﴿ الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
قال تعالى ناعيا حالهم الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ْ أي: كأنهم ما أقاموا في ديارهم، وكأنهم ما تمتعوا في عرصاتها، ولا تفيئوا في ظلالها، ولا غنوا في مسارح أنهارها، ولا أكلوا من ثمار أشجارها، حين فاجأهم العذاب، فنقلهم من مورد اللهو واللعب واللذات، إلى مستقر الحزن والشقاء والعقاب والدركات ولهذا قال: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ْ أي: الخسار محصور فيهم، لأنهم خسروا دينهم وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين، لا من قالوا لهم: لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ْ
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم يعقب القرآن على مصرعهم بالرد على قولتهم: إن من يتبع شعيبا خاسر، فيقرر على سبيل التهكم أن الخسران لم يكن من نصيب من اتبع شعيبا، وإنما الخسران كان من نصيب الذين خالفوه وكذبوه، فيقول: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا، الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ.أى: الذين كذبوا شعيبا وتطاولوا عليه وهددوه وأتباعه بالإخراج من قريتهم، كأنهم عند ما حاقت بهم العقوبة لم يقيموا في ديارهم ناعمى البال، يظلهم العيش الرغيد، والغنى الظاهر.يقال: غنى بالمكان يغنى، أقام به وعاش فيه في نعمة ورغد.والجملة الكريمة استئناف لبيان ابتلائهم بشؤم قولهم: لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا فكأن سائلا، قال: فكيف كان مصيرهم؟ فكان الجواب: الذين هددوا شعيبا ومن معه وأنذروهم بالإخراج كانت عاقبتهم أن هلكوا وحرموا من قريتهم حتى لكأنهم لم يقيموا بها، ولم يعيشوا فيها مطلقا، لأنه متى انقضى الشيء صار كأنه لم يكن.والاسم الموصول الَّذِينَ مبتدأ، وخبره جملة كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا.ثم أعاد القرآن الموصول وصلته لزيادة التقرير، وللإيذان بأن ما ذكر في حيز الصلة هو الذي استوجب العقوبتين فقال: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ.أى: الذين كذبوا شعيبا وكفروا بدعوته كانوا هم الخاسرين دينيا ودنيويا، وليس الذين اتبعوه كما زعم أولئك المهلكون.وبهذا القدر اكتفى القرآن عن التصريح بإنجائه هنا، وقد صرح بإنجائه في سورة هود فقال: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ.قال صاحب الكشاف: وفي هذا الاستئناف والابتداء، وهذا التكرير، مبالغة في رد مقالة الملأ لأشياعهم، وتسفيه لرأيهم، واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم» .
﴿ تفسير البغوي ﴾
وقوله تعالى : ( الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها ) أي : لم يقيموا ولم ينزلوا فيها ، من قولهم : غنيت بالمكان إذا قمت به ، والمغاني المنازل واحدها مغنى ، وقيل : كأن لم يتنعموا فيها . ( الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) لا المؤمنين كما زعموا .