القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

الآية 1 من سورة الممتحنة - ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد

سورة الممتحنة الآية رقم 1 : قراءة و استماع

قراءة و استماع الآية 1 من سورة الممتحنة مكتوبة - عدد الآيات 13 - Al-Mumtahanah - الصفحة 549 - الجزء 28.

سورة الممتحنة الآية رقم 1

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ﴾
[ الممتحنة: 1]


﴿ ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ﴾


﴿ تفسير السعدي ﴾

ذكر كثير من المفسرين، [رحمهم الله]، أن سبب نزول هذه الآيات الكريمات في قصة حاطب بن أبي بلتعة، حين غزا النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح، فكتب حاطب إلى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، ليتخذ بذلك يدا عندهم لا [شكا و] نفاقا، وأرسله مع امرأة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشأنه، فأرسل إلى المرأة قبل وصولها وأخذ منها الكتاب.
وعاتب حاطبا، فاعتذر رضي الله عنه بعذر قبله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الآيات فيها النهي الشديد عن موالاة الكفار من المشركين وغيرهم، وإلقاء المودة إليهم، وأن ذلك مناف للإيمان، ومخالف لملة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، ومناقض للعقل الذي يوجب الحذر كل الحذر من العدو، الذي لا يبقي من مجهوده في العداوة شيئا، وينتهز الفرصة في إيصال الضرر إلى عدوه، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اعملوا بمقتضى إيمانكم، من ولاية من قام بالإيمان، ومعاداة من عاداه، فإنه عدو لله، وعدو للمؤمنين.
فلا تتخذوا عدو الله وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أي: تسارعون في مودتهم وفي السعي بأسبابها، فإن المودة إذا حصلت، تبعتها النصرة والموالاة، فخرج العبد من الإيمان، وصار من جملة أهل الكفران، وانفصل عن أهل الإيمان.
وهذا المتخذ للكافر وليا، عادم المروءة أيضا، فإنه كيف يوالي أعدى أعدائه الذي لا يريد له إلا الشر، ويخالف ربه ووليه الذي يريد به الخير، ويأمره به، ويحثه عليه؟! ومما يدعو المؤمن أيضا إلى معاداة الكفار، أنهم قد كفروا بما جاء المؤمنين من الحق، ولا أعظم من هذه المخالفة والمشاقة، فإنهم قد كفروا بأصل دينكم، وزعموا أنكم ضلال على غير هدى.
والحال أنهم كفروا بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية، ومن رد الحق فمحال أن يوجد له دليل أو حجة تدل على صحة قوله، بل مجرد العلم بالحق يدل على بطلان قول من رده وفساده.
ومن عداوتهم البليغة أنهم يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أيها المؤمنون من دياركم، ويشردونكم من أوطانكم، ولا ذنب لكم في ذلك عندهم، إلا أنكم تؤمنون بالله ربكم الذي يتعين على الخلق كلهم القيام بعبوديته، لأنه رباهم، وأنعم عليهم، بالنعم الظاهرة والباطنة، وهو الله تعالى.
فلما أعرضوا عن هذا الأمر، الذي هو أوجب الواجبات، وقمتم به، عادوكم، وأخرجوكم - من أجله - من دياركم، فأي دين، وأي مروءة وعقل، يبقى مع العبد إذا والى الكفار الذين هذا وصفهم في كل زمان أو مكان؟" ولا يمنعهم منه إلا خوف، أو مانع قوي.
إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي أي: إن كان خروجكم مقصودكم به الجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، وابتغاء مرضاة الله فاعملوا بمقتضى هذا، من موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، فإن هذا هو الجهاد في سبيله وهو من أعظم ما يتقرب به المتقربون إلى ربهم ويبتغون به رضاه.
تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ أي: كيف تسرون المودة للكافرين وتخفونها، مع علمكم أن الله عالم بما تخفون وما تعلنون؟!، فهو وإن خفي على المؤمنين، فلا يخفى على الله تعالى، وسيجازي العباد بما يعلمه منهم من الخير والشر، وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ أي: موالاة الكافرين بعد ما حذركم الله منها فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ لأنه سلك مسلكا مخالفا للشرع وللعقل والمروءة الإنسانية.

