واذكر -أيها الرسول- حين يكيد لك مشركو قومك بـ"مكَّة"؛ ليحبسوك أو يقتلوك أو ينفوك من بلدك. ويكيدون لك، وردَّ الله مكرهم عليهم جزاء لهم، ويمكر الله، والله خير الماكرين.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«و» اذكر يا محمد «إذ يمكر بك الذين كفروا» وقد اجتمعوا للمشاورة في شأنك بدار الندوة «ليثبتوك» يوثقوك ويحبسوك «أو يقتلوك» كلهم قَتلَة رجل واحد «أو يخرجوك» من مكة «ويمكرون» بك «ويمكرُ الله» بهم بتدبير أمرك بأن أوحى إليك ما دبروه وأمرك بالخروج «والله خير الماكرين» أعلمهم به.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: [و] أذكر أيها الرسول، ما منَّ اللّه به عليك. إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا حين تشاور المشركون في دار الندوة فيما يصنعون بالنبي صلى الله عليه وسلم ، إما أن يثبتوه عندهم بالحبس ويوثقوه. وإما أن يقتلوه فيستريحوا بزعمهم من شره. وإما أن يخرجوه ويجلوه من ديارهم. فكلُّ أبدى من هذه الآراء رأيا رآه، فاتفق رأيهم على رأي: رآه شريرهم أبو جهل لعنه اللّه،وهو أن يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش فتى ويعطوه سيفا صارما، ويقتله الجميع قتلة رجل واحد، ليتفرق دمه في القبائل. فيرضى بنو هاشم [ثَمَّ] بديته، فلا يقدرون على مقاومة سائر قريش، فترصدوا للنبي صلى الله عليه وسلم في الليل ليوقعوا به إذا قام من فراشه. فجاءه الوحي من السماء، وخرج عليهم، فذرَّ على رءوسهم التراب وخرج، وأعمى اللّه أبصارهم عنه، حتى إذا استبطؤوه جاءهم آت وقال: خيبكم اللّه، قد خرج محمد وذَرَّ على رءوسكم التراب. فنفض كل منهم التراب عن رأسه، ومنع اللّه رسوله منهم، وأذن له في الهجرة إلى المدينة،فهاجر إليها، وأيده اللّه بأصحابه المهاجرين والأنصار،ولم يزل أمره يعلو حتى دخل مكة عنوة، وقهر أهلها،فأذعنوا له وصاروا تحت حكمه، بعد أن خرج مستخفيا منهم، خائفا على نفسه. فسبحان اللطيف بعبده الذي لا يغالبه مغالب.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) هذه الآية معطوفة على قوله ( واذكروا إذ أنتم قليل ) واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا ، وإذ قالوا اللهم ، لأن هذه السورة مدنية وهذا المكر والقول إنما كانا بمكة ، ولكن الله ذكرهم بالمدينة كقوله تعالى " إلا تنصروه فقد نصره الله " ( التوبة آية 40 ) وكان هذا المكر على ما ذكره ابن عباس وغيره من أهل التفسير :أن قريشا فرقوا لما أسلمت الأنصار أن يتفاقم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاجتمع نفر من كبارهم في دار الندوة ، ليتشاوروا في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت رءوسهم : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وأبو سفيان ، وطعيمة بن عدي ، وشيبة بن ربيعة ، والنضر بن الحارث ، وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وأمية بن خلف ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ ، فلما رأوه قالوا : من أنت؟ قال : شيخ من نجد ، سمعت باجتماعكم ، فأردت أن أحضركم ، ولن تعدموا مني رأيا ونصحا ، قالوا : ادخل فدخل ، فقال أبو البختري : أما أنا فأرى أن تأخذوا محمدا وتحبسوه في بيت ، وتشدوا وثاقه ، وتسدوا باب البيت غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه ، وتتربصوا به ريب المنون حتى يهلك فيه ، كما هلك من كان قبله من الشعراء . قال : فصرخ عدو الله الشيخ النجدي وقال : بئس الرأي رأيتم والله لئن حبستموه في بيت فخرج أمره من وراء الباب الذي غلقتم دونه إلى أصحابه فيوشك أن يثبوا عليكم ويقاتلوكم ويأخذوه من أيديكم ، قالوا : صدق الشيخ ، فقال هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي : أما أنا فأرى أن تحملوه على بعير تخرجوه من أظهركم فلا يضركم ما صنع ولا أين وقع إذا غاب عنكم واسترحتم منه ، فقال إبليس : ما هذا لكم برأي تعتمدون عليه ، تعمدون إلى رجل قد أفسد أحلامكم فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم ألم تروا إلى حلاوة منطقه وحلاوة لسانه وأخذ القلوب بما تسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتم ذلك ليذهبن وليستميل قلوب قوم ثم يسير بهم إليكم فيخرجكم من بلادكم ، قالوا : صدق الشيخ : فقال أبو جهل والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شابا نسيبا وسيطا فتيا ثم يعطى كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم يضربوه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها ، وأنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل فتؤدي قريش ديته ، فقال إبليس : صدق هذا الفتى ، وهو أجودكم رأيا ، القول ما قال لا أرى رأيا غيره فتفرقوا على قول أبي جهل وهم مجمعون له . فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ، وأذن الله له عند ذلك بالخروج إلى المدينة ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب أن ينام في مضجعه وقال له : تسيح ببردتي هذه فإنه لن يخلص إليك منهم أمر تكرهه ، ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ قبضة من تراب فأخذ الله أبصارهم عنه فجعل ينثر التراب على رءوسهم وهو يقرأ : " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا " إلى قوله " فهم لا يبصرون ( سورة يس 8 - 9 ) ومضى إلى الغار من ثور هو وأبو بكر ، وخلف عليا بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي قبلها وكانت الودائع تودع عنده - صلى الله عليه وسلم - لصدقه وأمانته ، وبات المشركون يحرسون عليا في فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحسبون أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أصبحوا ثاروا إليه فرأوا عليا رضي الله عنه ، فقالوا : أين صاحبك؟ قال : لا أدري ، فاقتصوا أثره وأرسلوا في طلبه فلما بلغوا الغار رأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو دخله لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاثا ، ثم قدم المدينة ، ذلك قوله تعالى : " وإذ يمكر بك الذين كفروا " .( ليثبتوك ) ليحبسوك ويسجنوك ويوثقوك ، ( أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله ) قال الضحاك : يصنعون ويصنع الله ، والمكر التدبير وهو من الله التدبير بالحق . وقيل : يجازيهم جزاء المكر ( والله خير الماكرين )
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال ابن كثير: عن ابن عباس في قوله: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنه قال:تشاورت قريش ليلة بمكة- في شأن النبي- صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد أن رأوا أمره قد اشتهر، وأن غيرهم قد آمن به- فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق. وقال بعضهم بل اقتلوه. وقال بعضهم بل أخرجوه. ثم اتفقوا أخيرا على قتله-، فأطلع الله تعالى نبيه على ذلك، وأمره أن لا يبيت في مضجعه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يبيت مكانه ففعل وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا عليا قالوا له أين صاحبك؟ قال: لا أدرى. فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا في الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال.وقد ذكر ابن كثير وغيره روايات أخرى تتعلق بهذه الآية، إلا أننا نكتفي بهذه الرواية، لإفادتها بالمطلوب في موضوعنا، ولأن غيرها قد اشتمل على أخبار أنكرها بعض المحققين، كما أنكرها ابن كثير نفسه .وقوله: وَإِذْ يَمْكُرُ.. تذكير من الله- تعالى- لنبيه وللمؤمنين ببعض نعمه عليهم، حيث نجى نبيه صلى الله عليه وسلم من مكر المشركين حين تآمروا على قتله وهو بينهم بمكة.قال ابن جرير: أنزل الله على النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد قدومه المدينة سورة الأنفال، يذكره نعمه عليه- ومن ذلك قوله- تعالى- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا..الآية .وقوله يَمْكُرُ من المكر، وهو- كما يقول الراغب- صرف الغير عما يقصده بحيلة وذلك ضربان: مكر محمود وذلك أن يتحرى بمكره فعلا جميلا ومنه قوله- تعالى- وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ. ومكر مذموم، وهو أن يتحرى بمكره فعلا قبيحا، ومنه قوله- تعالى- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا.. وقال- سبحانه وتعالى- في الأمرين: وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ .وقوله: «ليثبتوك» أى ليحبسوك. يقال أثبته إذا حبسته.والمعنى: واذكر- يا محمد- وقت أن نجيتك من مكر أعدائك، حين تآمروا عليك وأنت بين أظهرهم في مكة، لكي لِيُثْبِتُوكَ أى: يحبسوك في دارك، فلا تتمكن من لقاء الناس ومن دعوتهم إلى الدين الحق أَوْ يَقْتُلُوكَ بواسطة مجموعة من الرجال الذين اختلفت قبائلهم في النسب، حتى يتفرق دمك فيهم فلا تقدر عشيرتك على الأخذ بثأرك من هذه القبائل المتعددة.. أَوْ يُخْرِجُوكَ أى: من مكة منفيا مطاردا حتى يحولوا بينك وبين لقاء قومك.وقوله: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ بيان لموضع النعمة والمنة، أى:والحال أن هؤلاء المشركين يمكرون بك وبأتباعك المكر السيئ، والله- تعالى- يرد مكرهم في نحورهم، ويحبط كيدهم، ويخيب سعيهم، ويعاقب عليه عقابا شديدا، ويدبر أمرك وأمر أتباعك، ويحفظكم من شرورهم، فهو- سبحانه- أقوى الماكرين. وأعظمهم تأثيرا، وأعلمهم بما يضر منه وما ينفع.قال الآلوسى: قوله وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ أى: برد مكرهم ويجعل وخامته عليهم، أو يجازيهم عليه أو يعاملهم معاملة الماكرين، وذلك بأن أخرجهم إلى بدر، وقلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم فلقوا منهم ما يشيب منه الوليد.وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ إذ لا يعتد بمكرهم عند مكره- سبحانه-. وإطلاق هذا المركب الإضافى عليه- تعالى- إن كان باعتبار أن مكره- سبحانه- أنفذ وأبلغ تأثيرا فالإضافة للتفضيل، لأن لمكر الغير- أيضا- نفوذا أو تأثيرا في الجملة.. وإن كان باعتبار أنه- سبحانه- لا ينزل إلا الحق ولا يصيب إلا ما يستوجب الممكور به، فلا شركة لمكر الغير فيه، وتكون الإضافة حينئذ للاختصاص، لانتفاء المشاركة..» .هذا والصورة التي يرسمها قوله- تعالى-: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ صورة عميقة التأثير، ذلك حين تتراءى للخيال ندوة قريش، وهم يتآمرون ويتذاكرون ويدبرون ويمكرون، والله من روائهم محيط، ويمكر بهم ويبطل كيدهم وهم لا يشعرون.إنها صورة ساخرة، وهي في الوقت ذاته صورة مفزعة.. فأين هؤلاء البشر الضعاف المهازيل، من تلك القدرة القادرة.. قدرة الله الجبار، القاهر فوق عباده، الغالب على أمره، وهو بكل شيء محيط؟والتعبير القرآنى يرسم الصورة على طريقة القرآن الفريدة في التصوير، فيهز بها القلوب، ويحرك بها أعماق الشعور» .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : ( ليثبتوك ) [ أي ] : ليقيدوك .وقال عطاء ، وابن زيد : ليحبسوك .وقال السدي : الإثبات هو الحبس والوثاق .وهذا يشمل ما قاله هؤلاء وهؤلاء ، وهو مجمع الأقوال وهو الغالب من صنيع من أراد غيره بسوء .وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، قال عطاء : سمعت عبيد بن عمير يقول : لما ائتمروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه ، قال له عمه أبو طالب : هل تدري ما ائتمروا بك ؟ قال : يريدون أن يسحروني أو يقتلوني أو يخرجوني ، فقال : من أخبرك بهذا ؟ قال : ربي ، قال : نعم الرب ربك ، استوص به خيرا فقال : أنا أستوصي به ! بل هو يستوصي بيوقال أبو جعفر بن جرير : حدثني محمد بن إسماعيل البصري المعروف بالوساوسي ، أخبرنا عبد الحميد بن أبي رواد عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن المطلب بن أبي وداعة ، أن أبا طالب قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما يأتمر بك قومك ؟ قال : يريدون أن يسحروني أو يقتلوني أو يخرجوني . فقال : من أخبرك بهذا ؟ قال : ربي ، قال : نعم الرب ربك ، فاستوص به خيرا ، قال : أنا أستوصي به ! بل هو يستوصي بي . قال : فنزلت : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ) الآية .وذكر أبي طالب في هذا ، غريب جدا ، بل منكر ؛ لأن هذه الآية مدنية ، ثم إن هذه القصة واجتماع قريش على هذا الائتمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل ، إنما كان ليلة الهجرة سواء ، وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين لما تمكنوا منه واجترءوا عليه بعد موت عمه أبي طالب ، الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه . والدليل على صحة ما قلنا : ما رواه الإمام محمد بن إسحاق بن يسار صاحب " المغازي " عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : وحدثني الكلبي ، عن باذان مولى أم هانئ ، عن ابن عباس ؛ أن نفرا من قريش من أشراف كل قبيلة ، اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل ، فلما رأوه قالوا : من أنت ؟ قال : شيخ من نجد ، سمعت أنكم اجتمعتم ، فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم رأيي ونصحي . قالوا : أجل ، ادخل فدخل معهم فقال : انظروا في شأن هذا الرجل ، والله ليوشكن أن يواثبكم في أمركم بأمره . قال : فقال قائل منهم : احبسوه في وثاق ، ثم تربصوا به ريب المنون ، حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء : زهير والنابغة ، إنما هو كأحدهم ، قال : فصرخ عدو الله الشيخ النجدي فقال : والله ما هذا لكم برأي ، والله ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه ، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم ، فيمنعوه منكم ، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم . قال : فانظروا في غير هذا .قال : فقال قائل منهم : أخرجوه من بين أظهركم تستريحوا منه ، فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع وأين وقع ، إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم ، وكان أمره في غيركم ، فقال الشيخ النجدي : والله ما هذا لكم برأي ، ألم تروا حلاوة [ قوله ] وطلاوة لسانه ، وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه ؟ والله لئن فعلتم ، ثم استعرض العرب ، ليجتمعن عليكم ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم . قالوا : صدق والله ، فانظروا بابا غير هذا .قال : فقال أبو جهل ، لعنه الله : والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم تصرمونه بعد ، ما أرى غيره . قالوا : وما هو ؟ قال : نأخذ من كل قبيلة غلاما شابا وسيطا نهدا ، ثم يعطى كل غلام منهم سيفا صارما ، ثم يضربونه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل [ كلها ] فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها . فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل ، واسترحنا وقطعنا عنا أذاه .قال : فقال الشيخ النجدي : هذا والله الرأي . القول ما قال الفتى لا رأي غيره ، قال : فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له .فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره ألا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ، وأخبره بمكر القوم . فلم يبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته تلك الليلة ، وأذن الله له عند ذلك بالخروج ، وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة " الأنفال " يذكر نعمه عليه وبلاءه عنده : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) وأنزل [ الله ] في قولهم : " تربصوا به ريب المنون ، حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء " ، ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) [ الطور : 30 ] وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة للذي اجتمعوا عليه من الرأي .وعن السدي نحو هذا السياق ، وأنزل الله في إرادتهم إخراجه قوله تعالى : ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ) [ الإسراء : 76 ] .وكذا روى العوفي ، عن ابن عباس . وروي عن مجاهد ، وعروة بن الزبير ، وموسى بن عقبة ، وقتادة ، ومقسم ، وغير واحد ، نحو ذلك .وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظر أمر الله ، حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت به ، وأرادوا به ما أرادوا ، أتاه جبريل عليه السلام فأمره ألا يبيت في مكانه الذي كان يبيت فيه فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب ، فأمره أن يبيت على فراشه وأن يتسجى ببرد له أخضر ، ففعل . ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على القوم وهم على بابه ، وخرج معه بحفنة من تراب ، فجعل يذرها على رءوسهم ، وأخذ الله بأبصارهم عن نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ : ( يس والقرآن الحكيم ) إلى قوله : ( فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) [ يس : 1 - 9 ] .وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : روي عن عكرمة ما يؤكد هذا .وقد روى [ أبو حاتم ] ابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : دخلت فاطمة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي ، فقال : ما يبكيك يا بنية ؟ قالت : يا أبت ، [ و ] ما لي لا أبكي ، وهؤلاء الملأ من قريش في الحجر يتعاقدون باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ، لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك ، وليس منهم إلا من قد عرف نصيبه من دمك . فقال : يا بنية ، ائتني بوضوء . فتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم خرج إلى المسجد . فلما رأوه قالوا : إنما هو ذا فطأطئوا رءوسهم ، وسقطت أذقانهم بين أيديهم ، فلم يرفعوا أبصارهم . فتناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبضة من تراب فحصبهم بها ، وقال : شاهت الوجوه . فما أصاب رجلا منهم حصاة من حصياته إلا قتل يوم بدر كافرا .ثم قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ، ولا أعرف له علة .وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، أخبرني عثمان الجزري ، عن مقسم مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس في قوله : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك ) قال : تشاورت قريش ليلة بمكة ، فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق - يريدون النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم : بل اقتلوه . وقال بعضهم : بل أخرجوه . فأطلع الله نبيه على ذلك ، فبات علي - رضي الله عنه - على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أصبحوا ثاروا إليه ، فلما رأوا عليا رد الله تعالى مكرهم ، فقالوا : أين صاحبك هذا ؟ قال : لا أدري . فاقتصا أثره ، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم ، فصعدوا في الجبل فمروا بالغار ، فرأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاث ليال .وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير في قوله : ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) أي : فمكرت بهم بكيدي المتين ، حتى خلصتك منهم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين هذا إخبار بما اجتمع عليه المشركون من المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة ; فاجتمع رأيهم على قتله فبيتوه ، ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج ; فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه ، ودعا الله عز وجل أن يعمي عليهم أثره ، فطمس الله على أبصارهم ، فخرج وقد غشيهم النوم ، فوضع على رءوسهم ترابا ونهض . فلما أصبحوا خرج عليهم علي فأخبرهم أن ليس في الدار أحد ، فعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فات ونجا . الخبر مشهور في السيرة وغيرها . ومعنى ليثبتوك ليحبسوك ; يقال : أثبته إذا حبسته . وقال قتادة : ليثبتوك وثاقا . وعنه أيضا وعبد الله بن كثير : ليسجنوك . وقال أبان بن تغلب وأبو حاتم : ليثخنوك بالجراحات والضرب الشديد . قال الشاعر :فقلت ويحكما ما في صحيفتكم قالوا الخليفة أمسى مثبتا وجعاأو يقتلوك أو يخرجوك عطف .ويمكرون مستأنف . والمكر : التدبير في الأمر في خفية .والله خير الماكرين ابتداء وخبر . والمكر من الله هو جزاؤهم بالعذاب على مكرهم من حيث لا يشعرون .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مذكِّرَه نعمه عليه: واذكر، يا محمد, إذ يمكر بك الذين كفروا من مشركي قومك كي يثبتوك. (35)* * *واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " ليثبتوك ".فقال بعضهم: معناه ليقيِّدوك.* ذكر من قال ذلك:15956- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك "، يعني: ليوثقوك.15957 -............ قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " ليثبتوك "، ليوثِقوك.15958 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك " ، الآية, يقول: ليشدُّوك وَثاقًا. وأرادوا بذلك نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ بمكة.15959 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة ومقسم قالا قالوا: " أوثقوه بالوثاق ".15960 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " ليثبتوك "، قال: الإثبات، هو الحبس والوَثَاق.* * *وقال آخرون: بل معناه الحبس.* ذكر من قال ذلك.15961 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، سألت عطاء عن قوله: " ليثبتوك "، قال: يسجنوك= وقالها عبد الله بن كثير.15962 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: قالوا: " اسجنوه ".* * *وقال آخرون: بل معناه: ليسحروك.* ذكر من قال ذلك.15963 - حدثني محمد بن إسماعيل البصري المعروف بالوساوسي قال، حدثنا عبد المجيد بن أبي روّاد, عن ابن جريج, عن عطاء, عن عبيد بن عمير، عن المطلب بن أبي وَداعة: أن أبا طالب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يأتمر به قومك؟ قال: يريدون أن يسحروني ويقتلوني ويخرجوني! فقال: من أخبرك بهذا؟ قال: ربي! قال: نعم الرب ربك, فاستوص به خيرًا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أستوصي به! بل هو يستوصي بي خيرًا "! فنزلت: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك " ، الآية. (36)15964 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قال عطاء: سمعت عبيد بن عمير يقول: لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه، قال له أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال: نعم! قال: فأخبره، قال: من أخبرك؟ قال: ربي! قال: نعم الرب ربك, استوص به خيرًا! قال: " أنا أستوصي به, أو هو يستوصي بي؟ (37)وكأنّ معنى مكر قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم به ليثبتوه، كما:-15965 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثني أبي قال، حدثنا محمد بن إسحاق, عن عبد الله بن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن عباس= قال وحدثني الكلبي, عن زاذان مولى أم هانئ, عن ابن عباس: أن نفرًا من قريش من أشراف كل قبيلة, اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة, فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، (38) فلما رأوه قالوا: من أنت؟ قال شيخ من نجد, سمعت أنكم اجتمعتم, فأردت أن أحضركم، ولن يعدمكم مني رأيٌ ونصحٌ. (39) قالوا: أجل، ادخل! فدخل معهم, فقال: انظروا إلى شأن هذا الرجل, (40) والله ليوشكن أن يُواثبكم في أموركم بأمره. (41) قال: فقال قائل: احبسوه في وَثاق, ثم تربصوا به ريبَ المنون، حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء, زهير والنابغة, إنما هو كأحدهم! قال: فصرخ عدوُّ الله الشيخ النجدي فقال: والله، ما هذا لكم برأي ! (42) والله ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم فيمنعوه منكم, فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم! قالوا: فانظروا في غير هذا. قال: فقال قائل: أخرجوه من بين أظهركم تستريحوا منه, فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع وأين وقع، إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم، وكان أمره في غيركم. فقال الشيخ النجدي: والله ما هذا لكم برأي, ألم تروا حلاوة قوله، وطلاقة لسانه، وأخذَ القلوب ما تسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتم، ثم استعرَض العرب, لتجتمعن عليكم, ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم! قالوا: صدق والله! فانظروا رأيًا غير هذا ! قال: فقال أبو جهل: والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد، ما أرى غيره! قالوا: وما هو؟ قال: نأخذ من كل قبيلة غلامًا وَسيطا شابًّا نَهْدًا, (43) ثم يعطى كل غلام منهم سيفًا صارمًا, ثم يضربوه ضربة رجل واحد, فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها, فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلها, فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل، (44) واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. فقال الشيخ النجدي: هذا والله الرأي، القولُ ما قال الفتى, لا أرى غيره! قال: فتفرقوا على ذلك وهم مُجْمعون له، قال: فأتى جبريل النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه تلك الليلة, وأذِن الله له عند ذلك بالخروج, وأنزل عليه بعد قدومه المدينة " الأنفال "، يذكره نعمه عليه، وبلاءه عنده: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " ، وأنزل في قولهم: " تربصوا به ريبَ المنون " حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء : أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ، [ سورة الطور: 30]. وكان يسمى ذلك اليوم: " يوم الزحمة " للذي اجتمعوا عليه من الرأي. (45)15966 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى (46) قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة ومقسم, في قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك " قالا تشاوروا فيه ليلة وهم بمكة, فقال بعضهم: إذا أصبح فأوثقوه بالوثاق. وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل أخرجوه . فلما أصبحوا رأوا عليًّا رحمة الله عليه , فردَّ الله مكرهم.15967 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عيد الرزاق قال، أخبرني أبي, عن عكرمة قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار, أمر عليَّ بن أبي طالب, فنام في مضجعه, فبات المشركون يحرسونه، فإذا رأوه نائمًا حسبوا أنه النبي صلى الله عليه وسلم فتركوه. فلما أصبحوا ثاروا إليه وهم يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هم بعليّ, فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري! قال: فركبوا الصعب والذَّلول في طلبه. (47)15968 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق, عن معمر قال، أخبرني عثمان الجزريّ: أن مقسمًا مولى ابن عباس أخبره، عن ابن عباس في قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك "، قال: تشاورت قريش ليلة بمكة, فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق= يريدون النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل أخرجوه. فأطلع الله نبيه على ذلك, فبات على رحمه الله على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة, (48) وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار, وبات المشركون يحرسون عليًّا يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم . فلما أصبحوا ثاروا إليه, فلما رأوا عليًّا رحمة الله عليه , ردّ الله مكرهم, فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري! فاقتصُّوا أثره، فلما بلغوا الجبل ومرُّوا بالغار, رأوا على بابه نسج العنكبوت، قالوا: لو دخل ههنا لم يكن نَسْجٌ على بابه! فمكث فيه ثلاثا. (49)15969 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين "، قال: اجتمعت مشيخة قريش يتشاورون في النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ما أسلمت الأنصار، وفَرِقوا أن يتعالى أمره إذا وجد ملجأ لجأ إليه. (50) فجاء إبليس في صورة رجل من أهل نجد, فدخل معهم في دار الندوة، فلما أنكروه قالوا: من أنت؟ فوالله ما كل قومنا أعلمناهم مجلسنا هذا! قال: أنا رجل من أهل نجد، أسمع من حديثكم وأشير عليكم! فاستحيَوْا، فخلَّوا عنه. فقال بعضهم: خذوا محمدًا إذا اضطجع على فراشه, (51) فاجعلوه في بيت نتربص به ريبَ المنون = و " الريب "، هو الموت, و " المنون "، هو الدهر = قال إبليس: بئسما قلت! تجعلونه في بيت، فيأتي أصحابه فيخرجونه، فيكون بينكم قتال! قالوا: صدق الشيخ! قال: أخرجوه من قريتكم! قال إبليس: بئسما قلت! تخرجونه من قريتكم، وقد أفسد سفهاءكم، فيأتي قرية أخرى فيفسد سفهاءهم، فيأتيكم بالخيل والرجال! قالوا: صدق الشيخ! قال أبو جهل= وكان أولاهم بطاعة إبليس=: بل نعمد إلى كل بطن من بطون قريش, فنخرج منهم رجلا فنعطيهم السلاح, فيشدُّون على محمد جميعًا فيضربونه ضربة رجل واحد, فلا يستطيع بنو عبد المطلب أن يقتلوا قريشًا, فليس لهم إلا الدية! قال إبليس: صدق, وهذا الفتى هو أجودكم رأيًا! فقاموا على ذلك. وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فنام على الفراش, وجعلوا عليه العيون. فلما كان في بعض الليل, انطلق هو وأبو بكر إلى الغار, ونام علي بن أبي طالب على الفراش, فذلك حين يقول الله: " ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك "= و " الإثبات "،: هو الحبس والوثاق= وهو قوله: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا [ سورة الإسراء: 76]، يقول: يهلكهم.فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، لقيه عمر فقال له: ما فعل القوم؟ وهو يرى أنهم قد أهلكوا حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم, وكذلك كان يُصنع بالأمم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أخِّروا بالقتال ".15970 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " ليثبتوك أو يقتلوك "، قال: كفار قريش، أرادوا ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من مكة.15971 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد نحوه.15972- حدثني ابن وكيع قال: حدثنا هانئ بن سعيد, عن حجاج, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد نحوه; إلا أنه قال: فعلوا ذلك بمحمد.15973 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك " ، الآية, هو النبي صلى الله عليه وسلم، مكروا به وهو بمكة.15974 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد, في قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك "، إلى آخر الآية، قال: اجتمعوا فتشاوروا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: اقتلوا هذا الرجل. فقال بعضهم: لا يقتله رجل إلا قُتل به! قالوا: خذوه فاسجنوه، واجعلوا عليه حديدًا. قالوا: فلا يدعكم أهل بيته! قالوا: أخرجوه. قالوا: إذًا يستغوي الناس عليكم. (52)قال: وإبليس معهم في صورة رجل من أهل نجد، واجتمع رأيهم أنه إذا جاء يطوف البيت ويستلم، أن يجتمعوا عليه فيغمُّوه ويقتلوه, (53) فإنه لا يدري أهله من قتله, فيرضون بالعقل، فنقتله ونستريح ونعقِله! فلما أن جاء يطوف بالبيت، اجتمعوا عليه فغمُّوه، فأتى أبو بكر فقيل له ذاك, فأتى فلم يجد مدخلا. فلما أن لم يجد مدخلا قال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ، [سورة غافر: 28]. قال: ثم فرَّجها الله عنه. فلما أن حطّ الليل، (54) أتاه جبريل عليه السلام فقال، من أصحابك؟ فقال: فلان وفلان وفلان. فقال: لا نحن أعلم بهم منك، (55) يا محمد, هو ناموس ليل! (56) قال: وأخِذ أولئك من مضاجعهم وهم نيام، فأتى بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقدِّم أحدهم إلى جبريل, فكحَله ثم أرسله, فقال: ما صورته يا جبريل؟ قال: كُفِيتَه يا نبي الله! ثم قدِّم آخر، فنقر فوق رأسه. بعصًا نقرة ثم أرسله، فقال: ما صورته يا جبريل؟ فقال: كُفِيته يا نبي الله! ثم أتي بآخر فنقر في ركبته, فقال: ما صورته يا جبريل؟ قال: كفيته! ثم أتي بآخر فسقاه مَذْقة, (57) فقال: ما صورته يا جبريل؟ قال: كفيته يا نبي الله! وأتي بالخامس، (58) فلما غدا من بيته، مرّ بنبّال فتعلق مِشْقَص بردائه، (59) فالتوى, فقطع الأكحل من رجله. (60) وأما الذي كحلت عيناه، فأصبح وقد عمي. وأما الذي سقي مَذْقةً، فأصبح وقد استسقى بطنه. وأما الذي نقر فوق رأسه، فأخذته النقبة = و " النقبة "، قرحة عظيمة (61)= أخذته في رأسه. وأما الذي طعن في ركبته, فأصبح وقد أقعد. فذلك قول الله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " .15975 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قوله: " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين "، أي: فمكرت لهم بكيدي المتين، حتى خلّصك منهم. (62)15976 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا "، قال: هذه مكية= قال: ابن جريج، قال مجاهد: هذه مكية. (63)قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: واذكر، يا محمد، نعمتي عندك، بمكري بمن حاول المكرَ بك من مشركي قومك, بإثباتك أو قتلك أو إخراجك من وطنك, حتى استنقذتك منهم وأهلكتهم, فامض لأمري في حرب من حاربك من المشركين, وتولى عن إجابة ما أرسلتك به من الدين القيم, ولا يَرْعَبَنَّك كثرة عددهم, فإن ربّك خيرُ الماكرين بمن كفر به، وعبد غيره، وخالف أمره ونهيه.* * *وقد بينا معنى " المكر " فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (64)------------------------الهوامش :(35) انظر تفسير " المكر " فيما سلف 12 : 95 ، 97 ، 579 13 : 33(36) الأثر : 15963 - " محمد بن إسماعيل البصري " ، المعروف ب " الوساوسي " شيخ الطبري ، لم أجد النص على أنه "الوساوسي " ، والذي يروى عنه أبو جعفر في تاريخه ، في مواضع " محمد بن إسماعيل الضراري " ، وهو " محمد بن إسماعيل بن أبي ضرار الرازي " ، صدوق . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 2 190 ، وذكر في التهذيب أن أبا جعفر محمد بن جرير الطبري ، روى عنه ، ولم يذكر أنه يعرف بالوساوسي .وترجم ابن أبي حاتم لأخيه : " أحمد بن إسماعيل بن أبي ضرار الرازي " ، 1 1 41 ، فوجدت في لباب الأنساب 2 : 273 : " الوساوسي ، عرف بها " أحمد بن إسماعيل الوساوسي البصري " ، فدل هذا على ترجيح أن يكون " محمد بن إسماعيل بن أبي ضرار " يقال له " الوساوسي " أيضًا .و " عبد المجيد بن أبي رواد " ، هو " عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد الأزدي " ، روى عن ابن جريح وغيره . وثقه أحمد وابن معين . وغيرهما . وضعفه أبو حاتم وابن سعد . ومنهم من قال هو ثبت في حديثه عن ابن جريج ، ومنهم من قال : روى عن ابن جريج أحاديث لا يتابع عليها . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 1 64 ." وعبيد بن عمير بن قتادة الليثي " ثقة ، مضى برقم : 9180 ، 9181 ، 9189 ، 15621 .وكان في المخطوطة والمطبوعة : " عبيد بن عمير بن المطلب بن أبي وداعة " ، وهو خطأ لا شك فيه .و " المطلب بن أبي وداعة السهمي القرشي " ، له صحبة - مترجم في التهذيب ، والكبير 4 2 7 ، وابن أبي حاتم 4 1 385 ، ولم يذكر لعبيد بن عمير رواية عنه .وهذا الخبر رواه ابن كثير في تفسيره 4 : 46 ، 47 ، وقال : " وذكر أبي طالب في هذا ، غريب جدًا ، بل منكر لأن هذه الآية مدنية . ثم إن هذه القصة ، واجتماع قريش على هذا الائتمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل ، إنما كانت ليلة الهجرة سواء . وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين ، لما تمكنوا منه واجترأوا عليه بسبب موت عمه أبي طالب ، الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه " .فلو صح ما قاله ابن كثير ، كان هذا الخبر من الأخبار التي دعتهم إلى أن يقولوا في " عبد المجيد ابن أبي رواد " أنه روى عن ابن جريج أحاديث لا يتابع عليها . ومع ذلك فإن حجاجًا قد روى عنه مثل رواية عبد المجيد . انظر التعليق على الأثر التالي ، فإني اذهب مذهبًا غير مذهب ابن كثير في الخبر . وانظر أيضًا رقم : 15976 ، فإن ابن جريج سيقول: إن هذه الآية مكية ، لا مدنية .(37) الأثر : 15964 - انظر التعليق على الأثر السالف . سلف ما قاله ابن كثير في نقد هذا الخبر . والذي دفعه أن يقول ما قال ، من انه كان ليلة الهجرة ، ما رواه ابن جرير في الأثر الذي يليه ، والذي ترجم له بقوله : " وكأن معنى مكر قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم به ليثبتوه ، كما حدثني ... " وساق خبر ائتمارهم به ليلة الهجرة .ولكن جائز أن يكون الخبران الأولان ، في شأن آخر ، وليلة أخرى ، بل أكاد أقطع أن الخبر الذي رواه ابن جريج ، لا علاقة له بأمر الهجرة ، وأن ابن كثير تابع للطبري فيما ظنه ظنًا وذلك أن ابن إسحاق وغيره ، رووا أن أشراف قريش اجتمعوا يوما في الحجر ، فذكروا رسول الله ، وزعموا أنهم صبروا منه على أمر عظيم . فبينا هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله ، فأقبل يمشي حتى استلم الركن ، ثم مر بهم طائفًا بالبيت ، فغمزوه ببعض القول . فعرف الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم . فلما مر بهم الثانية ، غمزوه بمثلها ، ثم مر الثالثة ، ففعلوا فعلتهم ، فوقف ثم قال : " أتسمعون يا معشر قريش ، أما والذي نفسي بيده ، لقد جئتكم بالذبح " . فاستكانوا ورفأوه بأحسن القول رهبة ورغبة . فلما كان الغد ، اجتمعوا في الحجر فقال بعضهم لبعض : " ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه ، حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه " . فبينا هم كذلك ، طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوثبوا إليه رجل واحد ، وأحاطوا به يقولون : " أنت الذي تقول كذا وكذا ؟ " ، لما كان من عيب آلهتهم ، فيقول : " نعم، أنا الذي أقول ذلك " ، فأخذ بعضهم بمجمع ردائه ، فقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول : " أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله " ! ( سيرة ابن هشام 1 : 309 ، 310 ) ، وانظر الخبر التالي رقم : 15974 ، والتعليق عليه .وكان هذا قبل الهجرة بزمان طويل ، في حياة أبي طالب . فكأن هذا الخبر ، هو الذي قال عبيد بن عمير في روايته عن المطلب بن أبي وداعة أنه ائتمار قومه به . فإذا صح ذلك ، لم يكن لما قال ابن كثير وجه ، ولصح هذا الخبر لصحة إسناده .(38) في المخطوطة : " في صورة جليل " ، وفوق " جليل " حرف ( ط ) دليلا على الخطأ ، والصواب ما في المطبوعة ، مطابقًا لما في سيرة ابن هشام .(39) " لن يعدمكم " ، أي : لا يعدوكم ويخطئكم مني رأي ونصح .(40) في المطبوعة : " في شأن " ، وأثبت ما في المخطوطة .(41) في المطبوعة : " أن يواتيكم في أموركم " ، وهو لا معنى له ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهي غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت .(42) في المطبوعة : " رأي " بغير باء ، والصواب من المخطوطة .(43) " الوسيط " : حسيبًا في قومه ، من أكرمهم حسبًا ونسبًا ومجدًا . وكان في المطبوعة " وسطا ً " ، والصواب ما في المخطوطة . و " غلام نهد " : كريم ، ينهض إلى معالي الأمور. واصل " النهد " : المرتفع .(44) " العقل " ، الدية .(45) الأثر : 15965 - سيرة ابن هشام 2 : 124 - 128 ، وإسناد هناك " قال ابن إسحاق ، فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج ، وغيره ممن لا أتهم ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما " ، ثم ساق الخبر بغير هذا اللفظ .ومما اعترض به على هذا الخبر أن آية " سورة الطور " ، آية مكية ، نزلت قبل الهجرة بزمان ، وسياق ابن إسحاق للآية بعد الخبر ، يوهم أنها نزلت ليلة الهجرة ، أو بعد الهجرة ، وهذا لا يكاد يصح .(46) سقط من المطبوعة : " محمد " وكتب " بن عبد الأعلى " ، وهي ثابتة في المخطوطة .(47) " الصعب " من الإبل ، هو الذي لم يركب قط ، لأنه لا ينقاد لراكبه ، ونقيضه " الذلول " ، وهو السهل المنقاد . مثل لركوب كل مركب في طلب ما يريده المرء ، سهل المركب أو صعب .(48) في المخطوطة ، سقط من الناسخ " الليلة " ، وزادتها المطبوعة .(49) الأثر : 15968 - " عثمان الجزري " ، يقال له : " عثمان المشاهد " . روى عن مقسم ، روى عنه معمر ، والنعمان بن راشد . قال أبو حاتم : " لا أعلم روى عنه غير معمر ، والنعمان " . وسئل عنه أحمد فقال : " روى أحاديث مناكير ، زعموا أنه ذهب كتابه " . مترجم في ابن أبي حاتم 3 1 174 .وكان في المطبوعة : " عثمان الجريري " ، والمخطوطة ، كما أثبتها ، غير أنه غير منقوط .وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده برقم : 3251 ، وقال أخي : " في إسناده نظر ، من أجل عثمان الجزري ، كالإسناد 2562 " ، وقد استظهر هناك أن " عثمان الجزري " هو " عثمان بن ساج " ، ولكن ما قاله ابن أبي حاتم ، يرجح أن " عثمان الجزري " ، غير " عثمان بن ساج " .وقد وجدت بعد في مجمع الزوائد 7 : 27 ، هذا الخبر ، بنحوه ثم قال : " رواه أحمد والطبراني ، وفيه " عثمان بن عمرو الجزري " ، وثقه ابن حبان ، وضعفه غيره ، وبقية رجاله رجال الصحيح " .ولا أزال أشك في أن " عثمان الجزري " ، غير " عثمان بن عمرو بن ساج "(50) " فرقوا " ، خافوا وفزعوا .(51) في المطبوعة : " إذا اصطبح على فراشه " ، لا أدري من أين جاء بها ! .(52) " يستغوي الناس " ، أي : يدعوهم إلى التجمع . يقال : " تغاووا عليه حتى قتلوه " ، إذا تجمعوا وتعاونوا في الشر . والأجود عندي : " يستعوى " ( بالعين المهملة ) . يقال : " استعوى فلان جماعة " ، إذا نعق بهم على الفتنة . ويقال : " تعاوى بنو فلان على فلان " و " تغاووا " ( بالغين المعجمة ) ، إذا تجمعوا عليه . و " استعوى القوم " ، استغاث بهم . وأصله من " العواء " ، عواء الكلب ، فتجاوبه كلاب الحي .(53) في المطبوعة والمخطوطة : " فيعموه " بالعين المهملة ، ولها وجه ضعيف عندي ، وصوابها بالغين المعجمة . يقال : " غم الشيء يغمه " ، إذا علاه وغطاه وستره حتى لا فرجة فيه ، ومنه قول النمر بن تولب ، يصف اجتماع المقاتلة العرب في الحرب :زَبَنَتْكَ أَرْكَانُ العَدُوِّ فأَصْبَحتْأَجَأ وَحَيَّة مِنْ قَرَارِ ديارهاوَكأَنَّهَا دَقَرَى , تَخَايَلَ نَبْتُهاأُنُفٌ يَغُمُّ الضَّالَ نَبْتُ بِحَارِهَاومنه قيل للغمة " غمة " ، وقيل : " سحاب أغم " ، لا فرجة فيه . وانظر بعد ذلك صفة اجتماعهم عليه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ، وأن أبا بكر لم يجد مدخلا ، وقوله أيضًا : " ثم فرجها الله عنه " . فكل هذا يدل على صواب قراءتها كما أثبتها . وهذه الصفحة من المخطوطة ، يكاد أكثرها يكون غير منقوط .(54) في المطبوعة : " فلما أن كان الليل " ، غير ما في المخطوطة، وكان فيها " فلما أن حبط " وصواب قراءتها إن شاء الله ما أثبت. و " حط الليل " ، نزل وأطبق.(55) في المخطوطة : " فقال : فلان وفلان وفلان ، فقال لا . فقال جبريل عليه السلام : نحن أعلم بهم منك ... " ، أخشى أن يكون سقط من الكلام شيء ، والذي في المطبوعة اجتهاد من الناشر ، تركه على حاله .(56) في المطبوعة والمخطوطة : " هو ناموس ليل " ، والسياق يقتضي ما أثبت .و " الناموس " دويبة أغبر ، كهنة الذرة ، تلكع الناس وتلسعهم . وقولهم : " هم ناموس ليل " ، يعني حقارتهم وقلة شأنهم .(57) " المذقة " ، الطائفة من اللبن الممزوج بالماء .(58) لم يذكر ما فعل جبريل عليه السلام بالخامس ، وإن كان ذكر ما آل إليه أمره ، فأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء .(59) في المطبوعة " مر " حذف الفاء ، وهو صواب ، فأثبتها من المخطوطة . و " المشقص " ، نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض .(60) " الأكحل " ، عرق الحياة ، ويقال له : " نهر البدن " ، وهو عرق في اليد ووسط الذراع ، وفي كل عضو منه شعبة ، لها اسم على حدة ، إذا قطع لم يرقأ الدم .(61) في المطبوعة : " النقدة " ، في الموضعين . وأما المخطوطة ، فالأولى ، يوشك أن يكتبها " النقبة " إلا أنه يزيد في رأس الباء ، ثم كتب بعد " النقدة " ولم أجد في القروح ما يقال له : " نقدة " .و " النقبة " ( بضم فسكون ) أول بدء الجرب ، ترى الرقعة مثل الكف بجنب البعير أو وركه أو بمشفرة ، ثم تتمشى فيه تشريه كله ، أي تملؤه كله . فلعل هذه هي المرادة هنا .(62) الأثر : 15975 - سيرة ابن هشام 1 : 325 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15955 .وكان في المطبوعة والمخطوطة : " فمكرت لهم " ، وأثبت ما في سيرة ابن هشام ، وهي أجود .(63) الأثر : 15976 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم : 15964 . كأنه يعني أن هذه الآية ، معنى بها أمر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة . والقطع بأن هذه الآية أو اللواتي تليها آيات نزلت بمكة ، أمر صعب ، لا يكاد المرء يطمئن إلى صوابه ، والاعتراض على ذلك له وجوه كثيرة لا محل لذكرها هنا .(64) انظر تفسير " المكر " فيما سلف 12 : 95 ، 97 ، 579 13 : 33 ، 491 .
﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ﴾