القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 83 سورة البقرة - وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون

سورة البقرة الآية رقم 83 : سبع تفاسير معتمدة

سورة وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون - عدد الآيات 286 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 83 من سورة البقرة عدة تفاسير - سورة البقرة : عدد الآيات 286 - - الصفحة 12 - الجزء 1.

سورة البقرة الآية رقم 83


﴿ وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ ﴾
[ البقرة: 83]

﴿ التفسير الميسر ﴾

واذكروا يا بني إسرائيل حين أخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا: بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له، وأن تحسنوا للوالدين، وللأقربين، وللأولاد الذين مات آباؤهم وهم دون بلوغ الحلم، وللمساكين، وأن تقولوا للناس أطيب الكلام، مع أداء الصلاة وإيتاء الزكاة، ثم أَعْرَضْتم ونقضتم العهد -إلا قليلا منكم ثبت عليه- وأنتم مستمرون في إعراضكم.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«و» اذكر «إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل» في التوراة وقلنا «لا تعبدون» بالتاء والياء «إلا الله» خبر بمعنى النهي، وقرئ: لا تعبدوا «و» أحسنوا «بالوالدين إحساناً» براً «وذي القربى» القرابة عطف على الوالدين «واليتامى والمساكين وقولوا للناس» قولا «حسناً» من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في شأن محمد والرفق بهم، وفي قراءة بضم الحاء وسكون السين مصدر وصف به مبالغة «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة» فقبلتم ذلك «ثم تولَّيتم» أعرضتم عن الوفاء به، فيه التفات عن الغيبة والمراد آباؤهم «إلا قليلا منكم وأنتم معرضون» عنه كآبائكم.

﴿ تفسير السعدي ﴾

وهذه الشرائع من أصول الدين, التي أمر الله بها في كل شريعة, لاشتمالها على المصالح العامة, في كل زمان ومكان, فلا يدخلها نسخ, كأصل الدين، ولهذا أمرنا بها في قوله: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا إلى آخر الآية.
فقوله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ هذا من قسوتهم أن كل أمر أمروا به, استعصوا؛ فلا يقبلونه إلا بالأيمان الغليظة, والعهود الموثقة لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ هذا أمر بعبادة الله وحده, ونهى عن الشرك به، وهذا أصل الدين, فلا تقبل الأعمال كلها إن لم يكن هذا أساسها, فهذا حق الله تعالى على عباده, ثم قال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا أي: أحسنوا بالوالدين إحسانا، وهذا يعم كل إحسان قولي وفعلي مما هو إحسان إليهم، وفيه النهي عن الإساءة إلى الوالدين, أو عدم الإحسان والإساءة، لأن الواجب الإحسان, والأمر بالشيء نهي عن ضده.
وللإحسان ضدان: الإساءة, وهي أعظم جرما، وترك الإحسان بدون إساءة, وهذا محرم, لكن لا يجب أن يلحق بالأول، وكذا يقال في صلة الأقارب واليتامى, والمساكين، وتفاصيل الإحسان لا تنحصر بالعد, بل تكون بالحد, كما تقدم.
ثم أمر بالإحسان إلى الناس عموما فقال: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف, ونهيهم عن المنكر, وتعليمهم العلم, وبذل السلام, والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب.
ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله, أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق, وهو الإحسان بالقول, فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار, ولهذا قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به عباده, أن يكون الإنسان نزيها في أقواله وأفعاله, غير فاحش ولا بذيء, ولا شاتم, ولا مخاصم، بل يكون حسن الخلق, واسع الحلم, مجاملا لكل أحد, صبورا على ما يناله من أذى الخلق, امتثالا لأمر الله, ورجاء لثوابه.
ثم أمرهم بإقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة, لما تقدم أن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود, والزكاة متضمنة للإحسان إلى العبيد.
ثُمَّ بعد هذا الأمر لكم بهذه الأوامر الحسنة التي إذا نظر إليها البصير العاقل, عرف أن من إحسان الله على عباده أن أمرهم بها,, وتفضل بها عليهم وأخذ المواثيق عليكم تَوَلَّيْتُمْ على وجه الإعراض، لأن المتولي قد يتولى, وله نية رجوع إلى ما تولى عنه، وهؤلاء ليس لهم رغبة ولا رجوع في هذه الأوامر، فنعوذ بالله من الخذلان.
وقوله: إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ هذا استثناء, لئلا يوهم أنهم تولوا كلهم، فأخبر أن قليلا منهم, عصمهم الله وثبتهم.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله تعالى: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل في التوراة، والميثاق العهد الشديد.
لا تعبدون إلا الله قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (لا يعبدون) بالياء وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى: وقولوا للناس حسناً معناه ألا تعبدوا فلما حذف أن صار الفعل مرفوعاً، وقرأ أُبي بن كعب: "لا تعبدوا إلا الله على النهي".
وبالوالدين إحساناً أي ووصيناهم بالوالدين إحساناً، براً بهما وعطفاً عليهما ونزولاً عند أمرهما، فيما لا يخالف أمر الله تعالى.
وذي القربى أي وبذي القرابة، والقربى مصدر كالحسنى.
واليتامى جمع يتيم وهو الطفل الذي لا أب له.
والمساكين يعني الفقراء.
وقولوا للناس حسناً "صدقاً وحقاً في شأن محمد صلى الله عليه وسلم فمن سألكم عنه فاصدقوه وبينوا صفته ولاتكتموا أمره" هذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير وابن جريج ومقاتل.
وقال سفيان الثوري: "مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر.
وقيل: هو اللين في القول والمعاشرة بحسن الخلق.
وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب: حسناً بفتح الحاء والسين أي قولاً حسناً.
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم أعرضتم عن العهد والميثاق.
إلا قليلاً منكم وذلك أن قوماً منهم آمنوا.
وأنتم معرضون كإعراض آبائكم.

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم تحدث القرآن بعد ذلك عن رذيلة من أبرز الرذائل التي طبع عليها بنو إسرائيل ، وهي رذيلة نقضهم للعهود والمواثيق فقال تعالى :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله وبالوالدين .
.
.
)ومعنى الآية إجمالا: واذكروا يا بنى إسرائيل لتعتبروا وتستجيبوا للحق- وليذكر معكم كل من ينتفع بالذكرى- وقت أن أخذنا عليكم العهد، وأمرناكم بالعمل به على لسان رسلنا- عليهم السلام- وأمرناكم فيه بألا تعبدوا سوى الله، وأمرناكم فيه كذلك، بأن تحسنوا إلى آبائكم وتقوموا بأداء ما أوجبه الله لهما من حقوق، وأن تصلوا أقرباءكم وتعطفوا على اليتامى الذين فقدوا آباءهم، وعلى المساكين الذين لا يملكون ما يكفيهم في حياتهم، وأمرناكم فيه- أيضا- بأن تقولوا للناس قولا حسنا فيه صلاحهم ونفعهم، وأن تحافظوا على فريضة الصلاة، وتؤدوا بإخلاص ما أوجبه الله عليكم من زكاة، ولكنكم نقضتم أنتم وأسلافكم الميثاق، وأعرضتم عنه، إلا قليلا منكم استمروا على رعايته والعمل بموجبه.
والمراد ببني إسرائيل في الآية الكريمة، سلفهم وخلفهم، لأن هذه الأوامر والنواهي التي تناولتها الآية الكريمة، والتي هي مضمون العهد المأخوذ عليهم، قد أخذت عليهم جميعا على لسان أنبيائهم ورسلهم.
والدليل على أن المقصود ببني إسرائيل ما يتناول الخلف المعاصرين منهم للعهد النبوي، قوله تعالى في ختام هذه الآية ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ فإنه قد أسند إليهم فيه أنهم تولوا عن الميثاق معرضين، والاعراض عنه لا يكون إلا بعد أخذه عليهم كما سيأتى.
وقوله تعالى لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً .
.
.
إلى قوله تعالى ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ .
.
.
بيان للميثاق وتفصيل له.
وجاء التعبير بقوله تعالى لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ في صورة الخبر المنفي والمراد منه النهى عن عبادة غير الله، لإفادة المبالغة والتأكيد، فكأن الأمر والنهى قد امتثلا فيخبر بوقوعها، أو أنهما لأهمّيّتهما يخبر عنهما بأنهما سيتلقيان بحسن الطاعة حتما، فينزل ما يجب وقوعه منزلة الواقع، ويخبر عن المأمور بأنه فاعل لما أمر به ومجتنب لما نهى عنه في الحال، وفي ذلك ما فيه من إفادة المبالغة في وجوب امتثال الأمر والنهى.
وقد تضمنت الآية الكريمة لونا فريدا من التوجيه المحكم الذي لو اتبعوه لحسنت صلتهم مع الخالق والمخلوق، لأنها ابتدأت بأمرهم بأعلى الحقوق وأعظمها وهو حق الله- تعالى- عليهم، بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم ثنت ببيان حقوق الناس فبدأت بأحقهم بالإحسان وهما الوالدان لما لهما من فضل الولادة والعطف والتربية، ثم الأقارب الذين تجمع الناس بهم صلة قرابة من جهة الأب والأم، ورعايتهم تكون بالقيام بما يحتاجون إليه على قدر الاستطاعة، ثم باليتامى لأنهم في حاجة إلى العون بعد أن فقدوا الأب الحانى، ثم بالمساكين لعجزهم عن كسب ما يكفيهم، ثم بالإحسان إلى سائر الناس عن طريق الكلمة الطيبة، والمعاملة الحسنة، لأن الناس إن لم يكونوا في حاجة إلى المال، فهم في حاجة إلى حسن المقال، ثم أرشدتهم إلى العبادات التي تعينهم على إحسان صلتهم بالخالق والمخلوق فأمرتهم بالمداومة على الصلاة بخشوع وإخلاص، وبالمحافظة على أداء الزكاة بسخاء وطيب خاطر، ولعظم شأن هاتين العبادتين البدنية والمالية ذكرتا على وجه خاص بعد الأمر بعبادة الله، تفخيما لشأنهما وتوكيدا لأمرهما، وكان من الواجب على بنى إسرائيل أن ينتفعوا بهذه الأوامر الحكيمة، لكنهم عموا وصموا عنها فوبخهم القرآن الكريم بقوله: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ.
أى: ثم توليتم- أيها اليهود- عن جميع ما أخذ عليكم من مواثيق فأشركتم بالله وعققتم الوالدين، وأسأتم إلى الأقارب واليتامى والمساكين وقلتم للناس أفحش الأقوال، وتركتم الصلاة، ومنعتم الزكاة، وقطعتم ما أمر الله به أن يوصل.
وقوله تعالى: إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ إنصاف لمن حافظ على العهد منهم، حيث إنه لا تخلو أمة من المخلصين الذين يرعون العهود، ويتبعون الحق، وإرشاد للناس إلى أن وجود عدد قليل من المخلصين في الأمة، لا يمنع نزول العقاب بها متى فشا المنكر في الأكثرين منها.
وقوله تعالى: وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ جملة حالية تفيد أن الأعراض عن الطاعة، وعدم التقيد بالمواثيق التي أقروا بها، عادة متأصلة فيهم ووصف ثابت لهم، وسجية معروفة منهم.
قال صاحب المنار: «قد يتولى الإنسان منصرفا عن شيء وهو عازم على أن يعود إليه ويوفيه حقه، فليس كل متول عن شيء معرضا عنه ومهملا له على طول الدوام، لذلك كان ذكر هذا القيد «وأنتم معرضون لازما لا بد منه، وليس تكرارا كما يتوهم، ثم قال: وقد كان سبب ذلك التولي مع الإعراض أن الله أمرهم ألا يأخذوا الدين إلا من كتابه فاتخذوا أحبارهم أربابا من دون الله، يحلون برأيهم ويحرمون، ويبيحون باجتهادهم ويحظرون ويزيدون في الشرائع والأحكام ويضعون ما شاءوا من الشعائر فصدق عليهم أنهم اتخذوا من دونه شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، فإن الله هو الذي يضع الدين وحده وإنما العلماء أدلاء يستعان بهم على فهم كتابه، وما شرع على ألسنة رسله .
.
.
»وخلاصة الفرق بين التفسير الذي بدأنا به وبين تفسير صاحب المنار، لقوله تعالى: وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ أن هذه الجملة على التفسير الأول تبين عادة في القوم تأصلت فيهم حتى كأنها سجية، والمعنى: «ثم توليتم، أى أعرضتم وأنتم قوم عادتكم الإعراض.
وعلى تفسير صاحب المنار تكون هذه الجملة مبينة.
لنوع التولي ومتممة لمعناه: والتفسير الأول- الذي سقناه- أدخل في باب الذم، وأوفى ببيان ما عليه حال اليهود.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

ذكر تبارك وتعالى بني إسرائيل بما أمرهم به من الأوامر ، وأخذ ميثاقهم على ذلك ، وأنهم تولوا عن ذلك كله ، وأعرضوا قصدا وعمدا ، وهم يعرفونه ويذكرونه ، فأمرهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا . وبهذا أمر جميع خلقه ، ولذلك خلقهم كما قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] وقال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) [ النحل : 36 ] وهذا هو أعلى الحقوق وأعظمها ، وهو حق الله تعالى ، أن يعبد وحده لا شريك له ، ثم بعده حق المخلوقين ، وآكدهم وأولاهم بذلك حق الوالدين ، ولهذا يقرن الله تعالى بين حقه وحق الوالدين ، كما قال تعالى : ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) [ لقمان : 14 ] وقال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) الآية إلى أن قال : ( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ) [ الإسراء : 23 - 26 ] وفي الصحيحين ، عن ابن مسعود ، قلت : يا رسول الله ، أي العمل أفضل ؟ قال : " الصلاة على وقتها " . قلت : ثم أي ؟ قال : " بر الوالدين " . قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " . ولهذا جاء في الحديث الصحيح : أن رجلا قال : يا رسول الله ، من أبر ؟ قال : " أمك " . قال : ثم من ؟ قال : " أمك " . قال : ثم من ؟ قال : " أباك . ثم أدناك أدناك " .[ وقوله : ( لا تعبدون إلا الله ) قال الزمخشري : خبر بمعنى الطلب ، وهو آكد . وقيل : كان أصله : ألا تعبدوا كما قرأها بعض السلف فحذفت أن فارتفع ، وحكي عن أبي وابن مسعود ، رضي الله عنهما ، أنهما قرآها : " لا تعبدوا إلا الله " . وقيل : ( لا تعبدون ) مرفوع على أنه قسم ، أي : والله لا تعبدون إلا الله ، ونقل هذا التوجيه القرطبي في تفسيره عن سيبويه . وقال : اختاره المبرد والكسائي والفراء ] .قال : ( واليتامى ) وهم : الصغار الذين لا كاسب لهم من الآباء . [ وقال أهل اللغة : اليتيم في بني آدم من الآباء ، وفي البهائم من الأم ، وحكى الماوردي أن اليتيم أطلق في بني آدم من الأم أيضا ] ( والمساكين ) الذين لا يجدون ما ينفقون على أنفسهم وأهليهم ، وسيأتي الكلام على هذه الأصناف عند آية النساء ، التي أمرنا الله تعالى بها صريحا في قوله : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ) الآية [ النساء : 36 ] .وقوله تعالى : ( وقولوا للناس حسنا ) أي : كلموهم طيبا ، ولينوا لهم جانبا ، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف ، كما قال الحسن البصري في قوله : ( وقولوا للناس حسنا ) فالحسن من القول : يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويحلم ، ويعفو ، ويصفح ، ويقول للناس حسنا كما قال الله ، وهو كل خلق حسن رضيه الله .وقال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا أبو عامر الخزاز ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تحقرن من المعروف شيئا ، وإن لم تجد فالق‏ أخاك بوجه منطلق " .وأخرجه مسلم في صحيحه ، والترمذي [ وصححه ] من حديث أبي عامر الخزاز ، واسمه صالح بن رستم ، به .وناسب أن يأمرهم بأن يقولوا للناس حسنا ، بعد ما أمرهم بالإحسان إليهم بالفعل ، فجمع بين طرفي الإحسان الفعلي والقولي . ثم أكد الأمر بعبادته والإحسان إلى الناس بالمعين من ذلك ، وهو الصلاة والزكاة ، فقال : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) وأخبر أنهم تولوا عن ذلك كله ، أي : تركوه وراء ظهورهم ، وأعرضوا عنه على عمد بعد العلم به ، إلا القليل منهم ، وقد أمر تعالى هذه الأمة بنظير ذلك في سورة النساء ، بقوله : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) [ النساء : 36 ]فقامت هذه الأمة من ذلك بما لم تقم به أمة من الأمم قبلها ، ولله الحمد والمنة .ومن النقول الغريبة هاهنا ما ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره :حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ، حدثنا عبد الله بن يوسف يعني التنيسي حدثنا خالد بن صبيح ، عن حميد بن عقبة ، عن أسد بن وداعة : أنه كان يخرج من منزله فلا يلقى يهوديا ولا نصرانيا إلا سلم عليه ، فقيل له : ما شأنك ؟ تسلم على اليهودي والنصراني . فقال : إن الله يقول : ( وقولوا للناس حسنا ) وهو : السلام . قال : وروي عن عطاء الخراساني ، نحوه .قلت : وقد ثبت في السنة أنهم لا يبدؤون بالسلام ، والله أعلم .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضونفيه عشر مسائل : الأولى : قوله تعالى : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل تقدم الكلام في بيان هذه الألفاظ .
واختلف في الميثاق هنا ، فقال مكي : هو الميثاق الذي أخذ عليهم حين أخرجوا من صلب آدم كالذر .
وقيل : هو ميثاق أخذ عليهم وهم عقلاء في حياتهم على ألسنة أنبيائهم وهو قوله : لا تعبدون إلا الله وعبادة الله إثبات توحيده ، وتصديق رسله ، والعمل بما أنزل في كتبه .
الثانية : قوله تعالى : لا تعبدون قال سيبويه : لا تعبدون متعلق بقسم ، والمعنى وإذ استخلفناهم والله لا تعبدون ، وأجازه المبرد والكسائي والفراء .
وقرأ أبي وابن مسعود " لا تعبدوا " على النهي ، ولهذا وصل الكلام بالأمر فقال : " وقوموا ، وقولوا ، وأقيموا ، وآتوا " .
وقيل : هو في موضع الحال ، أي أخذنا ميثاقهم موحدين ، أو غير معاندين ، قاله قطرب والمبرد أيضا .
وهذا إنما يتجه على قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي " يعبدون " بالياء من أسفل .
وقال الفراء والزجاج وجماعة : المعنى أخذنا ميثاقهم بألا يعبدوا إلا الله ، وبأن يحسنوا للوالدين ، وبألا يسفكوا الدماء ، ثم حذفت أن والباء فارتفع الفعل لزوالهما ، كقوله تعالى : أفغير الله تأمروني .
قال المبرد : هذا خطأ ; لأن كل ما أضمر في العربية فهو يعمل عمله مظهرا ، تقول : وبلد قطعت ، أي رب بلد .
قلت : ليس هذا بخطأ ، بل هما وجهان صحيحان وعليهما أنشد سيبويه [ هو للشاعر طرفة بن العبد ] :ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلديبالنصب والرفع ، فالنصب على إضمار أن ، والرفع على حذفها .
الثالثة : قوله تعالى : وبالوالدين إحسانا أي وأمرناهم بالوالدين إحسانا .
وقرن الله عز وجل في هذه الآية حق الوالدين بالتوحيد ; لأن النشأة الأولى من عند الله ، والنشء الثاني - وهو التربية - من جهة الوالدين ، ولهذا قرن تعالى الشكر لهما بشكره فقال : أن اشكر لي ولوالديك .
والإحسان إلى الوالدين : معاشرتهما بالمعروف ، والتواضع لهما ، وامتثال أمرهما ، والدعاء بالمغفرة بعد مماتهما ، وصلة أهل ودهما ، على ما يأتي بيانه مفصلا في " الإسراء " إن شاء الله تعالى .
الرابعة : قوله تعالى : وذي القربى عطف ذي القربى على الوالدين .
والقربى : بمعنى القرابة ، وهو مصدر كالرجعى والعقبى ، أي وأمرناهم بالإحسان إلى القرابات بصلة أرحامهم .
وسيأتي بيان هذا مفصلا في سورة " القتال " إن شاء الله تعالى .
الخامسة : قوله تعالى : واليتامى اليتامى عطف أيضا ، وهو جمع يتيم ، مثل ندامى جمع نديم .
واليتم في بني آدم بفقد الأب ، وفي البهائم بفقد الأم .
وحكى الماوردي أن اليتيم يقال في بني آدم في فقد الأم ، والأول المعروف .
وأصله الانفراد ، يقال : صبي يتيم ، أي منفرد من أبيه .
وبيت يتيم : أي ليس قبله ولا بعده شيء من الشعر .
ودرة يتيمة : ليس لها نظير .
وقيل : أصله الإبطاء ، فسمي به اليتيم ; لأن البر يبطئ عنه .
ويقال : يتم ييتم يتما ، مثل عظم يعظم .
ويتم ييتم يتما ويتما ، مثل سمع يسمع ، ذكر الوجهين الفراء .
وقد أيتمه الله .
ويدل هذا على الرأفة باليتيم والحض على كفالته وحفظ ماله ، على ما يأتي بيانه في " النساء " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة .
وأشار مالك بالسبابة والوسطى ، رواه أبو هريرة أخرجه مسلم .
وخرج الإمام الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد من حديث الحسن بن دينار أبي سعيد البصري وهو الحسن بن واصل قال حدثنا الأسود بن عبد الرحمن عن هصان عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما قعد يتيم مع قوم على قصعتهم فيقرب قصعتهم الشيطان .
وخرج أيضا من حديث حسين بن قيس وهو أبو علي الرحبي عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ضم يتيما من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله عز وجل غفرت له ذنوبه ألبتة إلا أن يعمل عملا لا يغفر ومن أذهب الله كريمتيه فصبر واحتسب غفرت له ذنوبه - قالوا : وما كريمتاه ؟ قال : - عيناه ومن كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فأنفق عليهن وأحسن إليهن حتى يبن أو يمتن غفرت له ذنوبه ألبتة إلا أن يعمل عملا لا يغفر فناداه رجل من الأعراب ممن هاجر فقال : يا رسول الله أو اثنتين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو اثنتين .
فكان ابن عباس إذا حدث بهذا الحديث قال : هذا والله من غرائب الحديث وغرره .
السادسة : السبابة من الأصابع هي التي تلي الإبهام ، وكانت في الجاهلية تدعى بالسبابة ، لأنهم كانوا يسبون بها ، فلما جاء الله بالإسلام كرهوا هذا الاسم فسموها المشيرة ; لأنهم كانوا يشيرون بها إلى الله في التوحيد .
وتسمى أيضا بالسباحة ، جاء تسميتها بذلك في حديث وائل بن حجر وغيره ، ولكن اللغة سارت بما كانت تعرفه في الجاهلية فغلبت .
وروي عن أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشيرة منها كانت أطول من الوسطى ، ثم الوسطى أقصر منها ، ثم البنصر أقصر من الوسطى .
روى يزيد بن هارون قال : أخبرنا عبد الله بن مقسم الطائفي قال حدثتني عمتي سارة بنت مقسم أنها سمعت ميمونة بنت كردم قالت : خرجت في حجة حجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وسأله أبي عن أشياء ، فلقد رأيتني أتعجب وأنا جارية من طول أصبعه التي تلي الإبهام على سائر أصابعه .
فقوله عليه السلام : ( أنا وهو كهاتين في الجنة ) ، وقوله في الحديث الآخر : ( أحشر أنا وأبو بكر وعمر يوم القيامة هكذا ) وأشار بأصابعه الثلاث ، فإنما أراد ذكر المنازل والإشراف على الخلق فقال : نحشر هكذا ونحن مشرفون وكذا كافل اليتيم تكون منزلته رفيعة .
فمن لم يعرف شأن أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل تأويل الحديث على الانضمام والاقتراب بعضهم من بعض في محل القربة .
وهذا معنى بعيد ; لأن منازل الرسل والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين مراتب متباينة ، ومنازل مختلفة .
السابعة : قوله تعالى : والمساكين المساكين عطف أيضا أي وأمرناهم بالإحسان إلى المساكين ، وهم الذين أسكنتهم الحاجة وأذلتهم .
وهذا يتضمن الحض على الصدقة والمؤاساة وتفقد أحوال المساكين والضعفاء .
روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله - وأحسبه قال - وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر .
قال ابن المنذر : وكان طاوس يرى السعي على الأخوات أفضل من الجهاد في سبيل الله .
الثامنة : قوله تعالى : وقولوا للناس حسنا نصب على المصدر على المعنى ; لأن المعنى ليحسن قولكم .
وقيل : التقدير وقولوا للناس قولا ذا حسن ، فهو مصدر لا على المعنى .
وقرأ حمزة والكسائي " حسنا " بفتح الحاء والسين .
قال الأخفش : هما بمعنى واحد ، مثل البخل والبخل ، والرشد والرشد .
وحكى الأخفش : " حسنى " بغير تنوين على فعلى .
قال النحاس : " وهذا لا يجوز في العربية ، لا يقال من هذا شيء إلا بالألف واللام ، نحو الفضلى والكبرى والحسنى ، هذا قول سيبويه وقرأ عيسى بن عمر " حسنا " بضمتين ، مثل " الحلم " .
قال ابن عباس : المعنى قولوا لهم لا إله إلا الله ومروهم بها .
ابن جريج : قولوا للناس صدقا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولا تغيروا نعته .
سفيان الثوري : مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر .
أبو العالية : قولوا لهم الطيب من القول ، وجازوهم بأحسن ما تحبون أن تجازوا به .
وهذا كله حض على مكارم الأخلاق ، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر ، والسني والمبتدع ، من غير مداهنة ، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه ; لأن الله تعالى قال لموسى وهارون : فقولا له قولا لينا .
فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون ، والفاجر ليس بأخبث من فرعون ، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه .
وقال طلحة بن عمر : قلت لعطاء إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة ، وأنا رجل في حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ ، فقال : لا تفعل ! يقول الله تعالى : وقولوا للناس حسنا .
فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة : لا تكوني فحاشة فإن الفحش لو كان رجلا لكان رجل سوء .
وقيل : أراد بالناس محمدا صلى الله عليه وسلم ، كقوله : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله .
فكأنه قال : قولوا للنبي صلى الله عليه وسلم حسنا .
وحكى المهدوي عن قتادة أن قوله : وقولوا للناس حسنا منسوخ بآية السيف .
وحكاه أبو نصر عبد الرحيم عن ابن عباس .
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في الابتداء ثم نسختها آية السيف .
قال ابن عطية : وهذا يدل على أن هذه الأمة خوطبت بمثل هذا اللفظ في صدر الإسلام ، وأما الخبر عن بني إسرائيل وما أمروا به فلا نسخ فيه ، والله أعلم .
التاسعة : قوله تعالى : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة تقدم القول فيه .
والخطاب لبني إسرائيل .
قال ابن عطية : وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها فتنزل النار على ما يتقبل ، ولا تنزل على ما لم يتقبل ، ولم تكن كزكاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
قلت : وهذا يحتاج إلى نقل ، كما ثبت ذلك في الغنائم .
وقد روي عن ابن عباس أنه قال : الزكاة التي أمروا بها طاعة الله والإخلاص .
العاشرة : قوله تعالى : ثم توليتم الخطاب لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم ، وأسند إليهم تولي أسلافهم إذ هم كلهم بتلك السبيل في إعراضهم عن الحق مثلهم ، كما قال :شنشنة أعرفها من أخزم.
[ رجز لأبي أخزم الطائي ]إلا قليلا كعبد الله بن سلام وأصحابه .
وقليلا نصب على الاستثناء ، والمستثنى عند سيبويه منصوب ; لأنه مشبه بالمفعول .
وقال محمد بن يزيد : هو مفعول على الحقيقة ، المعنى استثنيت قليلا .
وأنتم معرضون ابتداء وخبر .
والإعراض والتولي بمعنى واحد ، مخالف بينهما في اللفظ .
وقيل : التولي فيه بالجسم ، والإعراض بالقلب .
قال المهدوي : وأنتم معرضون حال ; لأن التولي فيه دلالة على الإعراض .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَقال أبو جعفر: قد دللنا -فيما مضى من كتابنا هذا- على أن " الميثاق "" مفعال " من " التوثق باليمين " ونحوها من الأمور التي تؤكد القول.
(48) فمعنى الكلام إذًا: واذكروا أيضا يا معشر بني إسرائيل، إذ أخذنا ميثاقكم لا تعبدون إلا الله، كما:-1447 - حدثني به ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد, عن سعيد بن جبير أو عكرمة, عن ابن عباس: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل) -أي ميثاقكم-(لا تعبدون إلا الله).
* * *قال أبو جعفر: والقَرَأَة مختلفة في قراءة قوله (49) (لا تعبدون).
فبعضهم يقرؤها بالتاء, وبعضهم يقرؤها بالياء, والمعنى في ذلك واحد.
وإنما جازت القراءة بالياء والتاء، وأن يقال (لا تعبدون) و (لا يعبدون) وهم غَيَب، (50) لأن أخذ الميثاق، بمعنى الاستحلاف.
فكما تقول: " استحلفت أخاك ليقومن " فتخبر عنه خبرك عن الغائب لغيبته عنك.
وتقول: " استحلفته لتقومن ", فتخبر عنه خبرك عن المخاطب، لأنك قد كنت خاطبته بذلك - فيكون ذلك صحيحا جائزا.
فكذلك قوله: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله) و (لا يعبدون).
من قرأ ذلك " بالتاء " فمعنى الخطاب، إذ كان الخطاب قد كان بذلك.
ومن قرأ " بالياء " فلأنهم ما كانوا مخاطبين بذلك في وقت الخبر عنهم.
* * *وأما رفع " لا تعبدون "، فبالتاء التي في" تعبدون ", ولا ينصب ب " أن " التي كانت تصلح أن تدخل مع (لا تعبدون إلا الله).
لأنها إذا صلح دخولها على فعل فحذفت ولم تدخل، كان وجه الكلام فيه الرفع، كما قال جل ثناؤه: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ [ الزمر: 64]، فرفع " أعبد " إذ لم تدخل فيها " أن " - بالألف الدالة على معنى الاستقبال، وكما قال الشاعر: (51)ألا أيهذا الزاجري أحضرُ الوغىوأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي (52)فرفع " أحضر " وإن كان يصلح دخول " أن " فيها -إذ حذفت، بالألف التي تأتي بمعنى الاستقبال.
وإنما صلح حذف " أن " من قوله: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون)، لدلالة ما ظهر من الكلام عليها, فاكتفى - بدلالة الظاهر عليها - منها.
(53)* * *وقد كان بعض نحويي البصرة يقول: معنى قوله: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله)، حكاية, كأنك قلت: استحلفناهم: لا تعبدون, أي قلنا لهم: والله لا تعبدون - وقالوا: والله لا يعبدون.
والذي قال من ذلك، قريب معناه من معنى القول الذي قلنا في ذلك.
وبنحو الذي قلنا في قوله: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله)، تأوله أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:1448 - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية: أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له، وأن لا يعبدوا غيره.
