﴿ ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم وبخ الله جميع من أعرض عن الحق ورده، من الجن والإنس، وبين خطأهم، فاعترفوا بذلك، فقال: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي الواضحات البينات، التي فيها تفاصيل الأمر والنهي، والخير والشر، والوعد والوعيد. وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ويعلمونكم أن النجاة فيه، والفوز إنما هو بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وأن الشقاء والخسران في تضييع ذلك، فأقروا بذلك واعترفوا، ف قالوا بلى شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا بزينتها وزخرفها، ونعيمها فاطمأنوا بها ورضوا، وألهتهم عن الآخرة، وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ فقامت عليهم حجة الله، وعلم حينئذ كل أحد، حتى هم بأنفسهم عدل الله فيهم، فقال لهم: حاكما عليهم بالعذاب الأليم: ادْخُلُوا فِي جملة أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ صنعوا كصنيعكم، واستمتعوا بخلاقهم كما استمعتم، وخاضوا بالباطل كما خضتم، إنهم كانوا خاسرين، أي: الأولون من هؤلاء والآخرون، وأي خسران أعظم من خسران جنات النعيم، وحرمان جوار أكرم الأكرمين؟! ولكنهم وإن اشتركوا في الخسران، فإنهم يتفاوتون في مقداره تفاوتا عظيما.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال الآلوسى: «ذلك» إشارة إلى إتيان الرسل، أو السؤال المفهوم من لَمْ يَأْتِكُمْ، أو ما قص من أمرهم، أعنى شهادتهم على أنفسهم بالكفر وهو إما مرفوع على أنه خبر مبتدأ مقدر أى: الأمر ذلك، أو مبتدأ خبره مقدر، أو خبره قوله- سبحانه- أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بخلاف اللام على أن أَنْ مصدرية، أو مخففة من أن وضمير الشأن اسمها.وإما منصوب على أنه مفعول به لفعل مقدر كخذ ذلك، أو فعلنا ذلك.وفي قوله بِظُلْمٍ متعلق بمهلك أى: بسبب ظلم. أو بمحذوف وقع حالا من القرى أى:ملتبسة بظلم ... » .والمعنى: ذلك الذي ذكرناه لك يا محمد من إتيان الرسل يقصون على الأمم آيات الله، سببه أن ربك لم يكن من شأنه ولا من سننه في تربية خلقه أن يهلك القرى من أجل أى ظلم فعلوه قبل أن ينبهوا على بطلانه، وينهوا عنه بواسطة الأنبياء والمرسلين، فربك لا يظلم، ولا يعذب أحدا وهو غافل لم ينذر قال- تعالى- وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وقال- تعالى- وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ.فالآية الكريمة صريحة في أن- سبحانه- قد أعذر إلى الثقلين بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وتبيين الآيات، وإلزام الحجة رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ) أي : ذلك الذي قصصنا عليك من أمر الرسل وعذاب من كذبهم ، لأنه لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ، أي : لم يكن مهلكهم بظلم أي : بشرك من أشرك ، ( وأهلها غافلون ) لم ينذروا حتى نبعث إليهم رسلا ينذرونهم .وقال الكلبي : لم يهلكهم بذنوبهم من قبل أن يأتيهم الرسل .وقيل : معناه لم يكن ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل فيكون قد ظلمهم ، وذلك أن الله تعالى أجرى السنة أن لا يأخذ أحدا إلا بعد وجود الذنب ، وإنما يكون مذنبا إذا أمر فلم يأتمر ونهي فلم ينته ، يكون ذلك بعد إنذار الرسل .