﴿ وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
قوله تعالى " وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ " الكاف في موضع نصب صفة للمصدر المحذوف, أي: نصرف الآيات تصريفا, مثل ما تلونا عليك.والتصريف معناه: التنويع.والمراد: أن الله تعالى, ينوع الآيات الدالة على المعاني الرائعة, الكاشفة عن الحقائق الفائقة, لا تصريفا أدنى منه, بل تصريفا بلغت في الروعة مبلغا ارتقى عن إدراك المخلوقين.قوله تعالى " وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ " جوابه محذوف, تقديره " ونحن نصرفها " أو نفعل ما نفعل من التصريف المذكور [معنى درست] تعلمت.وقرأت كتب أهل الكتاب أي: قدمت هذة الآية ومضت.كما قالوا: أساطير الأولين, تلقاها ممن مضوا من أهل الكتاب من الأمم السابقة." وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ " علة لفعل قد حذف, تعويلا على دلالة السياق عليه.أي, وليقولوا: درست نفعل ما نفعل, من التصريف المذكور.واللام للعاقبة والصيرورة, والواو اعتراضية.أي: لتصير عاقبة أمرهم إلى أن يقولوا درست وهو كقوله تعالى." فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا " وهم لم يلتقطوه للعداوة وإنما التقطوه, ليصير لهم قرة عين, ولكن صارت عاقبة أمرهم إلى العداوة.وكذلك الآيات, صرفت للتبيين, ولم تصرف ليقولوا: درست.ولكن حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل التبيين, فشبه به.وقوله تعالى " وَلِنُبَيِّنَهُ " أي: القرآن, وإن لم يجر له ذكر, لكونه معلوما, أو الآيات, لأنها في معنى القرآن." لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " الحق من الباطل.ومجمل معنى الآية: ومثل هذا التنويع البديع في عرض الدلائل الكونية, نعرض آياتنا في القرآن منوعة مفصلة, لنقيم الحجة بها على الجاحدين, فلا يجدوا الاختلاق والكذب, فيتهموك بأنك تعلمت من الناس, لا من الله, ولنبين ما أنزل إليك من الحقائق, من غير تأثر بهوى, لقوم يدركون الحق, ويذعنون له.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله: وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ أى: وكما فصلنا الآيات الدالة على التوحيد في هذه السورة تفصيلا بديعا محكما نفصل الآيات ونبينها وننوعها في كل موطن لتقوم على الجاحدين الحجة، وليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم.وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ يقال درس الكتاب يدرسه دراسة إذا أكثر قراءته وذلك للحفظ. وأصله من درس الحنطة يدرسها درسا ودراسا إذا داسها، فكأن التالي يدوس الكلام فيخفف على لسانه.والمعنى: وليقول المشركون في الرد عليك: إنك يا محمد قد قرأت الكتب على أهل الكتاب وتعلمت منهم، وحفظت عن طريق الدراسة أخبار من مضى، ثم جئتنا بعد كل ذلك تزعم أن ما جئت به من عند الله، وما هو من عند الله.وقد حكى القرآن في مواضع كثيرة التهم الباطلة التي وجهها المشركون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك قوله- تعالى-:وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا .قال ابن عباس: وَلِيَقُولُوا يعنى: أهل مكة حين تقرأ عليهم القرآن دَرَسْتَ يعنى:تعلمت من يسار وخير- وكانا عبدين من سبى الروم- ثم قرأت علينا تزعم أنه من عند الله.وقال الفراء: معناه، تعلمت من اليهود لأنهم كانوا معروفين عند أهل مكة بالعلم والمعرفة.وقرئ (دارست) - بالألف وفتح التاء- أى: دارست غيرك ممن يعلم الأخبار الماضية كأهل الكتاب، من المدارسة بين الإثنين، أى: قرأت عليهم وقرءوا عليك.قال تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ.وقرئ- أيضا- (درست) - بفتح الدال والراء والسين وسكون التاء- أى: وليقولوا مضت وقدمت وتكررت على الأسماع، وقد حكى القرآن أنهم قالوا أساطير الأولين قال- تعالى- حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.وهذه القراءات الثلاث متواترة وهناك قراءات أخرى شاذة لا مجال لذكرها هنا.وقوله: وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أى: ولنبين ونوضح هذا القرآن لقوم يعلمون الحق فيتبعونه والباطل فيجتنبونه، فهم المنتفعون به دون سواهم.فالضمير في وَلِنُبَيِّنَهُ يعود إلى القرآن لكونه معلوما وإن لم يجر له ذكر، وقيل: يعود إلى الآيات لأنها في معنى القرآن.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أى فرق بين اللامين في وَلِيَقُولُوا ولِنُبَيِّنَهُ؟قلت: الفرق بينهما أن الأول مجاز والثانية حقيقة، وذلك لأن الآيات صرفت للنبيين ولم تصرف ليقولوا درست، ولكن لأنه حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل للنبيين شبه به فسيق مساقه» .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وكذلك نصرف الآيات ) نفصلها ونبينها في كل وجه ، ( وليقولوا ) قيل : معناه لئلا يقولوا ، ( درست ) وقيل : هذه اللام لام العاقبة أي عاقبة أمرهم أن يقولوا : درست ، أي : قرأت على غيرك ، وقيل : قرأت كتب أهل الكتاب ، كقوله تعالى : ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) ، ( القصص ، 8 ) ، ومعلوم أنهم لم يلتقطوه لذلك ، ولكن أراد أن عاقبة أمرهم أن كان عدوا لهم .قال ابن عباس : وليقولوا يعني : أهل مكة حين تقرأ عليهم القرآن درست ، أي : تعلمت من يسار وجبر ، كانا عبدين من سبي الروم ، ثم قرأت علينا تزعم أنه من عند الله ، من قولهم : درست الكتاب أدرس درسا ودراسة .وقال الفراء : يقولون تعلمت من اليهود ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : " دارست " بالألف ، [ أي : قارأت أهل الكتاب من المدارسة بين اثنين ، تقول : ] قرأت عليهم وقرأوا عليك . وقرأ ابن عامر ويعقوب : " درست " بفتح السين وسكون التاء ، أي : هذه الأخبار التي تتلوها علينا قديمة ، قد درست وانمحت ، من قولهم : درس الأثر يدرس دروسا . ( ولنبينه لقوم يعلمون ) قال ابن عباس : يريد أولياءه الذين هداهم إلى سبيل الرشاد ، وقيل : يعني أن تصريف الآيات ليشقى به قوم ويسعد به قوم آخرون ، فمن قال درست فهو شقي ومن تبين له الحق فهو سعيد .