﴿ تفسير الوسيط ﴾

مقدمة وتمهيد1- سورة «الممتحنة» هي السورة الستون في ترتيب المصحف، أما ترتيبها في النزول فكان بعد سورة الأحزاب، وقبل سورة النساء، وهي من السور المدنية الخالصة، وعدد آياتها ثلاث عشرة آية.
واشتهرت بهذا الاسم منذ العهد النبوي، إلا أن منهم من يقرؤها بفتح الحاء، على أنها صفة للمرأة التي نزلت فيها، ومنهم من يقرؤها بكسر الحاء على أنها صفة للسورة.
قال القرطبي: الممتحنة- بكسر الحاء- أى: المختبرة، أضيف الفعل إليها محازا، كما سميت سورة براءة بالفاضحة، لما كشفت من رذائل المنافقين، ومن قال في هذه السورة الممتحنة- بفتح الحاء- فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها.
وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط.
قال الله- تعالى-: فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف، ولدت له إبراهيم بن عبد الرحمن .
وقال صاحب الإتقان: وتسمى «سورة الامتحان» و «سورة المودة» .
2- وقد افتتحت هذه السورة بتوجيه نداء إلى المؤمنين، نهتهم فيه عن اتخاذ أعداء الله وأعدائهم أولياء، وبينت لهم ما جبل عليه هؤلاء الأعداء من كراهية للحق، كما بينت لهم سوء عاقبة من يوالى هؤلاء الأعداء.
قال- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ، يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ، إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي.
وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ، وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ.
3- ثم انتقلت السورة الكريمة إلى دعوتهم إلى الاقتداء بأبيهم إبراهيم- عليه السلام- الذي قطع صلته بأقرب الناس إليه، عند ما رآه مصرا على كفره، وأعلن أنه عدو لكل من أشرك مع الله- تعالى- في العبادة آلهة أخرى.
قال- تعالى-: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ، إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، كَفَرْنا بِكُمْ، وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ، لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
4- ثم بشر- سبحانه- المؤمنين، بأنه- بفضله وكرمه- سيجمع شملهم بأقاربهم الذين تشددوا في عداوتهم، بأن يهدى هؤلاء الأقارب إلى الحق، فيتصل حبل المودة بينهم جميعا، ببركة اجتماعهم تحت كلمة الإسلام، فقال- تعالى-: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً، وَاللَّهُ قَدِيرٌ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
5- وبعد أن رخص للمؤمنين في مودة الكفار الذين لم يقاتلوهم ولم يلحقوا بهم أذى.
.
ونهاهم عن مودة الكفار الذين قاتلوهم وآذوهم.
.
بعد كل ذلك وجه- سبحانه- نداء ثانيا إلى المؤمنين بين لهم حكم النساء اللائي أتين مؤمنات إليهم، بعد أن تركن أزواجهن الكفار، وفصل- سبحانه- هذه الأحكام حرصا على النساء المؤمنات.
فقال- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ.
6- ثم أمر- سبحانه- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبايع النساء المؤمنات على ما بايع عليه الرجال، وأن يأخذ عليهن العهود على الطاعة لله- تعالى- والبعد عن محارمه.
قال- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً، وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ، وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ، وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ، فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
7- ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بتوجيه نداء ثالث إلى المؤمنين نهاهم فيه مرة أخرى عن موالاة أعداء الله وأعدائهم.
.
فقال- سبحانه-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ.
8- هذا والمتأمل في هذه السورة الكريمة، يراها قد ساقت للمؤمنين ألوانا من التربية التي تغرس العقيدة السليمة في قلوبهم، وتجعلهم يضحون من أجلها بكل شيء، ويقدمونها في تصرفاتهم على محبة الآباء والأبناء والعشيرة والأموال، وتكشف لهم عن سوء نيات الكافرين نحوهم، وعن حرصهم على إنزال الضرر بهم، كما ضربت لهم الأمثال بإبراهيم- عليه السلام- لكي يقتدوا به في قوة إيمانه، وفي إخلاصه لدينه، كما بينت لهم من يجوز لهم مودتهم من الكافرين، ومن لا يجوز لهم ذلك منهم.
.
ثم ختمت ببيان بعض الأحكام التي تتعلق بالنساء المؤمنات المتزوجات من الكافرين، وبالنساء اللائي جئن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يبايعنه على الإيمان والطاعة.
وسنفصل القول في هذه الأحكام خلال تفسيرنا لهذه السورة الكريمة،.
نسأل الله- تعالى- أن يلهمنا الرشد، وأن يجنبنا الزلل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلمافتتحت سورة " الممتحنة " بهذا النداء للمؤمنين ، وقد تضمن هذا النداء نهيهم عن موالاة أعداء الله وأعدائهم .
وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ، ما ذكره الإمام الآلوسى فقال : " نزلت فى حاطب بن أبى بلتعة .
.
.
فقد أخرج الإمام أحمد ، والبخارى ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذى ، والنسائى ، وابن حبان ، وجماعة عن على بن أبى طالب - رضى الله عنه - قال : بعثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ - وهومكان بين مكة والمدينة - فإن بها ظعينة معها كتاب ، فخذوه منها فأتونى به فخرجنا حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها : أخرجى الكتاب .
فقالت : ما معى من كتاب ، فقلنا : أخرجى الكتاب أو لنلقين الثياب ، فأخرجته من عاقصها ، فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه : من حاطب بن أبى بلتعة ، إلى أناس من المشركين بمكة ، يخبرهم ببعض أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - .
فقال - صلى الله عليه وسلم - " ما هذا يا حاطب؟ " فقال حاطب : لا تعجل علىَّ يا رسول الله إنى كنت إنسانا ملصقا فى قريش ، ولم أكن منها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهلهم وأموالهم بمكة ، فأحببت إذ فاتنى ذلك من النسب فيها ، أن أصطنع إليهم يدا ، يحمون بها قرابتى ، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن الإسلام .
فقال عمر : دعنى يا رسول الله أضرب عنقه ، فقال ، - صلى الله عليه وسلم - : " إنه شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فنزلت هذه الآيات " .
وقد ذكروا أن هذه القصة كانت فى الوقت الذى أعد فيه النبى - صلى الله عليه وسلم - العدة لأجل العمرة ، سنة صلح الحديبية ، وقيل كانت هذه القصة فى الوقت الذى تهيأ النبى - صلى الله عليه وسلم - لفتح مكة ، وكان من بين الذين علموا ذلك حاطب بن أبى بلتعة .
والمراد بالعدو هنا : الأعداء عموما ، ويدخل فيهم دخولا أولياء كفار قريش ، الذين أرسل إليهم حاطب بن أبى بلتعة خطابه ، لكى يحذرهم من مهاجمة المسلمين لهم .
والمراد بالعداوة : العداوة الدينية التى جعلت المشركين ، يحرصون كل الحرص على أذى المسلمين ، أى : يامن آمنتم بالله - تعالى - إيمانا حقا ، احذروا أن تتخذوا أعدائى وأعداءكم أولياء وأصدقاء وحلفاء .
بل جاهدوهم وأغلظوا عليهم ، واقطعوا الصلة التى بينكم وبينهم .
وناداهم بصفة الإيمان ، لتحريك حرارة العقيدة الدينية فى قلوبهم ولحضهم على الاستجابة لما نهاهم عنه .
وقدم - سبحانه - عداوته للمشركين ، على عداوة المؤمنين لهم ، لأن عداوة هؤلاء المشركين لله - تعالى - أشد وأقبح ، حيث عبدوا غير خالقهم ، وشكروا غير رزاقهم ، وكذبوا رسل ربهم وآذوهم .
وفى الحديث القدسى : " إنى والجن والإنس فى نبأ عظيم .
أخلق ويعبد غيرى ، وأرزق ويشكر سواى .
.
خيرى إلى العباد نازل ، وشرهم إلى صاعد ، أتحبب إليهم بالنعم .
ويتبغضون إلى بالمعاصى " .
وعبر - سبحانه - بالاتخاذ الذى هو افتعال من الأخذ ، للمبالغة فى نهيهم عن موالاة هؤلاء الأعداء .
إذ الاتخاذ يشعر بشدة الملابسة والملازمة .
والمفعول الأول لقوله ( تَتَّخِذُواْ ) قوله : ( عَدُوِّي ) والمفعول الثانى قوله : ( أَوْلِيَآءَ ) .
وقوله - سبحانه - : ( تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة ) تفسير وتوضيح لهذه الموالاة التى نهوا عنها أو فى موضع الحال من ضمير ( لاَ تَتَّخِذُواْ ) .
وحقيقة الإلقاء : قذف ما فى اليد على الأرض أو فى الفضاء ، والمراد به هنا : إيصال ما يدخل السرور على قلوب أعدائهم .
والباء فى قوله : ( بالمودة ) لتأكيد اتصال الفعل بمفعوله .
أى : احذروا أن تعاملوا أعدائى وأعداءكم معاملة الأصدقاء والحلفاء ، بأن تظهروا لهم المودة والمحبة .
ويصح أن تكون الباء للسببية فيكون المعنى : تلقون إليهم بأخباركم التى لا يجوز لكم إظهارها لهم ، بسبب مودتكم لهم .
وقد ذكروا أن حاطبا أرسل بهذه الرسالة إلى أهل مكة ، عندما تجهز النبى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه للذهاب إليها لأجل العمرة عام الحديبية ، أو لأجل فتح مكة .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ( تُلْقُونَ ) بم يتعلق؟ قلت : يجوز أن يتعلق بقوله : ( لاَ تَتَّخِذُواْ ) حالا من ضميره .
.
ويجوز أن يكون استئنافا .
والإلقاء : عبارة عن إيصال المودة والإفضاء بها إليهم يقال : ألقى إليه خَراشِىَ صدره - أى أسرار صدره - وأفضى إليه بقشوره .
والباء فى ( بالمودة ) إما زائدة مؤكدة للتعدى مثلها فى قوله : ( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة ) وإما ثابتة على أن مفعول تلقون محذوف ، ومعناه : تلقون إليهم إخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبب المودة التى بينكم وبينهم .
ثم ساق - سبحانه - الأسباب التى من شأنها تحمل المؤمنين على عدم موالاة أعداء الله وأعدائهم ، فقال : ( وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ الحق ) أى : لا تتخذوا - أيها المؤمنون - هؤلاء الأعداء أولياء ، وتلقون إليهم بالمودة ، والحال أن هؤلاء الأعداء قد كفروا بما جاءكم على لسان رسولكم - صلى الله عليه وسلم - من الحق الذى يتمثل فى القرآن الكريم ، وفى كل ما أوحاه - سبحانه - إلى رسوله .
فالمقصود من هذه الجملة الكريمة ، تصوير هؤلاء الكافرين ، بما ينفر المؤمنين من إلقاء المودة إليهم .
وقوله - تعالى - : ( يُخْرِجُونَ الرسول وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بالله رَبِّكُمْ ) بيان لسبب آخر من الأسباب التى تدعو المؤمنين إلى مقاطعة أعدائهم الكافرين .
وجملة : ( يُخْرِجُونَ الرسول ) يصح أن تكون مستأنفة لبيان كفرهم ، أو فى محل نصب حال من فاعل ( كَفَرُواْ ) وقوله : ( وَإِيَّاكُمْ ) معطوف على الرسول ، وقدم عليهم على سبيل التشريف لمقامه - صلى الله عليه وسلم - وجملة ( أَن تُؤْمِنُواْ ) فى محل نصب مفعول لأجله .
أى : أن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بكفرهم بما جاءكم - أيها المؤمنون - من الحق ، بل تجاوزوا ذلك إلى محاولة إخراج رسولكم - صلى الله عليه وسلم - وإخراجكم من مكة ، من أجل إيمانكم بالله ربكم ، وإخلاصكم العبادة له - تعالى - .
وأسند - سبحانه - محاولة الإخراج إلى جميع الأعداء ، لأنهم كانوا راضين بهذا الفعل ومتواطئين على تنفيذه؛ بعضهم عن طريق التخطيط له ، وبعضهم عن طريق التنفيذ الفعلى .
والمتأمل فى هذه الجملة الكريمة ، يراها قد ساقت أقوى الأسباب وأعظمها ، للتشنيع على مشركى قريش ، ولإلهاب حماس المؤمنين من أجل عدم إلقاء المودة إليهم .
وجواب الشرط فى قوله - تعالى - : ( إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وابتغآء مَرْضَاتِي ) محذوف للدلالة ما قبله عليه أى : إن كنتم - أيها المؤمنون - قد خرجتم من مكة من أجل الجهاد فى سبيلى ، ومن أجل طلب مرضاتى ، فاتركوا اتخاذ عدوى وعدوكم أولياء ، واتركوا مودتهم ومصافاتهم .
فالمقصود من الجملة الكريمة ، زيادة التهييج للمؤمنين ، حتى لا يبقى فى قلوبهم أى شىء من المودة نحو الكافرين .
وقوله - سبحانه - : ( تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة ) بدل من قوله - تعالى - : قبل ذلك : ( تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة ) .
بدل بعض من كل .
لأن إلقاء المودة أعم من أن تكون فى السر أو فى العلن .
ويصح أن يكون بدل اشتمال ، لأن الإسرار إليهم بالمودة ، مما اشتمل عليه إلقاء المودة إليهم .
وهذه الجملة جىء بها على سبيل العتاب والتعجيب ممن فى قلبه مودة لهؤلاء الكافرين ، بعد أن بين الله - تعالى - له ، ما يوجب قطع كل صلة بهم .
ومفعول ( تُسِرُّونَ ) محذوف .
أى : ترسلون إليهم أخبار المسلمين سرا ، بسبب مودتكم لهم؟ وجملة : ( وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ ) هى مناط التعجيب ممن يتخذ هؤلاء الأعداء أولياء .
أو من يسر إليهم بالمودة ، وهى حالية من فاعل ( تُلْقُونَ و تُسِرُّونَ ) .
أى : تفعلون ما تفعلون من إلقاء المودة إلى عدوى وعدوكم ، ومن إسراركم بها إليهم والحال أنى أعلم منهم ومنكم بما أخفيتموه فى قلوبكم ، وما أعلنتموه ، ومخبر رسولنا - صلى الله عليه وسلم - بذلك .
وما دام الأمر كذلك فكيف أباح بعضكم لنفسه ، أن يطلع عدوى وعدوكم على مالا يجوز إطلاعه عليه؟!قال الآلوسى : قوله : ( وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ ) فى موضع الحال و ( أَعْلَمُ ) أفعل تفضيل .
والمفضل عليه محذوف .
أى : منكم .
.
.
و ( مَآ ) موصولة أو مصدرية ، وذكر ( مَآ أَعْلَنتُمْ ) مع الاستغناء عنه ، للإشارة إلى تساوى العلمين فى علمه - عز وجل - .
ولذا قدم ( مَآ أَخْفَيْتُمْ ) .
وفى هذه الحال إشارة إلى أنه لا طائل لهم فى إسرار المودة إليهم كأنه قيل : تسرون إليهم بالمودة والحال أنى أعلم ما أخفيتم وما أعلنتم ، ومطلع رسولى على ما تسرون ، فأى فائدة وجدوى لكم فى الإسرار .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة ببيان سوء عاقبة من يخالف أمره فقال : ( وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل ) .
والضمير فى قوله : ( يَفْعَلْهُ ) يعود إلى الاتخاذ المفهوم من قوله ( لاَ تَتَّخِذُواْ ) .
أى ومن يفعل ذلك الاتخاذ لعدوى وعدوكم أولاء .
ويلقى إليهم بالمودة ، فقد أخطأ طريق الحق والصواب .
وضل عن الصراط المستقيم .

﴿ تفسير البغوي ﴾

مدنية( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) الآية .
أخبرنا عبد الواحد المليحي حدثنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبد الله بن أبي رافع يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد فقال : " انطلقوا حتى تأتوا ( روضة خاخ ) فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " قال : فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا : أخرجي الكتاب فقالت : ما معي كتاب فقلنا : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب قال : فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا حاطب ما هذا قال : يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش - يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها - وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت - إذ فاتني ذلك من النسب فيهم - أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما إنه قد صدقكم فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال : إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على [ من شهد بدرا ] فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله تعالى هذه السورة : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة إلى قوله سواء السبيلقال المفسرون : نزلت الآية في حاطب بن أبي بلتعة كما جاء في الحديث وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف أتت المدينة من مكة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتجهز لفتح مكة فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمسلمة جئت ؟ قالت : لا .
قال : أمهاجرة جئت ؟ قالت : لا قال : فما جاء بك ؟ قالت : كنتم الأصل والعشيرة والموالي وقد ذهبت موالي وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني وتحملوني فقال لها : وأين أنت من شبان مكة وكانت مغنية نائحة قالت : ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر فحث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطلب وبني المطلب فأعطوها نفقة وكسوها وحملوها فأتاها حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى فكتب معها إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا على أن توصل الكتاب إلى أهل مكة وكتب في الكتاب : من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريدكم فخذوا حذركم .
فخرجت سارة ونزل جبريل فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما فعل فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا وعمارا والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد فرسانا فقال لهم : انطلقوا حتى تأتوا " روضة خاخ " فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فخذوا منها وخلوا سبيلها وإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها .
قال : فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا لها : أين الكتاب ؟ فحلفت بالله ما معها كتاب فبحثوها وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال علي رضي الله عنه : والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسل سيفه فقال : أخرجي الكتاب وإلا لأجردنك ولأضربن عنقك .
فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها وكانت قد خبأته في شعرها فخلوا سبيلها ولم يتعرضوا لها ولا لما معها فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حاطب فأتاه فقال : هل تعرف الكتاب قال : نعم قال : فما حملك على ما صنعت فقال : يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت غريبا فيهم وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعذره .
فقام عمر بن الخطاب فقال : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله - عز وجل - في شأن حاطب : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " .
( تلقون إليهم بالمودة ) قيل : أي المودة " والباء " زائدة كقوله : " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم " ( الحج - 25 ) وقال الزجاج : معناه تلقون إليهم أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - وسره بالمودة التي بينكم وبينهم ( وقد كفروا ) " الواو " للحال أي : وحالهم أنهم كفروا ( بما جاءكم من الحق ) يعني القرآن ( يخرجون الرسول وإياكم ) من مكة ( أن تؤمنوا ) أي لأن آمنتم كأنه قال : يفعلون ذلك لإيمانكم ( بالله ربكم إن كنتم خرجتم ) هذا شرط جوابه متقدم وهو قوله : لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة ) قال مقاتل : بالنصيحة ( وأنا أعلم بما أخفيتم ) من المودة للكفار ( وما أعلنتم ) أظهرتم بألسنتكم ( ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ) أخطأ طريق الهدى .

قراءة سورة الممتحنة

المصدر : ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد