﴿ ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ خصهما بالذكر, لأنهما محل الآيات العظيمة, فهما مطالع الأنوار ومغاربها، فإذا كان مالكا لها, كان مالكا لكل الجهات. فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا وجوهكم من الجهات, إذا كان توليكم إياها بأمره, إما أن يأمركم باستقبال الكعبة بعد أن كنتم مأمورين باستقبال بيت المقدس, أو تؤمرون بالصلاة في السفر على الراحلة ونحوها, فإن القبلة حيثما توجه العبد أو تشتبه القبلة, فيتحرى الصلاة إليها, ثم يتبين له الخطأ, أو يكون معذورا بصلب أو مرض ونحو ذلك، فهذه الأمور, إما أن يكون العبد فيها معذورا أو مأمورا. وبكل حال, فما استقبل جهة من الجهات, خارجة عن ملك ربه. فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ فيه إثبات الوجه لله تعالى, على الوجه اللائق به تعالى, وأن لله وجها لا تشبهه الوجوه, وهو - تعالى - واسع الفضل والصفات عظيمها, عليم بسرائركم ونياتكم. فمن سعته وعلمه, وسع لكم الأمر, وقبل منكم المأمور, فله الحمد والشكر.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
المشرق والمغرب: مكان شروق الشمس وغروبها، والمراد بهما هنا جميع جهات الأرض.واللام في قوله: «ولله» تفيد معنى الملك.والتولية: التوجه من جهة إلى أخرى. و (ثم) اسم إشارة للمكان.والوجه: الجهة، فوجه الله الجهة التي ارتضاها وأمر بالتوجه إليها وهي القبلة.والمعنى: أن جميع الأرض ملك لله وحده، ففي أى مكان من المشرق والمغرب توليتم شطر القبلة التي أمركم الله بها ورضيها لكم، فهناك جهته- سبحانه- التي أمرتم بها، والتي تبرأ ذممكم باستقبالها.ومعنى هذا: الإذن بإقامة الصلاة في أى مكان من الأرض دون أن تختص بها المساجد، ففي الحديث الشريف: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» .وكأن الآية تومي، إلى أن سعى أولئك الظالمين في منع المساجد من ذكره- تعالى- وتخريبها، لا يمنع من أداء العبادة لله- تعالى-: لأن له المشرق والمغرب وما بينهما، فأينما حل الإنسان وتحرى القبلة المأمور بالتوجه إليها فهناك جهة الله المطلوب منه استقبالها.وذيلت الآية بقوله إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ لإفادة سعة ملكه أو سعة تيسيره على عباده في أمر الدين. أى: إن الله يسع خلقه جميعا برحمته وتيسيره وجوده وهو عليم بأعمالهم لا يخفى عليه عمل عامل أينما كان وكيفما كان.ثم حكى القرآن بعض الأقاويل الباطلة التي افتراها أصحاب القلوب المريضة فقال-- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله قال ابن عباس رضي الله عنهما: "خرج نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قبل تحويل القبلة إلى الكعبة، فأصابهم الضباب وحضرت الصلاة، فتحروا القبلة وصلوا فلما ذهب الضباب استبان لهم أنهم لم يصيبوا وأنهم مخطئون في تحريهم فلما قدموا سألوا رسول الله عن ذلك فنزلت هذه الآية".وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "نزلت في المسافر يصلي التطوع حيث ما توجهت به راحلته".أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد الفقيه السرخسي أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته في السفر حيث ما توجهت به".قال عكرمة: "نزلت في تحويل القبلة"، قال أبو العالية:"لما صرفت القبلة إلى الكعبة عيرت اليهود المؤمنين وقالوا: ليست لهم قبلة معلومة فتارة يستقبلون هكذا وتارة هكذا، فأنزل الله تعالى هذه الآية".وقال مجاهد والحسن : "لما نزلت وقال ربكم ادعوني أستجب لكم [60-غافر] قالوا: أين ندعوه فأنزل الله عز وجل ولله المشرق والمغرب ملكاً وخلقاً".فأينما تولوا فثم وجه الله يعني أينما تحولوا وجوهكم فثم أي: هناك رحمة الله، قال الكلبي: "فثم الله يعلم ويرى والوجه صلة كقوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه [88-القصص أي إلا هو"،وقال الحسن ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حبان: "فثم قبلة الله"، والوجه والوجهة والجهة القبلة،وقيل: رضا الله تعالى.إن الله واسع أي غني يعطي في السعة، قال الفراء: "الواسع الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء"، قال الكلبي: "واسع المغفرة.عليم بنياتهم حيثما صلوا ودعوا.