1449 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله)، قال: أخذنا ميثاقهم أن يخلصوا لله ولا يعبدوا غيره.
1450 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله)، قال: الميثاق الذي أخذ عليهم في المائدة.
(54)* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًاقال أبو جعفر: وقوله جل ثناؤه: (وبالوالدين إحسانا) عطف على موضع " أن " المحذوفة في لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ .
فكان معنى الكلام: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بأن لا تعبدوا إلا الله وبالوالدين إحسانا.
فرفع لا تَعْبُدُونَ لما حذف " أن ", ثم عطف بالوالدين على موضعها, كما قال الشاعر: (55)معاوي إننا بشر فأسجحفلسنا بالجبال ولا الحديدا (56)فنصب " الحديد " على العطف به على موضع " الجبال "، لأنها لو لم تكن فيها " باء " خافضة كانت نصبا, فعطف ب " الحديد " على معنى " الجبال "، لا على لفظها.
فكذلك ما وصفت من قوله: (وبالوالدين إحسانا).
* * *وأما " الإحسان " فمنصوب بفعل مضمر يؤدي معناه قوله: (وبالوالدين)، إذ كان مفهوما معناه, فكان معنى الكلام - لو أظهر المحذوف - : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل، بأن لا تعبدوا إلا الله, وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا، فاكتفى بقوله: (وبالوالدين) من أن يقال: وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا, إذ كان مفهوما أن ذلك معناه بما ظهر من الكلام.
* * *وقد زعم بعض أهل العربية في ذلك أن معناه: وبالوالدين فأحسنوا إحسانا، فجعل " الباء " التي في" الوالدين " من صلة الإحسان، مقدمة عليه.
* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن لا تعبدوا إلا الله, وأحسنوا بالوالدين إحسانا.
فزعموا أن " الباء " التي في" الوالدين " من صلة المحذوف - أعني أحسنوا - فجعلوا ذلك من كلامين.
وإنما يصرف الكلام إلى ما ادعوا من ذلك، إذا لم يوجد لاتساق الكلام على كلام واحد وجه.
فأما وللكلام وجه مفهوم على اتساقه على كلام واحد، فلا وجه لصرفه إلى كلامين.
وأخرى: أن القول في ذلك لو كان على ما قالوا، لقيل: وإلى الوالدين إحسانا، لأنه إنما يقال: " أحسن فلان إلى والديه " ولا يقال: أحسن بوالديه, إلا على استكراه للكلام.
ولكن القول فيه ما قلنا, وهو: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بكذا، وبالوالدين إحسانا - على ما بينا قبل.
فيكون والإحسان حينئذ مصدرا من الكلام لا من لفظه، كما بينا فيما مضى من نظائره.
(57)* * *فإن قال قاتل: وما ذلك " الإحسان " الذي أخذ عليهم وبالوالدين الميثاق؟ قيل: نظير ما فرض الله على أمتنا لهما من فعل المعروف لهما، والقول الجميل, وخفض جناح الذل رحمة بهما، والتحنن عليهما, والرأفة بهما، والدعاء بالخير لهما, وما أشبه ذلك من الأفعال التي ندب الله عباده أن يفعلوا بهما.
* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِقال أبو جعفر: يعني بقوله: (وذي القربي)، وبذي القربى أن يصلوا قرابته منهم ورحمه.
* * *و " القربي" مصدر على تقدير " فعلى "، من قولك،" قربت مني رحم فلان قرابة وقربي وقربا "، بمعنى واحد.
* * *وأما " اليتامى ".
فهم جمع " يتيم ", مثل " أسير وأسارى ".
ويدخل في اليتامى الذكور منهم والإناث.
* * *ومعنى ذلك: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وحده دون من سواه من الأنداد، وبالوالدين إحسانا، وبذي القربي: أن تصلوا رحمه, وتعرفوا حقه, وباليتامى: أن تتعطفوا عليهم بالرحمة والرأفة, وبالمساكين: أن تؤتوهم حقوقهم التي ألزمها الله أموالكم.
* * *و " المسكين "، هو المتخشع المتذلل من الفاقة والحاجة, وهو " مفعيل " من " المسكنة ".
و " المسكنة " هي ذل الحاجة والفاقة.
(58)* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًاقال أبو جعفر: إن قال قائل: كيف قيل: (وقولوا للناس حسنا)، فأخرج الكلام أمرا ولما يتقدمه أمر, بل الكلام جار من أول الآية مجرى الخبر؟ قيل: إن الكلام، وإن كان قد جرى في أول الآية مجرى الخبر، فإنه مما يحسن في موضعه الخطاب بالأمر والنهي.
فلو كان مكان: لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ ، لا تعبدوا إلا الله - على وجه النهي من الله لهم عن عبادة غيره - كان حسنا صوابا.
وقد ذكر أن ذلك كذلك في قراءة أبي بن كعب.
وإنما حسن ذلك وجاز - لو كان مقروءا به - لأن أخذ الميثاق قول.
فكان معنى الكلام -لو كان مقروءا كذلك-: وإذ قلنا لبني إسرائيل: لا تعبدوا إلا الله, كما قال جل ثناؤه في موضع آخر: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [ البقرة: 63].
فلما كان حسنا وضع الأمر والنهي في موضع: لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ ، عطف بقوله: (وقولوا للناس حسنا)، على موضع لا تَعْبُدُونَ ، وإن كان مخالفا كل واحد منهما معناه معنى ما فيه, (59) لما وصفنا من جواز وضع الخطاب بالأمر والنهي موضع لا تَعْبُدُونَ .
فكأنه قيل: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا إلا الله, وقولوا للناس حسنا.
وهو نظير ما قدمنا البيان عنه: من أن العرب تبتدئ الكلام أحيانا على وجه الخبر عن الغائب في موضع الحكاية لما أخبرت عنه, (60) ثم تعود إلى الخبر على وجه الخطاب؛ وتبتدئ أحيانا على وجه الخطاب، ثم تعود إلى الإخبار على وجه الخبر عن الغائب، لما في الحكاية من المعنيين، (61) كما قال الشاعر: (62)أسيئي بنا أو أحسني لا ملومةلدينا ولا مَقْلِيَّةً إن تَقَلَّت (63)يعني: تقليت.
* * *وأما " الحسن " فإن القَرَأَة اختلفت في قراءته.
(64) فقرأته عامة قَرَأَة الكوفة غير عاصم: (وقولوا للناس حَسَنا) بفتح الحاء والسين.
وقرأته عامة قراء المدينة: (حُسْنا) بضم الحاء وتسكين السين.
وقد روي عن بعض القَرَأَة أنه كان يقرأ: " وقولوا للناس حُسْنَى " على مثال " فُعلى ".
* * *واختلف أهل العربية في فرق ما بين معنى قوله: " حُسْنا " و " حَسَنا ".
فقال بعض البصريين: هو على أحد وجهين: إما أن يكون يراد ب" الحَسَن " " الحُسن " وكلاهما لغة، كما يقال: " البُخل و البَخَل "، وإما أن يكون جعل " الحُسن " هو " الحَسن " في التشبيه.
وذلك أن الحُسن " مصدر " و " الحَسن " هو الشيء الحسن.
ويكون ذلك حينئذ كقولك: " إنما أنت أكل وشرب "، وكما قال الشاعر: (65)وخيل قد دلفت لها بخيلتحية بينهم ضرب وجيع (66)فجعل " التحية " ضربا.
وقال آخر: بل " الحُسن " هو الاسم العام الجامع جميع معاني الحسن.
و " الحسن " هو البعض من معاني" الحُسن ".
قال: ولذلك قال جل ثناؤه إذ أوصى بالوالدين: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [ العنكبوت: 8] يعني بذلك أنه وصاه فيهما بجميع معاني الحُسن, وأمر في سائر الناس ببعض الذي أمره به في والديه، فقال: (وقولوا للناس حسنا)، يعني بذلك بعض معاني الحُسن.
* * *قال أبو جعفر: والذي قاله هذا القائل في معنى " الحسن " بضم الحاء وسكون السين، غير بعيد من الصواب, وأنه اسم لنوعه الذي سمي به.
وأما " الحسن " فإنه صفة وقعت لما وصف به, وذلك يقع بخاص.
وإذا كان الأمر كذلك, فالصواب من القراءة في قوله: (وقولوا للناس حَسنا)، لأن القوم إنما أمروا في هذا العهد الذي قيل لهم: " وقولوا للناس " باستعمال الحَسن من القول، دون سائر معاني الحسن الذي يكون بغير القول.
وذلك نعت لخاص من معاني الحُسن، وهو القول.
فلذلك اخترت قراءته بفتح الحاء والسين, على قراءته بضم الحاء وسكون السين.
* * *وأما الذي قرأ ذلك: (وقولوا للناس حسنى)، فإنه خالف بقراءته إياه كذلك، قراءة أهل الإسلام.
وكفى شاهدا على خطأ القراءة بها كذلك، خروجها من قراءة أهل الإسلام، لو لم يكن على خطئها شاهد غيره.
فكيف وهي مع ذلك خارجة من المعروف من كلام العرب؟ وذلك أن العرب لا تكاد أن تتكلم ب " فعلى " " وأفعل " إلا بالألف واللام أو بالإضافة.
لا يقال: " جاءني أحسن "، حتى يقولوا: " الأحسن ".
ولا يقال: " أجمل "، حتى يقولوا،" الأجمل ".
وذلك أن " الأفعل والفعلى "، لا يكادان يوجدان صفة إلا لمعهود معروف, كما تقول: بل أخوك الأحسن - وبل أختك الحسنى .
وغير جائز أن يقال: امرأة حسنى, ورجل أحسن.
* * *وأما تأويل القول الحسن الذي أمر الله به الذين وصف أمرهم من بني إسرائيل &; 2-296 &; في هذه الآية، أن يقولوه للناس, (67) فهو ما:-1451 - حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس في قوله: (وقولوا للناس حسنا)، أمرهم أيضا بعد هذا الخلق: أن يقولوا للناس حسنا: أن يأمروا ب " لا إله إلا الله " من لم يقلها ورغب عنها، حتى يقولوها كما قالوها, فإن ذلك قربة من الله جل ثناؤه.
وقال الحسن أيضا، لين القول، من الأدب الحسن الجميل والخلق الكريم, وهو مما ارتضاه الله وأحبه.
1452 - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية: (وقولوا للناس حسنا)، قال، قولوا للناس معروفا.
1453 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج: (وقولوا للناس حسنا)، قال: صدقا في شأن محمد صلى الله عليه وسلم.
1454 - وحدثت عن يزيد بن هارون قال، سمعت سفيان الثوري يقول في قوله: (وقولوا للناس حسنا)، قال: مروهم بالمعروف, وانهوهم عن المنكر.
(68)1455 - حدثني هارون بن إدريس الأصم قال، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي قال، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال، سألت عطاء بن أبي رباح, عن قول الله جل ثناؤه: (وقولوا للناس حسنا)، قال: من لقيت من الناس فقل له حسنا من القول.
قال: وسألت أبا جعفر, فقال مثل ذلك.
(69)1456 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا القاسم قال، أخبرنا عبد الملك, عن أبي جعفر وعطاء بن أبي رباح في قوله: (وقولوا للناس حسنا)، قال: للناس كلهم.
1457 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك, عن عطاء مثله.
* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَقال أبو جعفر: يعني بقوله: (وأقيموا الصلاة)، أدوها بحقوقها الواجبة عليكم فيها * كما:-1458 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن مسعود قال: (وأقيموا الصلاة)، هذه و " إقامة الصلاة " تمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع، والإقبال عليها فيها.
(70)* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَآتُوا الزَّكَاةَقال أبو جعفر: قد بينا فيما مضى قبل، معنى " الزكاة " وما أصلها.
(71)* * *وأما الزكاة التي كان الله أمر بها بني إسرائيل الذين ذكر أمرهم في هذه الآية, فهي ما:-1459 - حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس: (وآتوا الزكاة)، قال: إيتاء الزكاة، ما كان الله فرض عليهم في أموالهم من الزكاة, وهي سنة كانت لهم غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
كانت زكاة أموالهم قربانا تهبط إليه نار فتحملها, فكان ذلك تقبله.
ومن لم تفعل النار به ذلك كان غير متقبل، وكان الذي قرب من مكسب لا يحل: من ظلم أو غشم, أو أخذ بغير ما أمره الله به وبينه له.
1460 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: (وآتوا الزكاة)، يعني" بالزكاة ": طاعة الله والإخلاص.
* * *القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن يهود بني إسرائيل، أنهم نكثوا عهده ونقضوا ميثاقه, بعدما أخذ الله ميثاقهم على الوفاء له، بأن لا يعبدوا غيره, وأن يحسنوا إلى الآباء والأمهات, ويصلوا الأرحام, ويتعطفوا على الأيتام, ويؤدوا حقوق أهل المسكنة إليهم, ويأمروا عباد الله بما أمرهم الله به ويحثوهم على طاعته, ويقيموا الصلاة بحدودها وفرائضها, ويؤتوا زكاة أموالهم - فخالفوا أمره في ذلك كله, وتولوا عنه معرضين, إلا من عصمه الله منهم، فوفى لله بعهده وميثاقه، كما:-1461 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما فرض الله جل وعز عليهم - يعني: على هؤلاء الذين وصف الله أمرهم في كتابه من بني إسرائيل - هذا الذي ذكر أنه أخذ ميثاقهم به, أعرضوا عنه استثقالا له وكراهية, وطلبوا ما خف عليهم إلا قليلا منهم, وهم الذين استثنى الله فقال: (ثم توليتم)، يقول: أعرضتم عن طاعتي، (إلا قليلا منكم)، قال: القليل الذين اخترتهم لطاعتي, وسيحل عقابي بمن تولى وأعرض عنها يقول: تركها استخفافا بها.
(72) .
1462 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد, عن سعيد بن جبير، أو عن عكرمة, عن ابن عباس: (ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون)، أي تركتم ذلك كله.
* * *وقال بعضهم: عنى الله جل ثناؤه بقوله: (وأنتم معرضون)، اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعنى بسائر الآية أسلافهم.
كأنه ذهب إلى أن معنى الكلام: (ثم توليتم إلا قليلا منكم): ثم تولى سلفكم إلا قليلا منهم, ولكنه جعل خطابا لبقايا نسلهم -على ما ذكرناه فيما مضى قبل- (73) ثم قال: وأنتم يا معشر بقاياهم معرضون أيضا عن الميثاق الذي أخذ عليكم بذلك، وتاركوه ترك أوائلكم.
* * *وقال آخرون: بل قوله: (ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون)، خطاب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل, وذم لهم بنقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم في التوراة، وتبديلهم أمر الله، وركوبهم معاصيه.
* * *---------------------------الهوامش:(48) انظر ما سلف 1 : 414 ، وهذا الجزء 2 : 156 .
(49) في المطبوعة : "والقراء مختلفة" ، ورددتها إلى ما جرى عليه الطبري في كل ما سلف.
(50) غيب (بفتح الغين والياء) جمع غائب ، مثل خادم وخدم .
(51) هو طرفة بن العبد .
(52) ديوانه : 317 (أشعار الستة الجاهليين) ، من معلقته النفيسة وسيأتي في 21 : 22 / 30 : 130 (بولاق) ، وسيبويه 1 : 452 .
(53) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 53 - 54 .
(54) قوله تعالى في سورة المائدة : 12 : (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) إلى آخر الآية .
(55) عقيبة بن هبيرة الأسدي ، جاهلي إسلامي .
(56) سيبويه 1 : 34 ، 375 ، 448 ، والخزانة 1 : 343 ، وسمط اللآلئ : 149 وفيه تحقيق جيد .
وهذا البيت مما أخطأ فيه سيبويه ، وكان عقيبة وفد على معاوية ، ودفع إليه رقعة فيها هذه الأبيات :معاوي إننا بشر فأسجحفلسنا بالجبال ولا الحديدفهبها أمة ذهبت ضياعايزيد أميرها وأبو يزيدأكلتم أرضنا فجردتموهافهل من قائم أو من حصيد ?ذروا خَوْنَ الخلافة واستقيمواوتأمير الأراذل والعبيدوأعطونا السوية, لا تزركمجنود مردفات بالجنودفدعاه معاوية فقال له : ما أجرأك علي؟ قال : نصحتك إذ غشوك ، وصدقتك إذ كذبوك .
فقال معاوية : ما أظنك إلا صادقا .
(57) انظر ما سلف 1 : 138 .
(58) انظر ما سلف في هذا الجزء : 2 : 137 .
(59) في المطبوعة:"ومعناه" بزيادة الواو، والصواب حذفها.
(60) في المطبوعة : "في موضع الحكايات كما أخبرت عنه" ، والصواب ما أثبته .
(61) انظر ما سلف 1 : 153 - 154 ، وسيأتي في هذا الجزء 2 : 357 .
(62) هو كثير عزة .
(63) ديوانه 1: 53 من قصيدته المشهورة.
قلاه يقليه قلى فهو مقلي: كرهه وأبغضه.
وتقلى تبغض، أي استعمل من الفعل أو القول ما يدعو إلى بغضه.
(64) في المطبوعة : "فإن القراء" ، ورددته إلى ما مضى عليه أبو جعفر في عبارته ، كما سلف مرارا .
(65) يقال هو : عمرو بن معد يكرب الزبيدي .
(الخزانة 4 : 56) ، وليس في قصيدته التي على هذا الوزن في الأصمعيات : 43 ، ولكنه أتى في نوادر أبي زيد : 149 - 150 أنه لعمرو بن معد يكرب .
فكأنه له ، وكأنه سقط من رواية الأصمعي ، وهو في رواية غيره .
(66) نوادر أبي زيد : 150 ، وسيبويه 1 : 365 ، 429 والخزانة 4 : 53 .
وغيرها .
(67) في المطبوعة : "لأن يقولوه للناس" بزيادة اللام ، فاسدة .
(68) الأثر : 1454 - أخشى أن يكون سقط من إسناده شيء .
(69) الخبر : 1455 - هارون بن إدريس الأصم ، شيخ الطبري : لم أجد له ترجمة ، ولا وجدته في مكان ، إلا في رواية الطبري عنه في التاريخ أيضًا 1 : 253 ، و2 : 126 .
روى عنه ، عن المحاربي .
عبد الملك بن أبي سليمان : هو العرزمي ، أحد الأئمة الثقات الحفاظ .
مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 /366 - 368 .
(70) انظر ما سلف 1 : 241 ، 573 .
(71) انظر ما سلف 1 : 573 - 574 .
(72) انظر معنى "تولى" فيما سلف من هذا الجزء 2 : 162 .
(73) انظر ما سلف في هذا الجزء 2 : 38 ، 39 ثم : 164 ، ثم : 245 ، ثم 302

﴿ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ﴾

قراءة سورة البقرة

المصدر : تفسير : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون