﴿ قل ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
تفسير الآيات من 98 الى 101 : يوبخ تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى على كفرهم بآيات الله التي أنزلها الله على رسله، التي جعلها رحمة لعباده يهتدون بها إليه، ويستدلون بها على جميع المطالب المهمة والعلوم النافعة، فهؤلاء الكفرة جمعوا بين الكفر بها وصد من آمن بالله عنها وتحريفها وتعويجها عما جعلت له، وهم شاهدون بذلك عالمون بأن ما فعلوه أعظم الكفر الموجب لأعظم العقوبة الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون فلهذا توعدهم هنا بقوله: وما الله بغافل عما تعملون بل محيط بأعمالكم ونياتكم ومكركم السيء، فمجازيكم عليه أشر الجزاء لما توعدهم ووبخهم عطف برحمته وجوده وإحسانه وحذر عباده المؤمنين منهم لئلا يمكروا بهم من حيث لا يشعرون، فقال: يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وذلك لحسدهم وبغيهم عليكم، وشدة حرصهم على ردكم عن دينكم، كما قال تعالى: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ثم ذكر تعالى السبب الأعظم والموجب الأكبر لثبات المؤمنين على إيمانهم، وعدم تزلزلهم عن إيقانهم، وأن ذلك من أبعد الأشياء، فقال: وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله أي: الرسول بين أظهركم يتلو عليكم آيات ربكم كل وقت، وهي الآيات البينات التي توجب القطع بموجبها والجزم بمقتضاها وعدم الشك فيما دلت عليه بوجه من الوجوه، خصوصا والمبين لها أفضل الخلق وأعلمهم وأفصحهم وأنصحهم وأرأفهم بالمؤمنين، الحريص على هداية الخلق وإرشادهم بكل طريق يقدر عليه، فصلوات الله وسلامه عليه، فلقد نصح وبلغ البلاغ المبين، فلم يبق في نفوس القائلين مقالا ولم يترك لجائل في طلب الخير مجالا، ثم أخبر أن من اعتصم به فتوكل عليه وامتنع بقوته ورحمته عن كل شر، واستعان به على كل خير فقد هدي إلى صراط مستقيم موصل له إلى غاية المرغوب، لأنه جمع بين اتباع الرسول في أقواله وأفعاله وأحواله وبين الاعتصام بالله.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
أخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم قال: مرشاس بن قيس- وكان شيخا قد عسا في الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم- مر على نفر من الصحابة من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية.فقال: قد اجتمع ملأ بنى قيلة بهذه البلاد، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار.فأمر شابا من اليهود كان معه فقال له: اعمد إليهم فاجلس معهم، وذكرهم يوم بعاث، وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقالوا فيه من الأشعار- وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج- ففعل. فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب: أوس بن قيظى من الأوس، وجبار بن صخر من الخزرج. فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جذعة ، وغضب الفريقان وقالوا: قد فعلنا، السلاح موعدكم الظاهرة- والظاهرة: الحرة- فخرجوا إليها وتحاور الناس. فانضمت الأوس بعضها إلى بعض والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية. فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم. فقال يا معشر المسلمين: الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس، وما صنع.فأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ الآية وأنزل في أوس بن قيظى وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.. إلى قوله وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ - فما كان يوم أقبح أولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم-.وقوله- تعالى-: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ أمر من الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بأن يوبخ هؤلاء اليهود ومن لف لفهم على مسالكهم الخبيثة لكيد الدعوة الإسلامية، وإيذاء أتباعها ومحاولتهم صرف الناس عنها.أى: قل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين كفروا بالحق بعد أن جاءتهم البينات: لم تعاندون الحق وتكفرون بآيات الله السمعية والعقلية الدالة على صدقى فيما أبلغه عن ربي، والحال أن الله مطلع عليكم وعالم علم المعاين المشاهد لأعمالكم الظاهرة والخفية، وسيجازيكم عليها بما تستحقونه من عقاب أليم.فالآية الكريمة قد تضمنت تأنيبهم على الكفر، وتهديدهم بالعقاب إذا استمروا في مسالكهم الأثيمة.ولكي يكون التأنيب أوجع، أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يناديهم بقوله: يا أَهْلَ الْكِتابِ، لأن علمهم بالكتاب يستلزم منهم الإيمان، والإذعان للحق، ولكنهم اتخذوا علمهم وسيلة للشرور والتضليل فكان مسلكهم هذا دليلا على فساد فطرتهم، وخبث طويتهم، وسوء طباعهم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى :" قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون ".