﴿ ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من الكفر والمعاصي, لأنهم يعلمون أنه طريق لهم إلى المجازاة بأعمالهم الخبيثة، فالموت أكره شيء إليهم, وهم أحرص على الحياة من كل أحد من الناس, حتى من المشركين الذين لا يؤمنون بأحد من الرسل والكتب. ثم ذكر شدة محبتهم للدنيا فقال: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وهذا أبلغ ما يكون من الحرص, تمنوا حالة هي من المحالات، والحال أنهم لو عمروا العمر المذكور, لم يغن عنهم شيئا ولا دفع عنهم من العذاب شيئا. وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ تهديد لهم على المجازاة بأعمالهم.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أخبر- سبحانه- بأن هؤلاء اليهود لن يتمنوا الموت أبدا بسبب ما فعلوا من شرور فقال تعالى: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.أى: لا يتمنى اليهود الموت أبدا بسبب ما قدمت أيديهم من آثام، والله- عز وجل- لا تخفى عليه خافية من سيئاتهم واعتداءاتهم بل هو سيسجلها عليهم، ويجازيهم عليها الجزاء الذي يستحقونه، والآية الكريمة خبر من الله- تعالى- عن اليهود بأنهم يكرهون الموت، ويمتنعون عن الإجابة إلى ما دعوا إليه من تمنيه، لعلمهم بأنهم إن فعلوا فالموت نازل بهم، وذلك لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يخبرهم خبرا إلا كان حقا كما أخبر فهم يحذرون أن يتمنوا الموت، خوفا من أن يحل بهم عقاب الله بما كسبت أيديهم من الذنوب.وقد صح من عدة طرق عن ابن عباس أنه قال: «لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه» .وقال ابن جرير في تفسيره: «وبلغنا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا» قال حدثنا بذلك أبو كريب، حدثنا زكريا بن عدى، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم عن ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .وقال الإمام ابن كثير: ورواه الإمام أحمد عن إسماعيل بن يزيد الرقى حدثنا فرات عن عبد الكريم به».وقال صاحب الكشاف: قوله: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً من المعجزات لأنه إخبار بالغيب وكان كما أخبر به، كقوله تعالى: وَلَنْ تَفْعَلُوا فإن قلت: ما أدراك أنهم لم يتمنوا الموت: قلت لو تمنوا لنقل ذلك عنهم كما نقلت سائر الحوادث، ولكان ناقلوه من أهل الكتاب وغيرهم من أولى المطاعن في الإسلام أكثر من الذر وليس أحد منهم نقل عنه ذلك».ويكفى في تحقيق هذه المعجزة، ألا يصدر تمنى الموت عن اليهود الذين تحداهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك، وهم الذين كانوا يضعون العراقيل في طريق دعوته، ويصرون على جحود نبوته فلا يقدح في هذه المعجزة أن ينطق يهودي بعد العهد النبوي بتمني الموت وهو حريص على الحياة، لأن المعنيين بالتحدي هم اليهود المعاصرون للعهد النبوي.وقوله تعالى: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وارد مورد التهديد والوعيد لهم وكان اليهود ظالمين بسبب ما قدمت أيديهم وبسبب كونهم قد كذبوا على الله في دعواهم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان منهم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قال الله تعالى: ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم لعلمهم أنهم في دعواهم كاذبون.وأراد (بما قدمت أيديهم) أي ما قدموه من الأعمال وأضافها إلى اليد [دون سائر الأعضاء] لأن أكثر جنايات الإنسان تكون باليد فأضيف إلى اليد أعماله وإن لم يكن لليد فيها عمل.والله عليم بالظالمين.