وإذا تتلى على هؤلاء الذين كفروا بالله آيات القرآن العزيز قالوا جهلا منهم وعنادًا للحق: قد سمعنا هذا من قبل، لو نشاء لقلنا مثل هذا القرآن، ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا -يا محمد- إلا أكاذيب الأولين.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وإذا تُتلى عليهم آياتنا» القرآن «قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا» قاله النضر بن الحارث لأنه كان يأتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار الأعاجم ويحدث بها أهل مكة «إن» ما «هذا» القرآن «إلا أساطير» أكاذيب «الأولين».
﴿ تفسير السعدي ﴾
يقول تعالى في بيان عناد المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم : وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا الدالة على صدق ما جاء به الرسول. قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ وهذا من عنادهم وظلمهم، وإلا فقد تحداهم اللّه أن يأتوا بسورة من مثله، ويدعوا من استطاعوا من دون اللّه، فلم يقدروا على ذلك، وتبين عجزهم. فهذا القول الصادر من هذا القائل مجرد دعوى، كذبه الواقع، وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب، ولا رحل ليدرس من أخبار الأولين، فأتى بهذا الكتاب الجليل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا ) يعني النضر بن الحارث ، ( قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) وذلك أنه كان يختلف تاجرا إلى فارس والحيرة فيسمع أخبار رستم واسفنديار ، وأحاديث العجم ويمر باليهود والنصارى فيراهم يقرءون التوراة والإنجيل ويركعون ويسجدون ، فجاء إلى مكة فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ويقرأ القرآن فقال النضر : قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ( إن هذا إلا أساطير الأولين ) أخبار الأمم الماضية وأسماؤهم وما سطر الأولون في كتبهم . والأساطير : جمع أسطورة ، وهي المكتوبة ، من قولهم سطرت أي كتبت .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى القرآن بعد ذلك جانبا من الدعاوى الكاذبة التي تفوه بها المشركون فقال- تعالى- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا، إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.وقد ذكر كثير من المفسرين أن القائل لهذا القول: النضر بن الحارث فإنه كان قد ذهب إلى بلاد فارس فأحضر منها قصصا عن ملوكهم.. ولما قدم مكة ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن قال للمشركين: لو شئت لقلت مثل هذا، وكان صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلس، جاء بعده النضر فجلس فيه وحدث المشركين بأخبار ملوك الفرس والروم، وغيرهم ثم قال: أينا أحسن قصصا؟ أنا أو محمد؟ وقد أمكن الله منه يوم بدر، فقد أسره المقداد بن عمرو، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه وقال فيه: «إنه كان يقول في كتاب الله- عز وجل- ما يقول» .وأسند- سبحانه- قول النضر إلى جميع المشركين، لأنهم كانوا راضين بقوله، ولأنه كان من زعمائهم الذين يقودونهم إلى طريق الغواية.والأساطير- كما يقول ابن جرير-: جمع أسطر، وهو جمع الجمع، لأن واحد الأسطر سطر. ثم يجمع السطر: أسطر وسطور، ثم يجمع الأسطر أساطير وأساطر. وقد كان بعض أهل العربية يقول: واحد الأساطير: أسطورة- كأحاديث وأحدوثة .والمراد بها: تلك القصص والحكايات التي كتبها الكاتبون عن القدامى، والتي يغلب عليها طابع الخرافة والتخيلات التي لا حقيقة لها.والمعنى: أن هؤلاء المشركين قد بلغ بهم الكذب والتمادي في الطغيان، أنهم كانوا إذا تتلى عليهم آيات الله قالُوا بصفاقة ووقاحة: قَدْ سَمِعْنا أى: قد سمعنا ما قرأته علينا- يا محمد- ووعيناه لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا أى لو نشاء لقلنا مثل هذا القرآن الذي تتلوه علينا يا محمد وما هو إلا من قصص الأولين وحكاياتهم التي سطرها بعضهم عنهم وليس من عند الله- تعالى- ولا شك أن قولهم هذا يدل على تعمدهم الكذب على أنفسهم وعلى الناس فإن هذا القرآن- الذي زعموا أنهم لو شاءوا لقالوا مثله- قد تحداهم في نهاية المطاف أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا وانقلبوا خاسرين.والذي نعتقده أن قولهم هذا، ما هو إلا من قبيل الحرب النفسية التي كانوا يشنونها على الدعوة الإسلامية، بقصد تضليل البسطاء، والوقوف في وجه تأثير القرآن في القلوب، ومحاولة طمس معالم الحق ولو إلى حين.ولكنهم لم يفلحوا. فإن نور الحق لا تحجبه الشبهات الزائفة، ولا يعدم الحق أن يجد له أنصارا حتى من أعدائه، يكفى هنا أن نستشهد بما قاله الوليد بن المغيرة في وصف القرآن الكريم: «إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر.. وما يقول هذا بشر» .ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لقوله- تعالى- لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا..: نفاجة منهم وصلف تحت الراعدة، فإنهم لم يتوانوا في مشيئتهم لو ساعدتهم الاستطاعة، وإلا فما منعهم إن كانوا مستطيعين أن يشاءوا غلبة من تحداهم وقرعهم بالعجز حتى يفوزوا بالقدح المعلى دونه، مع فرط أنفتهم، واستنكافهم أن يغلبوا في باب البيان خاصة ... » .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يخبر تعالى عن كفر قريش وعتوهم وتمردهم وعنادهم ، ودعواهم الباطل عند سماع آياته حين تتلى عليهم أنهم يقولون : ( قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) وهذا منهم قول لا فعل ، وإلا فقد تحدوا غير ما مرة أن يأتوا بسورة من مثله فلا يجدون إلى ذلك سبيلا . وإنما هذا قول منهم يغرون به أنفسهم ومن اتبعهم على باطلهم .وقد قيل : إن القائل لذلك هو النضر بن الحارث - لعنه الله - كما قد نص على ذلك سعيد بن جبير ، والسدي ، وابن جريج وغيرهم ؛ فإنه - لعنه الله - كان قد ذهب إلى بلاد فارس ، وتعلم من أخبار ملوكهم رستم واسفنديار ، ولما قدم وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعثه الله ، وهو يتلو على الناس القرآن ، فكان إذا قام - صلى الله عليه وسلم - من مجلس ، جلس فيه النضر فيحدثهم من أخبار أولئك ، ثم يقول : بالله أيهما أحسن قصصا ؟ أنا أو محمد ؟ ولهذا لما أمكن الله تعالى منه يوم بدر ووقع في الأسارى ، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تضرب رقبته صبرا بين يديه ، ففعل ذلك ، ولله الحمد . وكان الذي أسره المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - كما قال ابن جرير :حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث . وكان المقداد أسر النضر ، فلما أمر بقتله ، قال المقداد : يا رسول الله ، أسيري . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه كان يقول في كتاب الله - عز وجل - ما يقول . فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله ، فقال المقداد : يا رسول الله ، أسيري . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم أغن المقداد من فضلك . فقال المقداد : هذا الذي أردت . قال : وفيه أنزلت هذه الآية : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين )وكذا رواه هشيم ، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جبير ؛ أنه قال : " المطعم بن عدي بدل " طعيمة " وهو غلط ؛ لأن المطعم بن عدي لم يكن حيا يوم بدر ؛ ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ : لو كان المطعم حيا ، ثم سألني في هؤلاء النتنى لوهبتهم له - يعني : الأسارى - لأنه كان قد أجار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم رجع من الطائف .ومعنى : ( أساطير الأولين ) وهو جمع أسطورة ، أي : كتبهم اقتبسها ، فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس . وهذا هو الكذب البحت ، كما أخبر الله عنهم في الآية الأخرى : ( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ) [ الفرقان : 5 ، 6 ] . أي : لمن تاب إليه وأناب ؛ فإنه يتقبل منه ويصفح عنه .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين نزلت في النضر بن الحارث ، كان خرج إلى الحيرة في التجارة فاشترى أحاديث كليلة ودمنة ، وكسرى وقيصر ; فلما قص رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار من مضى قال النضر : لو شئت لقلت مثل هذا . وكان هذا وقاحة وكذبا . وقيل : إنهم توهموا أنهم يأتون بمثله ، كما توهمت سحرة موسى ، ثم راموا ذلك فعجزوا عنه وقالوا عنادا : إن هذا إلا أساطير الأولين . وقد تقدم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (31)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذا تتلى على هؤلاء الذين كفروا آياتِ كتاب الله الواضحةَ لمن شرح الله صدره لفهمه (65) =، قالوا جهلا منهم، وعنادًا للحق، وهم يعلمون أنهم كاذبون في قيلهم= " لو نشاء لقلنا مثل هذا "، الذي تُلِي علينا= " إن هذا إلا أساطير الأولين "، يعني: أنهم يقولون: ما هذا القرآن الذي يتلى عليهم إلا أساطير الأولين.و " الأساطير " جمع " أسطر ", وهو جمع الجمع, لأن واحد " الأسطر " " سطر ", ثم يجمع " السطر "، " أسطر " و " سطور ", ثم يجمع " الأسطر " " أساطير " و " أساطر ". (66)وقد كان بعضُ أهل العربية يقول: واحد " الأساطير "، " أسطورة ".* * *وإنما عنى المشركون بقولهم: " إن هذا إلا أساطير الأولين "، إنْ هذا القرآن الذي تتلوه علينا، يا محمد، إلا ما سطَّره الأولون وكتبوه من أخبار الأمم! كأنهم أضافوه إلى أنه أخذ عن بني آدم, وأنه لم يوحِه الله إليه.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:15977 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: " وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا " ، قال: كان النضر بن الحارث يختلف تاجرًا إلى فارس, فيمرّ بالعِباد وهم يقرءون الإنجيل ويركعون ويسجدون. (67) فجاء مكة, فوجد محمدًا صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه وهو يركع ويسجد, فقال النضر: " قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا!"، للذي سَمِع من العباد. فنزلت: " وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا "، قال: فقص ربُّنا ما كانوا قالوا بمكة, وقص قولهم: إذ قالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ، الآية.15978 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: كان النضر بن الحارث بن علقمة، أخو بني عبد الدار، يختلف إلى الحيرة, فيسمع سَجْع أهلها وكلامهم. فلما قدم مكة, سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن, فقال: " قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إنْ هذا إلا أساطير الأولين "، يقول: أساجيع أهل الحيرة. (68)15979 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير قال: قتل النبيُّ من يوم بدر صبرًا: عقبةَ بن أبي معيط, وطعيمة بن عدي, والنضر بن الحارث. وكان المقداد أسر النضر, فلما أمر بقتله ، قال المقداد: يا رسول الله، أسيري! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول! فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، فقال المقداد: أسيري! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " واللهم اغْنِ المقداد من فضلك! " فقال المقداد: هذا الذي أردت! وفيه نزلت هذه الآية: " وإذا تتلى عليهم آياتنا "، الآية.15980- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر, عن سعيد بن جبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَتل يوم بدر ثلاثة رهط من قريش صبرًا: المطعم بن عديّ, والنضر بن الحارث, وعقبة بن أبي معيط. قال: فلما أمر بقتل النضر، قال المقداد بن الأسود: أسيري، يا رسول الله! قال: إنه كان يقول في كتاب الله وفي رسوله ما كان يقول! قال: فقال ذلك مرتين أو ثلاثًا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اغْن المقداد من فضلك!" وكان المقداد أسر النضر. (69)-----------------الهوامش :(65) انظر تفسير " التلاوة " فيما سلف ص : 385 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .(66) انظر تفسير " الأساطير " فيما سلف 11 : 308 - 310 .(67) " العباد " ، قوم من قبائل شتى من بطون العرب ، اجتمعوا على النصرانية قبل الإسلام ، فأنفوا أن يسموا بالعبيد ، فقالوا : " نحن العباد " ، ونزلوا بالحيرة . فنسب إلى " العباد " ، ومنهم عدى بن يزيد العبادي الشاعر .(68) " الأساجيع " جمع " أسجوعة " ، ما سجع به الكاهن وغيره . وانظر ما سلف رقم : 13157 .(69) الأثر : 15980 - هكذا جاء في رواية هذا الخبر " المطعم بن عدي " ، مكان " طعيمة بن عدى " ، وكأنه ليس خطأ من الناسخ ، لأن ابن كثير في تفسيره 4 : 51 ، قال : " وهكذا رواه هشيم ، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جبير أنه قال : المطعم بن عدي ، بدل طعيمة . وهو غلط ، لأن المطعم بن عدي لم يكن حيًا يوم بدر ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : لو كان المطعم بن عدي حيًا ، ثم سألني في هؤلاء النتنى ، لوهبتهم له ! يعني الأسارى ، لأنه كان قد أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم رجع من الطائف " . وانظر التعليق على رقم : 15981 .
﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