القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 89 سورة المائدة - لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن

سورة المائدة الآية رقم 89 : سبع تفاسير معتمدة

سورة لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن - عدد الآيات 120 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 89 من سورة المائدة عدة تفاسير - سورة المائدة : عدد الآيات 120 - - الصفحة 122 - الجزء 7.

سورة المائدة الآية رقم 89


﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَٰنَۖ فَكَفَّٰرَتُهُۥٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖۚ ذَٰلِكَ كَفَّٰرَةُ أَيۡمَٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡۚ وَٱحۡفَظُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ﴾
[ المائدة: 89]

﴿ التفسير الميسر ﴾

لا يعاقبكم الله -أيها المسلمون- فيما لا تقصدون عَقْدَه من الأيمان، مثل قول بعضكم: لا والله، وبلى والله، ولكن يعاقبكم فيما قصدتم عقده بقلوبكم، فإذا لم تَفُوا باليمين فإثم ذلك يمحوه الله بما تقدِّمونه مما شرعه الله لكم كفارة من إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من أوسط طعام أهل البلد، أو كسوتهم، لكل مسكين ما يكفي في الكسوة عُرفًا، أو إعتاق مملوك من الرق، فالحالف الذي لم يف بيمينه مخير بين هنا الأمور الثلاثة، فمن لم يجد شيئًا من ذلك فعليه صيام ثلاثة أيام. تلك مكفرات عدم الوفاء بأيمانكم، واحفظوا -أيها المسلمون- أيمانكم: باجتناب الحلف، أو الوفاء إن حلفتم، أو الكفارة إذا لم تفوا بها. وكما بيَّن الله لكم حكم الأيمان والتحلل منها يُبيِّن لكم أحكام دينه؛ لتشكروا له على هدايته إياكم إلى الطريق المستقيم.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«لا يؤاخذكم الله باللغو» الكائن «في أيمانكم» هو ما يسبق إليه اللسان من غير قصد الحلف كقول الإنسان: لا والله، وبلى والله «ولكن يؤاخذكم بما عَقّدتُمُ» بالتخفيف والتشديد وفي قراءة عاقدتم «الأيمان» عليه بأن حلفتم عن قصد «فكفارته» أي اليمين إذا حنثتم فيه «إطعام عشرة مساكين» لكل مسكين مدٌ «من أوسط ما تطعمون» منه «أهليكم» أي أقصده وأغلبه لا أعلاه ولا أدناه «أو كسوتهم» بما يسمى كسوة كقميص وعمامة وإزار ولا يكفي دفع ما ذكر إلى مسكين واحد وعليه الشافعي «أو تحرير» عتق «رقبة» أي مؤمنة كما في كفارة القتل والظهار حملا للمطلق على المقيد «فمن لم يجد» واحدا مما ذكر «فصيام ثلاثة أيام» كفارته وظاهره أنه لا يشترط التتابع وعليه الشافعي «ذلك» المذكور «كفارة أيمانكم إذا حلفتم» وحنثتم «واحفظوا أيمانكم» أن تنكثوها ما لم تكن على فعل بر أو إصلاح بين الناس كما في سورة البقرة «كذلك» أي مثل ما بين لكم ما ذكر «يبيِّن الله لكم آياته لعلكم تشكرونـ» ـه على ذلك.

﴿ تفسير السعدي ﴾

لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ أي: في أيمانكم التي صدرت على وجه اللغو، وهي الأيمان التي حلف بها المقسم من غير نية ولا قصد، أو عقدها يظن صدق نفسه، فبان بخلاف ذلك.
وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ أي: بما عزمتم عليه، وعقدت عليه قلوبكم.
كما قال في الآية الأخرى: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ فَكَفَّارَتُهُ أي: كفارة اليمين الذي عقدتموها بقصدكم إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وذلك الإطعام مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أي: كسوة عشرة مساكين، والكسوة هي التي تجزئ في الصلاة.
أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أي: عتق رقبة مؤمنة كما قيدت في غير هذا الموضع، فمتى فعل واحدا من هذه الثلاثة فقد انحلت يمينه.
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ واحدا من هذه الثلاثة فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ المذكور كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ تكفرها وتمحوها وتمنع من الإثم.
وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ عن الحلف بالله كاذبا، وعن كثرة الأيمان، واحفظوها إذا حلفتم عن الحنث فيها، إلا إذا كان الحنث خيرا، فتمام الحفظ: أن يفعل الخير، ولا يكون يمينه عرضة لذلك الخير.
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ المبينة للحلال من الحرام، الموضحة للأحكام.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اللهَ حيث علمكم ما لم تكونوا تعلمون.
فعلى العباد شكر الله تعالى على ما منَّ به عليهم، من معرفة الأحكام الشرعية وتبيينها.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله عز وجل : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما نزلت : ( لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ) ، قالوا : يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ وكانوا حلفوا على ما اتفقوا عليه ، فأنزل الله : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) قرأ حمزة والكسائي [ وأبو بكر ] ( عقدتم ) بالتخفيف ، وقرأ ابن عامر ( عاقدتم ) بالألف وقرأ الآخرون ( عقدتم ) بالتشديد ، أي : وكدتم ، والمراد من الآية قصدتم وتعمدتم ، ) ( فكفارته ) أي : كفارة ما عقدتم الأيمان إذا حنثتم ( إطعام عشرة مساكين ) واختلفوا في قدره : فذهب قوم إلى أنه يطعم كل مسكين مدا من الطعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو رطل وثلث من غالب قوت البلد ، وكذلك في جميع الكفارات ، وهو قول زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر ، وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم وسليمان بن اليسار وعطاء والحسن .
وقال أهل العراق : عليه لكل مسكين مدان ، وهو نصف صاع ، يروى ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما .
وقال أبو حنيفة : إن أطعم من الحنطة فنصف صاع ، وإن أطعم من غيرها فصاع ، وهو قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير ومجاهد والحكم .
ولو غداهم وعشاهم لا يجوز ، وجوز أبو حنيفة ، ويروى ذلك عن علي رضي الله عنه .
ولا تجوز الدراهم والدنانير ولا الخبز ولا الدقيق ، بل يجب إخراج الحب إليهم ، وجوز أبو حنيفة رضي الله عنه كل ذلك .
ولو صرف الكل إلى مسكين واحد [ لا يجوز ] وجوز أبو حنيفة أن يصرف طعام عشرة إلى مسكين واحد في عشرة أيام ، ولا يجوز أن يصرف إلا إلى مسلم حر محتاج ، فإن صرف إلى ذمي أو عبد أو غني لا يجوز ، وجوز أبو حنيفة صرفها إلى أهل الذمة ، واتفقوا على أن صرف الزكاة إلى أهل الذمة لا يجوز .
قوله تعالى : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) أي : من خير قوت عيالكم ، وقال عبيدة السلماني : الأوسط الخبز والخل ، والأعلى الخبز واللحم ، والأدنى الخبز البحت والكل [ يجزئ ] .
قوله تعالى : ) ( أو كسوتهم ) كل من لزمته كفارة اليمين فهو فيها مخير إن شاء أطعم عشرة من المساكين ، وإن شاء كساهم ، وإن شاء أعتق رقبة ، فإن اختار الكسوة ، فاختلفوا في قدرها :فذهب قوم إلى أنه يكسو كل مسكين ثوبا واحدا مما يقع عليه اسم الكسوة ، إزار أو رداء أو قميص أو سراويل أو عمامة أو كساء ونحوها ، وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وعطاء وطاوس ، وإليه ذهب الشافعي رحمه الله تعالى .
وقال مالك : يجب لكل إنسان ما تجوز فيه صلاته ، فيكسو الرجال ثوبا واحدا والنساء ثوبين درعا وخمارا .
وقال سعيد بن المسيب لكل مسكين ثوبان .
قوله عز وجل : ( أو تحرير رقبة ) وإذا اختار العتق يجب إعتاق رقبة مؤمنة ، وكذلك جميع الكفارات مثل كفارة القتل والظهار والجماع في نهار رمضان يجب فيها إعتاق رقبة مؤمنة ، وأجاز أبو حنيفة رضي الله عنه والثوري رضي الله عنه إعتاق الرقبة الكافرة في جميعها إلا في كفارة القتل ، لأن الله تعالى قيد الرقبة فيها بالإيمان ، قلنا : المطلق يحمل على المقيد [ كما أن الله تعالى قيد الشهادة بالعدالة في موضع فقال : " وأشهدوا ذوي عدل منكم " ، ( الطلاق 2 ) ، وأطلق في موضع ، فقال : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " ( البقرة 282 ) ، ثم العدالة شرط في جميعها حملا للمطلق على المقيد ] كذلك هاهنا ، ولا يجوز إعتاق المرتد بالاتفاق عن الكفارة .
ويشترط أن يكون سليم الرق حتى لو أعتق عن كفارته مكاتبا أو أم ولد أو عبدا اشتراه بشرط العتق أو اشترى قريبه الذي يعتق عليه بنية الكفارة ، يعتق ولكن لا يجوز عن الكفارة ، وجوز أصحاب الرأي عتق المكاتب إذا لم يكن أدى شيئا من النجوم ، وعتق القريب عن الكفارة ويشترط أن تكون الرقبة سليمة من كل عيب يضر بالعمل ضررا بينا حتى لا يجوز مقطوع إحدى اليدين ، أو إحدى الرجلين ، ولا الأعمى ولا الزمن ولا المجنون المطبق ، ويجوز الأعور والأصم ومقطوع الأذنين والأنف لأن هذه العيوب لا تضر بالعمل ضررا بينا .
وعند أبي حنيفة رضي الله عنه كل عيب يفوت جنسا من المنفعة [ على الكمال ] يمنع الجواز ، حتى جوز مقطوع إحدى اليدين ، ولم يجوز مقطوع الأذنين .
قوله عز وجل : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) إذا عجز الذي لزمته كفارة اليمين عن الإطعام والكسوة وتحرير الرقبة ، يجب عليه صوم ثلاثة أيام ، والعجز أن لا يفضل من ماله عن قوته وقوت عياله وحاجته ما يطعم أو يكسو أو يعتق فإنه يصوم ثلاثة أيام .
وقال بعضهم : إذا ملك ما يمكنه الإطعام وإن لم يفضل عن كفايته فليس له الصيام ، وهو قول الحسن وسعيد بن جبير .
واختلفوا في وجوب التتابع في هذا الصوم : فذهب جماعة إلى أنه لا يجب فيه التتابع بل إن شاء تابع وإن شاء فرق ، والتتابع أفضل وهو أحد قولي الشافعي ، وذهب قوم إلى أنه يجب فيه التتابع قياسا على كفارة القتل والظهار ، وهو قول الثوري وأبي حنيفة ، ويدل عليه قراءة ابن مسعود رضي الله عنه فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) ( ذلك ) أي : ذلك الذي ذكرت ( كفارة أيمانكم إذا حلفتم ) وحنثتم ، فإن الكفارة لا تجب إلا بعد الحنث .
واختلفوا في تقديم الكفارة على الحنث : فذهب قوم إلى جوازه ، لما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه ، وليفعل الذي هو خير " .
وهو قول عمر [ وابن عمر ] وابن عباس وعائشة وبه قال الحسن وابن سيرين ، وإليه ذهب مالك والأوزاعي والشافعي ، إلا أن الشافعي يقول : إن كفر بالصوم قبل الحنث لا يجوز لأنه بدني ، إنما يجوز بالإطعام أو الكسوة أو العتق كما يجوز تقديم الزكاة على الحول ، ولا يجوز تعجيل صوم رمضان قبل وقته ، وذهب قوم إلى أنه لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث ، وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه .
قوله عز وجل ( واحفظوا أيمانكم ) قيل : أراد به ترك الحلف ، أي : لا تحلفوا ، وقيل : وهو الأصح ، أراد به : إذا حلفتم فلا تحنثوا ، فالمراد منه حفظ اليمين عن الحنث هذا إذا لم تكن يمينه على ترك مندوب أو فعل مكروه ، فإن حلف على فعل مكروه أو ترك مندوب ، فالأفضل أن يحنث نفسه ويكفر ، لما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا حجاج بن منهال أنا جرير بن حازم عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها ، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير " .
قوله تعالى : ( كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون )

﴿ تفسير الوسيط ﴾

أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ في القوم الذين كانوا حرموا على أنفسهم النساء واللحم: قالوا يا رسول الله.
كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ فأنزل الله- تعالى- قوله: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ الآية واللغو من الكلام- كما يقول الراغب: ما لا يعتد به منه، وهو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور.
وقد يسمى كل قبيح لغوا.
قال- تعالى- وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ .
ولغو اليمين.
أن يحلف الحالف على شيء يرى أنه صادق فيه ثم يتبين له خلاف ذلك.
ويرى بعضهم أن لغو اليمين هو الذي يجرى على اللسان بدون قصد، كقولك لا والله وبلى والله.
وقد رجح هذا القول ابن كثير فقال ما ملخصه.
واللغو في اليمين هو قول الرجل في الكلام من غير قصد: لا والله وبلى والله وهو مذهب الشافعى.
وقيل هو في الهزل.
وقيل في المعصية:وقيل على غلبة الظن وهو قول أبى حنيفة وأحمد والصحيح أنه اليمين من غير قصد بدليل قوله:وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ .
وقوله: عَقَّدْتُمُ من العقد وهو الجمع بين أطراف الشيء لتوثيقه وهو نقيض الحل: وقرأ حمزة والكسائي عَقَّدْتُمُ بالتخفيف.
وقرأ ابن عامر «عاقدتم» .
والمراد بعقد الأيمان توكيدها وتوثيقها قصدا ونية.
والمعنى: لا يؤاخذكم الله- أيها المؤمنون- فضلا منه وكرما على اللغو في اليمين وهو ما يجرى على ألسنتكم بدون قصد.
ولكن يؤاخذكم بالعقوبة في الآخرة أو بوجوب الكفارة بتعقيدكم الأيمان وتوثيقها بالقصد والنية، إذا حنثتم فيها، بأن تعمدتم الكذب في أيمانكم.
فالمراد بعدم المؤاخذة في قوله لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ: عدم المعاقبة في الدنيا بالكفارة ولا في الآخرة بالعقوبة.
والمراد بالمؤاخذة في قوله: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ: العقوبة الأخروية عند جمهور الفقهاء ويرى الشافعى أن المراد بها الكفارة التي تجب على الحانث.
وقوله فِي أَيْمانِكُمْ متعلق باللغو.
وما في قوله بِما عَقَّدْتُمُ مصدرية أى: ولكن يؤاخذكم بتعقيدكم الأيمان وتوثيقها.
ويحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف.
أى ولكن يؤاخذكم بالذي عقدتم الأيمان عليه.
وقوله: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ بيان لكيفية الكفارة والضمير في قوله: فكفارته يعود على الحنث الدال عليه سياق الكلام وإن لم يجر له ذكر.
أى: فكفارة الحنث.
ولا مانع من عودته إلى الحالف إذا حنث في يمينه فيكون المعنى:فكفارة الحالف إذا حنث في يمينه إطعام عشرة مساكين لأن الشخص الحانث في يمينه هو الذي يجب عليه التكفير عن حنثه.
والكفارة من الكفر بمعنى الستر، وهي اسم للفعلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة، أى تسترها وتمحوها، لأن الشيء الممحى يكون كالشىء المستور الذي لا يرى ولا يشاهد.
وكلمة أَوْسَطِ يرى بعضهم أنها بمعنى الأمثل والأحسن، لأن لفظ الأوسط كثيرا ما يستعمل بهذا المعنى ومنه قوله- تعالى قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ أى:قال أحسنهم عقلا وأمثلهم فكرا ونظرا.
ويرى آخرون أن الأوسط هنا بمعنى المتوسط لأن هذا هو الغالب في استعمال هذه الكلمة، أى يطعمهم لا من أفخر أنواع الطعام ولا من أردئه ولكن من الطعام الذي يطعم منه أهله في الغالب.
والمعنى: لقد تفضل الله عليكم- أيها المؤمنون- بأن رفع عنكم العقوبة والكفارة في الأيمان اللغو، ولكنه- سبحانه- يؤاخذكم بتعقيدكم الأيمان وتوثيقها إذا ما حنثتم فيها ومتى حنث أحدكم في يمينه، فمن الواجب عليه لتكفير هذا اليمين ومحو إثمه أن يطعم عشرة مساكين طعاما يكون من متوسط ما يطعم منه أهله في الجودة والمقدار، أو أن يكسو هؤلاء المساكين العشرة كساء مناسبا ساترا للبدن أو أن يحرر رقبة بأن يعتق عبدا من الرق فيجعله حرا.
قال الجمل ما ملخصه: وقوله: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ مبتدأ وخبر.
وقوله: إطعام مصدر مضاف لمفعوله، وهو مقدر بحرف وفعل مبنى للفاعل أى فكفارته أن يطعم الحانث عشرة، وفاعل المصدر يحذف كثيرا.
وقوله: مِنْ أَوْسَطِ في محل نصب مفعول ثان لإطعام ومفعوله الأول عشرة أى:فكفارته أن تطعموا عشرة مساكين إطعاما من أوسط ما تطعمون أهليكم.
.
وقوله: ما تُطْعِمُونَ مفعوله الأول: أهليكم، ومفعوله الثاني: محذوف أى: «تطعمونه أهليكم» .
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد خير الحانث في يمينه بين أمور ثلاثة يختار إحداها، فإذا لم يستطع إحداها، فقد بين سبحانه له حكما آخر فقال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ.
أى: فمن لم يجد ما يكفر حنثه في يمينه من إطعام أو كساء أو تحرير رقبة فعليه حينئذ أن يصوم ثلاثة أيام، تطهيرا لنفسه، وتكفيرا عن ذنبه، وتقوية لإرادته وعزيمته.
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ يعود إلى المذكور من الإطعام والكساء وتحرير الرقبة والصوم.
أى: ذلك الذي شرعناه لكم كفارة لأيمانكم إذا حلفتم وحنثتم فيها، وخالفتم طريق الحق الذي أمركم الله تعالى باتباعه.
وقوله: وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ أمر من الله تعالى لعباده بأن يصونوا أنفسهم عن الحنث في أيمانهم، وعن الإكثار منها لغير ضرورة، فإن الإكثار من الحلف بغير ضرورة يؤدى إلى قلة الحياء من الله تعالى.
كما أن الحلف الكاذب يؤدى إلى سخطه سبحانه على الحالف وبغضه له.
وقوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ تذييل قصد به التذكير بنعم الله حتى يداوم الناس على شكرها وطاعة واهبها عز وجل.
أى: مثل هذا البيان البديع الجامع لوجوه الخير والفلاح، يبين الله لكم آياته المشتملة على الأحكام الميسرة، والتشريعات الحكيمة، والهدايات الجليلة لعلكم بذلك تستمرون على شكر الله وطاعته، وتواظبون على خشيته ومراقبته فتنالون ما وعدكم من فلاح وسعادة.
هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى:1- أن اليمين اللغو لا مؤاخذة فيها.
أى: لا عقوبة عليها في الآخرة ولا كفارة لها في الدنيا لقوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ.
ونعنى بها- كما سبق أن أشرنا- أن يقول الرجل من غير قصد الحلف لا والله وبلى والله.
ومع هذا فمن الأفضل للمؤمن ألا يلجأ إلى الحلف إلا إذا كانت هناك ضرورة تدعو لذلك لأن الإكثار من الحلف يسقط مهابة الإنسان، وقد يفضى به إلى الاستهانة بالآداب الحميدة التي شرعها الله.
قال تعالى: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ .
2- أن اليمين التي يحلفها الحالف بالقصد والنية وهو كاذب فيها، يستحق صاحبها العذاب الشديد من الله- تعالى-، وهي التي يسميها الفقهاء باليمين الغموس، أى التي تغمس صاحبها في النار- قال- تعالى- وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ.
أى: بما صممتم عليه منها وقصدتموه وأنتم حانثون فيها.
قال القرطبي ما ملخصه: خرج البخاري عن عبد الله بن عمرو قال: جاء أعرابى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: «الإشراك بالله.
قال:: ثم ماذا؟ قال: عقوق الوالدين.
قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس» قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: التي يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو كاذب فيها» .
وخرج مسلم عن أبى أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة.
فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: وإن كان قضيبا من أراك» .
وقد اختلف في اليمين الغموس فالذي عليه الجمهور أنها يمين مكر وخديعة وكذب فلا تنعقد ولا كفارة فيها.
لأن هذا الحالف قد جمع بين الكذب، واستحلال مال الغير، والاستخفاف باليمين بالله.
فأهان ما عظمه الله، وعظم ما حقره الله، ولهذا قيل: إنما سميت اليمين الغموس غموسا، لأنها تغمس صاحبها في النار.
وقال الشافعى: «هي يمين منعقدة، لأنها مكتسبة بالقلب، معقودة بخبر، مقرونة باسم الله- تعالى-، وفيها الكفارة.
والصحيح الأول: وهو قول مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة، وبه قال الأوزاعى والثوري وأهل العراق وأحمد وإسحاق وأصحاب الحديث وأصحاب الرأى من أهل الكوفة :3- أن أَوْ في قوله- تعالى-: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ للتخيير.
أى: أن الحالف إذا حنث في يمينه فهو مخير بين واحد من أمور ثلاثة ليكفر عن يمينه التي حنث فيها.
وهذه الثلاثة هي الإطعام أو الكسوة، أو عتق الرقبة.
فإذا لم يجد إحدى هذه الكفارات الثلاث انتقل إلى الصوم.
قال الفخر الرازي: وأعلم أن الآية دالة على أن الواجب في كفارة اليمين أحد الأمور الثلاثة على التخيير، فإن عجز عنها جميعا فالواجب شيء آخر وهو الصوم.
ومعنى الواجب المخير أنه لا يجب عليه الإتيان بكل واحد من هذه الثلاثة ولا يجوز له تركها جميعا.
ومتى أتى بأى واحد شاء من هذه الثلاثة فإنه يخرج عن العهدة.
فإذا اجتمعت هذه القيود الثلاثة فذاك هو الواجب المخير» .
وللعلماء أقوال متعددة في الإطعام المطلوب لكفارة اليمين.
قال القرطبي ما ملخصه: قوله- تعالى-: إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ لا بد عندنا- أى المالكية- وعند الشافعى من تمليك ما يخرج لهم ودفعه إليهم حتى يتملكوه ويتصرفوا فيه.
وقال أبو حنيفة: لو غداهم وعشاهم جاز.
والأوسط هنا منزلة بين منزلتين ونصفا بين طرفين- أى يطعمهم من غالب الطعام الذي يطعم منه أهله لا من أدناه حتى لا يبخس المساكين حقهم ولا من أعلاه حتى لا يتكلف ما يشق عليه- والإطعام عند مالك: مد لكل واحد من المساكين العشرة.
وبه قال الشافعى.
وقال أبو حنيفة: يخرج من البر نصف صاع، ومن التمر والشعير صاعا.
أى يخرج ما يجب في صدقة الفطر.
ولا يجوز عندنا دفع الكفارة إلى مسكين واحد وبه قال الشافعى، لأن الله- تعالى- نص على العشرة فلا يجوز العدول عنهم، وأيضا فإن فيه إحياء جماعة من المسلمين وكفايتهم يوما واحدا، فيتفرغون فيه لعبادة الله ولدعائه، فغفر للمكفر بسبب ذلك.
وقال أبو حنيفة: يجزئه- أى: إذا أطعم واحدا عشر مرات أغنى عن إطعام العشرة- لأن المقصود من الآية التعريف بقدر ما يطعم، فلو دفع ذلك القدر لواحد أجزأه» .
والكسوة التي تصلح لكفارة اليمين يلاحظ فيها أن تكون سابغة في الجملة وهي تختلف باختلاف الأزمان والأحوال.
قال الشافعى: لو دفع إلى كل واحد من العشرة ما يصدق عليه اسم الكسوة- من قميص أو سراويل- أجزأه ذلك.
وقال مالك وأحمد: لا بد أن يدفع إلى كل واحد منهم من الكسوة ما يصح أن يصلى فيه، إن كان رجلا أو امرأة كل بحسبه.
وقال أبو حنيفة: الكسوة في كفارة اليمين لكل مسكين ثوب وإزار.
ولا تجزئ القيمة عن الطعام والكسوة عند الشافعى.
وقال أبو حنيفة: تجزئ القيمة، لأن الغرض سد حاجة المحتاج، وقد تكون القيمة أنفع له.
والنوع الثالث الذي به تكون كفارة اليمين: تحرير رقبة أى: إعتاقها من الرق، والمراد بالرقبة جملة الإنسان.
قال الرازي: المراد بالرقبة: الجملة قيل: الأصل في هذا المجاز أن الأسير في العرب كانت تجمع يداه إلى رقبته بحبل.
فإذا أطلق حل ذلك الحبل.
فسمى الإطلاق من الرقبة فك الرقبة.
ثم جرى ذلك على العتق.
وقد أخذ بإطلاقها أبو حنيفة فقال: تجزئ الكافرة كما تجزى المؤمنة.
وقال الشافعى وآخرون: لا بد أن تكون مؤمنة.
فإن قيل: أى فائدة في تقديم الإطعام على العتق مع أن العتق أفضل لا محالة؟ قلنا له وجوه.
أحدها: أن المقصود منه التنبيه على أن هذه الكفارة وجبت على التخيير لا على الترتيب، لأنها لو وجبت على الترتيب لوجبت البداءة بالأغلظ.
وثانيها: قدم الإطعام لأنه أسهل، لكون الطعام أعم وجودا، والمقصود منه التنبيه على أنه- تعالى- يراعى التخفيف والتسهيل في التكاليف.
وثالثها: أن الإطعام أفضل، لأن الحر الفقير قد لا يجد الطعام، ولا يكون هناك من يعطيه الطعام فيقع في الضر.
أما العبد فإنه يجب على مولاه إطعامه وكسوته .
4- يرى مالك والشافعى أن قوله: تعالى: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يصدق على الصيام المتتابع والمتفرق، فلو صام الحالف ثلاثة أيام متفرقة أجزأه ذلك، لأن التتابع صفة لا تجب إلا بنص أو قياس على منصوص وقد عدما.
ويرى أبو حنيفة وأحمد صوم الثلاثة أيام متتابعة، فقد قرأ أبى بن كعب وعبد الله بن مسعود «فصيام ثلاثة أيام متتابعات» وقراءتهما لا تختلف عن روايتهما.
وقال ابن كثير: واختلف العلماء هل يجب فيها التتابع أو يستحب ولا يجب ويجزئ التفريق؟ قولان:أحدهما: لا يجب وهذا منصوص الشافعى في كتاب الأيمان.
وهو قول مالك، لإطلاق قوله: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ وهو صادق على المجموعة والمفرقة كما في قضاء رمضان لقوله:فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ونص الشافعى في موضع آخر في الأم على وجوب التتابع كما هو مذهب الحنفية والحنابلة لأنه قد روى عن أبى بن كعب وغيره أنه كان يقرؤها «فصيام ثلاثة أيام متتابعات» وحكاها مجاهد والشعبي وأبو إسحاق عن عبد الله بن مسعود.
وهذه، إذا لم يثبت كونها قرآنا متواترا فلا أقل من أن يكون خبر واحد أو تفسيرا من الصحابة وهو في حكم المرفوع.
وروى ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت آية الكفارات قال حذيفة يا رسول الله نحن بالخيار؟ قال: أنت بالخيار.
إن شئت أعتقت.
وإن شئت كسوت.
وإن شئت أطعمت.
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات .
ويبدو لنا أن الصيام المتتابع أفضل، لأن قراءة أبى وحديث حذيفة يزكيانه، ولأنه رأى عدد كبير من الصحابة منهم عبد الله بن مسعود.
5- أخذ بعض العلماء من قوله- تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ .
.
.
إلخ.
أن الكفارة لا تكون إلا بعد الحنث لأن السبب في الكفارة هو الحنث، وما دام لم يتحقق فإنه لا كفارة.
وقال آخرون يجوز أن تتقدم الكفارة عند نية الحنث، وتقوم النية مقام الحنث بالفعل.
وقد تكلم عن هذه المسألة الإمام القرطبي فقال ما ملخصه: اختلف العلماء في تقديم الكفارة على الحنث أتجزئ أم لا على ثلاثة أقوال:أحدها: يجزئ مطلقا وهو مذهب أربعة وعشرين من الصحابة، وجمهور الفقهاء، وهو مشهور مذهب مالك، فقد قال أبو موسى الأشعرى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وإنى والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير» رواه وأخرجه أبو داود.
ومن جهة المعنى أن اليمين سبب الكفارة، لقوله- تعالى ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ فأضاف الكفارة إلى اليمين والمعاني تضاف إلى أسبابها.
وأيضا فإن الكفارة بدل عن البر فيجوز تقديمها قبل الحنث.
وثانيها: قال أبو حنيفة وأصحابه لا يجزئ بوجه لما رواه مسلم عن عدى بن حاتم قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حلف يمين ثم رأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير- زاد النسائي- وليكفر عن يمينه» .
ومن جهة المعنى أن الكفارة إنما هي لرفع الإثم، وما لم يحنث لم يكن هناك ما يرفع فلا معنى لفعلها.
وأيضا فإن كل عبادة فعلت قبل وجوبها لم تصح اعتبارا بالصلوات وسائر العبادات.
وثالثها: قال الشافعى: تجزئ بالإطعام والعتق والكسوة ولا تجزئ بالصوم لأن عمل البدن لا يقدم قبل وقته.
ويجزئ في غير ذلك تقديم الكفارة» .
6- أخذ العلماء من قوله- تعالى- وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ أن من الواجب على المؤمن أن يقلل من الأيمان فلا يلجأ إليها إلا عند الضرورة، وأن يحرص على أن يكون صادقا فيها حتى لا يحتاج إلى التكفير عنها وأن يبادر إلى التكفير عنها إذا كانت المصلحة تستدعى الحنث فيها، لما سبق أن ذكره القرطبي من حديث أبى موسى الأشعرى وحديث عدى بن حاتم.
ولما رواه الشيخان عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وأن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها.
وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير» .
هذا «وقد ساق صاحب المنار في نهاية تفسيره لهذه الآية بحوثا تتعلق بالأيمان فقال ما ملخصه:(أ) لا يجوز في الإسلام الحلف بغير الله تعالى- وأسمائه وصفاته، لما رواه الشيخان من حديث ابن عمر: «من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله» ورويا عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يحلف بأبيه فقال: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» .
روى أحمد والبخاري وأصحاب السنن عن ابن عمر أيضا قال: كان أكثر ما يحلف به النبي صلى الله عليه وسلم يحلف: لا ومقلب القلوب.
وهذه الأحاديث الصحيحة صريحة في حظر الحلف بغير الله تعالى ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم في عموم غير الله وكذلك الكعبة وسائر ما هو معظم شرعا تعظيما يليق به.
(ب) ثم قال ويجوز الحنث للمصلحة الراجحة فقد روى الشيخان وأحمد عن عبد الرحمن ابن سمرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حلفت على يمين ورأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك وفي رواية فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير» .
وينقسم الحلف باعتبار المحلوف عليه إلى أقسام:1- أن يحلف على فعل واجب وترك حرام، فهذا تأكيد لما كلفه الله إياه فيحرم الحنث ويكون إثمه مضاعفا.
2- أن يحلف على ترك واجب أو فعل محرم، فهذا يجب عليه الحنث، لأنه يمين معصية على ترك فريضة من الفرائض، أو حق من الحقوق الواجبة عليه.
3- أن يحلف على فعل مندوب أو ترك مكروه، فهذا طاعة فيندب له الوفاء ويكره الحنث كذا قال بعضهم.
والظاهر وجوب الوفاء كما قالوا في النذر.
4- أن يحلف على ترك مندوب أو فعل مكروه، فيستحب له الحنث ويكره التمادي كذا قالوا.
وظاهر الحديث وجوب الكفارة والحنث مطلقا.
5- أن يحلف على ترك مباح وقد اختلفوا فيه: فقال ابن الصباغ: إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال.
أى أن الحالف يوازن بين مقدار الضرر الذي سيترتب على الاستمرار في الترك، والخير الذي يجلبه الحنث، فإن رجح أحدهما مضى فيه.
(ج) ثم قال: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأيمان- بحسب صيغتها وأحكامها- ثلاثة أقسام:أحدهما: ما ليس من أيمان المسلمين وهو الحلف بالمخلوقات كالكعبة والملائكة والمشايخ والملوك والآباء ونحو ذلك، فهذه يمين غير منعقدة ولا كفارة فيها باتفاق العلماء بل هي منهى عنها باتفاق أهل العلم والنهى نهى تحريم في أصح الأقوال.
ففي الحديث: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» :الثاني: اليمين بالله كقول القائل: والله لأفعلن كذا.
فهذه يمين منعقدة فيها الكفارة إذا حنث فيها باتفاق المسلمين.
الثالث: أيمان المسلمين التي هي في معنى الحلف بالله، ومقصود الحالف بها تعظيم الخالق لا الحلف بالمخلوقات كالحلف بالنذر والطلاق والعتاق كقوله إن فعلت كذا فعلى صيام شهر أو الحج إلى بيت الله.
فهذه الأيمان للعلماء فيها أقوال أظهرها أنه إذا حنث فيها لزمته كفارة يمين كما قال- تعالى- ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ.
وقال تعالى قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ.
(د) ثم ختم صاحب المنار مباحثه بقوله: واليمين الغموس التي يهضم بها الحق أو يقصد بها الغش والخيانة، لن يكفرها عتق ولا صدقة ولا صيام، بل لا بد من التوبة وأداء الحقوق والاستقامة.
قال- تعالى- وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها، وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ .
وبذلك نرى الآية الكريمة قد بينت للمؤمنين ما يجب عليهم إذا ما حنثوا في أيمانهم، وحضتهم على حفظ أيمانهم، لكي ينالوا من الله- تعالى- الرضا والفلاح.
وبعد أن نهى الله المؤمنين عن تحريم ما أحله لهم، وأمرهم بأن يتمتعوا بما رزقهم من خير بدون إسراف أو تقتير، وبين لهم حكم ما عقدوه من أيمان بعد كل ذلك وجه- سبحانه- نداء ثانيا إليهم بين لهم فيه مضار الخمر وأشباهها من الرذائل، وأمرهم باجتنابها، فقال تعالى:

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

قد تقدم في سورة البقرة الكلام على لغو اليمين وإنه قول الرجل في الكلام من غير قصد : لا والله ، بلى والله ، وهذا مذهب الشافعي وقيل : هو في الهزل . وقيل : في المعصية . وقيل : على غلبة الظن وهو قول أبي حنيفة وأحمد . وقيل : اليمين في الغضب . وقيل : في النسيان . وقيل : هو الحلف على ترك المأكل والمشرب والملبس ونحو ذلك ، واستدلوا بقوله : ( لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم )والصحيح أنه اليمين من غير قصد ; بدليل قوله : ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) أي : بما صممتم عليه من الأيمان وقصدتموها ، فكفارته إطعام عشرة مساكين ؛ يعني : محاويج من الفقراء ، ومن لا يجد ما يكفيه .وقوله : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة : أي من أعدل ما تطعمون أهليكم .وقال عطاء الخراساني : من أمثل ما تطعمون أهليكم . قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن حجاج ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث ، عن علي قال : خبز ولبن ، خبز وسمن .وقال ابن أبي حاتم : أنبأنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن سليمان - يعني ابن أبي المغيرة - ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان الرجل يقوت بعض أهله قوت دون ، وبعضهم قوتا فيه سعة ، فقال الله تعالى : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) أي : من الخبز والزيت .وحدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، عن ابن عباس : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) قال : من عسرهم ويسرهم .وحدثنا عبد الرحمن بن خلف الحمصي ، حدثنا محمد بن شعيب - يعني ابن شابور - ، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن التميمي ، عن ليث بن أبي سليم ، عن عاصم الأحول عن رجل يقال له : عبد الرحمن ، عن ابن عمر أنه قال : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) قال : الخبز واللحم ، والخبز والسمن ، والخبز واللبن ، والخبز والزيت ، والخبز والخل .وحدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن ابن سيرين ، عن ابن عمر في قوله : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) قال : الخبز والسمن ، والخبز والزيت ، والخبز والتمر ، ومن أفضل ما تطعمون أهليكم : الخبز واللحم .ورواه ابن جرير ، عن هناد وابن وكيع كلاهما عن أبي معاوية . ثم روى ابن جرير ، عن عبيدة والأسود وشريح القاضي ومحمد بن سيرين والحسن والضحاك وأبي رزين : أنهم قالوا نحو ذلك ، وحكاه ابن أبي حاتم ، عن مكحول أيضا .واختار ابن جرير أن المراد بقوله : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) أي : في القلة والكثرة .ثم اختلف العلماء في مقدار ما يطعمهم ، فقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو سعيد ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن حجاج ، عن حصين الحارثي ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي [ رضي الله عنه ] في قوله : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) قال : يغذيهم ويعشيهم .وقال الحسن ومحمد بن سيرين : يكفيه أن يطعم عشرة مساكين أكلة واحدة خبزا ولحما ، زاد الحسن : فإن لم يجد فخبزا وسمنا ولبنا ، فإن لم يجد فخبزا وزيتا وخلا حتى يشبعوا .وقال آخرون : يطعم كل واحد من العشرة نصف صاع من بر أو تمر ، ونحوهما . هذا قول عمر وعلي وعائشة ومجاهد والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وميمون بن مهران وأبي مالك والضحاك والحاكم ومكحول وأبي قلابة ومقاتل بن حيان .وقال أبو حنيفة : نصف صاع [ من ] بر ، وصاع مما عداه .وقد قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن الثقفي ، حدثنا عبيد بن الحسن بن يوسف ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا زياد بن عبد الله بن الطفيل بن سخبرة ابن أخي عائشة لأمه ، حدثنا عمر بن يعلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر ، وأمر الناس به ، ومن لم يجد فنصف صاع من بر .ورواه ابن ماجه ، عن العباس بن يزيد ، عن زياد بن عبد الله البكائي ، عن عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي ، عن المنهال بن عمرو به .لا يصح هذا الحديث لحال عمر بن عبد الله هذا ، فإنه مجمع على ضعفه ، وذكروا أنه كان يشرب الخمر . وقال الدارقطني : متروك .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن إدريس ، عن داود - يعني ابن أبي هند - عن عكرمة ، عن ابن عباس : مد من بر - يعني لكل مسكين - ومعه إدامه .ثم قال : وروي عن ابن عمر وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء وعكرمة وأبي الشعثاء والقاسم وسالم وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار والحسن ومحمد بن سيرين والزهري نحو ذلك .وقال الشافعي : الواجب في كفارة اليمين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين . ولم يتعرض للأدم - واحتج بأمر النبي صلى الله عليه وسلم للذي جامع في رمضان بأن يطعم ستين مسكينا من مكيل يسع خمسة عشر صاعا لكل واحد منهم مد .وقد ورد حديث آخر صريح في ذلك ، فقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا أحمد بن علي بن الحسن المقري ، حدثنا محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا النضر بن زرارة الكوفي ، عن عبد الله بن عمر العمري ، عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقيم كفارة اليمين مدا من حنطة بالمد الأول .إسناده ضعيف ، لحال النضر بن زرارة بن عبد الأكرم الذهلي الكوفي نزيل بلخ قال فيه أبو حاتم الرازي : هو مجهول مع أنه قد روى عنه غير واحد . وذكره ابن حبان في الثقات وقال : روى عنه قتيبة بن سعيد أشياء مستقيمة ، فالله أعلم . ثم إن شيخه العمري ضعيف أيضا .وقال أحمد بن حنبل : الواجب مد من بر ، أو مدان من غيره . والله أعلم .وقوله : ( أو كسوتهم ) قال الشافعي رحمه الله : لو دفع إلى كل واحد من العشرة ما يصدق عليه اسم الكسوة من قميص أو سراويل أو إزار أو عمامة أو مقنعة أجزأه ذلك . واختلف أصحابه في القلنسوة : هل تجزئ أم لا ؟ على وجهين ، فمنهم من ذهب إلى الجواز ، احتجاجا بما رواه ابن أبي حاتم :حدثنا أبو سعيد الأشج وعمار بن خالد الواسطي ، قالا : حدثنا القاسم بن مالك عن محمد بن الزبير عن أبيه قال : سألت عمران بن حصين عن قوله : ( أو كسوتهم ) قال : لو أن وفدا قدموا على أميركم وكساهم قلنسوة قلنسوة ، قلتم : قد كسوا .ولكن هذا إسناد ضعيف ; لحال محمد بن الزبير هذا ، والله أعلم . وهكذا حكى الشيخ أبو حامد الاسفرايني في الخف وجهين أيضا ، والصحيح عدم الإجزاء .وقال مالك وأحمد بن حنبل : لا بد أن يدفع إلى كل واحد منهم من الكسوة ما يصح أن يصلي فيه ، إن كان رجلا أو امرأة ، كل بحسبه . والله أعلم .وقال العوفي ، عن ابن عباس : عباءة لكل مسكين ، أو ثملة .وقال مجاهد : أدناه ثوب ، وأعلاه ما شئت .وقال ليث عن مجاهد : يجزئ في كفارة اليمين كل شيء إلا التبان .وقال الحسن وأبو جعفر الباقر وعطاء وطاوس وإبراهيم النخعي وحماد بن أبى سليمان وأبو مالك : ثوب ثوب .وعن إبراهيم النخعي أيضا : ثوب جامع كالملحفة والرداء ، ولا يرى الدرع والقميص والخمار ونحوه جامعا .وقال الأنصاري ، عن أشعث ، عن ابن سيرين والحسن : ثوبان .وقال الثوري ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب : عمامة يلف بها رأسه ، وعباءة يلتحف بها .وقال ابن جرير : حدثنا هناد ، حدثنا ابن المبارك ، عن عاصم الأحول ، عن ابن سيرين ، عن أبي موسى أنه حلف على يمين ، فكسا ثوبين من معقدة البحرين .وقال ابن مردويه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن المعلى ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن مقاتل بن سليمان ، عن أبي عثمان ، عن أبي عياض عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ( أو كسوتهم ) قال : " عباءة لكل مسكين " . حديث غريب .وقوله : ( أو تحرير رقبة ) أخذ أبو حنيفة بإطلاقها ، فقال : تجزئ الكافرة كما تجزئ المؤمنة . وقال الشافعي وآخرون : لا بد أن تكون مؤمنة . وأخذ تقييدها بالإيمان من كفارة القتل ; لاتحاد الموجب وإن اختلف السبب ولحديث معاوية بن الحكم السلمي الذي هو في موطأ مالك ومسند الشافعي وصحيح مسلم : أنه ذكر أن عليه عتق رقبة ، وجاء معه بجارية سوداء ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أين الله؟ " قالت : في السماء . قال : " من أنا؟ " قالت : رسول الله . قال : " أعتقها فإنها مؤمنة " . الحديث بطوله .فهذه خصال ثلاث في كفارة اليمين أيها فعل الحانث أجزأ عنه بالإجماع . وقد بدأ بالأسهل فالأسهل ، فالإطعام أيسر من الكسوة ، كما أن الكسوة أيسر من العتق ، فرقي فيها من الأدنى إلى الأعلى . فإن لم يقدر المكلف على واحدة من هذه الخصال الثلاث كفر بصيام ثلاثة أيام ، كما قال تعالى : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام )وروى ابن جرير ، عن سعيد بن جبير والحسن البصري أنهما قالا من وجد ثلاثة دراهم لزمه الإطعام وإلا صام .وقال ابن جرير حاكيا عن بعض متأخري متفقهة زمانه أنه قال : جائز لمن لم يكن له فضل عن رأس مال يتصرف به لمعاشه ما يكفر به بالإطعام ، أن يصوم إلا أن يكون له كفاية ، ومن المال ما يتصرف به لمعاشه ، ومن الفضل عن ذلك ما يكفر به عن يمينه .ثم اختار ابن جرير : أنه الذي لا يفضل عن قوته وقوت عياله في يومه ذلك ما يخرج به كفارة اليمين .واختلف العلماء : هل يجب فيها التتابع أو يستحب ولا يجب ويجزئ التفريق؟ على قولين : أحدهما أنه لا يجب التتابع ، هذا منصوص الشافعي في كتاب " الأيمان " ، وهو قول مالك لإطلاق قوله : ( فصيام ثلاثة أيام ) وهو صادق على المجموعة والمفرقة ، كما في قضاء رمضان ; لقوله : ( فعدة من أيام أخر ) [ البقرة : 184 ] .ونص الشافعي في موضع آخر في " الأم " على وجوب التتابع ، كما هو قول الحنفية والحنابلة ; لأنه قد روي عن أبي بن كعب وغيرهم أنهم كانوا يقرءونها : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " .قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " .وحكاها مجاهد والشعبي وأبو إسحاق ، عن عبد الله بن مسعود .وقال إبراهيم : في قراءة عبد الله بن مسعود : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " .وقال الأعمش : كان أصحاب ابن مسعود يقرءونها كذلك .وهذه إذا لم يثبت كونها قرآنا متواترا ، فلا أقل أن يكون خبرا واحدا ، أو تفسيرا من الصحابي ، وهو في حكم المرفوع .وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن علي ، حدثنا محمد بن جعفر الأشعري ، حدثنا الهيثم بن خالد القرشي ، حدثنا يزيد بن قيس ، عن إسماعيل بن يحيى عن ابن عباس قال : لما نزلت آية الكفارات قال حذيفة : يا رسول الله ، نحن بالخيار؟ قال : " أنت بالخيار ، إن شئت أعتقت ، وإن شئت كسوت ، وإن شئت أطعمت ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات " .وهذا حديث غريب جدا .وقوله : ( ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم ) قال ابن جرير : معناه لا تتركوها بغير تكفير . ( كذلك يبين الله لكم آياته ) أي : يوضحها وينشرها ( لعلكم تشكرون )

﴿ تفسير القرطبي ﴾

لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرونفيه سبع وأربعون مسألة :الأولى : قوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم تقدم معنى اللغو في " البقرة " ومعنى في أيمانكم أي : من أيمانكم ، والأيمان جمع يمين ، وقيل : ويمين فعيل من اليمن وهو البركة ; سماها الله تعالى بذلك ; لأنها تحفظ الحقوق ، ويمين تذكر وتؤنث وتجمع أيمان وأيمن .
قال زهير :فتجمع أيمن منا ومنكمالثانية : واختلف في سبب نزول هذه الآية ; فقال ابن عباس : سبب نزولها القوم الذين حرموا طيبات المطاعم والملابس والمناكح على أنفسهم ، حلفوا على ذلك فلما نزلت لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم قالوا : كيف نصنع بأيماننا ؟ فنزلت هذه الآية .
والمعنى على هذا القول ; إذا أتيتم باليمين ثم ألغيتموها - أي : أسقطتم حكمها بالتكفير وكفرتم - فلا يؤاخذكم الله بذلك ; وإنما يؤاخذكم بما أقمتم عليه فلم تلغوه ; أي : فلم تكفروا ; فبان بهذا أن الحلف لا يحرم شيئا .
وهو دليل الشافعي على أن اليمين لا يتعلق بها تحريم الحلال ، وأن تحريم الحلال لغو ، كما أن تحليل الحرام لغو مثل قول القائل : استحللت شرب الخمر ، فتقتضي الآية على هذا القول أن الله تعالى جعل تحريم الحلال لغوا في أنه لا يحرم ; فقال : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم أي : بتحريم الحلال ، وروي أن عبد الله بن رواحة كان له أيتام وضيف ، فانقلب من شغله بعد ساعة من الليل .
فقال : أعشيتم ضيفي ؟ فقالوا : انتظرناك ; فقال : لا والله لا آكله الليلة ; فقال ضيفه : وما أنا بالذي يأكل ; وقال أيتامه : ونحن لا نأكل ; فلما رأى ذلك أكل وأكلوا .
ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له : أطعت الرحمن وعصيت الشيطان فنزلت الآية .
الثالثة : الأيمان في الشريعة على أربعة أقسام : قسمان فيهما الكفارة ، وقسمان لا كفارة فيهما .
خرج الدارقطني في سننه ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا خلف بن هشام حدثنا عبثر عن ليث عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ، قال : الأيمان أربعة ، يمينان يكفران ويمينان لا يكفران ; فاليمينان اللذان يكفران فالرجل الذي يحلف والله لا أفعل كذا وكذا فيفعل ، والرجل يقول والله لأفعلن كذا وكذا فلا يفعل ، واليمينان اللذان لا يكفران فالرجل يحلف والله ما فعلت كذا وكذا وقد فعل ، والرجل يحلف لقد فعلت كذا وكذا ولم يفعله .
قال ابن عبد البر : وذكر سفيان الثوري في ( جامعه ) وذكره المروزي عنه أيضا ، قال سفيان : الأيمان أربعة ; يمينان يكفران وهو أن يقول الرجل والله لا أفعل فيفعل ، أو يقول والله لأفعلن ثم لا يفعل ; ويمينان لا يكفران وهو أن يقول الرجل والله ما فعلت وقد فعل ، أو يقول والله لقد فعلت وما فعل ; قال المروزي : أما اليمينان الأوليان فلا اختلاف فيهما بين العلماء على ما قال سفيان ; وأما اليمينان الأخريان فقد اختلف أهل العلم فيهما ; فإن كان الحالف حلف على أنه لم يفعل كذا وكذا ، أو أنه قد فعل كذا وكذا عند نفسه صادقا يرى أنه على ما حلف عليه فلا إثم عليه ولا كفارة عليه في قول مالك وسفيان الثوري وأصحاب الرأي وكذلك قال أحمد وأبو عبيد ; وقال الشافعي لا إثم عليه وعليه الكفارة .
قال المروزي : وليس قول الشافعي في هذا بالقوي .
قال : وإن كان الحالف على أنه لم يفعل كذا وكذا وقد فعل متعمدا للكذب فهو آثم ولا كفارة عليه في قول عامة العلماء : مالك وسفيان الثوري وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وأبي ثور وأبي عبيد ، وكان الشافعي يقول يكفر ; قال : وقد روي عن بعض التابعين مثل قول الشافعي .
قال المروزي : أميل إلى قول مالك وأحمد .
قال : فأما يمين اللغو الذي اتفق عامة العلماء على أنها لغو فهو قول الرجل : لا والله ، وبلى والله في حديثه ، وكلامه غير منعقد لليمين ولا مريدها .
قال الشافعي : وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة .
الرابعة : قوله تعالى : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان مخفف القاف من العقد ، والعقد على ضربين حسي كعقد الحبل ، وحكمي كعقد البيع ; قال الشاعر ( هو الحطيئة ) :قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربافاليمين المنعقدة منفعلة من العقد ، وهي عقد القلب في المستقبل ألا يفعل ففعل ; أو ليفعلن فلا يفعل كما تقدم .
فهذه التي يحلها الاستثناء والكفارة على ما يأتي ، وقرئ " عاقدتم " بألف بعد العين على وزن فاعل وذلك لا يكون إلا من اثنين في الأكثر ، وقد يكون الثاني من حلف لأجله في كلام وقع معه ، أو يكون المعنى بما عاقدتم عليه الأيمان ; لأن عاقد قريب من معنى عاهد فعدي بحرف الجر ، لما كان في معنى عاهد ، وعاهد يتعدى إلى مفعولين الثاني منهما بحرف جر ; قال الله تعالى : ومن أوفى بما عاهد عليه الله وهذا كما عديت ناديتم إلى الصلاة بإلى ، وبابها أن تقول ناديت زيدا وناديناه من جانب الطور الأيمن لكن لما كانت بمعنى دعوت عدي بإلى ; قال الله تعالى : ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ثم اتسع في قوله تعالى : " عاقدتم عليه الأيمان " .
فحذف حرف الجر ; فوصل الفعل إلى المفعول فصار عاقدتموه ، ثم حذفت الهاء كما حذفت من قوله تعالى : فاصدع بما تؤمر .
أو يكون فاعل بمعنى فعل كما قال تعالى : قاتلهم الله أي : قتلهم ، وقد تأتي المفاعلة في كلام العرب من واحد بغير معنى ( فاعلت ) كقولهم : سافرت وظاهرت ، وقرئ " عقدتم " بتشديد القاف .
قال مجاهد : معناه تعمدتم أي : قصدتم ، وروي عن ابن عمر أن التشديد يقتضي التكرار فلا تجب عليه الكفارة إلا إذا كرر ، وهذا يرده ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني .
فذكر وجوب الكفارة في اليمين التي لم تتكرر .
قال أبو عبيد : التشديد يقتضي التكرير مرة بعد مرة ، ولست آمن أن يلزم من قرأ بتلك القراءة ألا توجب عليه كفارة في اليمين الواحدة حتى يرددها مرارا .
وهذا قول خلاف الإجماع .
وروى نافع أن ابن عمر كان إذا حنث من غير أن يؤكد اليمين أطعم عشرة مساكين ، فإذا وكد اليمين أعتق رقبة .
قيل لنافع ما معنى وكد اليمين ؟ قال : أن يحلف على الشيء مرارا .
الخامسة : اختلف في اليمين الغموس هل هي يمين منعقدة أم لا ؟ فالذي عليه الجمهور أنها يمين مكر وخديعة وكذب فلا تنعقد ولا كفارة فيها ، وقال الشافعي : هي يمين منعقدة ; لأنها مكتسبة بالقلب ، معقودة بخبر ، مقرونة باسم الله تعالى ، وفيها الكفارة ، والصحيح الأول .
قال ابن المنذر : وهذا قول مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة ، وبه قال الأوزاعي ومن وافقه من أهل الشام ، وهو قول الثوري وأهل العراق ، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد ، وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي من أهل الكوفة ; قال أبو بكر : وقول النبي صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه وقوله : فليكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير يدل على أن الكفارة إنما تجب فيمن حلف على فعل يفعله مما يستقبل فلا يفعله ، أو على فعل ألا يفعله فيما يستقبل فيفعله .
وفي المسألة قول ثان وهو أن يكفر وإن أثم وعمد الحلف بالله كاذبا ; هذا قول الشافعي .
قال أبو بكر : ولا نعلم خبرا يدل على هذا القول ، والكتاب والسنة دالان على القول الأول ; قال الله تعالى : ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس قال ابن عباس : هو الرجل يحلف ألا يصل قرابته فجعل الله له مخرجا في التكفير ، وأمره ألا يعتل بالله وليكفر عن يمينه ، والأخبار دالة على أن اليمين التي يحلف بها الرجل يقتطع بها مالا حراما هي أعظم من أن يكفرها ما يكفر اليمين .
قال ابن العربي : الآية وردت بقسمين : لغو ومنعقدة ، وخرجت على الغالب في أيمان الناس فدع ما بعدها يكون مائة قسم فإنه لم تعلق عليه كفارة .
قلت : خرج البخاري عن عبد الله بن عمرو قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال : الإشراك بالله قال : ثم ماذا ؟ قال : عقوق الوالدين قال : ثم ماذا ؟ قال : اليمين الغموس قلت : وما اليمين الغموس ؟ قال : التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب ، وخرج مسلم عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال رجل : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ قال : وإن كان قضيبا من أراك ، ومن حديث عبد الله بن مسعود ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان .
فنزلت إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية ولم يذكر كفارة ، فلو أوجبنا عليه كفارة لسقط جرمه ، ولقي الله وهو عنه راض ، ولم يستحق الوعيد المتوعد عليه ; وكيف لا يكون ذلك وقد جمع هذا الحالف الكذب ، واستحلال مال الغير ، والاستخفاف باليمين بالله تعالى ، والتهاون بها وتعظيم الدنيا ؟ فأهان ما عظمه الله ، وعظم ما حقره الله وحسبك ، ولهذا قيل : إنما سميت اليمين الغموس غموسا لأنها تغمس صاحبها في النار .
السادسة : الحالف بألا يفعل على بر ما لم يفعل ، فإن فعل حنث ولزمته الكفارة لوجود المخالفة منه ; وكذلك إذا قال إن فعلت ، وإذا حلف بأن ليفعلن فإنه في الحال على حنث لوجود المخالفة ، فإن فعل بر ، وكذلك إن قال إن لم أفعل .
السابعة : قول الحالف : لأفعلن ; وإن لم أفعل ، بمنزلة الأمر وقوله : لا أفعل ، وإن فعلت ، بمنزلة النهي .
ففي الأول لا يبر حتى يفعل جميع المحلوف عليه : مثاله لآكلن هذا الرغيف فأكل بعضه لا يبر حتى يأكل جميعه : لأن كل جزء منه محلوف عليه .
فإن قال : والله لآكلن - مطلقا - فإنه يبر بأقل جزء مما يقع عليه الاسم ; لإدخال ماهية الأكل في الوجود .
وأما في النهي فإنه يحنث بأقل ما ينطلق عليه الاسم ; لأن مقتضاه ألا يدخل فرد من أفراد المنهي عنه في الوجود ; فإن حلف ألا يدخل دارا فأدخل إحدى رجليه حنث ; والدليل عليه أنا وجدنا الشارع غلظ جهة التحريم بأول الاسم في قوله تعالى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم ; فمن عقد على امرأة ولم يدخل بها حرمت على أبيه وابنه ، ولم يكتف في جهة التحليل بأول الاسم فقال : ( لا حتى تذوقي عسيلته ) .
الثامنة : المحلوف به هو الله سبحانه وأسماؤه الحسنى ، كالرحمن والرحيم والسميع والعليم والحليم ، ونحو ذلك من أسمائه وصفاته العليا ، كعزته وقدرته وعلمه وإرادته وكبريائه وعظمته وعهده وميثاقه وسائر صفات ذاته ; لأنها يمين بقديم غير مخلوق ، فكان الحالف بها كالحالف بالذات .
روى الترمذي والنسائي وغيرهما أن جبريل عليه السلام لما نظر إلى الجنة ورجع إلى الله تعالى قال : وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها ، وكذلك قال في النار : وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها ، وخرجا أيضا وغيرهما عن ابن عمر قال : كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم لا ومقلب القلوب وفى رواية لا ومصرف القلوب وأجمع أهل العلم على أن من حلف فقال : والله أو بالله أو تالله فحنث أن عليه الكفارة .
قال ابن المنذر : وكان مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وإسحاق وأصحاب الرأي يقولون : من حلف باسم من أسماء الله وحنث فعليه الكفارة ، وبه نقول ولا أعلم في ذلك خلافا .
قلت : قد نقل ( في باب ذكر الحلف بالقرآن ) ; وقال يعقوب : من حلف بالرحمن فحنث فلا كفارة عليه .
قلت : والرحمن من أسمائه سبحانه مجمع عليه ولا خلاف فيه .
التاسعة : واختلفوا في وحق الله وعظمة الله وقدرة الله وعلم الله ولعمر الله وايم الله ; فقال مالك : كلها أيمان تجب فيها الكفارة ، وقال الشافعي : في وحق الله وجلال الله وعظمة الله وقدرة الله ، يمين إن نوى بها اليمين ، وإن لم يرد اليمين فليست بيمين ; لأنه يحتمل وحق الله واجب وقدرته ماضية ، وقال في أمانة الله : ليست بيمين ، ولعمر الله وايم الله إن لم يرد بها اليمين فليست بيمين ، وقال أصحاب الرأي إذا قال : وعظمة الله وعزة الله وجلال الله وكبرياء الله وأمانة الله فحنث فعليه الكفارة ، وقال الحسن في وحق الله : ليست بيمين ولا كفارة فيها ; وهو قول أبي حنيفة حكاه عنه الرازي ، وكذلك عهد الله وميثاقه وأمانته ليست بيمين ، وقال بعض أصحابه هي يمين ، وقال الطحاوي : ليست بيمين ، وكذا إذا قال : وعلم الله لم يكن يمينا في قول أبي حنيفة ، وخالفه صاحبه أبو يوسف فقال : يكون يمينا .
قال ابن العربي : والذي أوقعه في ذلك أن العلم قد ينطلق على المعلوم وهو المحدث فلا يكون يمينا ، وذهل عن أن القدرة تنطلق على المقدور ، فكل كلام له في المقدور فهو حجتنا في المعلوم .
قال ابن المنذر : وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وايم الله إن كان لخليقا للإمارة في قصة زيد وابنه أسامة ، وكان ابن عباس يقول : وايم الله ; وكذلك قال ابن عمر ، وقال إسحاق : إذا أراد بايم الله يمينا كانت يمينا بالإرادة وعقد القلب .
العاشرة : واختلفوا في الحلف بالقرآن ; فقال ابن مسعود : عليه بكل آية يمين ; وبه قال الحسن البصري وابن المبارك ، وقال أحمد : ما أعلم شيئا يدفعه ، وقال أبو عبيد : يكون يمينا واحدة ، وقال أبو حنيفة : لا كفارة عليه ، وكان قتادة يحلف بالمصحف ، وقال أحمد وإسحاق لا نكره ذلك .
الحادية عشرة لا تنعقد اليمين بغير الله تعالى وأسمائه وصفاته ، وقال أحمد بن حنبل : إذا حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم انعقدت يمينه ; لأنه حلف بما لا يتم الإيمان إلا به فتلزمه الكفارة كما لو حلف بالله ، وهذا يرده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وعمر يحلف بأبيه ، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت وهذا حصر في عدم الحلف بكل شيء سوى الله تعالى وأسمائه وصفاته كما ذكرنا ، ومما يحقق ذلك ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون ثم ينتقض عليه بمن قال : وآدم وإبراهيم فإنه لا كفارة عليه ، وقد حلف بما لا يتم الإيمان إلا به .
الثانية عشرة : روى الأئمة واللفظ لمسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف منكم فقال في حلفه باللات فليقل لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق .
وخرج النسائي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : كنا نذكر بعض الأمر وأنا حديث عهد بالجاهلية فحلفت باللات والعزى ، فقال لي بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئس ما قلت : وفي رواية قلت هجرا ; فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وانفث عن يسارك ثلاثا وتعوذ بالله من الشيطان ثم لا تعد .
قال العلماء : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من نطق بذلك أن يقول بعده لا إله إلا الله تكفيرا لتلك اللفظة ، وتذكيرا من الغفلة ، وإتماما للنعمة ، وخص اللات بالذكر لأنها أكثر ما كانت تجري على ألسنتهم ، وحكم غيرها من أسماء آلهتهم حكمها إذ لا فرق بينها ، وكذا من قال لصاحبه : تعال أقامرك فليتصدق فالقول فيه كالقول في اللات ; لأنهم كانوا اعتادوا المقامرة وهي من أكل المال بالباطل .
الثالثة عشرة : قال أبو حنيفة في الرجل يقول : هو يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو من النبي أو من القرآن أو أشرك بالله أو أكفر بالله : إنها يمين تلزم فيها الكفارة ، ولا تلزم فيما إذا قال : واليهودية والنصرانية والنبي والكعبة وإن كانت على صيغة الأيمان ، ومتمسكه ما رواه الدارقطني عن أبي رافع أن مولاته أرادت أن تفرق بينه وبين امرأته فقالت : هي يوما يهودية ، ويوما نصرانية ، وكل مملوك لها حر ; وكل مال لها في سبيل الله ، وعليها مشي إلى بيت الله إن لم تفرق بينهما ، فسألت عائشة وحفصة وابن عمر وابن عباس وأم سلمة فكلهم قال لها : أتريدين أن تكوني مثل هاروت وماروت ؟ وأمروها أن تكفر عن يمينها وتخلي بينهما ، وخرج أيضا عنه قال : قالت مولاتي لأفرقن بينك وبين امرأتك ، وكل مال لها في رتاج الكعبة وهي يوما يهودية ويوما نصرانية ويوما مجوسية إن لم أفرق بينك وبين امرأتك ; قال : فانطلقت إلى أم المؤمنين أم سلمة فقلت : إن مولاتي تريد أن تفرق بيني وبين امرأتي ; فقالت انطلق إلى مولاتك فقل لها : إن هذا لا يحل لك ; قال : فرجعت إليها ; قال ثم أتيت ابن عمر فأخبرته فجاء حتى انتهى إلى الباب فقال : هاهنا هاروت وماروت ; فقالت : إني جعلت كل مال لي في رتاج الكعبة .
قال : فمم تأكلين ؟ قالت : وقلت أنا يوما يهودية ويوما نصرانية ويوما مجوسية ; فقال : إن تهودت قتلت وإن تنصرت قتلت وإن تمجست قتلت ; قالت : فما تأمرني ؟ قال : تكفرين عن يمينك ، وتجمعين بين فتاك وفتاتك ، وأجمع العلماء على أن الحالف إذا قال : أقسم بالله أنها يمين ، واختلفوا إذا قال أقسم أو أشهد ليكونن كذا وكذا ولم يقل بالله فإنها تكون أيمانا عند مالك إذا أراد بالله ، وإن لم يرد بالله لم تكن أيمانا تكفر ، وقال أبو حنيفة والأوزاعي والحسن والنخعي : هي أيمان في الموضعين ، وقال الشافعي : لا تكون أيمانا حتى يذكر اسم الله تعالى ; هذه رواية المزني عنه ، وروى عنه الربيع مثل قول مالك .
الرابعة عشرة : إذا قال : أقسمت عليك لتفعلن ; فإن أراد سؤاله فلا كفارة فيه وليست بيمين ; وإن أراد اليمين كان ما ذكرناه آنفا .
الخامسة عشرة : من حلف بما يضاف إلى الله تعالى مما ليس بصفة كقوله : وخلق الله ورزقه وبيته لا شيء عليه ; لأنها أيمان غير جائزة ، وحلف بغير الله تعالى .
السادسة عشرة : إذا انعقدت اليمين حلتها الكفارة أو الاستثناء ، وقال ابن الماجشون : الاستثناء بدل عن الكفارة وليست حلا لليمين .
قال ابن القاسم : هي حل لليمين ; وقال ابن العربي : وهو مذهب فقهاء الأمصار وهو الصحيح ; وشرطه أن يكون متصلا منطوقا به لفظا ; لما رواه النسائي وأبو داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حلف فاستثنى فإن شاء مضى وإن شاء ترك عن غير حنث فإن نواه من غير نطق أو قطعه من غير عذر لم ينفعه ، وقال محمد بن المواز : يكون الاستثناء مقترنا باليمين اعتقادا ولو بآخر حرف ; قال : فإن فرغ منها واستثنى لم ينفعه ذلك ; لأن اليمين فرغت عارية من الاستثناء ، فورودها بعده لا يؤثر كالتراخي ; وهذا يرده الحديث من حلف فاستثنى ، والفاء للتعقيب وعليه جمهور أهل العلم ، وأيضا فإن ذلك يؤدي إلى ألا تنحل يمين ابتدئ عقدها وذلك باطل ، وقال ابن خويز منداد : واختلف أصحابنا متى استثنى في نفسه تخصيص ما حلف عليه ، فقال بعض أصحابنا : يصح استثناؤه وقد ظلم المحلوف له .
وقال بعضهم : لا يصح حتى يسمع المحلوف له ، وقال بعضهم : يصح إذا حرك به لسانه وشفتيه وإن لم يسمع المحلوف له .
قال ابن خويز منداد : وإنما قلنا يصح استثناؤه في نفسه ، فلأن الأيمان تعتبر بالنيات ، وإنما قلنا لا يصح ذلك حتى يحرك به لسانه وشفتيه ، فإن من لم يحرك به لسانه وشفتيه لم يكن متكلما ، والاستثناء من الكلام يقع بالكلام دون غيره ; وإنما قلنا لا يصح بحال فلأن ذلك حق للمحلوف له ، وإنما يقع على حسب ما يستوفيه له الحاكم ، فلما لم تكن اليمين على اختيار الحالف بل كانت مستوفاة منه ، وجب ألا يكون له فيها حكم ، وقال ابن عباس : يدرك الاستثناء اليمين بعد سنة ; وتابعه على ذلك أبو العالية والحسن وتعلق بقوله تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية ; فلما كان بعد عام نزل إلا من تاب ، وقال مجاهد : من قال بعد سنتين إن شاء الله أجزأه ، وقال سعيد بن جبير : إن استثنى بعد أربعة أشهر أجزأه ، وقال طاوس : له أن يستثني ما دام في مجلسه ، وقال قتادة : إن استثنى قبل أن يقوم أو يتكلم فله ثنياه .
وقال أحمد بن حنبل وإسحاق : يستثني ما دام في ذلك الأمر ، وقال عطاء : له ذلك قدر حلب الناقة الغزيرة .
السابعة عشرة : قال ابن العربي : أما ما تعلق به ابن عباس من الآية فلا متعلق له فيها ; لأن الآيتين كانتا متصلتين في علم الله وفي لوحه ، وإنما تأخر نزولها لحكمة علم الله ذلك فيها ، أما إنه يتركب عليها فرع حسن ; وهو أن الحالف إذا قال والله لا دخلت الدار ، وأنت طالق إن دخلت الدار ، واستثنى في يمينه الأول إن شاء الله في قلبه ، واستثنى في اليمين الثانية في قلبه أيضا ما يصلح للاستثناء الذي يرفع اليمين لمدة أو سبب أو مشيئة أحد ، ولم يظهر شيئا من الاستثناء إرهابا على المحلوف له ، فإن ذلك ينفعه ولا تنعقد اليمينان عليه ; وهذا في الطلاق ما لم تحضره البينة ; فإن حضرته بينة لم تقبل منه دعواه الاستثناء ، وإنما يكون ذلك نافعا له إذا جاء مستفتيا .
قلت : وجه الاستثناء أن الله تعالى أظهر الآية الأولى وأخفى الثانية ، فكذلك الحالف إذا حلف إرهابا وأخفى الاستثناء ، والله أعلم .
قال ابن العربي : وكان أبو الفضل المراغي يقرأ بمدينة السلام ، وكانت الكتب تأتي إليه من بلده ، فيضعها في صندوق ولا يقرأ منها واحدا مخافة أن يطلع فيها على ما يزعجه ويقطع به عن طلبه ; فلما كان بعد خمسة أعوام وقضى غرضا من الطلب وعزم على الرحيل ، شد رحله وأبرز كتبه وأخرج تلك الرسائل ، فقرأ فيها ما لو أن واحدا منها يقرؤه بعد وصوله ما تمكن بعده من تحصيل حرف من العلم ، فحمد الله ورحل على دابة قماشه وخرج إلى باب الحلبة طريق خراسان ، وتقدمه الكري بالدابة وأقام هو على فامي يبتاع منه سفرته ، فبينما هو يحاول ذلك معه إذ سمعه يقول لفامي آخر : أما سمعت العالم يقول - يعني الواعظ - إن ابن عباس يجوز الاستثناء ولو بعد سنة ، لقد اشتغل بذلك بالي منذ سمعته فظللت فيه متفكرا ، ولو كان ذلك صحيحا لما قال الله تعالى لأيوب : وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث وما الذي يمنعه من أن يقول : قل إن شاء الله ! فلما سمعه يقول ذلك قال : بلد يكون فيه الفاميون بهذا الحظ من العلم وهذه المرتبة أخرج عنه إلى المراغة ؟ لا أفعله أبدا ; واقتفى أثر الكري وحلله من الكراء وأقام بها حتى مات .
الثامنة عشرة : الاستثناء إنما يرفع اليمين بالله تعالى إذ هي رخصة من الله تعالى ، ولا خلاف في هذا ، واختلفوا في الاستثناء في اليمين بغير الله ; فقال الشافعي وأبو حنيفة : الاستثناء يقع في كل يمين كالطلاق والعتاق وغير ذلك كاليمين بالله تعالى : قال أبو عمر : ما أجمعوا عليه فهو الحق ، وإنما ورد التوقيف بالاستثناء في اليمين بالله عز وجل لا في غير ذلك .
التاسعة عشرة : قوله تعالى : فكفارته اختلف العلماء في تقديم الكفارة على الحنث هل تجزئ أم لا ؟ - بعد إجماعهم على أن الحنث قبل الكفارة مباح حسن وهو عندهم أولى - على ثلاثة أقوال :أحدها : يجزئ مطلقا وهو مذهب أربعة عشر من الصحابة وجمهور الفقهاء وهو مشهور مذهب مالك ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يجزئ بوجه ، وهي رواية أشهب عن مالك ; وجه الجواز ما رواه أبو موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خيرخرجه أبو داود ; ومن جهة المعنى أن اليمين سبب الكفارة ; لقوله تعالى : ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم فأضاف الكفارة إلى اليمين والمعاني تضاف إلى أسبابها ; وأيضا فإن الكفارة بدل عن البر فيجوز تقديمها قبل الحنث .
ووجه المنع ما رواه مسلم عن عدي بن حاتم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير زاد النسائي وليكفر عن يمينه ومن جهة المعنى أن الكفارة إنما هي لرفع الإثم ، وما لم يحنث لم يكن هناك ما يرفع فلا معنى لفعلها ; وكان معنى قوله تعالى : إذا حلفتم أي : إذا حلفتم وحنثتم ، وأيضا فإن كل عبادة فعلت قبل وجوبها لم تصح اعتبارا بالصلوات وسائر العبادات ، وقال الشافعي : تجزئ بالإطعام والعتق والكسوة ، ولا تجزئ بالصوم ; لأن عمل البدن لا يقوم قبل وقته ، ويجزئ في غير ذلك تقديم الكفارة ; وهو القول الثالث .
الموفية عشرين : ذكر الله سبحانه في الكفارة الخلال الثلاث فخير فيها ، وعقب عند عدمها بالصيام ، وبدأ بالطعام لأنه كان الأفضل في بلاد الحجاز لغلبة الحاجة إليه وعدم شبعهم ، ولا خلاف في أن كفارة اليمين على التخيير ; قال ابن العربي : والذي عندي أنها تكون بحسب الحال ; فإن علمت محتاجا فالطعام أفضل ; لأنك إذا أعتقت لم تدفع حاجتهم وزدت محتاجا حادي عشر إليهم ، وكذلك الكسوة تليه ، ولما علم الله الحاجة بدأ بالمقدم المهم .
الحادية والعشرون : قوله تعالى : إطعام عشرة مساكين لا بد عندنا وعند الشافعي من تمليك المساكين ما يخرج لهم ، ودفعه إليهم حتى يتملكوه ويتصرفوا فيه ; لقوله تعالى : وهو يطعم ولا يطعم وفي الحديث أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجد السدس ; ولأنه أحد نوعي الكفارة فلم يجز فيها إلا التمليك ; أصله الكسوة ، وقال أبو حنيفة : لو غداهم وعشاهم جاز ; وهو اختيار ابن الماجشون من علمائنا ; قال ابن الماجشون : إن التمكين من الطعام إطعام ، قال الله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا فبأي وجه أطعمه دخل في الآية .
الثانية والعشرون : قوله تعالى : من أوسط ما تطعمون أهليكم قد تقدم في " البقرة " أن الوسط بمعنى الأعلى والخيار ، وهو هنا منزلة بين منزلتين ونصف بين طرفين ، ومنه الحديث خير الأمور أوسطها ، وخرج ابن ماجه ; حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن سليمان بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان الرجل يقوت أهله قوتا فيه سعة وكان الرجل يقوت أهله قوتا فيه شدة ; فنزلت : من أوسط ما تطعمون أهليكم ، وهذا يدل على أن الوسط ما ذكرناه وهو ما كان بين شيئين .
الثالثة والعشرون : الإطعام عند مالك مد لكل واحد من المساكين العشرة ، إن كان بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم ; وبه قال الشافعي وأهل المدينة .
قال سليمان بن يسار : أدركت الناس وهم إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدا من حنطة بالمد الأصغر ، ورأوا ذلك مجزئا عنهم ; وهو قول ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وبه قال عطاء بن أبي رباح ، واختلف إذا كان بغيرها ; فقال ابن القاسم : يجزئه المد بكل مكان ، وقال ابن المواز : أفتى ابن وهب بمصر بمد ونصف ، وأشهب بمد وثلث ; قال : وإن مدا وثلثا لوسط من عيش الأمصار في الغداء والعشاء ، وقال أبو حنيفة : يخرج من البر نصف صاع ، ومن التمر والشعير صاعا ; على حديث عبد الله بن ثعلبة بن صعير عن أبيه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فأمر بصدقة الفطر صاع من تمر ، أو صاع من شعير عن كل رأس ، أو صاع بر بين اثنين ، وبه أخذ سفيان وابن المبارك ، وروي عن علي وعمر وابن عمر وعائشة ، رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب ، وهو قول عامة فقهاء العراق ; لما رواه ابن عباس قال : كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس بذلك ، فمن لم يجد فنصف صاع من بر من أوسط ما تطعمون أهليكم ; خرجه ابن ماجه في سننه .
الرابعة والعشرون : لا يجوز أن يطعم غنيا ولا ذا رحم تلزمه نفقته ، وإن كان ممن لا تلزمه نفقته فقد قال مالك : لا يعجبني أن يطعمه ، ولكن إن فعل وكان فقيرا أجزأه ، فإن أطعم غنيا جاهلا بغناه ففي " المدونة " وغير كتاب لا يجزئ ، وفي " الأسدية " أنه يجزئ .
الخامسة والعشرون : ويخرج الرجل مما يأكل ; قال ابن العربي : وقد زلت هنا جماعة من العلماء فقالوا : إنه إذا كان يأكل الشعير ويأكل الناس البر فليخرج مما يأكل الناس ; وهذا سهو بين فإن المكفر إذا لم يستطع في خاصة نفسه إلا الشعير لم يكلف أن يعطي لغيره سواه ; وقد قال صلى الله عليه وسلم : صاعا من طعام صاعا من شعير ففصل ذكرهما ليخرج كل أحد فرضه مما يأكل ; وهذا مما لا خفاء فيه .
السادسة والعشرون : قال مالك : إن غدى عشرة مساكين وعشاهم أجزأه ، وقال الشافعي : لا يجوز أن يطعمهم جملة واحدة ; لأنهم يختلفون في الأكل ، ولكن يعطي كل مسكين مدا ، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لا يجزئ إطعام العشرة وجبة واحدة ; يعني غداء دون عشاء ، أو عشاء دون غداء ، حتى يغديهم ويعشيهم ; قال أبو عمر : وهو قول أئمة الفتوى بالأمصار .
السابعة والعشرون : قال ابن حبيب : ولا يجزئ الخبز قفارا بل يعطي معه إدامه زيتا أو كشكا أو كامخا أو ما تيسر ; قال ابن العربي : هذه زيادة ما أراها واجبة أما إنه يستحب له أن يطعم مع الخبز السكر - نعم - واللحم ، وأما تعيين الإدام للطعام فلا سبيل إليه ; لأن اللفظ لا يتضمنه .
قلت : نزول الآية في الوسط يقتضي الخبز والزيت أو الخل ، وما كان في معناه من الجبن والكشك كما قال ابن حبيب ، والله أعلم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم الإدام الخل وقال الحسن البصري : إن أطعمهم خبزا ولحما ، أو خبزا وزيتا مرة واحدة في اليوم حتى يشبعوا أجزأه ، وهو قول ابن سيرين وجابر بن زيد ومكحول ، وروي ذلك عن أنس بن مالك .
الثامنة والعشرون : لا يجوز عندنا دفع الكفارة إلى مسكين واحد ، وبه قال الشافعي ، وأصحاب أبي حنيفة يمنعون صرف الجميع إلى واحد دفعة واحدة ، ويختلفون فيما إذا صرف الجميع في يوم واحد بدفعات مختلفة ; فمنهم من أجاز ذلك ، وأنه إذا تعدد الفعل حسن أن يقال في الفعل الثاني لا يمنع من الذي دفعت إليه أولا ; فإن اسم المسكين يتناوله ، وقال آخرون : يجوز دفع ذلك إليه في أيام ، وإن تعدد الأيام يقوم مقام أعداد المساكين ، وقال أبو حنيفة : يجزئه ذلك ; لأن المقصود من الآية التعريف بقدر ما يطعم ، فلو دفع ذلك القدر لواحد أجزأه ، ودليلنا نص الله تعالى على العشرة فلا يجوز العدول عنهم ، وأيضا فإن فيه إحياء جماعة من المسلمين وكفايتهم يوما واحدا ، فيتفرغون فيه لعبادة الله تبارك وتعالى ولدعائه ، فيغفر للمكفر بسبب ذلك ، والله أعلم .
التاسعة والعشرون : قوله تعالى : فكفارته الضمير على الصناعة النحوية عائدا على ( ما ) ويحتمل في هذا الموضع أن تكون بمعنى الذي ، ويحتمل أن تكون مصدرية .
أو يعود على إثم الحنث وإن لم يجر له ذكر صريح ولكن المعنى يقتضيه .
الموفية ثلاثين : قوله تعالى : أهليكم هو جمع أهل على السلامة ، وقرأ جعفر بن محمد الصادق : ( أهاليكم ) وهذا جمع مكسر ; قال أبو الفتح : أهال بمنزلة ليال واحدها أهلات وليلات ; والعرب تقول : أهل وأهلة .
قال الشاعر ( هو أبو الطمحان القيني ) :وأهلة ود قد تبريت ودهم وأبليتهم في الجهد حمدي ونائلييقول : تعرضت لودهم ; قاله ابن السكيت .
الحادية والثلاثون : قوله تعالى : أو كسوتهم قرئ بكسر الكاف وضمها هما لغتان مثل إسوة وأسوة .
وقرأ سعيد بن جبير ومحمد بن السميقع اليماني : ( أو كإسوتهم ) يعني كإسوة أهلك ، والكسوة في حق الرجال الثوب الواحد الساتر لجميع الجسد ; فأما في حق النساء فأقل ما يجزئهن فيه الصلاة ، وهو الدرع والخمار ، وهكذا حكم الصغار .
قال ابن القاسم في ( العتبية ) : تكسى الصغيرة كسوة كبيرة ، والصغير كسوة كبير ، قياسا على الطعام ، وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي : أقل ما يقع عليه الاسم وذلك ثوب واحد ; وفي رواية أبي الفرج عن مالك ، وبه قال إبراهيم النخعي ومغيرة : ما يستر جميع البدن ; بناء على أن الصلاة لا تجزئ في أقل من ذلك .
وروي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال : نعم الثوب التبان ; أسنده الطبري .
وقال الحكم بن عتيبة تجزئ عمامة يلف بها رأسه ، وهو قول الثوري .
قال ابن العربي : وما كان أحرصني على أن يقال : إنه لا يجزئ إلا كسوة تستر عن أذى الحر والبرد كما أن عليه طعاما يشبعه من الرجوع فأقول به ، وأما القول بمئزر واحد فلا أدريه ; والله يفتح لي ولكم في المعرفة بعونه .
قلت : قد راعى قوم معهود الزي والكسوة المتعارفة ; فقال بعضهم : لا يجزئ الثوب الواحد إلا إذا كان جامعا مما قد يتزيا به كالكساء والملحفة ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : الكسوة في كفارة اليمين لكل مسكين ثوب وإزار ، أو رداء أو قميص أو قباء أو كساء ، وروي عن أبي موسى الأشعري أنه أمر أن يكسي عنه ثوبين ثوبين ; وبه قال الحسن وابن سيرين وهذا معنى ما اختاره ابن العربي والله أعلم .
الثانية والثلاثون : لا تجزئ القيمة عن الطعام والكسوة ; وبه قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة : تجزئ ; وهو يقول : تجزئ القيمة في الزكاة فكيف في الكفارة ! قال ابن العربي : وعمدته أن الغرض سد الخلة ، ورفع الحاجة ; فالقيمة تجزئ فيه .
قلنا : إن نظرتم إلى سد الخلة فأين العبادة ؟ وأين نص القرآن على الأعيان الثلاثة ، والانتقال بالبيان من نوع إلى نوع ؟ !الثالثة والثلاثون : إذا دفع الكسوة إلى ذمي أو إلى عبد لم يجزه ، وقال أبو حنيفة : يجزئه ; لأنه مسكين يتناوله لفظ المسكنة ، ويشتمل عليه عموم الآية .
قلنا : هذا يخصه بأن يقول : جزء من المال يجب إخراجه للمساكين فلا يجوز دفعه للكافر ; أصله الزكاة ; وقد اتفقنا على أنه لا يجوز دفعه للمرتد ; فكل دليل خص به المرتد فهو دليلنا في الذمي ، والعبد ليس بمسكين لاستغنائه بنفقة سيده فلا تدفع إليه كالغني .
الرابعة والثلاثون : قوله تعالى : أو تحرير رقبة التحرير الإخراج من الرق ; ويستعمل في الأسر والمشقات وتعب الدنيا ونحوها ، ومنه قول أم مريم : إني نذرت لك ما في بطني محررا أي : من شغوب الدنيا ونحوها ، ومن ذلك قول الفرزدق بن غالب :أبني غدانة إنني حررتكم فوهبتكم لعطية بن جعالأي : حررتكم من الهجاء ، وخص الرقبة من الإنسان ، إذ هو العضو الذي يكون فيه الغل والتوثق غالبا من الحيوان ، فهو موضع الملك فأضيف التحرير إليها .
الخامسة والثلاثون : لا يجوز عندنا إلا إعتاق رقبة مؤمنة كاملة ليس فيها شرك لغيره ، ولا عتاقة بعضها ، ولا عتق إلى أجل ، ولا كتابة ولا تدبير ، ولا تكون أم ولد ولا من يعتق عليه إذا ملكه ، ولا يكون بها من الهرم والزمانة ما يضر بها في الاكتساب ، سليمة غير معيبة ; خلافا لداود في تجويزه إعتاق المعيبة .
وقال أبو حنيفة : يجوز عتق الكافرة ; لأن مطلق اللفظ يقتضيها .
ودليلنا أنها قربة واجبة فلا يكون الكافر محلا لها كالزكاة ; وأيضا فكل مطلق في القرآن من هذا فهو راجع إلى المقيد في عتق الرقبة في القتل الخطأ .
وإنما قلنا : لا يكون فيها شرك ، لقوله تعالى : فتحرير رقبة وبعض الرقبة ليس برقبة .
وإنما قلنا لا يكون فيها عقد عتق ; لأن التحرير يقتضي ابتداء عتق دون تنجيز عتق مقدم .
وإنما قلنا : سليمة ; لقوله تعالى : فتحرير رقبة والإطلاق يقتضي تحرير رقبة كاملة والعمياء ناقصة ، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يعتق امرأ مسلما إلا كان فكاكه من النار كل عضو منه بعضو منها حتى الفرج بالفرج وهذا نص ، وقد روي في الأعور قولان في المذهب ، وكذلك في الأصم والخصي .
السادسة والثلاثون : من أخرجه مالا ليعتق رقبة في كفارة فتلف كانت الكفارة باقية عليه ، بخلاف مخرج المال في الزكاة ليدفعه إلى الفقراء ، أو ليشتري به رقبة فتلف ، لم يكن عليه غيره لامتثال الأمر .
السابعة والثلاثون : اختلفوا في الكفارة إذا مات الحالف ; فقال الشافعي وأبو ثور : كفارات الأيمان تخرج من رأس مال الميت ، وقال أبو حنيفة : تكون في الثلث ; وكذلك قال مالك إن أوصى بها .
الثامنة والثلاثون : من حلف وهو موسر فلم يكفر حتى أعسر ، أو حنث وهو معسر فلم يكفر حتى أيسر ، أو حنث وهو عبد فلم يكفر حتى عتق ، فالمراعاة في ذلك كله بوقت التكفير لا وقت الحنث .
التاسعة والثلاثون : روى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي فرض الله اللجاج في اليمين هو المضي على مقتضاه ، وإن لزم من ذلك حرج ومشقة ، وترك ما فيه منفعة عاجلة أو آجلة ; فإن كان شيء من ذلك فالأولى به تحنيث نفسه وفعل الكفارة ، ولا يعتل باليمين كما ذكرناه في قوله تعالى : ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم وقال عليه السلام : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير أي الذي هو أكثر خيرا .
الموفية أربعين : روى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اليمين على نية المستحلف قال العلماء : معناه أن من وجبت عليه يمين في حق وجب عليه فحلف وهو ينوي غيره لم تنفعه نيته ، ولا يخرج بها عن إثم تلك اليمين ، وهو معنى قوله في الحديث الآخر : يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك ، وروي يصدقك به صاحبك خرجه مسلم أيضا .
قال مالك : من حلف لطالبه في حق له عليه ، واستثنى في يمينه ، أو حرك لسانه أو شفتيه ، أو تكلم به ، لم ينفعه استثناؤه ذلك ; لأن النية نية المحلوف له ; لأن اليمين حق له ، وإنما تقع على حسب ما يستوفيه له الحاكم لا على اختيار الحالف ; لأنها مستوفاة منه .
هذا تحصيل مذهبه وقوله .
الحادية والأربعون : قوله تعالى : فمن لم يجد معناه لم يجد في ملكه أحد هذه الثلاثة ; من الإطعام أو الكسوة أو عتق الرقبة بإجماع ; فإذا عدم هذه الثلاثة الأشياء صام ، والعدم يكون بوجهين إما بمغيب المال عنه أو عدمه ; فالأول أن يكون في بلد غير بلده فإن وجد من يسلفه لم يجزه الصوم ، وإن لم يجد من يسلفه فقد اختلف فيه ; فقيل : ينتظر إلى بلده ; قال ابن العربي : وذلك لا يلزمه بل يكفر بالصيام ; لأن الوجوب قد تقرر في الذمة والشرط من العدم قد تحقق فلا وجه لتأخير الأمر ; فليكفر مكانه لعجزه عن الأنواع الثلاثة ; لقوله تعالى : فمن لم يجد ، وقيل : من لم يكن له فضل عن رأس ماله الذي يعيش به فهو الذي لم يجد ، وقيل : هو من لم يكن له إلا قوت يومه وليلته ، وليس عنده فضل يطعمه ; وبه قال الشافعي واختاره الطبري ، وهو مذهب مالك وأصحابه ، وروي عن ابن القاسم أن من تفضل عنه نفقة يومه فإنه لا يصوم ; قال ابن القاسم في كتاب ابن مزين : إنه إن كان للحانث فضل عن قوت يومه أطعم إلا أن يخاف الجوع ، أو يكون في بلد لا يعطف عليه فيه .
وقال أبو حنيفة : إذا لم يكن عنده نصاب فهو غير واجد ، وقال أحمد وإسحاق : إذا كان عنده قوت يوم وليلة أطعم ما فضل عنه ، وقال أبو عبيد : إذا كان عنده قوت يومه وليلته وعياله ، وكسوة تكون لكفايتهم ، ثم يكون بعد ذلك مالكا لقدر الكفارة فهو عندنا واجد .
قال ابن المنذر : قول أبي عبيد حسن .
الثانية والأربعون : قوله تعالى : فصيام ثلاثة أيام قرأها ابن مسعود ( متتابعات ) فيقيد بها المطلق ; وبه قال أبو حنيفة والثوري ، وهو أحد قولي الشافعي واختاره المزني قياسا على الصوم في كفارة الظهار ، واعتبارا بقراءة عبد الله ، وقال مالك والشافعي في قوله الآخر : يجزئه التفريق ; لأن التتابع صفة لا تجب إلا بنص أو قياس على منصوص وقد عدما .
الثالثة والأربعون : من أفطر في يوم من أيام الصيام ناسيا فقال مالك : عليه القضاء ، وقال الشافعي : لا قضاء عليه ; على ما تقدم بيانه في الصيام في " البقرة " .
الرابعة والأربعون : هذه الكفارة التي نص الله عليها لازمة للحر المسلم باتفاق .
واختلفوا فيما يجب منها على العبد إذا حنث ; فكان سفيان الثوري والشافعي وأصحاب الرأي يقولون : ليس عليه إلا الصوم ، لا يجزئه غير ذلك ; واختلف فيه قول مالك ، فحكى عنه ابن نافع أنه قال : لا يكفر العبد بالعتق ; لأنه لا يكون له الولاء ، ولكن يكفر بالصدقة إن أذن له سيده ; وأصوب ذلك أن يصوم .
وحكى ابن القاسم عنه أنه قال : إن أطعم أو كسا بإذن السيد فما هو بالبين ، وفي قلبي منه شيء .
الخامسة والأربعون : قوله تعالى : ذلك كفارة أيمانكم أي : تغطية أيمانكم ; وكفرت الشيء غطيته وسترته وقد تقدم ، ولا خلاف أن هذه الكفارة في اليمين بالله تعالى ، وقد ذهب بعض التابعين إلى أن كفارة اليمين فعل الخير الذي حلف في تركه ، وترجم ابن ماجه في سننه ( من قال كفارتها تركها ) حدثنا علي بن محمد حدثنا عبد الله بن نمير عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف في قطيعة رحم أو فيما لا يصح فبره ألا يتم على ذلك وأسند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليتركها فإن تركها كفارتها .
قلت : ويعتضد هذا بقصة الصديق رضي الله عنه حين حلف ألا يطعم الطعام ، وحلفت امرأته ألا تطعمه حتى يطعمه ، وحلف الضيف - أو الأضياف - ألا يطعمه أو لا يطعموه حتى يطعمه ، فقال أبو بكر : كان هذا من الشيطان ; فدعا بالطعام فأكل وأكلوا .
خرجه البخاري ، وزاد مسلم قال : فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله ، بروا وحنثت ; قال : فأخبره ; قال : بل أنت أبرهم وأخيرهم قال : ولم تبلغني كفارة .
السادسة والأربعون : واختلفوا في كفارة غير اليمين بالله عز وجل ; فقال مالك : من حلف بصدقة ماله أخرج ثلثه ، وقال الشافعي : عليه كفارة يمين ; وبه قال إسحاق وأبو ثور ، وروي عن عمر وعائشة رضي الله عنهما ، وقال الشعبي وعطاء وطاوس : لا شيء عليه ، وأما اليمين بالمشي إلى مكة فعليه أن يفي به عند مالك وأبي حنيفة ، وتجزئه كفارة يمين عند الشافعي وأحمد بن حنبل وأبي ثور ، وقال ابن المسيب والقاسم بن محمد : لا شيء عليه ; قال ابن عبد البر : أكثر أهل العلم بالمدينة وغيرها يوجبون في اليمين بالمشي إلى مكة كفارة مثل كفارة اليمين بالله عز وجل ; وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين وجمهور فقهاء المسلمين ، وقد أفتى به ابن القاسم ابنه عبد الصمد ، وذكر له أنه قول الليث بن سعد ، والمشهور عن ابن القاسم أنه لا كفارة عنده في المشي إلى مكة إلا بالمشي لمن قدر عليه ; وهو قول مالك .
وأما الحالف بالعتق فعليه عتق من حلف عليه بعتقه في قول مالك والشافعي وغيرهما ، وروي عن ابن عمر وابن عباس وعائشة أنه يكفر كفارة يمين ولا يلزمه العتق - وقال عطاء : يتصدق بشيء .
قال المهدوي : وأجمع من يعتمد على قوله من العلماء على أن الطلاق لازم لمن حلف به وحنث .
السابعة والأربعون : قوله تعالى : واحفظوا أيمانكم أي : بالبدار إلى ما لزمكم من الكفارة إذا حنثتم ، وقيل : أي : بترك الحلف ; فإنكم إذا لم تحلفوا لم تتوجه عليكم هذه التكليفات .
لعلكم تشكرون تقدم معنى الشكر و ( لعل ) في البقرة ، والحمد لله .

﴿ تفسير الطبري ﴾

لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكمالقول في تأويل قوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم يقول تعالى ذكره للذين كانوا حرموا على أنفسهم الطيبات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا حرموا ذلك بأيمان حلفوا بها , فنهاهم عن تحريمها , وقال لهم : لا يؤاخذكم ربكم باللغو في أيمانكم .
كما : 9642 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قال : لما نزلت : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم في القوم الذين كانوا حرموا النساء واللحم على أنفسهم , قالوا : يا رسول الله , كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم الآية .
فهذا يدل على ما قلنا من أن القوم كانوا حرموا على أنفسهم بأيمان حلفوا بها , فنزلت هذه الآية بسببهم .
ولكن يؤاخذكمواختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء الحجاز وبعض البصريين : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان بتشديد القاف , بمعنى : وكدتم الأيمان ورددتموها ; وقراء الكوفيين : " بما عقدتم الأيمان " بتخفيف القاف , بمعنى : أوجبتموها على أنفسكم , وعزمت عليها قلوبكم .
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ بتخفيف القاف , وذلك أن العرب لا تكاد تستعمل فعلت في الكلام , إلا فيما يكون فيه تردد مرة بعد مرة , مثل قولهم : شددت على فلان في كذا إذا كرر عليه الشد مرة بعد أخرى , فإذا أرادوا الخبر عن فعل مرة واحدة قيل : شددت عليه بالتخفيف .
وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم أن اليمين التي تجب بالحنث فيها الكفارة تلزم بالحنث في حلف مرة واحدة وإن لم يكررها الحالف مرات , وكان معلوما بذلك أن الله مؤاخذ الحالف العاقد قلبه على حلفه وإن لم يكرره ولم يردده ; وإذا كان ذلك كذلك لم يكن لتشديد القاف من عقدتم وجه مفهوم .
فتأويل الكلام إذن : لا يؤاخذكم الله أيها المؤمنون من أيمانكم بما لغوتم فيه , ولكن يؤاخذكم بما أوجبتموه على أنفسكم منها وعقدت عليه قلوبكم .
وقد بينا اليمين التي هي لغو والتي الله مؤاخذ العبد بها , والتي فيها الحنث والتي لا حنث فيها , فيما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع .
بما عقدتم الأيمانوأما قوله : بما عقدتم الأيمان فإن هنادا : 9643 - حدثنا قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان قال : بما تعمدتم .
* - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .
9644 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن الحسن : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان يقول : ما تعمدت فيه المأثم , فعليك فيه الكفارة .
فكفارته إطعام عشرة مساكينالقول في تأويل قوله تعالى .
فكفارته إطعام عشرة مساكين اختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله : فكفارته على ما هي عائدة , ومن ذكر ما ؟ فقال بعضهم : هي عائدة على " ما " التي في قوله : بما عقدتم الأيمان ذكر من قال ذلك : 9645 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن عوف , عن الحسن في هذه الآية : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : هو أن تحلف على الشيء وأنت يخيل إليك أنه كما حلفت وليس كذلك , فلا يؤاخذكم الله , فلا كفارة , ولكن المؤاخذة والكفارة فيما حلفت عليه على علم .
9646 - حدثنا ابن حميد , وابن وكيع , قالا : ثنا جرير , عن منصور , عن مغيرة , عن الشعبي , قال : اللغو ليس فيه كفارة ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان قال : ما عقد فيه يمينه فعليه الكفارة .
9647 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا حصين , عن أبي مالك , قال : الأيمان ثلاث : يمين تكفر , ويمين لا تكفر , ويمين لا يؤاخذ بها صاحبها .
فأما اليمين التي تكفر , فالرجل يحلف على الأمر لا يفعله ثم يفعله , فعليه الكفارة .
وأما اليمين التي لا تكفر : فالرجل يحلف على الأمر يتعمد فيه الكذب , فليس فيه كفارة .
وأما اليمين التي لا يؤاخذ بها صاحبها : فالرجل يحلف على الأمر يرى أنه كما حلف عليه فلا يكون كذلك , فليس عليه فيه كفارة , وهو اللغو .
9648 - حدثنا يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا ابن أبي ليلى , عن عطاء , قال : قالت عائشة : لغو اليمين ما لم يعقد عليه الحالف قلبه .
9649 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا هشام , قال : ثنا حماد , عن إبراهيم , قال : ليس في لغو اليمين كفارة .
9650 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يونس , عن ابن شهاب , أن عروة حدثه أن عائشة قالت : أيمان الكفارة كل يمين حلف فيها الرجل على جد من الأمور في غضب أو غيره ليفعلن ليتركن , فذلك عقد الأيمان التي فرض الله فيها الكفارة , وقال تعالى ذكره : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان .
9651 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني معاوية بن صالح , عن يحيى بن سعيد , وعن علي بن أبي طلحة , قالا : ليس في لغو اليمين كفارة .
9652 - حدثنا بشر , قال : ثنا جامع بن حماد , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن الحسن : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان يقول : ما تعمدت فيه المأثم فعليك فيه الكفارة .
قال : وقال قتادة : أما اللغو فلا كفارة فيه .
* - حدثنا هناد , قال : ثنا عبدة , عن سعيد , عن قتادة , عن الحسن , قال : لا كفارة في لغو اليمين .
9653 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عمرو العنقزي , عن أسباط , عن السدي : ليس في لغو اليمين كفارة .
فمعنى الكلام على هذا التأويل : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم , ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان , فكفارة ما عقدتم منها : إطعام عشرة مساكين .
وقال آخرون : الهاء في قوله : فكفارته عائدة على اللغو , وهي كناية عنه .
قالوا : وإنما معنى الكلام : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم إذا كفرتموه , ولكن يؤاخذكم إذا عقدتم الأيمان فأقمتم على المضي عليه بترك الحنث والكفارة فيه , والإقامة على المضي عليه غير جائزة لكم , فكفارة اللغو منها إذا حنثتم فيه : إطعام عشرة مساكين .
ذكر من قال ذلك : 9654 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : هو الرجل يحلف على أمر ضرار أن يفعله فلا يفعله فيرى الذي هو خير منه , فأمره الله أن يكفر عن يمينه ويأتي هو خير .
وقال مرة أخرى قوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم إلى قوله : بما عقدتم الأيمان قال : واللغو من اليمين هي التي تكفر لا يؤاخذ الله بها , ولكن من أقام على تحريم ما أحل الله له ولم يتحول عنه ولم يكفر عن يمينه , فتلك التي يؤاخذ بها .
9655 - حدثنا هناد , قال : ثنا حفص بن غياث , عن داود بن أبي هند , عن سعيد بن جبير , قوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : هو الذي يحلف على المعصية فلا يفي , فيكفر .
9656 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا داود , عن سعيد بن جبير : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : هو الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذها الله تعالى , يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان الرجل يحلف على المعصية ثم يقيم عليها , فكفارته إطعام عشرة مساكين .
9657 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : أخبرنا داود , عن سعيد بن جبير , قال في لغو اليمين : هي اليمين في المعصية , فقال : أولا تقرأ فتفهم ؟ قال : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان قال : فلا يؤاخذه بالإلغاء , ولكن يؤاخذه بالمقام عليها .
قال : وقال : ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم .
* - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا أبو بشر , عن سعيد بن جبير , في قوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : هو الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه الله بتركها إن تركها .
قلت : وكيف يصنع ؟ قال : يكفر يمينه , ويترك المعصية .
9658 - حدثني يحيى بن جعفر , قال : ثنا يزيد بن هارون , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك , في قوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : اليمين المكفرة .
9659 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو الأحوص , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : اللغو : يمين لا يؤاخذ بها صاحبها , وفيها كفارة .
والذي هو أولى عندي بالصواب في ذلك , أن تكون الهاء في قوله : فكفارته عائدة على " ما " التي في قوله : بما عقدتم الأيمان لما قدمنا فيما مضى قبل أن من لزمته في يمينه كفارة وأوخذ بها , غير جائز أن يقال لمن قد أوخذ : لا يؤاخذه الله باللغو ; وفي قوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم دليل واضح أنه لا يكون مؤاخذ بوجه من الوجوه من أخبرنا تعالى ذكره أنه غير مؤاخذ .
فإن ظن ظان أنه إنما عنى تعالى ذكره بقوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم بالعقوبة عليها في الآخرة إذا حنثتم وكفرتم , لا أنه لا يؤاخذهم بها في الدنيا بتكفير ; فإن إخبار الله تعالى ذكره وأمره ونهيه في كتابه على الظاهر العام عندنا بما قد دللنا على صحة القول به في غير هذا الموضع فأغنى عن إعادته , دون الباطن العام الذي لا دلالة على خصوصه في عقل ولا خبر ولا دلالة من عقل ولا خبر , أنه عنى تعالى ذكره بقوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم بعض معاني المؤاخذة دون جميعها .
وإذ كان ذلك كذلك , وكان من لزمته كفارة في يمين حنث فيها مؤاخذا بها بعقوبة في ماله عاجلة , كان معلوما أنه غير الذي أخبرنا تعالى ذكره أنه لا يؤاخذه بها .
وإذا كان الصحيح من التأويل في ذلك ما قلنا بالذي عليه دللنا , فمعنى الكلام إذن : لا يؤاخذكم الله أيها الناس بلغو من القول والأيمان إذا لم تتعمدوا بها معصية الله تعالى ولا خلاف أمره ولم تقصدوا بها إثما , ولكن يؤاخذكم بما تعمدتم به الإثم وأوجبتموه على أنفسكم وعزمت عليه قلوبكم , ويكفر ذلك عنكم , فيغطي على سيئ ما كان منكم من كذب وزور قول ويمحوه عنكم , فلا يتبعكم به ربكم ; إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم .
من أوسط ما تطعمون أهليكمالقول في تأويل قوله تعالى : من أوسط ما تطعمون أهليكم يعني تعالى ذكره بقوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم أعدله .
كما : 9660 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : سمعت عطاء يقول في هذه الآية : من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم قال عطاء : أوسطه : أعدله , واختلف أهل التأويل في معنى قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم فقال بعضهم : معناه : من أوسط ما يطعم من أجناس الطعام الذي يقتاته أهل بلد المكفر أهاليهم .
ذكر من قال ذلك : 9661 - حدثنا هناد , قال : أخبرنا شريك , عن عبد الله بن حنش , عن الأسود , قال : سألته عن : أوسط ما تطعمون أهليكم قال : الخبز والتمر والزيت والسمن , وأفضله اللحم .
* - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن عبد الله بن حنش , قال : سألت الأسود بن يزيد , عن ذلك , فقال : الخبز والتمر .
زاد هناد في حديثه : الزيت , قال : وأحسبه الخل .
9662 - حدثنا هناد وابن وكيع , قالا : ثنا أبو الأحوص , عن عاصم الأحول , عن ابن سيرين , عن ابن عمر في قوله : أوسط ما تطعمون أهليكم قال : من أوسط ما يطعم أهله الخبز والتمر , والخبز والسمن والخبز والزيت , ومن أفضل ما يطعمهم : الخبز واللحم .
* - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا محمد بن فضيل , عن ليث , عن ابن سيرين , عن ابن عمر : أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز واللحم , والخبز والسمن , والخبز والجبن , والخبز والخل .
* - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن عبد الله بن حنش , قال : سألت الأسود بن يزيد عن أوسط ما تطعمون أهليكم ؟ قال : الخبز والتمر .
* - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا يحيى , قال : ثنا سفيان , قال : ثنا عبد الله بن حنش , قال : سألت الأسود بن يزيد , فذكر مثله .
9663 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سعيد بن عبد الرحمن , عن محمد بن سيرين , عن عبيدة السلماني : أوسط ما تطعمون أهليكم قال : الخبز والسمن .
* - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سعيد بن عبد الرحمن , عن ابن سيرين , قال : سألت عبيدة عن ذلك , فذكر مثله .
* - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا أزهر , قال : أخبرنا ابن عون , عن محمد بن سيرين , عن عبيدة : أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والسمن .
9664 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن يزيد بن إبراهيم , عن ابن سيرين , قال : كانوا يقولون : أفضله الخبز واللحم , وأوسطه : الخبز والسمن , وأخسه : الخبز والتمر .
9665 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن الربيع , عن الحسن , قال : خبز ولحم , أو خبز وسمن , أو خبز ولبن .
9666 - حدثنا هناد وابن وكيع , قالا : ثنا عمر بن هارون , عن أبي مصلح , عن الضحاك في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : الخبز واللحم والمرقة .
9667 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا زائدة , عن يحيى بن حبان الطائي , قال : كنت عند شريح , فأتاه رجل , فقال : إني حلفت على يمين فأثمت ! قال شريح : ما حملك على ذلك ؟ قال : قدر علي , فما أوسط ما أطعم أهلي ؟ قال له شريح .
الخبز والزيت والخل طيب .
قال : فأعاد عليه , فقال له شريح ذلك ثلاث مرار لا يزيده شريح على ذلك .
فقال له : أرأيت إن أطعمت الخبز واللحم ؟ قال : ذاك أرفع طعام أهلك وطعام الناس .
9668 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن حجاج , عن أبي إسحاق , عن الحارث , عن علي , قال في كفارة اليمين : يغديهم ويعشيهم خبزا وزيتا , أو خبزا وسمنا .
أو خلا وزيتا .
9669 - حدثنا هناد وابن وكيع , قالا .
ثنا أبو أسامة , عن زبرقان , عن أبي رزين : من أوسط ما تطعمون أهليكم خبز وزيت وخل .
9670 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , عن هشام بن محمد , قال : أكلة واحدة خبز ولحم .
قال : وهو من أوسط ما تطعمون أهليكم , وإنكم لتأكلون الخبيص والفاكهة .
9671 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , وحدثنا هناد , قال : ثنا أبو أسامة , عن هشام , عن الحسن قال في كفارة اليمين : يجزيك أن تطعم عشرة مساكين أكلة واحدة خبزا ولحما , فإن لم تجد فخبزا وسمنا ولبنا , فإن لم تجد فخبزا وخلا وزيتا حتى يشبعوا .
* - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن نمير , عن زبرقان , قال : سألت أبا رزين , عن كفارة اليمين ما يطعم ؟ قال : خبزا وخلا وزيتا من أوسط ما تطعمون أهليكم , وذلك قدر قوتهم يوما واحدا .
ثم اختلف قائلو ذلك في مبلغه .
فقال بعضهم : مبلغ ذلك نصف صاع من حنطة .
أو صاع من سائر الحبوب غيرها .
ذكر من قال ذلك : 9672 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن عبد الله بن عمرو بن مرة , عن أبيه , عن إبراهيم , عن عمر , قال : إني أحلف على اليمين ثم يبدو لي , فإذا رأيتني قد فعلت ذلك فأطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدان من حنطة .
9673 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو معاوية , ويعلى عن الأعمش , عن شقيق , عن يسار بن نمير , قال : قال عمر : إني أحلف أن لا أعطي أقواما ثم يبدو لي أن أعطيهم , فإذا رأيتني فعلت ذلك , فأطعم عني عشرة مساكين بين كل مسكينين صاعا من بر أو صاعا من تمر .
9674 - حدثنا هناد ومحمد بن العلاء قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي , عن ابن أبي ليلى , عن عمرو بن مرة , عن عبد الله بن سلمة , عن علي , قال : كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين , لكل مسكين نصف صاع من حنطة .
9675 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو الأحوص , عن مغيرة , عن إبراهيم : من أوسط ما تطعمون أهليكم نصف صاع بر لكل مسكين .
9676 - حدثنا هناد , قال : ثنا حفص عن عبد الكريم الجزري , قال : قلت لسعيد بن جبير : أجمعهم ؟ قال : لا , أعطهم مدين من حنطة , مدا لطعامه ومدا لإدامه .
* - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن عبد الكريم الجزري , قال : قلت لسعيد , فذكر نحوه .
9677 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو زيد , عن حصين , قال : سألت الشعبي , عن كفارة اليمين , فقال : مكوكين : مكوكا لطعامه , ومكوكا لإدامه .
9678 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا هشام , عن عطاء , عن ابن عباس , قال : لكل مسكين مدين .
* - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو أسامة , عن هشام , عن عطاء , عن ابن عباس , قال : لكل مسكين مدين من بر في كفارة اليمين .
9679 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : مدان من طعام لكل مسكين .
9680 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا سعد بن يزيد أبو سلمة , قال : سألت جابر بن زيد عن إطعام المسكين في كفارة اليمين , فقال : أكلة .
قلت : فإن الحسن يقول : مكوك بر , ومكوك تمر , فما ترى في مكوك بر ؟ فقال : إن مكوك بر لا , أو مكوك تمر لا .
قال يعقوب : قال ابن علية وقال أبو سلمة بيده , كأنه يراه حسنا , وقلب أبو سلمة يده .
9681 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو أسامة , عن هشام , عن الحسن : أنه كان يقول في كفارة اليمين فيما وجب فيه الطعام : مكوك تمر , ومكوك بر لكل مسكين .
9682 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , قال : ثنا أبي , عن الربيع , عن الحسن قال , قال : إن جمعهم أشبعهم إشباعة واحدة , وإن أعطاهم أعطاهم مكوكا مكوكا .
* - حدثنا يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن يونس , قال : كان الحسن يقول : فإن أعطاهم في أيديهم فمكوك بر ومكوك تمر .
9683 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبيد الله , عن إسرائيل , عن السدي , عن أبي مالك في كفارة اليمين : نصف صاع لكل مسكين .
9684 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن علية , عن أبيه , عن الحكم , في قوله : إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : إطعام نصف صاع لكل مسكين .
9685 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا زائدة , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : أوسط ما تطعمون أهليكم نصف صاع .
9686 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد , قال : ثنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : فكفارته إطعام عشرة مساكين قال : الطعام لكل مسكين : نصف صاع من تمر أو بر .
وقال آخرون : بل مبلغ ذلك من كل شيء من الحبوب مد واحد .
ذكر من قال ذلك : 9687 - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن هشام الدستوائي , عن يحيى بن أبي كثير , عن أبي سلمة , عن زيد بن ثابت , أنه قال في كفارة اليمين : مد من حنطة لكل مسكين .
9688 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو معاوية , عن داود بن أبي هند , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال في كفارة اليمين : مد من حنطة لكل مسكين ربعه إدامه .
* - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , عن سفيان , عن داود بن أبي هند , عن عكرمة , عن ابن عباس , نحوه .
9689 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا جرير , عن ابن عجلان , عن نافع , عن ابن عمر : إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد .
* - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , قال : ثنا العمري , عن نافع , عن ابن عمر , قال : مد من حنطة لكل مسكين .
9690 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو الأحوص , عن يحيى بن سعيد , عن نافع , عن ابن عمر : أنه كان يكفر اليمين بعشرة أمداد بالمد الأصغر .
9691 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن مهدي , عن حماد بن سلمة , عن عبيد الله , عن القاسم وسالم في كفارة اليمين : ما يطعم ؟ قالا : مد لكل مسكين .
9692 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو الأحوص , عن يحيى بن سعيد , عن سليمان بن يسار , قال : كان الناس إذا كفر أحدهم , كفر بعشرة أمداد بالمد الأصغر .
9693 - حدثنا هناد , قال : ثنا عمر بن هارون , عن ابن جريج , عن عطاء في قوله : إطعام عشرة مساكين قال : عشرة أمداد لعشرة مساكين .
9694 - حدثنا بشر , قال : ثنا جامع بن حماد , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن الحسن : إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : كان يقال : البر والتمر , لكل مسكين مد من تمر ومد من بر .
9695 - حدثنا أبو كريب وهناد , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن مالك بن مغول , عن عطاء , قال : مد لكل مسكين .
9696 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : من أوسط ما تعولونهم .
قال : وكان المسلمون رأوا أوسط ذلك مدا بمد رسول الله من حنطة .
قال ابن زيد : هو الوسط مما يقوت به أهله , ليس بأدناه ولا بأرفعه .
9697 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم , عن يحيى بن سعيد , عن سعيد بن المسيب : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : مد .
وقال آخرون : بل ذلك غداء وعشاء .
ذكر من قال ذلك : 9698 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن حجاج , عن أبي إسحاق , عن الحارث , عن علي , قال في كفارة اليمين : يغديهم ويعشيهم .
9699 - حدثنا هناد , قال : ثنا عمر بن هارون , عن موسى بن عبيدة , عن محمد بن كعب القرظي في كفارة اليمين قال : غداء وعشاء .
9700 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن يونس , عن الحسن , قال : يغديهم ويعشيهم .
وقال آخرون : إنما عنى بقوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم من أوسط ما يطعم المكفر أهله .
قال : إن كان ممن يشبع أهله أشبع المساكين العشرة , وإن كان ممن لا يشبعهم لعجزه عن ذلك أطعم المساكين على قدر ما يفعل من ذلك بأهله في عسره ويسره .
ذكر من قال ذلك : 9701 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قوله : فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : إن كنت تشبع أهلك فأشبع المساكين , وإلا فعلى ما تطعم أهلك بقدره .
* - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم وهو أن تطعم كل مسكين من نحو ما تطعم أهلك من الشبع , أو نصف صاع من بر .
9702 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن جابر , عن عامر , عن ابن عباس , قال : من عسرهم ويسرهم .
9703 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن إسرائيل , عن جابر , عن عامر , قال : من عسرهم ويسرهم .
9704 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن مهدي , قال : ثنا سفيان , عن سليمان بن أبي المغيرة , عن سعيد بن جبير : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : قوتهم .
* - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن سليمان العبسي , عن سعيد بن جبير , في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : قوتهم .
9705 - حدثنا أبو حميد , قال : ثنا حكام بن سلم , قال : ثنا عنبسة , عن سليمان بن عبيد العبسي , عن سعيد بن جبير في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : كانوا يفضلون الحر على العبد والكبير على الصغير , فنزلت : من أوسط ما تطعمون أهليكم .
* - حدثنا الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال .
ثنا قيس بن الربيع , عن سالم الأفطس , عن سعيد بن جبير , قال : كانوا يطعمون الكبير ما لا يطعمون الصغير , ويطعمون الحر ما لا يطعمون العبد , فقال : من أوسط ما تطعمون أهليكم .
9706 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا هشيم , قال : ثنا جويبر , عن الضحاك , في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : إن كنت تشبع أهلك فأشبعهم , وإن كنت لا تشبعهم , فعلى قدر ذلك .
* - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : ثنا شيبان النحوي , عن جابر , عن عامر , عن ابن عباس : من أوسط ما تطعمون أهليكم قال : من عسرهم ويسرهم .
9707 - حدثنا يونس , قال : ثنا سفيان عن سليمان , عن سعيد بن جبير , قال : قال ابن عباس : كان الرجل يقوت بعض أهله قوتا دونا وبعضهم قوتا فيه سعة , فقال الله : من أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والزيت .
وأولى الأقوال في تأويل قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم عندنا قول من قال : من أوسط ما تطعمون أهليكم في القلة والكثرة .
وذلك أن أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكفارات كلها بذلك وردت , وذلك كحكمه صلى الله عليه وسلم في كفارة الحلق من الأذى بفرق من طعام بين ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع , وكحكمه في كفارة الوطء في شهر رمضان بخمسة عشر صاعا بين ستين مسكينا لكل مسكين ربع صاع .
ولا يعرف له صلى الله عليه وسلم شيء من الكفارات أمر بإطعام خبز وإدام ولا بغداء وعشاء .
فإذ كان ذلك كذلك , وكانت كفارة اليمين إحدى الكفارات التي تلزم من لزمته , كان سبيلها سبيل ما تولى الحكم فيه صلى الله عليه وسلم من أن الواجب على مكفرها من الطعام مقدار للمساكين العشرة , محدود بكيل دون جمعهم على غداء أو عشاء مخبوز مأدوم , إذ كانت سنته صلى الله عليه وسلم في سائر الكفارات كذلك .
فإذ كان صحيحا ما قلنا بما به استشهدنا , فبين أن تأويل الكلام : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان , فكفارته إطعام عشرة مساكين من أعدل إطعامكم أهليكم , وأن " ما " التي في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم بمعنى المصدر , لا بمعنى الأسماء .
وإذا كان ذلك كذلك , فأعدل أقوات الموسع على أهله مدان , وذلك نصف صاع في ربعه إدامه , وذلك أعلى ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة في إطعام مساكين , وأعدل أقوات المقتر على أهله مد وذلك ربع صاع , وهو أدنى ما حكم به في كفارة في إطعام مساكين .
وأما الذين رأوا إطعام المساكين في كفارة اليمين الخبز واللحم وما ذكرنا عنهم قبل , والذين رأوا أن يغدوا أو يعشوا , والذين رأوا أن يغدوا ويعشوا , فإنهم ذهبوا إلى تأويل قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم من أوسط الطعام الذي تطعمونه أهليكم , فجعلوا " ما " التي في قوله : من أوسط ما تطعمون أهليكم اسما لا مصدرا , فأوجبوا على المكفر إطعام المساكين من أعدل ما يطعم أهله من الأغذية .
وذلك مذهب لولا ما ذكرنا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكفارات غيرها التي يجب إلحاق أشكالها بها , وأن كفارة اليمين لها نظيرة وشبيهة يجب إلحاقها بها .
أو كسوتهمالقول في تأويل قوله تعالى : أو كسوتهم يعني تعالى ذكره بذلك : فكفارة ما عقدتم من الأيمان إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم .
يقول إما أن تطعموهم أو تكسوهم , والخيار في ذلك إلى المكفر .
واختلف أهل التأويل في الكسوة التي عنى الله بقوله : أو كسوتهم فقال بعضهم : عنى بذلك كسوة ثوب واحد .
ذكر من قال ذلك : 9708 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن علية , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في كسوة المساكين في كفارة اليمين : أدناه ثوب .
* - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : أدناه ثوب , وأعلاه ما شئت .
9709 - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , عن الربيع , عن الحسن , قال في كفارة اليمين في قوله : أو كسوتهم ثوب لكل مسكين .
9710 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن مهدي , عن وهيب , عن ابن طاوس , عن أبيه : أو كسوتهم قال : ثوب .
* - حدثنا هناد , قال : ثنا عبيدة , وحدثنا ابن حميد وابن وكيع , قالا : ثنا جرير جميعا , عن منصور , عن مجاهد , في قوله : أو كسوتهم قال : ثوب .
9711 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن مجاهد , في قوله : أو كسوتهم قال : ثوب ثوب .
قال منصور : القميص , أو الرداء , أو الإزار .
9712 - حدثنا أبو كريب وهناد , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن جابر , عن أبي جعفر , في قوله : أو كسوتهم قال : كسوة الشتاء والصيف ثوب ثوب .
9713 - حدثنا هناد , قال : قال ثنا عمر بن هارون , عن ابن جريج , عن عطاء في قوله : أو كسوتهم قال : ثوب ثوب لكل مسكين .
9714 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبدة بن سلمان , عن سعيد بن أبي عروبة , عن أبي معشر , عن إبراهيم , في قوله : أو كسوتهم قال : إذا كساهم ثوبا ثوبا أجزأ عنه .
9715 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا إسحاق بن سليمان الرازي .
عن ابن سنان , عن حماد , قال : ثوب أو ثوبان , وثوب لا بد منه .
9716 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عطاء الخراساني , عن ابن عباس قال : ثوب ثوب لكل إنسان , وقد كانت العباءة تقضي يومئذ من الكسوة .
* - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , عن معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : أو كسوتهم قال : الكسوة : عباءة لكل مسكين أو شملة .
9717 - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال .
ثنا إسرائيل .
عن السدي , عن أبي مالك , قال : ثوب , أو قميص , أو رداء , أو إزار .
9718 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قال : إن اختار صاحب اليمين الكسوة , كسا عشرة أناسي كل إنسان عباءة .
9719 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : سمعت عطاء يقول في قوله : أو كسوتهم الكسوة : ثوب ثوب .
وقال بعضهم : عنى بذلك : الكسوة ثوبين ثوبين .
ذكر من قال ذلك : 9720 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبيدة , وحدثنا ابن وكيع , قال .
ثنا أبو معاوية جميعا , عن داود بن أبي هند , عن سعيد بن المسيب , في قوله : أو كسوتهم قال : عباءة وعمامة .
* - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال .
ثنا أبي .
عن سفيان , عن داود بن أبي هند , عن سعيد بن المسيب , قال : عمامة يلف بها رأسه , وعباءة يلتحف بها .
9721 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري , عن أشعث , عن الحسن وابن سيرين , قالا : ثوبين ثوبين .
9722 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , عن يونس , عن الحسن , قال : ثوبين .
* - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن يونس , عن الحسن , مثله .
* - حدثنا أبو كريب وهناد , قالا : ثنا وكيع , عن سفيان , عن يونس بن عبيد , عن الحسن , قال : ثوبان ثوبان لكل مسكين .
9723 - حدثنا هناد , قال : ثنا ابن المبارك , عن عاصم الأحول , عن ابن سيرين , عن أبي موسى : أنه حلف على يمين , كسا ثوبين من معقدة البحرين .
* - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , عن يزيد بن إبراهيم , عن ابن سيرين : أن أبا موسى كسا ثوبين من معقدة البحرين .
9724 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو أسامة , عن هشام , عن محمد بن عبد الأعلى : أن أبا موسى الأشعري حلف على يمين , فرأى أن يكفر ففعل , وكسا سمرة ثوبين ثوبين .
9725 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , عن هشام , عن محمد : أن أبا موسى حلف على يمين فكفر , فكسا عشرة مساكين ثوبين ثوبين .
* - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا هشيم , عن داود بن أبي هند , عن سعيد بن المسيب , قال : عباءة وعمامة لكل مسكين .
9726 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك , مثله .
9727 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا داود بن أبي هند , قال : قال رجل عند سعيد بن المسيب : " أو كأسوتهم " فقال سعيد : لا إنما هي : " أو كسوتهم " .
قال : فقلت : يا أبا محمد ما كسوتهم ؟ قال : لكل مسكين عباءة وعمامة , عباءة يلتحف بها , وعمامة يشد بها رأسه .
9728 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد , قال : ثنا عبيد بن سلمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : أو كسوتهم قال : الكسوة لكل مسكين : رداء وإزار , كنحو ما يجد من الميسرة والفاقة .
وقال آخرون : بل عنى بذلك : كسوتهم : ثوب جامع , كالملحفة والكساء والشيء الذي يصلح للبس والنوم .
ذكر من قال ذلك : 9729 - حدثنا هناد بن السري , قال : ثنا أبو الأحوص , عن مغيرة , عن حماد , عن إبراهيم , قال : الكسوة : ثوب جامع .
9730 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا : ثنا ابن فضيل , عن مغيرة , عن إبراهيم , في قوله : 34 أو كسوتهم قال : ثوب جامع .
قال : وقال مغيرة : والثوب الجامع الملحفة أو الكساء أو نحوه , ولا نرى الدرع والقميص والخمار ونحوه جامعا .
* - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : ثوب جامع .
* - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن إدريس , عن أبيه , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : ثوب جامع .
* - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم : أو كسوتهم قال : ثوب جامع لكل مسكين .
* - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان وشعبة , عن المغيرة , عن إبراهيم في قوله : أو كسوتهم قال : ثوب جامع .
9731 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن شعبة , عن المغيرة , مثله .
وقال آخرون : عنى بذلك كسوة إزار ورداء وقميص .
ذكر من قال ذلك : 9732 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , عن بردة , عن نافع , عن ابن عمر , قال في الكسوة في الكفارة : إزار , ورداء , وقميص .
وقال آخرون : كل ما كسا فيجزي , والآية على عمومها .
ذكر من قال ذلك : 9733 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبد السلام بن حرب , عن ليث , عن مجاهد , قال : يجزي في كفارة اليمين كل شيء إلا التبان .
9734 - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن أشعث , عن الحسن , قال : يجزئ عمامة في كفارة اليمين .
9735 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن أويس الصيرفي , عن أبي الهيثم , قال : قال سلمان : نعم الثوب التبان .
9736 - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : ثنا سفيان , عن الشيباني , عن الحكم , قال : عمامة يلف بها رأسه .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة وأشبهها بتأويل القرآن قول من قال : عنى بقوله : أو كسوتهم ما وقع عليه اسم كسوة مما يكون ثوبا فصاعدا , لأن ما دون الثوب لا خلاف بين جميع الحجة أنه ليس مما دخل في حكم الآية , فكان ما دون قدر ذلك خارجا من أن يكون الله تعالى عناه بالنقل المستفيض , والثوب وما فوقه داخل في حكم الآية , إذ لم يأت من الله تعالى وحي ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم خبر ولم يكن من الأمة إجماع بأنه غير داخل في حكمها , وغير جائز إخراج ما كان ظاهر الآية محتمله من حكم الآية إلا بحجة يجب التسليم لها , ولا حجة بذلك .
أو تحرير رقبةالقول في تأويل قوله تعالى : أو تحرير رقبة يعني تعالى ذكره بذلك : أو فك عبد من أسر العبودة وذلها .
وأصل التحرير : الفك من الأسر , ومنه قول الفرزدق بن غالب : أبني غدانة إنني حررتكم فوهبتكم لعطية بن جعال يعني بقوله : " حررتكم " : فككت رقابكم من ذل الهجاء ولزوم العار .
وقيل : تحرير رقبة , والمحرر صاحب الرقبة ; لأن العرب كان من شأنها إذا أسرت أسيرا أن تجمع يديه إلى عنقه بقيد أو حبل أو غير ذلك , وإذا أطلقته من الأسر أطلقت يديه وحلتهما مما كانتا به مشدودتين إلى الرقبة .
فجرى الكلام عند إطلاقهم الأسير , بالخبر عن فك يديه عن رقبته , وهم يريدون الخبر عن إطلاقه من أسره , كما يقال : قبض فلان يده عن فلان : إذا أمسك يده عن نواله ; وبسط فيه لسانه : إذا قال فيه سوءا , فيضاف الفعل إلى الجارحة التي يكون بها ذلك الفعل دون فاعله , لاستعمال الناس ذلك بينهم وعلمهم بمعنى ذلك ; فكذلك ذلك في قول الله تعالى ذكره : أو تحرير رقبة أضيف التحرير إلى الرقبة وإن لم يكن هناك غل في رقبته ولا شد يد إليها , وكان المراد بالتحرير نفس العبد بما وصفنا من جري استعمال الناس ذلك بينهم لمعرفتهم بمعناه .
فإن قال قائل : أفكل الرقاب معني بذلك أو بعضها ؟ قيل : بل معني بذلك كل رقبة كانت سليمة من الإقعاد والعمى والخرس وقطع اليدين أو شللهما والجنون المطبق , ونظائر ذلك , فإن من كان به ذلك أو شيء منه من الرقاب , فلا خلاف بين الجميع من الحجة أنه لا يجزي في كفارة اليمين .
فكان معلوما بذلك أن الله تعالى ذكره لم يعنه بالتحرير في هذه الآية .
فأما الصغير والكبير والمسلم والكافر , فإنهم معنيون به .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل العلم .
ذكر من قال ذلك : 9737 - حدثنا هناد , قال : ثنا مغيرة , عن إبراهيم , أنه كان يقول : من كانت عليه رقبة واجبة , فاشترى نسمة , قال : إذا أنقذها من عمل أجزأته , ولا يجوز عتق من لا يعمل ; فأما الذي يعمل , كالأعور ونحوه .
وأما الذي لا يعمل فلا يجزي كالأعمى والمقعد .
9738 - حدثنا هناد , قال : ثنا هشيم , عن يونس , عن الحسن , قال : كان يكره عتق المخبل في شيء من الكفارات .
9739 - حدثنا هناد , قال : ثنا هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم : أنه كان لا يرى عتق المغلوب على عقله يجزئ في شيء من الكفارات .
وقال بعضهم : لا يجزئ في الكفارة من الرقاب إلا صحيح , ويجزئ الصغير فيها .
ذكر من قال ذلك : 9740 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن ابن جريج , عن عطاء , قال : لا يجزئ في الرقبة إلا صحيح .
9741 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن ابن جريج , عن عطاء , قال : يجزئ المولود في الإسلام من رقبة .
9742 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن الأعمش , عن إبراهيم , قال : ما كان في القرآن من رقبة مؤمنة فلا يجزئ إلا ما صام وصلى , وما كان ليس بمؤمنة فالصبي يجزئ .
وقال بعضهم : لا يقال للمولود رقبة إلا بعد مدة تأتي عليه .
ذكر من قال ذلك : 9743 - حدثني محمد بن يزيد الرفاعي , قال : ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة , عن محمد بن شعيب بن شابور , عن النعمان بن المنذر , عن سليمان , قال : إذا ولد الصبي فهو نسمة , وإذا انقلب ظهرا لبطن فهو رقبة , وإذا صلى فهو مؤمنة .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى عم بذكر الرقبة كل رقبة , فأي رقبة حررها المكفر يمينه في كفارته فقد أدى ما كلف , إلا ما ذكرنا أن الحجة مجمعة على أن الله تعالى لم يعنه بالتحرير , فذلك خارج من حكم الآية , وما عدا ذلك فجائز تحريره في الكفارة بظاهر التنزيل .
والمكفر مخير في تكفير يمينه التي حنث فيها بإحدى هذه الحالات الثلاث التي سماها الله في كتابه , وذلك : إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله , أو كسوتهم , أو تحرير رقبة , بإجماع من الجميع لا خلاف بينهم في ذلك .
فإن ظن ظان أن ما قلنا من أن ذلك إجماع من الجميع ليس كما قلنا لما : 9744 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب , قال : ثنا عبد الواحد بن زياد , قال : ثنا سليمان الشيباني , قال : ثنا أبو الضحى , عن مسروق , قال : جاء نعمان بن مقرن إلى عبد الله , فقال : إني آليت من النساء والفراش ! فقرأ عبد الله هذه الآية : لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين قال : فقال نعمان : إنما سألتك لكوني أتيت على هذه الآية .
فقال عبد الله : ائت النساء ونم واعتق رقبة , فإنك موسر .
* - حدثني يونس , أخبرنا ابن وهب , قال : ثني جرير بن حازم أن سليمان الأعمش حدثه عن إبراهيم بن يزيد النخعي , عن همام بن الحارث : أن نعمان بن مقرن سأل عبد الله بن مسعود , فقال : إني حلفت أن لا أنام على فراشي سنة ! فقال ابن مسعود : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم كفر عن يمينك ونم على فراشك ! قال : بم أكفر عن يميني ؟ قال : أعتق رقبة فإنك موسر .
ونحو هذا من الأخبار التي رويت عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما , فإن ذلك منهم كان على وجه الاستحباب لمن أمروه بالتكفير بما أمروه بالتكفير به من الرقاب , لا على أنه كان لا يجزي عندهم التكفير للموسر إلا بالرقبة ; لأنه لم ينقل أحد عن أحد منهم أنه قال لا يجزي الموسر التكفير إلا بالرقبة .
والجميع من علماء الأمصار قديمهم وحديثهم مجمعون على أن التكفير بغير الرقاب جائز للموسر , ففي ذلك مكتفى عن الاستشهاد على صحة ما قلنا في ذلك بغيره .
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيامالقول في تأويل قوله تعالى : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام يقول تعالى ذكره : فمن لم يجد لكفارة يمينه التي لزمه تكفيرها من الطعام والكسوة والرقاب ما يكفرها به على ما فرضنا عليه وأوجبناه في كتابنا وعلى لسان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فصيام ثلاثة أيام يقول : فعليه صيام ثلاثة أيام .
ثم اختلف أهل العلم في معنى قوله : فمن لم يجد ومتى يستحق الحانث في يمينه الذي قد لزمته الكفارة اسم غير واجد حتى يكون ممن له الصيام في ذلك ؟ فقال بعضهم : إذا لم يكن للحانث في وقت تكفيره عن يمينه إلا قدر قوته وقوت عياله يومه وليلته فإن له أن يكفر بالصيام , فإن كان عنده في ذلك الوقت قوته وقوت عياله يومه وليلته ومن الفضل ما يطعم عشرة مساكين أو ما يكسوهم , لزمه التكفير بالإطعام أو الكسوة ولم يجزه الصيام حينئذ .
وممن قال ذلك الشافعي .
حدثنا بذلك عنه الربيع .
وهذا القول قصد إن شاء الله - من أوجب الطعام على من كان عنده درهمان - من أوجبه على من عنده ثلاثة دراهم .
وبنحو ذلك : 9745 - حدثنا هناد , قال : ثنا ابن المبارك , عن حماد بن سلمة , عن عبد الكريم , عن سعيد بن جبير , قال : إذا لم يكن له إلا ثلاثة دراهم أطعم .
قال : يعني في الكفارة .
9746 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني معتمر بن سليمان , قال : قلت لعمر بن راشد : الرجل يحلف , ولا يكون عنده من الطعام إلا بقدر ما يكفر ؟ قال : كان قتادة يقول : يصوم ثلاثة أيام .
9747 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا المعتمر بن سليمان , قال : ثنا يونس بن عبيد , عن الحسن قال : إذا كان عنده درهمان .
9748 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا معتمر , عن حماد , عن عبد الكريم بن أبي أمية , عن سعيد بن جبير , قال : ثلاثة دراهم .
وقال آخرون : جائز لمن لم يكن عنده مئتا درهم أن يصوم وهو ممن لا يجد .
وقال آخرون : جائز لمن لم يكن عنده فضل عن رأس ماله يتصرف به لمعاشه ما يكفر به بالإطعام أن يصوم , إلا أن يكون له كفاية من المال ما يتصرف به لمعاشه ومن الفضل عن ذلك ما يكفر به عن يمينه .
وهذا قول كان يقوله بعض متأخري المتفقهة .
والصواب من القول في ذلك عندنا , أن من لم يكن عنده في حال حنثه في يمينه إلا قدر قوته وقوت عياله يومه وليلته لا فضل له عن ذلك , يصوم ثلاثة أيام , وهو ممن دخل في جملة من لا يجد ما يطعم أو يكسو أو يعتق .
وإن كان عنده في ذلك الوقت من الفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته ما يطعم أو يكسو عشرة مساكين أو يعتق رقبة , فلا يجزيه حينئذ الصوم ; لأن إحدى الحالات الثلاث حينئذ من إطعام أو كسوة أو عتق حق قد أوجبه الله تعالى في ماله وجوب الدين , وقد قامت الحجة بأن المفلس إذا فرق ماله بين غرمائه أنه لا يترك ذلك اليوم إلا ما لا بد له من قوته وقوت عياله يومه وليلته , فكذلك حكم المعدم بالدين الذي أوجبه الله تعالى في ماله بسبب الكفارة التي لزمت ماله .
واختلف أهل العلم في صفة الصوم الذي أوجبه الله في كفارة اليمين , فقال بعضهم : صفته أن يكون مواصلا بين الأيام الثلاثة غير مفرقها .
ذكر من قال ذلك : 9749 - حدثنا محمد بن العلاء , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن ليث , عن مجاهد , قال : كل صوم في القرآن فهو متتابع إلا قضاء رمضان , فإنه عدة من أيام أخر .
9750 - حدثنا أبو كريب وهناد , قالا : ثنا وكيع , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن أبي جعفر , عن الربيع بن أنس , قال : كان أبي بن كعب يقرأ : " صيام ثلاثة أيام متتابعات " .
* - حدثنا عبد الأعلى بن واصل الأسدي , قال : ثنا عبيد الله بن موسى , عن أبي جعفر الرازي , عن الربيع بن أنس , عن أبي العالية , عن أبي بن كعب , أنه كان يقرأ : .
" فصيام ثلاثة أيام متتابعات " .
9751 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يزيد بن هارون , عن قزعة بن سويد , عن سيف بن سليمان , عن مجاهد , قال : في قراءة عبد الله : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " .
9752 - حدثنا هناد , قال : ثنا ابن المبارك , عن ابن عون , عن إبراهيم , قال : في قراءتنا : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " .
* - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن علية , عن ابن عون , عن إبراهيم , مثله .
9753 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن إبراهيم : في قراءة أصحاب عبد الله : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " .
9754 - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا : ثنا وكيع , عن سفيان , عن جابر , عن عامر , قال : في قراءة عبد الله : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " .
9755 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا محمد بن حميد , عن معمر , عن أبي إسحاق : في قراءة عبد الله : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " .
9756 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا محمد بن حميد , عن معمر , عن الأعمش , قال : كان أصحاب عبد الله يقرءون : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " .
9757 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , قال : سمعت سفيان , يقول : إذا فرق صيام ثلاثة أيام لم يجزه .
قال : وسمعته يقول في رجل صام في كفارة يمين ثم أفطر , قال : يستقبل الصوم .
9758 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا جامع بن حماد , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : فصيام ثلاثة أيام قال : إذا لم يجد طعاما ; وكان في بعض القراءة : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " .
وبه كان يأخذ قتادة .
9759 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قال : هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة الأول فالأول , فإن لم يجد من ذلك شيئا فصيام ثلاثة أيام متتابعات .
وقال آخرون : جائز لمن صامهن أن يصومهن كيف شاء مجتمعات ومفترقات .
ذكر من قال ذلك : 9760 - حدثني يونس , قال : أخبرنا أشهب , قال : قال مالك : كل ما ذكر الله في القرآن من الصيام , فأن يصام تباعا أعجب , فإن فرقها رجوت أن تجزي عنه .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى أوجب على من لزمته كفارة يمين إذا لم يجد إلى تكفيرها بالإطعام أو الكسوة أو العتق سبيلا , أن يكفرها بصيام ثلاثة أيام , ولم يشرط في ذلك متتابعة , فكيفما صامهن المكفر مفرقة ومتتابعة أجزأه ; لأن الله تعالى إنما أوجب عليه صيام ثلاثة أيام , فكيفما أتى بصومهن أجزأ .
فأما ما روي عن أبي وابن مسعود من قراءتهما " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " فذلك خلاف ما في مصاحفنا , وغير جائز لنا أن نشهد بشيء ليس في مصاحفنا من الكلام أنه من كتاب الله .
غير أني أختار للصائم في كفارة اليمين أن يتابع بين الأيام الثلاثة ولا يفرق , لأنه لا خلاف بين الجميع أنه إذا فعل ذلك فقد أجزأ ذلك عنه من كفارته .
وهم في غير ذلك مختلفون , ففعل ما لا يختلف في جوازه أحب إلي وإن كان الآخر جائزا .
ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتمالقول في تأويل قوله تعالى : ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم يعني تعالى ذكره بقوله : ذلك هذا الذي ذكرت لكم أنه كفارة أيمانكم من إطعام العشرة المساكين أو كسوتهم أو تحرير الرقبة , وصيام الثلاثة الأ

﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ﴾

قراءة سورة المائدة

المصدر : تفسير : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن