القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 81 سورة التوبة - فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا

سورة التوبة الآية رقم 81 : سبع تفاسير معتمدة

سورة فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا - عدد الآيات 129 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 81 من سورة التوبة عدة تفاسير - سورة التوبة : عدد الآيات 129 - - الصفحة 200 - الجزء 10.

سورة التوبة الآية رقم 81


﴿ فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ ﴾
[ التوبة: 81]

﴿ التفسير الميسر ﴾

فرح المخلفون الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقعودهم في (المدينة) مخالفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرهوا أن يجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وقال بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحرِّ، وكانت غزوة (تبوك) في وقت شدة الحرِّ. قل لهم -أيها الرسول-: نار جهنم أشد حرًا، لو كانوا يعلمون ذلك.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«فرح المخلَّفون» عن تبوك «بمقعدهم» أي بقعودهم «خلاف» أي بعد «رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا» أي قال بعضهم لبعض «لا تنفروا» تخرجوا إلى الجهاد «في الحر قل نار جهنم أشدُّ حرا» من تبوك فالأولى أن يتقوها بترك التخلف «لو كانوا يفقهون» يعلمون ذلك ما تخلفوا.

﴿ تفسير السعدي ﴾

يقول تعالى مبينا تبجح المنافقين بتخلفهم وعدم مبالاتهم بذلك، الدال على عدم الإيمان، واختيار الكفر على الإيمان‏.
‏‏‏فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ‏‏ وهذا قدر زائد على مجرد التخلف، فإن هذا تخلف محرم، وزيادة رضا بفعل المعصية، وتبجح به‏.
‏‏‏وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏‏ وهذا بخلاف المؤمنين الذين إذا تخلفوا ولو لعذر حزنوا على تخلفهم وتأسفوا غاية الأسف، ويحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه، لما في قلوبهم من الإيمان، ولما يرجون من فضل اللّه وإحسانه وبره وامتنانه‏.
‏‏‏وَقَالُوا‏‏ أي‏:‏ المنافقون ‏‏لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ‏‏ أي‏:‏ قالوا إن النفير مشقة علينا بسبب الحر، فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الأبدية التامة‏.
‏وحذروا من الحر الذي يقي منه الظلال، ويذهبه البكر والآصال، على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره، وهو النار الحامية‏.
‏ولهذا قال‏:‏ ‏‏قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ‏‏ لما آثروا ما يفنى على ما يبقى، ولما فروا من المشقة الخفيفة المنقضية، إلى المشقة الشديدة الدائمة‏.


﴿ تفسير البغوي ﴾

( فرح المخلفون ) عن غزوة تبوك .
والمخلف : المتروك ( بمقعدهم ) أي بقعودهم ( خلاف رسول الله ) قال أبو عبيدة : أي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقيل : مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار وأقاموا ، ( وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر ) وكانت غزوة تبوك في شدة الحر ، ( قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ) يعلمون وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

وقوله: «المخلفون» اسم مفعول مأخوذ من قولهم خلف فلان فلانا وراءه إذا تركه خلفه.
والمراد بهم: أولئك المنافقون الذين تخلفوا عن الخروج إلى غزوة تبوك بسبب ضعف إيمانهم، وسقوط همتهم، وسوء نيتهم.
.
قال الجمل: وقوله خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر مدلول عليه بقوله «مقعدهم» لأنه في معنى تخلفوا أى: تخلفوا خلاف رسول الله.
الثاني: أن خلاف مفعول لأجله والعامل فيه إما فرح وإما مقعد.
أى: فرحوا لأجل مخالفتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث مضى هو للجهاد وتخلفوا هم عنه.
أو بقعودهم لمخالفتهم له، وإليه ذهب الطبري والزجاج، ويؤيد ذلك قراءة من قرأ: «خلف رسول الله» - بضم الخاء واللام، الثالث: أن ينتصب على الظرف.
أى بعد رسول الله، يقال:أقام زيد خلاف القوم، أى: تخلف بعد ذهابهم، وخلاف يكون ظرفا، وإليه ذهب أبو عبيدة وغيره، ويؤيد هذا قراءة ابن عباس، وأبى حيوه، وعمرو بن ميمون، «خلف رسول الله» - بفتح الخاء وسكون اللام .
والمعنى: فرح المخلفون: من هؤلاء المنافقين، بسبب قعودهم في المدينة، وعدم خروجهم إلى تبوك للجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وكرهوا أن يبذلوا شيئا من أموالهم وأنفسهم من أجل إعلاء كلمة الله.
وإنما فرحوا بهذا القعود، وكرهوا الجهاد لأنهم قوم خلت قلوبهم من الإيمان بالله واليوم الآخر، وهبطت نفوسهم عن الارتفاع إلى معالى الأمور، وآثروا الدنيا وشهواتها الزائلة على الآخرة ونعيمها الباقي.
وفي التعبير بقوله: الْمُخَلَّفُونَ تحقير لهم، وإهمال لشأنهم، حتى لكأنهم شيء من سقط المتاع الذي يخلف ويترك ويهمل لأنه لا قيمة له، أو لأن ضرره أكبر من نفعه.
قال الآلوسى: وإيثار ما في النظم الكريم على أن يقال، وكرهوا أن يخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذان بأن الجهاد في سبيل الله مع كونه من أجل الرغائب التي ينبغي أن يتنافس فيها المتنافسون، قد كرهوه، كما فرحوا بأقبح القبائح وهو القعود خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الكلام تعريض بالمؤمنين الذين آثروا ذلك وأحبوه».
وقوله: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ حكاية لأقوالهم التي تدل على ضعفهم وجبنهم، وعلى أنهم قوم لا يصلحون للأعمال التي يصلح لها الرجال.
أى.
وقال هؤلاء المنافقون المخلفون لغيرهم، اقعدوا معنا في المدينة، ولا تخرجوا للجهاد مع المؤمنين، فإن الحر شديد، والسفر طويل، وقعودكم يريحكم من هذه المتاعب، ويحمل غيرنا وغيركم على القعود معنا ومعكم، وبذلك ننال بغيتنا من تثبيط همة المجاهدين عن الجهاد في سبيل الله.
وقوله: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا رد على أقولهم القبيحة، وأفعالهم الخبيثة، أى، قل يا محمد لهؤلاء المنافقين على سبيل التهكم بهم، والتحقير من شأنهم: نار جهنم أشد حرا من هذا الحر الذي تخشونه وترونه مانعا من النفير بل هي أشد حرا من نار الدنيا .
.
.
روى الإمام مالك عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال:«نار بنى آدم التي توقدونها.
جزء من سبعين جزءا من نار جهنم.
.
.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال: وقوله: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا استجهال لهم، لأن من تصون مشقة ساعة، فوقع بسبب ذلك التصون في مشقة الأبد، كان أجهل من كل جاهل، ولبعضهم:مسرة أحقاب تلقيت بعدها .
.
.
مساءة يوم أريها شبه الصابفكيف بأن تلقى مسرة ساعة .
.
.
وراء تقضيها مساءة أحقابأى: أن حزن يوم واحد يجعل المسرات الطويلة قبله تتحول إلى ما يشبه الصاب مرارة، فكيف يكون الحال إذا كانت المسرات ساعة واحدة تعقبها أحقاب طويلة من المساءات؟!!.
وقوله: لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ تذييل قصد به الزيادة في توبيخهم وتحقيرهم.
أى: لو كانوا يفقهون أن نار جهنم أشد حرا ويعتبرون بذلك، لما فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، ولما كرهوا الجهاد، ولما قالوا ما قالوا، بل لحزنوا واكتأبوا على ما صدر منهم، ولبادروا بالتوبة والاستغفار، كما فعل أصحاب القلوب والنفوس النقية من النفاق والشقاق.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

يقول تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، وفرحوا بمقعدهم بعد خروجه ، ( وكرهوا أن يجاهدوا ) معه ( بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا ) أي : بعضهم لبعض : ( لا تنفروا في الحر ) ؛ وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان في شدة الحر ، عند طيب الظلال والثمار ، فلهذا قالوا ( لا تنفروا في الحر ) قال الله تعالى لرسوله : ( قل ) لهم : ( نار جهنم ) التي تصيرون إليها بسبب مخالفتكم ( أشد حرا ) مما فررتم منه من الحر ، بل أشد حرا من النار ، كما قال الإمام مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : نار بني آدم التي يوقدون بها جزء من سبعين جزءا [ من نار جهنم فقالوا : يا رسول الله ، إن كانت لكافية . قال : إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا ] أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك ، به .وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، وضربت بالبحر مرتين ، ولولا ذلك ما جعل [ الله ] فيها منفعة لأحد وهذا أيضا إسناده صحيح .وقد روى الإمام أبو عيسى الترمذي وابن ماجه ، عن عباس الدوري ، عن يحيى بن أبي بكير عن شريك ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ، فهي سوداء كالليل المظلم . ثم قال الترمذي : لا أعلم أحدا رفعه غير يحيى .كذا قال . وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه عن إبراهيم بن محمد ، عن محمد بن الحسين بن مكرم ، عن عبيد الله بن سعد عن عمه ، عن شريك - وهو ابن عبد الله النخعي - به . وروى أيضا ابن مردويه من رواية مبارك بن فضالة ، عن ثابت ، عن أنس قال : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( نارا وقودها الناس والحجارة ) [ التحريم : 6 ] قال : أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ، وألف عام حتى احمرت ، وألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء كالليل ، لا يضيء لهبها .وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني من حديث تمام بن نجيح - وقد اختلف فيه - عن الحسن ، عن أنس مرفوعا : لو أن شرارة بالمشرق - أي من نار جهنم - لوجد حرها من بالمغرب .وروى الحافظ أبو يعلى عن إسحاق بن أبي إسرائيل ، عن أبي عبيدة الحداد ، عن هشام بن حسان عن محمد بن شبيب ، عن جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو كان هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون ، وفيهم رجل من أهل النار فتنفس فأصابهم نفسه ، لاحترق المسجد ومن فيه غريب .وقال الأعمش عن أبي إسحاق ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لمن له نعلان وشراكان من نار ، يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ، لا يرى أحدا من أهل النار أشد عذابا منه ، وإنه أهونهم عذابا . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث الأعمش .وقال مسلم أيضا : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا زهير بن محمد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أدنى أهل النار عذابا يوم القيامة ينتعل بنعلين من نار ، يغلي دماغه من حرارة نعليه .وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان ، سمعت أبي ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أدنى أهل النار عذابا رجل يجعل له نعلان يغلي منهما دماغه .وهذا إسناد جيد قوي ، رجاله على شرط مسلم ، والله أعلم .والأحاديث والآثار النبوية في هذا كثيرة ، وقال الله تعالى في كتابه العزيز : ( كلا إنها لظى نزاعة للشوى ) [ المعارج : 15 ، 16 ] وقال تعالى : ( يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ) [ الحج : 19 - 22 ] وقال تعالى : ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) [ النساء : 56 ] .وقال تعالى في هذه الآية الكريمة [ الأخرى ] ( قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ) أي : لو أنهم يفقهون ويفهمون لنفروا مع الرسول في سبيل الله في الحر ، ليتقوا به حر جهنم ، الذي هو أضعاف أضعاف هذا ، ولكنهم كما قال الآخر :كالمستجير من الرمضاء بالناروقال الآخر :عمرك بالحمية أفنيته مخافة البارد والحاروكان أولى بك أن تتقي من المعاصي حذر النار

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهونقوله تعالى فرح المخلفون بمقعدهم أي بقعودهم .
قعد قعودا ومقعدا ; أي جلس .
وأقعده غيره ; عن الجوهري .
والمخلف المتروك ; أي خلفهم الله وثبطهم ، أو خلفهم رسول الله والمؤمنون لما علموا تثاقلهم عن الجهاد ; قولان ، وكان هذا في غزوة تبوك .
خلاف رسول الله مفعول من أجله ، وإن شئت كان مصدرا .
والخلاف المخالفة .
ومن قرأ " خلف رسول الله " أراد التأخر عن الجهاد .
وقالوا لا تنفروا في الحر أي قال بعضهم لبعض ذلك .
قل نار جهنم قل لهم يا محمد نار جهنم .
( أشد حرا لو كانوا يفقهون ) ابتداء وخبر .
( حرا ) نصب على البيان ; أي من ترك أمر الله تعرض لتلك النار .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فرح الذين خلَّفهم الله عن الغزو مع رسوله والمؤمنين به وجهاد أعدائه =(بمقعدهم خلاف رسول الله)، يقول: بجلوسهم في منازلهم (7) =(خلاف رسول الله)، يقول: على الخلاف لرسول الله في جلوسه ومقعده.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالنَّفْر إلى جهاد أعداء الله, فخالفوا أمْرَه وجلسوا في منازلهم.
* * *وقوله: (خِلاف)، مصدر من قول القائل: " خالف فلان فلانًا فهو يخالفه خِلافًا "، فلذلك جاء مصدره على تقدير " فِعال ", كما يقال: " قاتله فهو يقاتله قتالا ", ولو كان مصدرًا من " خَلَفه " لكانت القراءة: " بمقعدهم خَلْفَ رسول الله ", لأن مصدر: " خلفه "، " خلفٌ" لا " خِلاف ", ولكنه على ما بينت من أنه مصدر: " خالف "، فقرئ: (خلاف رسول الله)، وهي القراءة التي عليها قرأة الأمصار, وهي الصواب عندنا.
* * *وقد تأول بعضهم ذلك بمعنى: " بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ", (8) واستشهد على ذلك بقول الشاعر: (9)عَقَبَ الرَّبِيعُ خِلافَهُمْ فَكَأَنَّمَابَسَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَا (10)وذلك قريبٌ لمعنى ما قلنا, لأنهم قعدوا بعده على الخلافِ له.
* * *وقوله: (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله)، يقول تعالى ذكره: وكره هؤلاء المخلفون أن يغزُوا الكفار بأموالهم وأنفسهم (11) =(في سبيل الله)، يعني: في دين الله الذي شرعه لعباده لينصروه, (12) ميلا إلى الدعة والخفض, وإيثارًا للراحة على التعب والمشقة, وشحًّا بالمال أن ينفقوه في طاعة الله.
* * *=(وقالوا لا تنفروا في الحر)، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفرهم إلى هذه الغزوة, وهي غزوة تبوك، في حرّ شديدٍ, (13) فقال المنافقون بعضهم لبعض: " لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ"، فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) لهم، يا محمد =(نار جهنم)، التي أعدّها الله لمن خالف أمره وعصى رسوله =(أشد حرًّا)، من هذا الحرّ الذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا فيه.
يقول: الذي هو أشد حرًا، أحرى أن يُحذر ويُتَّقى من الذي هو أقلهما أذًى =(لو كانوا يفقهون)، يقول: لو كان هؤلاء المنافقون يفقهون عن الله وعظَه، ويتدبَّرون آي كتابه, (14) ولكنهم لا يفقهون عن الله, فهم يحذرون من الحرّ أقله مكروهًا وأخفَّه أذًى, ويواقعون أشدَّه مكروهًا (15) وأعظمه على من يصلاه بلاءً.
* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:17033- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله)، إلى قوله: (يفقهون)، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَ الناس أن ينبعثوا معه, وذلك في الصيف, فقال رجال: يا رسول الله, الحرُّ شديدٌ، ولا نستطيع الخروجَ, فلا تنفر في الحرّ ! فقال الله: (قل نار جهنم أشد حرًّا لو كانوا يفقهون)، فأمره الله بالخروج.
17034- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتاده في قوله: (بمقعدهم خلاف رسول الله)، قال: هي غزوة تبوك.
(16)17035- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر, عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرٍّ شديدٍ إلى تبوك, فقال رجل من بني سَلِمة: لا تنفروا في الحرّ ! فأنزل الله: (قل نار جهنم)، الآية.
17036- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال: [ثم] ذكر قول بعضهم لبعض, حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد, وأجمع السير إلى تبوك، على شدّة الحرّ وجدب البلاد.
يقول الله جل ثناؤه: (وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرًّا).
(17)------------------------الهوامش :(7) انظر تفسير "القعود" فيما سلف 9 : 85 14 : 277.
(8) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1 : 264 .
(9) هو الحارث بن خالد المخزومي.
(10) الأغاني 3 : 336 (دار الكتب) 15 : 128 (ساسي) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 264 ، واللسان (عقب) ، (خلف) ، من قصيدة روى بعضها أبو الفرج في أغانيه ، يقوله في عائشة بنت طلحة تعريضًا ، وتصريحًا ببسرة جاريتها ، يقول قبله :يَا رَبْع بُسرَةَ إن أضَرَّ بِكَ البِلَىفَلَقد عَهِدتُكَ آهلا مَعْمورًاورواية أبي الفرج " عقب الرذاذ " ، و " الرذاذ " صغار المطر .
وأما " الربيع " ، فهو المطر الذي يكون في الربيع .
قال أبو الفرج الأصبهاني : " وقوله : عقب الرذاذ ، يقول : جاء الرذاذ بعده .
ومنه يقال : عقب لفلان غنى بعد فقر = وعقب الرجل أباه : إذا قام بعده مقامه .
وعواقب الأمور ، مأخوذة منه ، واحدتها عاقبة .
.
.
والشواطب : النساء اللواتي يشطبن لحاء السعف ، يعملن منه الحصر .
ومنه السيف المشطب ، والشطبية : الشعبة من الشيء .
ويقال : بعثنا إلى فلان شطبية من خيلنا ، أي : قطعة " .
قلت : وإنما وصف آثار الغيث في الديار ، فشبه أرضها بالحصر المنمقة ، للطرائق التي تبقى في الرمل بعد المطر.
(11) انظر تفسير " الجهاد " فيما سلف ص : 358 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(12) انظر تفسير " سبيل الله " فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .
(13) انظر تفسير " النفر " فيما سلف 58 : 536 14 : 251 ، 254 .
(14) انظر تفسير "فقه" فيما سلف ص : 51 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.
(15) في المطبوعة والمخطوطة : " ويوافقون أشده مكروهًا " ، وهو خطأ من الناسخ ، والصواب ما أثبت .
(16) في المطبوعة: "من عزوة تبوك"، والصواب ما في المخطوطة .
(17) الأثر : 17036 - سيرة ابن هشام 4 : 196، وهو تابع الأثر السالف رقم : 17012 .
والزيادة بين القوسين منه.

﴿ فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ﴾

قراءة سورة التوبة

المصدر : تفسير : فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا