﴿ ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَلَا تَقْعُدُوا ْ للناس بِكُلِّ صِرَاطٍ ْ أي: طريق من الطرق التي يكثر سلوكها، تحذرون الناس منها و ْ تُوعَدُونَ ْ من سلكها وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ْ من أراد الاهتداء به وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ْ أي: تبغون سبيل اللّه تكون معوجة، وتميلونها اتباعا لأهوائكم، وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الاحترام والتعظيم للسبيل التي نصبها اللّه لعباده ليسلكوها إلى مرضاته ودار كرامته، ورحمهم بها أعظم رحمة، وتصدون لنصرتها والدعوة إليها والذب عنها، لا أن تكونوا أنتم قطاع طريقها، الصادين الناس عنها، فإن هذا كفر لنعمة اللّه ومحادة للّه، وجعل أقوم الطرق وأعدلها مائلة، وتشنعون على من سلكها. وَاذْكُرُوا ْ نعمة اللّه عليكم إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ْ أي: نماكم بما أنعم عليكم من الزوجات والنسل، والصحة، وأنه ما ابتلاكم بوباء أو أمراض من الأمراض المقللة لكم، ولا سلط عليكم عدوا يجتاحكم ولا فرقكم في الأرض، بل أنعم عليكم باجتماعكم، وإدرار الأرزاق وكثرة النسل. وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ْ فإنكم لا تجدون في جموعهم إلا الشتات، ولا في ربوعهم إلا الوحشة والانبتات ولم يورثوا ذكرا حسنا، بل أتبعوا في هذه الدنيا لعنة، ويوم القيامة أشد خزيا وفضيحة.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم انتقل شعيب إلى نهيهم عن رذائل أخرى كانوا متلبسين بها فقال: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ توعدون: من التوعد بمعنى التخويف والتهديد. أى: ولا تقعدوا بكل طريق من الطرق المسلوكة تهددون من آمن بي بالقتل، وتخيفونه بأنواع الأذى، وتلصقون بي وأنا نبيكم التهم التي أنا برىء منها، بأن تقولوا لمن يريد الإيمان برسالتي: إن شعيبا كذاب وإنه يريد أن يفتنكم عن دينكم.وقوله: وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَتَبْغُونَها عِوَجاً أى: وتصرفون عن دين الله وطاعته من آمن به، وتطلبون لطريقه العوج بإلقاء الشبه أو بوصفها بما ينقصها، مع أنها هي الطريق المستقيم الذي هو أبعد ما يكون عن شائبه الاعوجاج.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: صراط الحق واحد وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ فكيف قيل: بكل صراط؟ قلت: صراط الحق واحد، ولكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة، فكانوا إذا رأوا أحدا يشرع في شيء منها أوعدوه وصدوه فإن قلت: إلام يرجع الضمير في آمَنَ بِهِ؟ قلت: إلى كل صراط، والتقدير: توعدون من آمن به وتصدون عنه. فوضع الظاهر الذي هو سبيل الله موضع الضمير زيادة في تقبيح أمرهم، ودلالة على عظم ما يصدون عنه .وقوله: توعدون. وتصدون، وتبغون هذه الجمل أحوال، أى: لا تقعدوا موعدين وصادين، وباغين، ولم يذكر الموعد به لتذهب النفس فيه كل مذهب، ثم ذكرهم شعيب بنعم الله عليهم فقال: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ أى: اذكروا ذلك الزمن الذي كنتم فيه قليلي العدد فكثركم الله بأن جعلكم موفورى العدد، وكنتم في قلة من الأموال فأفاضها الله بين أيديكم، فمن الواجب عليكم أن تشكروه على هذه النعم، وأن تفردوه بالعبادة والطاعة ثم اتبع هذا التذكير بالنعم بالتخويف من عواقب الإفساد فقال: وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ أى: انظروا نظر تأمل واعتبار كيف كانت عاقبة المفسدين من الأمم الخالية، والقرون الماضية، كقوم لوط وقوم صالح، فسترون أنهم قد دمروا تدميرا بسبب إفسادهم في الأرض، وتكذيبهم لرسلهم فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ لأن سيركم على طريقهم سيؤدي بكم إلى الدمار.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ولا تقعدوا بكل صراط ) أي : على كل طريق ، ( توعدون ) تهددون ، ( وتصدون عن سبيل الله ) دين الله ، ( من آمن به وتبغونها عوجا ) زيغا ، وقيل : تطلبون الاعوجاج في الدين والعدول عن القصد ، وذلك أنهم كانوا يجلسون على الطريق فيقولون لمن يريد الإيمان بشعيب ، إن شعيبا كذاب فلا يفتننك عن دينك ويتوعدون المؤمنين بالقتل ويخوفونهم ، وقال السدي : كانوا عشارين . ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم ) فكثر عددهم ، ( وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) أي : آخر أمر قوم لوط .