﴿ واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ أي: يوم القيامة الذي وعد الله بإتيانه، ووعده حق وصدق، ففي ذلك اليوم ترى أبصار الكفار شاخصة، من شدة الأفزاع والأهوال المزعجة، والقلاقل المفظعة، وما كانوا يعرفون من جناياتهم وذنوبهم، وأنهم يدعون بالويل والثبور، والندم والحسرة، على ما فات ويقولون ل : قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا اليوم العظيم، فلم نزل فيها مستغرقين، وفي لهو الدنيا متمتعين، حتى أتانا اليقين، ووردنا القيامة، فلو كان يموت أحد من الندم والحسرة، لماتوا. بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ اعترفوا بظلمهم، وعدل الله فيهم، فحينئذ يؤمر بهم إلى النار، هم وما كانوا يعبدون .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ.. معطوف على فُتِحَتْ أى: فتح السد الذي كان على يأجوج ومأجوج، وقرب موعد الحساب والجزاء.قال الآلوسى: وهو ما بعد النفخة الثانية لا النفخة الأولى. وهذا الفتح لسد يأجوج ومأجوج يكون في زمن نزول عيسى من السماء، وبعد قتله الدجال.فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث طويل: إن الله- تعالى- يوحى إلى عيسى بعد أن يقتل الدجال: أنى قد أخرجت عبادا من عبادي، لا يدان لك بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، فيبعث الله- تعالى- يأجوج ومأجوج وهم كما قال- سبحانه- مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ثم يرسل الله عليهم نغفا- في رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة» .وقوله: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا.. جواب للشرط وهو قوله: تعالى- قبل ذلك إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ.والضمير «هي» للقصة والشأن. و «إذا» للمفاجأة.قال الجمل: قوله: فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا.. فيه وجهان:أحدهما- وهو الأجود- أن يكون هي ضمير القصة. وشاخصة: خبر مقدم. وأبصار:مبتدأ مؤخر، والجملة خبر لهى لأنها لا تفسر إلا بجملة مصرح بجزأيها..» .والمعنى: لقد تحقق ما أخبرنا به من أمارات الساعة، ومن خروج يأجوج ومأجوج، ومن عودة الخلق إلينا للحساب.. ورأى المشركون كل ذلك، فإذا بأبصارهم مرتفعة الأجفان لا تكاد تطرف من شدة الهول والفزع.يقال: شخص بصر فلان يشخص شخوصا فهو شاخص، إذا فتح عينيه وصار لا يستطيع تحريكهما.وقوله: يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا مقول لقول محذوف.أى: أن هؤلاء الكافرين يقولون وهم شاخصو البصر: يا هلاكنا أقبل فهذا أوانك، فإننا قد كنا في الدنيا في غفلة تامة عن هذا اليوم الذي أحضرنا فيه للحساب.وقوله: بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ إضراب عن وصف أنفسهم بالغفلة، إلى وصفها بالظلم وتجاوز الحدود.أى: لم نكن في الحقيقة في غفلة عن هذا اليوم وأهواله، فقد أخبرنا رسلنا به، بل الحقيقة أننا كنا ظالمين لهؤلاء الرسل لأننا لم نطعهم، وكنا ظالمين لأنفسنا حيث عرضناها لهذا العذاب الأليم.وهكذا يظهر الكافرون الندامة والحسرة في يوم لا ينفعهم فيه ذلك.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل ( واقترب الوعد الحق ) يعني القيامة قال الفراء وجماعة الواو في قوله واقترب [ مقحمة فمعناه حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب ] الوعد الحق كما قال الله تعالى ( فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ) ( الصافات 103 ) أي ناديناه والدليل عليه ما روي عن حذيفة قال لو أن رجلا اقتنى فلوا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة وقال قوم لا يجوز طرح الواو وجعلوا جواب حتى إذا فتحت في قوله يا ويلنا فيكون مجاز الآية حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد الحق قالوا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا قوله ( فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ) وفي قوله " هي " ثلاثة أوجهأحدها أنها كناية عن الأبصار ثم أظهر الأبصار بيانا معناه فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفرواوالثاني أن " هي " تكون عمادا كقوله ( فإنها لا تعمى الأبصار ) ( الحج : 46 ) .والثالث أن يكون تمام الكلام عند قوله : " هي " على معنى فإذا هي بارزة يعني من قربها كأنها حاضرة ثم ابتدأ : ( شاخصة أبصار الذين كفروا ) على تقديم الخبر على الابتداء مجازها أبصار الذين كفروا شاخصة قال الكلبي : شخصت أبصار الكفار فلا تكاد تطرف من شدة ذلك اليوم وهوله يقولون ، ( يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا ) اليوم ( بل كنا ظالمين ) بوضعنا العبادة في غير موضعها