﴿ إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
تفسير الآيات من 55 الى 57 : هؤلاء الذين جمعوا هذه الخصال الثلاث: الكفر، وعدم الإيمان، والخيانة، بحيث لا يثبتون على عهد عاهدوه ولا قول قالوه، هم شر الدواب عند الله فهم شر من الحمير والكلاب وغيرها، لأن الخير معدوم منهم، والشر متوقع فيهم ، فإذهاب هؤلاء ومحقهم هو المتعين، لئلا يسري داؤهم لغيرهم، ولهذا قال: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ أي: تجدنهم في حال المحاربة، بحيث لا يكون لهم عهد وميثاق. فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ أي: نكل بهم غيرهم، وأوقع بهم من العقوبة ما يصيرون [به] عبرة لمن بعدهم لَعَلَّهُمْ أي من خلفهم يَذْكُرُونَ صنيعهم، لئلا يصيبهم ما أصابهم،وهذه من فوائد العقوبات والحدود المرتبة على المعاصي، أنها سبب لازدجار من لم يعمل المعاصي، بل وزجرا لمن عملها أن لا يعاودها. ودل تقييد هذه العقوبة في الحرب أن الكافر ولو كان كثير الخيانة سريع الغدر أنه إذا أُعْطِيَ عهدا لا يجوز خيانته وعقوبته
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال الفخر الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما وصف كل الكفار بقوله: وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ أفرد بعضهم بمزية في الشر والعناد فقال: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ أى: في حكمه وعلمه من حصلت له صفتان:الأولى: الكافر الذي يكون مستمرا على كفره مصرا عليه ...الثانية: أن يكون ناقضا للعهد على الدوام ...قال ابن عباس: هم بنو قريظة، فإنهم نقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعانوا عليه المشركين بالسلاح في يوم بدر، ثم قالوا: أخطأنا، فعاهدهم مرة أخرى فنقضوه أيضا يوم الخندق ....والدواب: جمع دابة. وهي كل ما يدب على الأرض قال- تعالى- وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ...قال الجمل: وإطلاق الدابة على الإنسان إطلاق حقيقى، لما ذكروه في كتب اللغة من أنها تطلق على كل حيوان ولو آدميا. وفي المصباح: «الدابة كل حيوان في الأرض مميزا وغير مميز».والمعنى: إن شر، ما يدب على الأرض عِنْدَ اللَّهِ أى: في حكمه وقضائه الَّذِينَ كَفَرُوا أى: الذين أصروا على الكفر ولجوا فيه.وقد وصفهم- سبحانه- بأنهم شر الدواب لا شر الناس، للإشعار بأنهم بمعزل عما يتحلى به الناس من تعقل وتدبر للأمور، لأن لفظ الدواب وإن كان يطلق على الناس، إلا أنه عند إطلاقه عليهم يلقى ظلا خاصا يجعل العقول تتجه إلى أن هؤلاء الذين أطلق عليهم اللفظ هم إلى الدواب التي لا تعقل أقرب منهم إلى الآدميين العقلاء، وفي وصفه- سبحانه- لهم بأنهم شر الدواب زيادة توبيخ لهم، لأنهم ليسوا دواب فحسب بل هم شرها وأخسها.وقوله: فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ تذييل جيء به على وجه الاعتراض بالبيان أى: أنهم- بسبب إصرارهم على الكفر- صار الإيمان بعيدا عنهم، وأنهم سواء أنذروا أو لم ينذروا مستمرون في الضلال والعناد.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون ) قال الكلبي ومقاتل : يعني يهود بني قريظة ، منهم كعب بن الأشرف وأصحابه .