فقال : نعم ، مرهم فليتطهروا ، وليطهروا ثيابهم ويصوموا ففعلوا ، ثم خرج بهم حتى أتوا الطور ، فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى أن يسجدوا ، فوقعوا سجودا ، وكلمه ربه تعالى ، فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم ، حتى عقلوا عنه ما سمعوا . ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل ، فلما جاءوهم حرف فريق منهم ما أمرهم به ، وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل : إن الله قد أمركم بكذا وكذا . قال ذلك الفريق الذين ذكرهم الله : إنما قال كذا وكذا خلافا لما قال الله عز وجل لهم ، فهم الذين عنى الله لرسوله صلى الله عليه وسلم .وقال السدي : ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ) قال : هي التوراة ، حرفوها .وهذا الذي ذكره السدي أعم مما ذكره ابن عباس وابن إسحاق ، وإن كان قد اختاره ابن جرير لظاهر السياق . فإنه ليس يلزم من سماع كلام الله أن يكون منه كما سمعه الكليم موسى بن عمران ، عليه الصلاة والسلام ، وقد قال الله تعالى : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) [ التوبة : 6 ] ، أي : مبلغا إليه ; ولهذا قال قتادة في قوله : ( ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) قال : هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ووعوه .وقال مجاهد : الذين يحرفونه والذين يكتمونه هم العلماء منهم .وقال أبو العالية : عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم ، من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، فحرفوه عن مواضعه .وقال السدي : ( وهم يعلمون ) أي أنهم أذنبوا . وقال ابن وهب : قال ابن زيد في قوله : ( يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ) قال : التوراة التي أنزلها الله عليهم يحرفونها يجعلون الحلال فيها حراما ، والحرام فيها حلالا والحق فيها باطلا والباطل فيها حقا ; إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله ، وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب ، فهو فيه محق ، وإن جاءهم أحد يسألهم شيئا ليس فيه حق ، ولا رشوة ، ولا شيء ، أمروه بالحق ، فقال الله لهم : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) [ البقرة : 44 ] .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمونفيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم هذا استفهام فيه معنى الإنكار ، كأنه أيأسهم من إيمان هذه الفرقة من اليهود ، أي إن كفروا فلهم سابقة في ذلك .
والخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجوار الذي كان بينهم .
وقيل : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، عن ابن عباس .
أي لا تحزن على تكذيبهم إياك ، وأخبره أنهم من أهل السوء الذين مضوا .
و " أن " في موضع نصب ، أي في أن يؤمنوا ، نصب بأن ، ولذلك حذفت منه النون .
يقال : طمع فيه طمعا وطماعية - مخفف - فهو طمع ، على وزن فعل .
وأطمعه فيه غيره .
ويقال في التعجب : طمع الرجل - بضم الميم - أي صار كثير الطمع .
والطمع : رزق الجند ، يقال : أمر لهم الأمير بأطماعهم ، أي بأرزاقهم .
وامرأة مطماع : تطمع ولا تمكن .
الثانية : قوله تعالى : وقد كان فريق منهم الفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه ، وجمعه في أدنى العدد أفرقة ، وفي الكثير أفرقاء .
يسمعون في موضع نصب خبر كان .
ويجوز أن يكون الخبر منهم ، ويكون يسمعون نعتا لفريق وفيه بعد .
( كلام الله ) قراءة الجماعة .
وقرأ الأعمش " كلم الله " على جمع كلمة .
قال سيبويه : واعلم أن ناسا من ربيعة يقولون " منهم " بكسر الهاء إتباعا لكسرة الميم ، ولم يكن المسكن حاجزا حصينا عنده .
كلام الله مفعول ب يسمعون .
والمراد السبعون الذين اختارهم موسى عليه السلام ، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره ، وحرفوا القول في إخبارهم لقومهم .
هذا قول الربيع وابن إسحاق ، وفي هذا القول ضعف .
ومن قال : إن السبعين سمعوا ما سمع موسى فقد أخطأ ، وأذهب بفضيلة موسى واختصاصه بالتكليم .
وقد قال السدي وغيره : لم يطيقوا سماعه ، واختلطت أذهانهم ورغبوا أن يكون موسى يسمع ويعيده لهم ، فلما فرغوا وخرجوا بدلت طائفة منهم ما سمعت من كلام الله على لسان نبيهم موسى عليه السلام ، كما قال تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله .
فإن قيل : فقد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن قوم موسى سألوا موسى أن يسأل ربه أن يسمعهم كلامه ، فسمعوا صوتا كصوت الشبور : " إني أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم أخرجتكم من مصر بيد رفيعة وذراع شديدة " .
قلت : هذا حديث باطل لا يصح ، رواه ابن مروان عن الكلبي وكلاهما ضعيف لا يحتج به وإنما الكلام شيء خص به موسى من بين جميع ولد آدم ، فإن كان كلم قومه أيضا حتى أسمعهم كلامه فما فضل موسى عليهم ، وقد قال وقوله الحق : إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي .
وهذا واضح .
الثالثة : واختلف الناس بماذا عرف موسى كلام الله ولم يكن سمع قبل ذلك خطابه ، فمنهم من قال : إنه سمع كلاما ليس بحروف وأصوات ، وليس فيه تقطيع ولا نفس ، فحينئذ علم أن ذلك ليس هو كلام البشر وإنما هو كلام رب العالمين .
وقال آخرون : إنه لما سمع كلاما لا من جهة ، وكلام البشر يسمع من جهة من الجهات الست ، علم أنه ليس من كلام البشر .
وقيل : إنه صار جسده كله مسامع حتى سمع بها ذلك الكلام ، فعلم أنه كلام الله .
وقيل فيه : إن المعجزة دلت على أن ما سمعه هو كلام الله ، وذلك أنه قيل له : ألق عصاك ، فألقاها فصارت ثعبانا ، فكان ذلك علامة على صدق الحال ، وأن الذي يقول له : إني أنا ربك هو الله جل وعز .
وقيل : إنه قد كان أضمر في نفسه شيئا لا يقف عليه إلا علام الغيوب ، فأخبره الله تعالى في خطابه بذلك الضمير ، فعلم أن الذي يخاطبه هو الله جل وعز .
وسيأتي في سورة " القصص " بيان معنى قوله تعالى : نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة إن شاء الله تعالى .
الرابعة : قوله تعالى : ثم يحرفونه قال مجاهد والسدي : هم علماء اليهود الذين يحرفون التوراة فيجعلون الحرام حلالا والحلال حراما اتباعا لأهوائهم .
من بعد ما عقلوه أي عرفوه وعلموه .
وهذا توبيخ لهم ، أي إن هؤلاء اليهود قد سلفت لآبائهم أفاعيل سوء وعناد فهؤلاء على ذلك السنن ، فكيف تطمعون في إيمانهمودل هذا الكلام أيضا على أن العالم بالحق المعاند فيه بعيد من الرشد ; لأنه علم الوعد والوعيد ولم ينهه ذلك عن عناده .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْقال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (أفتطمعون) يا أصحاب محمد, أي: أفترجون يا معشر المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم، والمصدقين ما جاءكم به من عند الله، أن يؤمن لكم يهود بني إسرائيل؟* * *ويعني بقوله: (أن يؤمنوا لكم)، أن يصدقوكم بما جاءكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم محمد من عند ربكم، كما:-1326 - حُدثت عن عمار بن الحسن, عن ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم)، يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم،" أن يؤمنوا لكم " يقول: أفتطمعون أن يؤمن لكم اليهود؟.
1327 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) الآية, قال: هم اليهود.
* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْقال أبو جعفر: أما " الفريق " فجمع، كالطائفة، لا واحد له من لفظه.
وهو " فعيل " من " التفرق " سمي به الجماع، كما سميت الجماعة ب " الحزب "، من " التحزب "، وما أشبه ذلك.
ومنه قول أعشى بني ثعلبة:&; 2-245 &; أجَدّوا فلما خفت أن يتفرقوافريقين, منهم مُصعِد ومُصوِّب (90)يعني بقوله: (منهم)، من بني إسرائيل.
وإنما جعل الله الذين كانوا على عهد موسى ومن بعدهم من بني إسرائيل، من اليهود الذين قال الله لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ - لأنهم كانوا آباءَهم وأسلافهم, فجعلهم منهم، إذ كانوا عشائرهم وفَرَطهم وأسلافهم, كما يذكر الرجل اليوم الرجل، وقد مضى على منهاج الذاكر وطريقته.
وكان من قومه وعشيرته, فيقول: " كان منا فلان "، (91) يعني أنه كان من أهل طريقته أو مذهبه، أو من قومه وعشيرته.
فكذلك قوله: (وقد كان فريق منهم).
* * *القول في تأويل قوله تعالى : يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله: (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون).
فقال بعضهم بما:-1328 - حدثني به محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبى نجيح, عن مجاهد في قول الله: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون)، فالذين يحرفونه والذين يكتمونه، هم العلماء منهم.
1329 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بنحوه.
1330 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه)، قال: هي التوراة، حرفوها.
1331 - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (يسمعون كلام الله ثم يحرفونه)، قال: التوراة التي أنزلها عليهم، يحرفونها, يجعلون الحلال فيها حراما، والحرام فيها حلالا والحق فيها باطلا والباطل فيها حقا, إذا جاءهم المحق برِشوة أخرجوا له كتاب الله, وإذا جاءهم المبطل برِشوة أخرجوا له ذلك الكتاب، (92) فهو فيه محق.
وإن جاء أحد يسألهم شيئا ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء، أمروه بالحق.
فقال لهم: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [ البقرة: 44].
* * *وقال آخرون في ذلك بما:-1332 - حُدثت عن عمار بن الحسن قال، أخبرنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون)، فكانوا يسمعون من ذلك كما يسمع أهل النبوة, ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.
1333 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق في قوله: (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله) الآية, قال: ليس قوله: (يسمعون كلام الله)، يسمعون التوراة.
كلهم قد سمعها، ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها.
1334 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق قال: بلغني عن بعض أهل العلم أنهم قالوا لموسى: يا موسى، قد حيل بيننا وبين رؤية الله عز وجل, فأسمعنا كلامه حين يكلمك.
فطلب ذلك موسى إلى ربه فقال: نعم, فمرهم فليتطهروا، وليطهروا ثيابهم، ويصوموا.
ففعلوا.
ثم خرج بهم حتى أتى الطور, فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى عليه السلام[أن يسجدوا] فوقعوا سجودا, (93) وكلمه ربه فسمعوا كلامه، يأمرهم وينهاهم, حتى عقلوا ما سمعوا.
ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل.
فلما جاءوهم حرف فريق منهم ما أمرهم به, وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل: إن الله قد أمركم بكذا وكذا, قال ذلك الفريق الذي ذكرهم الله: إنما قال كذا وكذا - خلافا لما قال الله عز وجل لهم.
فهم الذين عنى الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
* * *قال أبو جعفر: وأولى التأويلين اللذين ذكرت بالآية، وأشبههما بما دل عليه ظاهر التلاوة, ما قاله الربيع بن أنس، والذي حكاه ابن إسحاق عن بعض أهل العلم: من أن الله تعالى ذكره إنما عنى بذلك من سمع كلامه من بني إسرائيل، سماع موسى إياه منه، ثم حرف ذلك وبدل، من بعد سماعه وعلمه به وفهمه إياه.
وذلك أن الله جل ثناؤه إنما أخبر أن التحريف كان من فريق منهم كانوا يسمعون كلام الله عز وجل، استعظاما من الله لما كانوا يأتون من البهتان، بعد توكيد الحجة عليهم والبرهان, وإيذانا منه تعالى ذكره عبادَه المؤمنين، قطع أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما أتاهم به محمد من الحق والنور والهدى, (94) فقال لهم: كيف تطمعون في تصديق هؤلاء اليهود إياكم وإنما تخبرونهم - بالذي تخبرونهم من الأنباء عن الله عز وجل - عن غيب لم يشاهدوه ولم ييعاينوه وقد كان بعضهم يسمع من الله كلامه وأمره ونهيه, ثم يبدله ويحرفه ويجحده, فهؤلاء الذين بين &; 2-248 &; أظهركم من بقايا نسلهم، أحرى أن يجحدوا ما أتيتموهم به من الحق، وهم لا يسمعونه من الله, وإنما يسمعونه منكم - (95) وأقرب إلى أن يحرفوا ما في كتبهم من صفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ويبدلوه، وهم به عالمون، فيجحدوه ويكذبوا - (96) من أوائلهم الذين باشروا كلام الله من الله جل ثناؤه، ثم حرفوه من بعد ما عقلوه وعلموه متعمدين التحريف.
ولو كان تأويل الآية على ما قاله الذين زعموا أنه عني بقوله: (يسمعون كلام الله)، يسمعون التوراة, لم يكن لذكر قوله: (يسمعون كلام الله) معنى مفهوم.
لأن ذلك قد سمعه المحرف منهم وغير المحرف، فخصوص المحرف منهم بأنه كان يسمع كلام الله - إن كان التأويل على ما قاله الذين ذكرنا قولهم - دون غيرهم ممن كان يسمع ذلك سماعهم لا معنى له.
(97)فإن ظن ظان [أنه] إنما صلح أن يقال ذلك لقوله: (يحرفونه)، فقد أغفل وجه الصواب في ذلك.
(98) وذلك أن ذلك لو كان كذلك لقيل: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.
ولكنه جل ثناؤه أخبر عن خاص من اليهود، كانوا أعطوا - من مباشرتهم سماعَ كلام الله - ما لم يعطه أحد غير الأنبياء والرسل, ثم بدلوا وحرفوا ما سمعوا من ذلك.
فلذلك وصفهم بما وصفهم به، للخصوص الذي كان خص به هؤلاء الفريق الذي ذكرهم في كتابه تعالى ذكره.
* * *ويعني بقوله: (ثم يحرفونه)، ثم يبدلون معناه وتأويله ويغيرونه.
وأصله من " انحراف الشيء عن جهته ", وهو ميله عنها إلى غيرها.
فكذلك قوله: (يحرفونه) أي يميلونه عن وجهه ومعناه الذي هو معناه، إلى غيره.
فأخبر الله جل ثناؤه أنهم فعلوا ما فعلوا من ذلك على علم منهم بتأويل ما حرفوا, وأنه بخلاف ما حرفوه إليه.
فقال: (يحرفونه من بعد ما عقلوه)، يعني: من بعد ما عقلوا تأويله، (وهم يعلمون)، أي: يعلمون أنهم في تحريفهم ما حرفوا من ذلك مبطلون كاذبون.
وذلك إخبار من الله جل ثناؤه عن إقدامهم على البهت, ومناصبتهم العداوة له ولرسوله موسى صلى الله عليه وسلم, وأن بقاياهم - من مناصبتهم العداوة لله ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بغيا وحسدا - على مثل الذي كان عليه أوائلهم من ذلك في عصر موسى عليه الصلاة والسلام.
---------------الهوامش :(90) ديوانه : 137 ، وفي المطبوعة : "أخذوا" خطأ .
أجد السير : انكمش فيه وأسرع مصعد : مبتدئ في صعوده إلى نجد والحجاز .
ومُصَوِّب منحدر في رجوعه إلى العراق والشام وأشباه ذلك وبعد البيت من تمامه .
طلبتهمُ, تَطوى بي البيد جَسْرَةشُوَيْقَئةُ النابين وجَناء ذِعْلب(91) انظر ما سلف في هذا الجزء 2 : 38 ، 39 .
(92) يعني : "ذلك الكتاب" المحرف ، لا"كتاب الله" الصادق .
(93) ما بين القوسين زيادة من ابن كثير 1 : 212 .
(94) في المطبوعة"وإيذانا منه .
.
وقطع أطماعهم" بالعطف بالواو ، وليس يستقيم .
وآذنه الأمر وآذنه به يذانا : أعلمه .
فقوله : "قطع" منصوب مفعول ثان للمصدر"إيذانا" .
(95) قوله : "وأقرب" ، معطوف على قوله : "أحرى .
.
" .
(96) قوله : "من أوائلهم .
.
" متعلق بقوله آنفًا : "أحرى أن يجحدوا .
.
وأقرب إلى أن يحرفوا .
.
" .
(97) سياق العبارة : فخصوص المحرف بأنه .
.
لا معنى له" .
(98) الزيادة بين القوسين لا بد منها .

﴿ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ﴾

قراءة سورة البقرة

المصدر : تفسير : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق