وهذا الوصف للإنسان من حيث هو وصف طبيعته الأصلية، أنه هلوع.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والمراد بالإنسان في قوله- تعالى-: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً جنسه لا فرد معين منه، كما في قوله- تعالى-:وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ.. وكما في قوله- سبحانه-: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ.ويدخل فيه الكافر دخولا أوليا، لأن معظم الصفات التي استثنيت بعد ذلك من صفات المؤمنين الصادقين، وعلى رأسها قوله- سبحانه-: إِلَّا الْمُصَلِّينَ.وقوله: هَلُوعاً صيغة مبالغة من الهلع، وهو إفراط النفس، وخروجها عن التوسط والاعتدال، عند ما ينزل بها ما يضرها، أو عند ما تنال ما يسرها.والمراد بالشر: ما يشمل الفقر والمرض وغيرهما مما يتأذى به الإنسان.والمراد بالخير: ما يشمل الغنى والصحة وغير ذلك مما يحبه الإنسان، وتميل إليه نفسه.والجزوع: هو الكثير الجزع. أى: الخوف. والمنوع: هو الكثير المنع لنعم الله- تعالى- وعدم إعطاء شيء منها للمحتاجين إليها.قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً الهلع: سرعة الجزع عند مس المكروه، وسرعة المنع عند مس الخير، من قولهم: ناقة هلوع، أى: سريعة السير.وسئل ابن عباس عن الهلوع فقال: هو كما قال الله- تعالى-: إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً.ولا تفسير أبين من تفسيره- سبحانه-.والإنسان: المراد به الجنس، أو الكافر.. وأل في الشر والخير للجنس- أيضا .والتعبير بقوله: خُلِقَ هَلُوعاً يشير إلى أن جنس الإنسان- إلا من عصم الله- مفطور ومطبوع، على أنه إذا أصابه الشر جزع، وإذا مسه الخير بخل.. وأن هاتين الصفتين ليستا من الصفات التي يحبها الله- تعالى- بدليل أنه- سبحانه- قد استثنى المصلين وغيرهم من التلبس بهاتين الصفتين.وبدليل أن من صفات المؤمن الصادق أن يكون شكورا عند الرخاء صبورا عند الضراء.وفي الحديث الشريف، يقول صلى الله عليه وسلم: «شر ما في الرجل: شح هالع، وجبن خالع» وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» .قال الجمل: وقوله: جَزُوعاً ومَنُوعاً فيهما ثلاثة أوجه: أحدها: أنهما منصوبان على الحال من الضمير في هَلُوعاً، وهو العامل فيهما. والتقدير: هلوعا حال كونه جزوعا وقت مس الشر، ومنوعا وقت مس الخير: الثاني: أنهما خبران لكان أو صار مضمرة. أى: إذا مسه الشر كان أو صار جزوعا، وإذا مسه الخير كان أو صار منوعا.الثالث: أنهما نعتان لقوله: «هلوعا» .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( إن الإنسان خلق هلوعا ) روى السدي عن أبي صالح عن ابن عباس [ قال ] " الهلوع " الحريص على ما لا يحل له . وقال سعيد بن جبير : شحيحا . وقال عكرمة : ضجورا . وقال الضحاك والحسن : بخيلا . وقال قتادة : جزوعا . وقال مقاتل : ضيق القلب . والهلع : شدة الحرص وقلة الصبر .وقال عطية عن ابن عباس : تفسيره ما بعده وهو قوله : ( إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ) أي : إذا أصابه الفقر لم يصبر ، وإذا أصاب المال لم ينفق . قال ابن كيسان : خلق الله الإنسان يحب ما يسره ويهرب مما يكره ، ثم تعبده بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكره . ثم استثنى فقال :