﴿ يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
يقول تعالى - بعد ما أنزل على بني آدم لباسا يواري سوءاتهم وريشا: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ أي: استروا عوراتكم عند الصلاة كلها، فرضها ونفلها، فإن سترها زينة للبدن، كما أن كشفها يدع البدن قبيحا مشوها. ويحتمل أن المراد بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن، ففي هذا الأمر بستر العورة في الصلاة، وباستعمال التجميل فيها ونظافة السترة من الأدناس والأنجاس. ثم قال: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا أي: مما رزقكم اللّه من الطيبات وَلَا تُسْرِفُوا في ذلك، والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات الذي يضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفه والتنوق في المآكل والمشارب واللباس، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام. إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ فإن السرف يبغضه اللّه، ويضر بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب، والنهي عن تركهما، وعن الإسراف فيهما.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والمعنى: عليكم يا بنى آدم أن تتجملوا بما يستر عورتكم، وأن تتحلوا بلباس زينتكم كلما صليتم أو طفتم، واحذروا أن تطوفوا بالبيت الحرام وأنتم عرايا.قال القرطبي: «يا بنى آدم هو خطاب لجميع العالم، وإن كان المقصود بها من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا، فإنه عام في كل مسجد للصلاة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب » .وقال ابن عباس: «كان بعض العرب يطوفون بالبيت عراة، الرجال بالنهار، والنساء بالليل. يقولون: لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها» . فأنزل الله- تعالى-: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ .ثم أمرهم- سبحانه- أن يتمتعوا بالطيبات بدون إسراف أو تقتير فقال: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.أى: كلوا من المآكل الطيبة، واشربوا المشارب الحلال ولا تسرفوا لا في زينتكم ولا في مأكلكم أو مشربكم. لأنه- سبحانه- يكره المسرفين.قال الإمام ابن كثير: «قال بعض السلف: جمع الله الطب في نصف آية في قوله: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا «وقال البخاري: قال ابن عباس: «كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة».وقد كان السلف الصالح يقفون بين يدي الله في عبادتهم وهم في أكمل زينة، فهذا- مثلا- الإمام الحسن بن على، كان إذا قام إلى الصلاة لبس أحسن ثيابه فقيل له يا ابن بنت رسول الله لم تلبس أجمل ثيابك؟ فقال: إن الله جميل يحب الجمال، فأنا أتجمل لربي، لأنه هو القائل:خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ.وقال الكلبي: «كانت بنو عامر لا يأكلون في أيام حجهم إلا قوتا ولا يأكلون لحما ولا دسما يعظمون بذلك حجهم، فهم المسلمون أن يفعلوا كفعلهم فأنزل- تعالى-: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا.فهذه الآية الكريمة تهدى الناس إلى ما يصلح معاشهم ومعادهم، إذ أنها أباحت للمسلم أن يتمتع بالطيبات التي أحلها الله، ولكن بدون إسراف أو بطر، ولذا جاء الرد على المتنطعين الذين يضيقون على أنفسهم ما وسعه الله في قوله- تعالى- بعد ذلك:
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) قال أهل التفسير : كانت بنو عامر يطوفون بالبيت عراة ، فأنزل الله - عز وجل - : " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " ، يعني الثياب . قال مجاهد : ما يواري عورتك ولو عباءة .قال الكلبي : الزينة ما يواري العورة عند كل مسجد لطواف أو صلاة .( وكلوا واشربوا ) قال الكلبي : كانت بنو عامر لا يأكلون في أيام حجهم من الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما ، يعظمون بذلك حجهم ، فقال المسلمون : نحن أحق أن نفعل ذلك يا رسول الله ، فأنزل الله - عز وجل - : " وكلوا " يعني اللحم والدسم " واشربوا " اللبن ( ولا تسرفوا ) بتحريم ما أحل الله لكم من اللحم والدسم ، ( إنه لا يحب المسرفين ) الذين يفعلون ذلك . قال ابن عباس : كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة . قال علي بن الحسين بن واقد : قد جمع الله الطب كله في نصف آية فقال : " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا " .