﴿ ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
سَاءَ مَثَلا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ أي: ساء وقبح، مثل من كذب بآيات اللّه، وظلم نفسه بأنواع المعاصي، فإن مثلهم مثل السوء، وهذا الذي آتاه اللّه آياته، يحتمل أن المراد به شخص معين، قد كان منه ما ذكره اللّه، فقص اللّه قصته تنبيها للعباد. ويحتمل أن المراد بذلك أنه اسم جنس، وأنه شامل لكل من آتاه اللّه آياته فانسلخ منها. وفي هذه الآيات الترغيب في العمل بالعلم، وأن ذلك رفعة من اللّه لصاحبه، وعصمة من الشيطان، والترهيب من عدم العمل به، وأنه نزول إلى أسفل سافلين، وتسليط للشيطان عليه، وفيه أن اتباع الهوى، وإخلاد العبد إلى الشهوات، يكون سببا للخذلان.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله: ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا استئناف مسوق لبيان كمال قبحهم بعد البيان السابق. وساءَ بمعنى بئس وفاعلها مضمر. ومَثَلًا تمييز مفسر له، والمخصوص بالذم قوله- تعالى- الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا.أى: ساء مثلا مثل أولئك القوم الذين كذبوا بآياتنا حيث شبهوا بالكلاب إما في استواء الحالتين في النقصان وأنهم ضالون وعظوا أم لم يوعظوا، وإما في الخسة، فإن الكلاب لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة، فمن خرج عن خير الهدى والعلم وأقبل على هواه صار شبيها بالكلب، وبئس المثل مثله ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«ليس لنا مثل السوء. العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه» .وقوله وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ معطوف على كَذَّبُوا داخل معه في حكم الصلة بمعنى أنهم جمعوا بين أمرين قبيحين: التكذيب وظلمهم أنفسهم أو منقطع عنه بمعنى وما ظلموا إلا أنفسهم وحدها بارتكابهم تلك الموبقات والخطيئات. فإن العقوبة لا تقع إلا عليهم لا على غيرهم.هذا، والذي ذهب إليه المحققون من العلماء أن هذه الآيات الكريمة المثل فيها مضروب لكل إنسان أوتى علما ببعض آيات الله، ولكنه لم يعمل بمقتضى علمه، بل كفر بها ونبذها وراء ظهره وصار هو والجاهل سواء.وقيل: إن الآيات الكريمة واردة في شخص معين، واختلفوا في هذا المعين.فبعضهم قال إنها في أمية بن أبى الصلت، فإنه كان قد قرأ الكتب، وعلم أن الله مرسل رسولا وتمنى أن يكون هو هذا الرسول، فلما أرسل الله- تعالى- نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم حسده ومات كافرا.وبعضهم قال: نزلت في أبى عامر الراهب الذي سماه النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الفاسق» كان يترهب في الجاهلية فلما جاء الإسلام خرج إلى الشام، وأمر المنافقين باتخاذ مسجد الضرار والشقاق.وبعضهم قال: إنها في منافقي أهل الكتاب، كانوا يعرفون صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم ومخرجه، فلما بعثه الله- تعالى- كفروا به.وبعضهم قال: إنها نزلت لتحكى قصة رجل من علماء اليهود اسمه بلعم ابن باعوراء أوتى علم بعض كتب الله ثم انسلخ منها بأن كفر بها ونبذها بعد أن رشاه اليهود.والذي نراه أن الرأى الأول الذي عليه المحققون من المفسرين هو الراجح، وأن هؤلاء الذين ذكروا يندرجون تحته، لأنه لم يرد نص صحيح يعين اسم الذي وردت الآيات في حقه، فوجب أن نحملها على أنها وارد في شأن كل من علم الحق فأعرض عنه واتبع هواه.ثم يعقب القرآن على هذا المثل ببيان أن الهداية والضلال من الله وأن هناك أقواما من الجن والإنس قد خلقوا لجهنم بسبب إيثارهم طريق الشر على طريق الخير قال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا ) أي : بئس مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا ، وتقديره : ساء مثلا مثل القوم ، فحذف مثل وأقيم القوم مقامه فرفع ، ( وأنفسهم كانوا يظلمون )