﴿ وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم حذرهم عقوباته للأمم الذين كذبوا ما جاءتهم به رسلهم، لئلا يشابهوهم فقال: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا أي: عذابنا الشديد بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ أي: في حين غفلتهم، وعلى غرتهم غافلون، لم يخطر الهلاك على قلوبهم. فحين جاءهم العذاب لم يدفعوه عن أنفسهم، ولا أغنت عنهم آلهتهم التي كانوا يرجونهم، ولا أنكروا ما كانوا يفعلونه من الظلم والمعاصي.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم ساق لهم بعد ذلك على سبيل الإنذار والتخويف جانبا من العذاب الذي نزل بمن سبقوهم بسبب ظلمهم وعنادهم فقال- تعالى-:وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ.كم هنا خبرية بمعنى كثر. وهي في محل رفع على الابتداء والجملة بعدها خبرها، ومِنْ قَرْيَةٍ تمييز.والقرية تطلق على مكان اجتماع الناس. وبأسنا: أى عذابنا وعقابنا. وبياتا: أى ليلا ومنه البيت لأنه يبات فيه. يقال: بات يبيت بيتا وبياتا. وقائلون من القائلة وهي القيلولة وهي نوم نصف النهار. وقيل: هي الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن معها نوم.ودعواهم، أى: دعاؤهم واستغاثتهم بربهم أو قولهم.والمعنى: وكثيرا من القرى الظالمة أردنا إهلاكها، فنزل على بعضها عذابنا في وقت نوم أهلها بالليل كما حصل لقوم لوط، ونزل على بعضها في وقت استراحة أهلها بالنهار كما حصل لقوم شعيب، فما كان منهم عند ما باغتهم العذاب في وقت اطمئنانهم وراحتهم إلا أن اعترفوا بذنوبهم وقالوا على سبيل التحسر والندم وطمعا في الخلاص: إنا كنا ظالمين.فهاتان الآيتان الكريمتان توضحان بأجلى بيان أن هلاك الأمم سببه بغيها وفسادها وانحرافها عن الطريق المستقيم، وتلك سنة الله التي لا تختلف في أى زمان أو مكان. وأن الظالمين عند ما يفاجئون بالعقوبة يتحسرون ولا يستطيعون إنكار ما ارتكبوه من جرائم ومنكرات ولكن ذلك لن ينفعهم لأن ندمهم وتحسرهم قد فات وقته، وكان الأجدر بهم أن يتوبوا من ذنوبهم عند ما جاءتهم النذر، وقبل حلول العذاب.ولذا قال ابن كثير: قال ابن جرير: في هذه الآية الدلالة الواضحة في صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: «ما هلك قوم حتى يعذروا عن أنفسهم» .وأَوْ في قوله: فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ للتنويع، أى أن بعضهم جاءهم عذابنا ليلا وبعضهم جاءهم نهارا عند استراحتهم. وإنما خص هذان الوقتان بنزول العذاب، لأنهما وقتا غفلة ودعة واستراحة، فيكون نزول العذاب فيهما أشد وأوجع.ومن العبر التي نأخذها من هاتين الآيتين أن العاقل هو الذي يحافظ على أداء الأوامر واجتناب النواهي، ولا يأمن صفو الليالى، ورخاء الأيام، بل يعيش حياته وصلته بربه مبنية على الخوف والرجاء فإنه فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وكم من قرية أهلكناها ) بالعذاب ، ( وكم ) للتكثير و " رب " للتقليل ، ( فجاءها بأسنا ) عذابنا ، ( بياتا ) ليلا ( أو هم قائلون ) من القيلولة ، تقديره : فجاءها بأسنا ليلا وهم نائمون ، أو نهارا وهم قائلون ، أي نائمون ظهيرة . والقيلولة الاستراحة نصف النهار ، وإن لم يكن معها نوم . ومعنى الآية : أنهم جاءهم بأسنا وهم غير متوقعين له إما ليلا أو نهارا . قال الزجاج : و " أو " لتصريف العذاب مرة ليلا ومرة نهارا . وقيل : معناه من أهل القرى من أهلكناهم ليلا ومنهم من أهلكناهم نهارا .فإن قيل : ما معنى أهلكناها فجاءها بأسنا فكيف يكون مجيء البأس بعد الهلاك ؟ قيل : معنى قوله : " أهلكنا " أي : حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا . وقيل : فجاءها بأسنا هو بيان قوله " أهلكناها " مثل قول القائل : أعطيتني فأحسنت إلي ، لا فرق بينه وبين قوله : أحسنت إلي فأعطيتني ، فيكون أحدهما بدلا من الآخر .