﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
يقول تعالى في بيان عناد المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم : وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا الدالة على صدق ما جاء به الرسول. قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ وهذا من عنادهم وظلمهم، وإلا فقد تحداهم اللّه أن يأتوا بسورة من مثله، ويدعوا من استطاعوا من دون اللّه، فلم يقدروا على ذلك، وتبين عجزهم. فهذا القول الصادر من هذا القائل مجرد دعوى، كذبه الواقع، وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب، ولا رحل ليدرس من أخبار الأولين، فأتى بهذا الكتاب الجليل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى القرآن بعد ذلك جانبا من الدعاوى الكاذبة التي تفوه بها المشركون فقال- تعالى- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا، إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.وقد ذكر كثير من المفسرين أن القائل لهذا القول: النضر بن الحارث فإنه كان قد ذهب إلى بلاد فارس فأحضر منها قصصا عن ملوكهم.. ولما قدم مكة ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن قال للمشركين: لو شئت لقلت مثل هذا، وكان صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلس، جاء بعده النضر فجلس فيه وحدث المشركين بأخبار ملوك الفرس والروم، وغيرهم ثم قال: أينا أحسن قصصا؟ أنا أو محمد؟ وقد أمكن الله منه يوم بدر، فقد أسره المقداد بن عمرو، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه وقال فيه: «إنه كان يقول في كتاب الله- عز وجل- ما يقول» .وأسند- سبحانه- قول النضر إلى جميع المشركين، لأنهم كانوا راضين بقوله، ولأنه كان من زعمائهم الذين يقودونهم إلى طريق الغواية.والأساطير- كما يقول ابن جرير-: جمع أسطر، وهو جمع الجمع، لأن واحد الأسطر سطر. ثم يجمع السطر: أسطر وسطور، ثم يجمع الأسطر أساطير وأساطر. وقد كان بعض أهل العربية يقول: واحد الأساطير: أسطورة- كأحاديث وأحدوثة .والمراد بها: تلك القصص والحكايات التي كتبها الكاتبون عن القدامى، والتي يغلب عليها طابع الخرافة والتخيلات التي لا حقيقة لها.والمعنى: أن هؤلاء المشركين قد بلغ بهم الكذب والتمادي في الطغيان، أنهم كانوا إذا تتلى عليهم آيات الله قالُوا بصفاقة ووقاحة: قَدْ سَمِعْنا أى: قد سمعنا ما قرأته علينا- يا محمد- ووعيناه لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا أى لو نشاء لقلنا مثل هذا القرآن الذي تتلوه علينا يا محمد وما هو إلا من قصص الأولين وحكاياتهم التي سطرها بعضهم عنهم وليس من عند الله- تعالى- ولا شك أن قولهم هذا يدل على تعمدهم الكذب على أنفسهم وعلى الناس فإن هذا القرآن- الذي زعموا أنهم لو شاءوا لقالوا مثله- قد تحداهم في نهاية المطاف أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا وانقلبوا خاسرين.والذي نعتقده أن قولهم هذا، ما هو إلا من قبيل الحرب النفسية التي كانوا يشنونها على الدعوة الإسلامية، بقصد تضليل البسطاء، والوقوف في وجه تأثير القرآن في القلوب، ومحاولة طمس معالم الحق ولو إلى حين.ولكنهم لم يفلحوا. فإن نور الحق لا تحجبه الشبهات الزائفة، ولا يعدم الحق أن يجد له أنصارا حتى من أعدائه، يكفى هنا أن نستشهد بما قاله الوليد بن المغيرة في وصف القرآن الكريم: «إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر.. وما يقول هذا بشر» .ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لقوله- تعالى- لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا..: نفاجة منهم وصلف تحت الراعدة، فإنهم لم يتوانوا في مشيئتهم لو ساعدتهم الاستطاعة، وإلا فما منعهم إن كانوا مستطيعين أن يشاءوا غلبة من تحداهم وقرعهم بالعجز حتى يفوزوا بالقدح المعلى دونه، مع فرط أنفتهم، واستنكافهم أن يغلبوا في باب البيان خاصة ... » .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا ) يعني النضر بن الحارث ، ( قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) وذلك أنه كان يختلف تاجرا إلى فارس والحيرة فيسمع أخبار رستم واسفنديار ، وأحاديث العجم ويمر باليهود والنصارى فيراهم يقرءون التوراة والإنجيل ويركعون ويسجدون ، فجاء إلى مكة فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ويقرأ القرآن فقال النضر : قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ( إن هذا إلا أساطير الأولين ) أخبار الأمم الماضية وأسماؤهم وما سطر الأولون في كتبهم . والأساطير : جمع أسطورة ، وهي المكتوبة ، من قولهم سطرت أي كتبت .