وألْهمنا أم موسى حين ولدته وخشيت عليه أن يذبحه فرعون كما يذبح أبناء بني إسرائيل: أن أرضعيه مطمئنة، فإذا خشيت أن يُعرف أمره فضعيه في صندوق وألقيه في النيل، دون خوف من فرعون وقومه أن يقتلوه، ودون حزن على فراقه، إنا رادُّو ولدك إليك وباعثوه رسولا. فوضعته في صندوق وألقته في النيل، فعثر عليه أعوان فرعون وأخذوه، فكانت عاقبةُ ذلك أن جعله الله لهم عدوًّا وحزنًا، فكان إهلاكُهم على يده. إن فرعون وهامان وأعوانهما كانوا آثمين مشركين.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فالتقطه» بالتابوت صبيحة الليل «آل» أعوان «فرعون» فوضعوه بين يديه وفتح وأخرج موسى منه وهو يمص من إبهامه لبناً «ليكون لهم» في عاقبة الأمر «عدواً» يقتل رجالهم «وحزناً» يستعبد نساءهم وفي قراءة بضم الحاء وسكون الزاي لغتان في المصدر وهو هنا بمعنى اسم الفاعل من حزنه كأحزنه «إن فرعون وهامان». وزيره «وجنودهما كانوا خاطئين» من الخطيئة أي عاصين فعوقبوا على يديه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ فصار من لقطهم، وهم الذين باشروا وجدانه، لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا أي: لتكون العاقبة والمآل من هذا الالتقاط، أن يكون عدوا لهم وحزنا يحزنهم، بسبب أن الحذر لا ينفع من القدر، وأن الذي خافوا منه من بني إسرائيل، قيض اللّه أن يكون زعيمهم، يتربى تحت أيديهم، وعلى نظرهم، وبكفالتهم.وعند التدبر والتأمل، تجد في طي ذلك من المصالح لبني إسرائيل، ودفع كثير من الأمور الفادحة بهم، ومنع كثير من التعديات قبل رسالته، بحيث إنه صار من كبار المملكة.وبالطبع، إنه لا بد أن يحصل منه مدافعة عن حقوق شعبه هذا، وهو هو ذو الهمة العالية والغيرة المتوقدة، ولهذا وصلت الحال بذلك الشعب المستضعف -الذي بلغ بهم الذل والإهانة إلى ما قص اللّه علينا بعضه - أن صار بعض أفراده، ينازع ذلك الشعب القاهر العالي في الأرض، كما سيأتي بيانه.وهذا مقدمة للظهور، فإن اللّه تعالى من سنته الجارية، أن جعل الأمور تمشي على التدريج شيئا فشيئا، ولا تأتي دفعة واحدة.وقوله: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ أي: فأردنا أن نعاقبهم على خطئهم ونكيد هم، جزاء على مكرهم وكيدهم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فالتقطه آل فرعون ) والالتقاط هو وجود الشيء من غير طلب ، ( ليكون لهم عدوا وحزنا ) وهذه اللام تسمى لام العاقبة ولام الصيرورة ؛ لأنهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدوا وحزنا ولكن صار عاقبة أمرهم إلى ذلك . قرأ حمزة والكسائي : " حزنا " بضم الحاء وسكون الزاي ، وقرأ الآخرون بفتح الحاء والزاي ، وهما لغتان ، ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ) عاصين . آثمين .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والفاء في قوله: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً.. هي الفصيحة.والالتقاط: وجود الشيء والحصول عليه من غير طلب ولا قصد.والمراد بآل فرعون: جنوده وأتباعه الذين عثروا على التابوت الذي به موسى، وحملوه إلى فرعون. والحزن- بالتحريك، وبضم فسكون- نقيض السرور، وفعله كفرح.يقال: حزنه الأمر وأحزنه. أى: جعله حزينا.واللام في قوله: لِيَكُونَ ... هي لام العاقبة والصيرورة.قال القرطبي: قوله- تعالى-: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً لما كان التقاطهم إياه يؤدى إلى كونه عدوا لهم وحزنا، فاللام في لِيَكُونَ لام العاقبة والصيرورة، لأنهم إنما أخذوه ليكون لهم قرة عين، فكان عاقبة ذلك أن كان لهم عدوا وحزنا، فذكر الحال بالمآل كما في قول الشاعر:وللمنايا تربى كل مرضعة ... ودورنا لخراب الدهر نبنيهاأى: فعاقبة البناء: الخراب، وإن كان في الحال مفروحا به .ويرى بعضهم أن اللام هنا يصح أن تكون للتعليل، بمعنى، أن الله- تعالى- سخر بمشيئته وإرادته فرعون وآله. لالتقاط موسى، ليجعله لهم عدوا وحزنا، فكأنه- سبحانه- يقول: قدرنا عليهم التقاطه بحكمتنا وإرادتنا، ليكون لهم عدوا وحزنا.إلى هذا المعنى أشار الإمام ابن كثير بقوله: قال محمد بن إسحاق وغيره اللام هنا لام العاقبة لا لام التعليل، لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك- أى: لم يريدوا بالتقاطه العداوة والحزن-، ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضى ما قالوا. ولكن إذا نظرنا إلى معنى السياق، فإنه تبقى اللام للتعليل، لأن معناه: أن الله- تعالى- قيضهم لالتقاطه ليجعله لهم عدوا وحزنا، فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه .ومع وجاهة الرأيين، إلا أننا نميل إلى الرأى الثاني، لأنه- كما قال الإمام ابن كثير- أبلغ في إبطال حذرهم منه، ولأن قوله- تعالى-: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ يشير إلى أن اللام للتعليل..والمعنى: ونفذت أم موسى ما أوحيناه إليها، فأرضعت ابنها موسى. وألقته في اليم حين خافت عليه القتل، فالتقطه آل فرعون من اليم، ليكون لهم عدوا وحزنا، وليعلموا أن ما أردناه لا بد أن يتم مهما احترسوا واحتاطوا وحذروا، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.وقوله- تعالى-: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ تعليل لما قبله، وخاطِئِينَ أى: مرتكبين للخطيئة التي هي الذنب العظيم، كقوله- تعالى- في قوم نوح- عليه السلام-: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً....وكقوله- سبحانه- في شأن الكافرين بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ. فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ .أى: فعلنا ما فعلنا من جعل موسى عدوا وحزنا لفرعون وآله، لأن فرعون ووزيره هامان، وجنودهما الذين يناصرونهما، كانوا مرتكبين للذنوب العظيمة في كل ما يأتون ويذرون، ومن مظاهر ذلك قتلهم لذكور بنى إسرائيل، وإبقاؤهم لإناثهم.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل ، خافت القبط أن يفني بني إسرائيل فيلون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة . فقالوا لفرعون : إنه يوشك - إن استمر هذا الحال - أن يموت شيوخهم ، وغلمانهم لا يعيشون ، ونساؤهم لا يمكن أن يقمن بما يقوم به رجالهم من الأعمال ، فيخلص إلينا ذلك . فأمر بقتل الولدان عاما وتركهم عاما ، فولد هارون ، عليه السلام ، في السنة التي يتركون فيها الولدان ، وولد موسى ، عليه السلام ، في السنة التي يقتلون فيها الولدان ، وكان لفرعون أناس موكلون بذلك ، وقوابل يدرن على النساء ، فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها ، فإذا كان وقت ولادتها لا يقبلها إلا نساء القبط ، فإذا ولدت المرأة جارية تركنها وذهبن ، وإن ولدت غلاما دخل أولئك الذباحون ، بأيديهم الشفار المرهفة ، فقتلوه ومضوا قبحهم الله . فلما حملت أم موسى به ، عليه السلام ، لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها ، ولم تفطن لها الدايات ، ولكن لما وضعته ذكرا ضاقت به ذرعا ، وخافت عليه خوفا شديدا وأحبته حبا زائدا ، وكان موسى ، عليه السلام ، لا يراه أحد إلا أحبه ، فالسعيد من أحبه طبعا وشرعا قال الله تعالى : ( وألقيت عليك محبة مني ) [ طه : 39 ] . فلما ضاقت ذرعا به ألهمت في سرها ، وألقي في خلدها ، ونفث في روعها ، كما قال الله تعالى : ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) . وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل ، فاتخذت تابوتا ، ومهدت فيه مهدا ، وجعلت ترضع ولدها ، فإذا دخل عليها أحد ممن تخاف جعلته في ذلك التابوت ، وسيرته في البحر ، وربطته بحبل عندها . فلما كان ذات يوم دخل عليها من تخافه ، فذهبت فوضعته في ذلك التابوت ، وأرسلته في البحر وذهلت عن أن تربطه ، فذهب مع الماء واحتمله ، حتى مر به على دار فرعون ، فالتقطه الجواري فاحتملنه ، فذهبن به إلى امرأة فرعون ، ولا يدرين ما فيه ، وخشين أن يفتتن عليها في فتحه دونها . فلما كشفت عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأحلاه وأبهاه ، فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه ، وذلك لسعادتها وما أراد الله من كرامتها وشقاوة بعلها ; ولهذا قال ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا [ وحزنا ] ) .قال محمد بن إسحاق وغيره : " اللام " هنا لام العاقبة لا لام التعليل ; لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك . ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضي ما قالوه ، ولكن إذا نظر إلى معنى السياق فإنه تبقى اللام للتعليل ; لأن معناه أن الله تعالى ، قيضهم لالتقاطه ليجعله لهم عدوا وحزنا فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه ; ولهذا قال : ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ) .وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كتب كتابا إلى قوم من القدرية ، في تكذيبهم بكتاب الله وبأقداره النافذة في علمه السابق : وموسى في علم الله السابق لفرعون عدو وحزن ، قال الله تعالى : ( ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) ، وقلتم أنتم : لو شاء فرعون أن يكون لموسى وليا ونصيرا ، والله يقول : ( ليكون لهم عدوا وحزنا ) .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا لما كان التقاطهم إياه يؤدي إلى كونه لهم عدوا وحزنا ; فاللام في ( ليكون ) لام العاقبة ولام الصيرورة ; لأنهم إنما أخذوه ليكون لهم قرة عين ، فكان عاقبة ذلك أن كان لهم عدوا وحزنا ، فذكر الحال بالمآل ; كما قال الشاعر :وللمنايا تربي كل مرضعة ودورنا لخراب الدهر نبنيهاوقال آخر :فللموت تغذو الوالدات سخالها كما لخراب الدهر تبنى المساكنأي فعاقبة البناء الخراب وإن كان في الحال مفروحا به .والالتقاط وجود الشيء من غير طلب ولا إرادة ، والعرب تقول لما وجدته من غير طلب ولا إرادة : التقطه التقاطا ولقيت فلانا التقاطا . قال الراجز :ومنهل وردته التقاطاومنه اللقطة . وقد مضى بيان ذلك من الأحكام في سورة ( يوسف ) بما فيه كفاية وقرأ الأعمش ويحيى والمفضل وحمزة والكسائي وخلف : ( وحزنا ) بضم الحاء وسكون الزاي والباقون بفتحهما واختاره أبو عبيد وأبو حاتم قال : التفخيم فيه . وهما لغتان مثل العدم والعدم ، والسقم والسقم ، والرشد والرشد إن فرعون وهامان وكان وزيره من القبط وجنودهما كانوا خاطئين أي عاصين مشركين آثمين .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)يقول تعالى ذكره: فالتقطه آل فرعون فأصابوه وأخذوه; وأصله من اللقطة, وهو ما وُجد ضالا فأخذ، والعرب تقول: لما وردت عليه فجأة، من غير طلب له ولا إرادة، أصبته التقاطا, ولقيت فلانا التقاطا; ومنه قول الراجز:وَمَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ الْتِقَاطَالَمْ أَلْقَ إِذْ وَرَدْتُهُ فُرَّاطَا (1)يعني فجأة.واختلف أهل التأويل في المعني بقوله: (آلُ فِرْعَوْنَ) في هذا الموضع, فقال بعضهم: عنى بذلك: جواري امرأة فرعون.* ذكر من قال ذلك:حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: أقبل الموج بالتابوت يرفعه مرّة ويخفضه أخرى, حتى أدخله بين أشجار عند بيت فرعون, فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغسلن, فوجدن التابوت, فأدخلنه إلى آسية, وظننّ أن فيه مالا فلما نظرت إليه آسية, وقعت عليها رحمته فأحبته; فلما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه, فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها, قال: إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل, وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا, فذلك قول الله: ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ).وقال آخرون: بل عني به ابنة فرعون.* ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس, قال: كانت بنت فرعون برصاء, فجاءت إلى النيل, فإذا التابوت في النيل تخفقه الأمواج, فأخذته بنت فرعون, فلما فتحت التابوت, فإذا هي بصبي, فلما اطلعت في وجهه برأت من البرص, فجاءت به إلى أمها, فقالت: إن هذا الصبيّ مبارك لما نظرت إليه برئت, فقال فرعون: هذا من صبيان بني إسرائيل, هلمّ حتى أقتله, فقالت: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ .وقال آخرون: عنى به أعوان فرعون.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: أصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كلّ غداة: فبينما هو جالس, إذ مرّ النيل بالتابوت يقذف به, وآسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلى جنبه, فقالت: إن هذا لشيء في البحر, فأتوني به, فخرج إليه أعوانه, حتى جاءوا به, ففتح التابوت فإذا فيه صبيّ في مهده, فألقى الله عليه محبته, وعطف عليه نفسه, قالت امرأته آسية: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا .ولا قول في ذلك عندنا أولى بالصواب مما قال الله عزّ وجلّ: (فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ)وقد بيَّنا معنى الآل فيما مضى بما فيه الكفاية من إعادته ههنا.وقوله: ( لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ) فيقول القائل: ليكون موسى لآل فرعون عدوّا وحَزنا فالتقطوه, فيقال: ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ) قيل: إنهم حين التقطوه لم يلتقطوه لذلك، بل لما تقدّم ذكره، ولكنه إن شاء الله كما حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق, في قوله: ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ) قال: ليكون في عاقبة أمره عدوّا وحزنا لما أراد الله به، وليس لذلك أخذوه, ولكن امرأة فرعون قالت: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ فكان قول الله: (ليكون لهم عدوّا وحزنا) لما هو كائن في عاقبة أمره لهم, وهو كقول الآخر إذا قَرَّعه لفعل، كان فعله وهو يحسب محسنا في فعله، فأداه فعله ذلك إلى مساءة مندِّما له على فعله: فعلت هذا لضرّ نفسك, ولتضرّ به نفسك فعلت. وقد كان الفاعل في حال فعله ذلك عند نفسه يفعله راجيا نفعه, غير أن العاقبة جاءت بخلاف ما كان يرجو. فكذلك قوله: ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ) إنما هو: فالتقطه آل فرعون ظنًّا منهم أنهم محسنون إلى أنفسهم, ليكون قرّة عين لهم, فكانت عاقبة التقاطهم إياه منه هلاكهم على يديه.وقوله: (عَدُوًّا وَحَزَنًا) يقول: يكون لهم عدوّا في دينهم, وحَزنًا على ما ينالهم منه من المكروه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ) عدوا لهم في دينهم, وحزنا لما يأتيهم.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: (وَحَزَنًا) بفتح الحاء والزاي. وقرأته عامة قرّاء الكوفة: " وَحُزْنًا " بضم الحاء وتسكين الزاي. والحَزَن بفتح الحاء والزاي مصدر من حزنت حزنا, والحُزْن بضم الحاء وتسكين الزاي الاسم: كالعَدَم والعُدْم، ونحوه.والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى, وهما على اختلاف اللفظ فيهما بمنزلة العَدَم, والعُدْم, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.وقوله: ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ) يقول تعالى ذكره: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا بربهم آثمين, فلذلك كان لهم موسى عَدُوّا وحَزَنا.------------------------الهوامش:(1) هذا بيتان من مشطور الرجز، لنقادة الأسدي، أوردهما في (اللسان: لقط) وأورد معهما بيتًا ثالثا، وهو * إلا الحمام الورق والغطاط *قال: ولقيته التقاطًا: إذا لقيته من غير أن ترجوه أو تحسبه؛ قال نقادة الأسدي: "ومنهل وردته.." الأبيات الثلاثة: وقال سيبويه: التقاطا: أي فجأة، وهو من المصادر التي وقعت أحوالا، نحو جاء ركضا. ووردت الماء والشيء التقاطا: إذا هجمت عليه بغتة، ولم تحتسبه. وحكى ابن الأعرابي: لقيته لقاطًا: مواجهة. وفي حديث عمر أن رجلا من تميم التقط شبكة، فطلب أن يجعلها له. الشبكة: الآبار القريبة الماء. والتقاطه: عثوره عليها من غير طلب. اه. وقال في (فرط): وفراطا القطا: متقدماتها إلى الوادي والماء. وأنشد البيت ونسبه إلى نقادة الأسدي. (وفي غطط): والغطاط القطا، بفتح الغين. وقيل: ضرب من القطا، واحدته:غطاطة. وقيل القطا: ضربان؛ فالقصار الأرجل، الصفر الأعناق، السود القوام. الصهب الخوافي هي الكدرية والجونية (بضم أولهما) والطوال الأرجل، البيض البطون، الغبر الظهور، الواسعة العيون: هي الغطاط. وقيل: الغطاط: ضرب من الطير، ليس من القطا، هن غبر البطون والظهور والأبدان، سود الأجنحة. وقيل: سود بطون الأجنحة، طوال الأرجل والأعناق، لطاف. اه. وانظر أقوالا أخرى في (اللسان: غطط). والبيت الأول في (معجم ما استعجم للبكري طبعة القاهرة بترتيب مصطفى السقا ص 779). وفي الكتاب لسيبويه (1: 186).
﴿ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ﴾