أولئك الأنبياء الذين أنعمنا عليهم بالهداية والنبوة هم الذين آتيناهم الكتاب كصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى، وآتيناهم فَهْمَ هذه الكتب، واخترناهم لإبلاغ وحينا، فإن يجحد -أيها الرسول- بآيات هذا القرآن الكفارُ من قومك، فقد وكلنا بها قومًا آخرين -أي: المهاجرين والأنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة- ليسوا بها بكافرين، بل مؤمنون بها، عاملون بما تدل عليه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«أولئك الذين آتيناهم الكتاب» بمعنى الكتب «والحكم» الحكمة «والنبوة فإن يكفر بها» أي بهذه الثلاثة «هؤلاء» أي أهل مكة «فقد وكَّلنا بها» أرصدنا لها «قوما ليسوا بها بكافرين» هم المهاجرون والأنصار.
﴿ تفسير السعدي ﴾
فإذا كان هؤلاء الصفوة الأخيار، لو أشركوا - وحاشاهم- لحبطت أعمالهم فغيرهم أولى.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( أولئك الذين آتيناهم الكتاب ) أي : الكتب المنزلة عليهم ، ( والحكم ) يعني : العلم والفقه ، ( والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء ) الكفار يعني : أهل مكة ، ( فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ) يعني : الأنصار وأهل المدينة ، قاله ابن عباس ومجاهد ، وقال قتادة : فإن يكفر بها هؤلاء الكفار فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ، يعني : الأنبياء الثمانية عشر الذين ذكرهم الله هاهنا ، وقال أبو رجاء العطاردي : معناه فإن يكفر بها أهل الأرض فقد وكلنا بها أهل السماء ، وهم الملائكة ، ليسوا بها بكافرين .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ اسم الإشارة فيه يعود إلى المذكورين من الأنبياء الثمانية عشرة والمعطوفين عليهم باعتبار اتصافهم بما ذكر من الهداية وغيرها من النعوت الجليلة.وقصر بعضهم عودته على الأنبياء فحسب وإليه ذهب ابن جرير والرازي أى: أولئك المصطفون الأخيار هم الذين آتيناهم الكتاب أى جنسه المتحقق في ضمن أى فرد كان من أفراد الكتب السماوية.والمراد بإيتائه: التفهيم التام لما اشتمل عليه من حقائق وأحكام، وذلك أعم من أن يكون بالإنزال ابتداء أو بالإيراث بقاء، فإن المذكورين لم ينزل على كل واحد منهم كتاب معين.والحكم أى: الحكمة وهي علم الكتاب ومعرفة ما فيه من الأحكام. أو الإصابة في القول والعمل. أو القضاء بين الناس بالحق.والنُّبُوَّةَ أى: الرسالة.وقوله فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ أى: فإن يكفر بهذه الثلاث التي اجتمعت فيك يا محمد هؤلاء المشركون من أهل مكة، فلن يضرك كفرهم لأنا قد وفقنا للإيمان بها قوما كراما ليسوا بها بكافرين في وقت من الأوقات وإنما هم مستمرون على الإيمان بك والتصديق برسالتك وفي ذلك ما فيه من التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن إعراض بعض قومه عن دعوته.والمراد بالقوم الذين وكلوا بالقيام بحق هذه الرسالة ووفقوا للإيمان بها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار مطلقا، لأنهم هم الذين دافعوا عن دعوة الإسلام وبذلوا في سبيل إعلانهم نفوسهم وأموالهم، ويدخل معهم كل من سار على نهجهم في كل زمان ومكان.وقيل: المراد بهم أهل المدينة من الأنصار. وقيل: المراد بهم الأنبياء المذكورون وأتباعهم، وقيل غير ذلك.والذي نراه أن الرأى الأول أرجح لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم المقابلون لكفار قريش الذين كفروا بها.وفي التكنية عن توفيقهم للإيمان بها بالتوكيل الذي أصله الحفظ للشيء ومراعاته، وإيذان بفخامة وعلو قدرها.قال الإمام الرازي: «دلت هذه الآية على أن الله- تعالى- سينصر نبيه، ويقوى دينه، ويجعله مستعليا على كل من عاداه، قاهرا لكل من نازعه، وقد وقع هذا الذي أخبر الله عنه في هذا الموضع، فكان جاريا مجرى الإخبار عن الغيب فيكون معجزا» .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة ) أي : أنعمنا عليهم بذلك رحمة للعباد بهم ، ولطفا منا بالخليقة ( فإن يكفر بها ) أي : بالنبوة . ويحتمل أن يكون الضمير عائدا على هذه الأشياء الثلاثة : الكتاب ، والحكم ، والنبوة .وقوله : ( هؤلاء ) يعني : أهل مكة . قاله ابن عباس وسعيد بن المسيب والضحاك وقتادة والسدي . ) فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ) أي : إن يكفر بهذه النعم من كفر بها من قريش وغيرهم من سائر أهل الأرض ، من عرب وعجم ، ومليين وكتابيين ، فقد وكلنا بها قوما ) آخرين ) يعني : المهاجرين والأنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة ( ليسوا بها بكافرين ) أي : لا يجحدون شيئا منها ، ولا يردون منها حرفا واحدا ، بل يؤمنون بجميعها محكمها ومتشابهها ، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه وإحسانه .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة ابتداء وخبر والحكم العلم والفقه .فإن يكفر بها أي بآياتنا .هؤلاء أي كفار عصرك يا محمد .فقد وكلنا بها جواب الشرط ; أي وكلنا بالإيمان بهاقوما ليسوا بها بكافرين يريد الأنصار من أهل المدينة والمهاجرين من أهل مكة . وقال قتادة : يعني النبيين الذين قص الله عز وجل . قال النحاس : وهذا القول أشبه بالمعنى ; لأنه قال بعد : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده . وقال أبو رجاء : هم الملائكة . وقيل : هو عام في كل مؤمن من الجن والإنس والملائكة . والباء في " بكافرين " زائدة على جهة التأكيد .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " أولئك "، هؤلاء الذين سميناهم من أنبيائه ورسله، نوحًا وذريته الذين هداهم لدين الإسلام، واختارهم لرسالته إلى خلقه, هم " الذين آتيناهم الكتاب "، يعني بذلك: صحفَ إبراهيم وموسى، وزبور داود، وإنجيل عيسى صلوات الله عليهم أجمعين =" والحكم "، يعني: الفهم بالكتاب، ومعرفة ما فيه من الأحكام. وروي عن مجاهد في ذلك ما:-13518 - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا أبان قال، حدثنا مالك بن شداد, عن مجاهد: " والحكم والنبوة "، قال: " الحكم "، هو اللبُّ. (59)وعنى بذلك مجاهد، إن شاء الله، ما قلت، لأن " اللب " هو " العقل ", فكأنه أراد: أن الله آتاهم العقل بالكتاب, وهو بمعنى ما قلنا أنه الفهم به.* * *وقد بينا معنى " النبوة " و " الحكم "، فيما مضى بشواهدهما, فأغنى ذلك عن إعادته. (60)* * *القول في تأويل قوله : فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فإن يكفر: يا محمد، بآيات كتابي الذي أنزلته إليك فيجحد هؤلاء المشركون العادلون بربهم, كالذي:-13519 - حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: " فإن يكفر بها هؤلاء "، يقول: إن يكفروا بالقرآن.* * *ثم اختلف أهل التأويل في المعنيّ ب " هؤلاء ".فقال بعضهم: عُني بهم كفار قريش = وعنى بقوله: " فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين "، الأنصار.* ذكر من قال ذلك:13520 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا سليمان قال، حدثنا أبو هلال, عن قتادة في قول الله تعالى ذكره: " فإن يكفر بها هؤلاء "، قال: أهل مكة =" فقد وكلنا بها "، أهل المدينة.13521 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان, عن جويبر, عن الضحاك،" فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين "، قال : الأنصار.13522- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء, عن جويبر, عن الضحاك: " فإن يكفر بها هؤلاء "، قال: إن يكفر بها أهل مكة =" فقد وكلنا بها "، أهل المدينة الأنصار=" ليسوا بها بكافرين " .13523 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " فإن يكفر بها هؤلاء "، يقول: إن تكفر بها قريش =" فقد وكلنا بها "، الأنصار.13524 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج: " فإن يكفر بها هؤلاء "، أهل مكة =" فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين "، أهلَ المدينة.13525 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين "، قال: كان أهل المدينة قد تبوءوا الدار والإيمان قبل أن يقدم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أنزل الله عليهم الآيات، جحد بها أهل مكة. فقال الله تعالى ذكره: " فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين ". قال عطية: ولم أسمع هذا من ابن عباس, ولكن سمعته من غيره. (61)13526- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: " فإن يكفر بها هؤلاء "، يعني أهل مكة. يقول: إن يكفروا بالقرآن =" فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين "، يعني أهلَ المدينة والأنصار.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: فإن يكفر بها أهل مكة, فقد وكلنا بها الملائكة.* ذكر من قال ذلك:13527 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن عوف, عن أبي رجاء: " فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين "، قال: هم الملائكة .13528- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي عدي وعبد الوهاب, عن عوف, عن أبي رجاء, مثله .* * *وقال آخرون: عنى بقوله: " فإن يكفر بها هؤلاء "، يعني قريشًا= وبقوله: " فقد وكلنا بها قومًا "، الأنبياء الذين سماهم في الآيات التي مضت قبلَ هذه الآية.* ذكر من قال ذلك:13529- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " فإن يكفر بها هؤلاء "، يعني أهل مكة =" فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين "، وهم الأنبياء الثمانية عشر الذين قال الله: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ .13530- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: " فإن يكفر بها هؤلاء "، قال: يعني قوم محمد. ثم قال: " فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين "، يعني: النبيين الذين قص قبل هذه الآية قصصهم. ثم قال: " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ".* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك بالصواب, قولُ من قال: عنى بقوله: " فإن يكفر بها هؤلاء "، كفار قريش =" فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين "، يعني به الأنبياء الثمانية عشر الذين سماهم الله تعالى ذكره في الآيات قبل هذه الآية. وذلك أن الخبر في الآيات قبلها عنهم مضى، وفي التي بعدها عنهم ذكر, فما بينها بأن يكون خبرًا عنهم، (62) أولى وأحق من أن يكون خبرًا عن غيرهم.* * *فتأويل الكلام، إذ كان ذلك كذلك: فإن كفر قومك من قريش، يا محمد، بآياتنا, (63) وكذبوا وجحدوا حقيقتها, فقد استحفظناها واسترعينا القيام بها رُسلَنا وأنبياءنا من قبلك، الذين لا يجحدون حقيقتها، ولا يكذبون بها, ولكنهم يصدقون بها ويؤمنون بصحتها.* * *وقد قال بعضهم: معنى قوله: " فقد وكّلنا بها قومًا "، رزقناها قومًا.------------------الهوامش :(58) انظر تفسير"حبط" فيما سلف 4: 317/6 : 287/9 : 592/10 : 409.(59) الأثر: 13518 -"مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي" ، مضى مرارًا آخرها رقم: 7487.و"أبان" هو: "أبان بن يزيد العطار" ، مضى برقم: 3832 ، 9656."مالك بن شداد" هكذا هو في المطبوعة والمخطوطة ، ولم أجد له ذكرًا فيما بين يدي في الكتب ، ولعله محرف عن شيء لا أعرفه.(60) انظر تفسير"النبوة" فيما سلف: 2: 140 - 142/6 : 284 ، 380 .= وتفسير"الحكم" فيما سلف 3: 86 - 88 ، 211/6 : 538.(61) الأثر: 13525 -"عطية" ، هو"عطية بن سعد العوفي" ، جد"محمد بن سعد" الأعلى ، وهو مفسر في شرح هذا الإسناد رقم: 305.(62) في المطبوعة: "ففيما بينها" ، وفي المخطوطة""فما بينهم" ، والصواب بينهما ما أثبت .(63) في المطبوعة: "فإن يكفر قومك من قريش" ، وفي المخطوطة: "فإن يكفر بها قومك" والكلام لا يستقيم إلا بحذف"بها" ولكن الجملة لا تستقيم أيضًا في العطوف المتتابعة حتى تكون"فإن كفر قومك" ، فعلا ماضيًا كالذي عطف عليه.
﴿ أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ﴾