﴿ وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
تفسير الآيات من 34 حتى 36 :أي: فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن، وهما يتحاوران، أي: يتراجعان بينهما في بعض الماجريات المعتادة، مفتخرا عليه: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا فخر بكثرة ماله، وعزة أنصاره من عبيد، وخدم، وأقارب، وهذا جهل منه، وإلا فأي: افتخار بأمر خارجي ليس فيه فضيلة نفسية، ولا صفة معنوية، وإنما هو بمنزله فخر الصبي بالأماني، التي لا حقائق تحتها، ثم لم يكفه هذا الافتخار على صاحبه، حتى حكم، بجهله وظلمه، وظن لما دخل جنته، ف قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ أي: تنقطع وتضمحل هَذِهِ أَبَدًا فاطمأن إلى هذه الدنيا، ورضى بها، وأنكر البعث، فقال: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي على ضرب المثل لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا أي ليعطيني خيرا من هاتين الجنتين، وهذا لا يخلو من أمرين: إما أن يكون عالما بحقيقة الحال، فيكون كلامه هذا على وجه التهكم والاستهزاء فيكون زيادة كفر إلى كفره، وإما أن يكون هذا ظنه في الحقيقة، فيكون من أجهل الناس، وأبخسهم حظا من العقل، فأي: تلازم بين عطاء الدنيا وعطاء الآخرة، حتى يظن بجهله أن من أعطي في الدنيا أعطي في الآخرة، بل الغالب، أن الله تعالى يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه، ويوسعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة نصيب، والظاهر أنه يعلم حقيقة الحال، ولكنه قال هذا الكلام، على وجه التهكم والاستهزاء، بدليل قوله: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ فإثبات أن وصفه الظلم، في حال دخوله، الذي جرى منه، من القول ما جرى، يدل على تمرده وعناده.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- أن صاحب هاتين الجنتين كانت له أموال أخرى غيرهما فقال:وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ.قال الآلوسى ما ملخصه: وَكانَ لَهُ أى: للأحد المذكور وهو صاحب الجنتين «ثمر» أى أنواع أخرى من المال.. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي.. «ثمر» بضم الثاء والميم، وهو جمع ثمار- بكسر الثاء-.. أى: أموال كثيرة من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك، وبذلك فسره ابن عباس وقتادة وغيرهما..».وقوله- سبحانه-: فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً حكاية لما تفوه به هذا الكافر من ألفاظ تدل على غروره وبطره.والمحاورة: المراجعة للكلام من جانبين أو أكثر. يقال: تحاور القوم، إذا تراجعوا الكلام فيما بينهم. ويقال: كلمته فما أحار إلى جوابا، أى: مارد جوابا.والنفر: من ينفر- بضم الفاء- مع الرجل من قومه وعشيرته لقتال عدوه.أى: فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن الشاكر: أنا أكثر منك مالا وأعز منك عشيرة وحشما وأعوانا.وهذا شأن المطموسين المغرورين، تزيدهم شهوات الدنيا وزينتها.. بطرا وفسادا في الأرض.وما أصدق قول قتادة- رضى الله عنه-: «تلك- والله- أمنية الفاجر: كثرة المال وعزة النفر» ،
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وكان له ) لصاحب البستان ( ثمر ) قرأ عاصم وأبو جعفر ويعقوب ( ثمر ) بفتح الثاء والميم وكذلك : " بثمره " وقرأ أبو عمرو : بضم الثاء ساكنة الميم وقرأ الآخرون بضمهما .فمن قرأ بالفتح هو جمع ثمرة وهو ما تخرجه الشجرة من الثمار المأكولة .ومن قرأ بالضم فهي الأموال الكثيرة المثمرة من كل صنف جمع ثمار . وقال مجاهد : ذهب وفضة وقيل : جميع الثمرات .قال الأزهري : " الثمرة " تجمع على " ثمر " ويجمع " الثمر " على " ثمار " ثم تجمع " الثمار " على " ثمر " .( فقال ) يعني صاحب البستان ( لصاحبه ) المؤمن ( وهو يحاوره ) يخاطبه ويجاوبه : ( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) أي : عشيرة ورهطا . وقال قتادة : خدما وحشما . وقال مقاتل : ولدا تصديقه قوله تعالى : " إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا " ( الكهف - 39 ) .