﴿ ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
لما ذكر أكلة الربا وكان من المعلوم أنهم لو كانوا مؤمنين إيمانا ينفعهم لم يصدر منهم ما صدر ذكر حالة المؤمنين وأجرهم، وخاطبهم بالإيمان، ونهاهم عن أكل الربا إن كانوا مؤمنين، وهؤلاء هم الذين يقبلون موعظة ربهم وينقادون لأمره، وأمرهم أن يتقوه، ومن جملة تقواه أن يذروا ما بقي من الربا أي: المعاملات الحاضرة الموجودة، وأما ما سلف، فمن اتعظ عفا الله عنه ما سلف،
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم ينتقل القرآن إلى أسلوب الخطاب المباشر للمؤمنين فيأمرهم بتقوى الله، وينهاهم عن التعامل بالربا فيقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ أى اخشوه وصونوا أنفسكم عن الأعمال والأقوال التي تفضى بكم إلى عقابه.وقوله: وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا أى: اتركوا ما بقي في ذمم الذين عاملتموهم بالربا ولا تأخذوا منهم إلا رءوس أموالكم فحسب، فهذا مقابل لقوله- تعالى- قبل ذلك: فَلَهُ ما سَلَفَ أى ما سلف قبضه من الربا قبل نزول الآية فهو لكم، وما لم تقبضوه فأنتم مأمورون بتركه.وقوله: مِنَ الرِّبا متعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل بَقِيَ أى اتركوا الذي بقي حال كونه بعض الربا، ومن للتبعيض. أو متعلق ببقى.وذَرُوا فعل أمر- بوزن علوا- مبنى على حذف النون والواو فاعل، وأصله «وذروا» فحذفت فاؤه، والماضي منه «وذر» .وقوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حض لهم على ترك الربا أى إن كنتم مؤمنين حق الإيمان فامتثلوا أمر الله وذروا ما بقي من الربا مما زاد على رءوس أموالكم.قال ابن كثير: نزل هذا السياق في بنى عمرو بن عمير بن ثقيف، وبنى المغيرة من بنى مخزوم كان بينهم ربا في الجاهلية فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه، طلبت ثقيف أن تأخذه منهم فتشاوروا. وقالت بنو المغيرة: لا نؤدى في الإسلام، فكتب في ذلك عتاب بن أسيد نائب مكة إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فنزلت هذه الآية، فكتب بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليه. فقالوا نتوب إلى الله ونذر ما بقي من الربا فتركوه كلهم. وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لكل من استمر على تعاطى الربا بعد الإنذار»
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) قال عطاء وعكرمة : نزلت في العباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وكانا قد أسلفا في التمر فلما حضر الجذاذ قال لهما صاحب التمر : إن أنتما أخذتما حقكما لا يبقى لي ما يكفي عيالي فهل لكما أن تأخذا النصف وتؤخرا النصف وأضعف لكما؟ ففعلا فلما حل الأجل طلبا الزيادة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهما فأنزل الله تعالى هذه الآية فسمعا وأطاعا وأخذا رءوس أموالهما .وقال السدي : نزلت في العباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى بني عمرو بن عمير ، ناس من ثقيف فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله تعالى هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في خطبته يوم عرفة " ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد فقتله هذيل وربا الجاهلية كلها وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب فإنها موضوعة كلها " .وقال مقاتل : نزلت في أربعة إخوة من ثقيف ، مسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة وهم بنو عمرو بن عمير بن عوف الثقفي ، كانوا يداينون بني المغيرة بن عبد الله بن عمير بن مخزوم وكانوا يربون فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على الطائف أسلم هؤلاء الإخوة فطلبوا رباهم من بني المغيرة ، فقال بنو المغيرة : والله ما نعطي الربا في الإسلام وقد وضعه الله تعالى عن المؤمنين فاختصموا إلى عتاب بن أسيد وكان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة فكتب عتاب بن أسيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقصة الفريقين وكان ذلك مالا عظيما فأنزل الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) .( إن كنتم مؤمنين )