لا يخيفهم الهول العظيم يوم القيامة، بل تبشرهم الملائكة: هذا يومكم الذي وُعِدتُم فيه الكرامة من الله وجزيل الثواب. يوم نطوي السماء كما تُطْوى الصحيفة على ما كُتب فيها، ونبعث فيه الخلق على هيئة خَلْقنا لهم أول مرة كما ولدتهم أمهاتهم، ذلك وعد الله الذي لا يتخلَّف، وَعَدْنا بذلك وعدًا حقًا علينا، إنا كنا فاعلين دائمًا ما نَعِدُ به.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«لا يحزنهم الفزع الأكبر» وهو أن يؤمر بالعبد إلى النار «وتتلقاهم» تستقبلهم «الملائكة» عند خروجهم من القبور يقولون لهم «هذا يومكم الذي كنتم توعدون» في الدنيا.
﴿ تفسير السعدي ﴾
لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ أي: لا يقلقهم إذا فزع الناس أكبر فزع، وذلك يوم القيامة، حين تقرب النار، تتغيظ على الكافرين والعاصين فيفزع الناس لذلك الأمر وهؤلاء لا يحزنهم، لعلمهم بما يقدمون عليه وأن الله قد أمنهم مما يخافون. وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ إذا بعثوا من قبورهم، وأتوا على النجائب وفدا، لنشورهم، مهنئين لهم قائلين: هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ فليهنكم ما وعدكم الله، وليعظم استبشاركم، بما أمامكم من الكرامة، وليكثر فرحكم وسروركم، بما أمنكم الله من المخاوف والمكاره.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( لا يحزنهم الفزع الأكبر ) قال ابن عباس : الفزع الأكبر النفخة الأخيرة بدليل قوله عز وجل ( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض ) ( النمل 87 ) ، قال الحسن : حين يؤمر بالعبد إلى النار قال ابن جريج : حين يذبح الموت وينادى يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت وقال سعيد بن جبير والضحاك : هو أن تطبق عليهم جهنم وذلك بعد أن يخرج الله منها من يريد أن يخرجه . ( وتتلقاهم الملائكة ) أي تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون : ( هذا يومكم الذي كنتم توعدون )
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- تعالى-: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ... بيان لنجاتهم من كل ما يفزعهم ويدخل القلق على نفوسهم.أى: إن هؤلاء الذين سبقت لهم منا الحسنى، لا يحزنهم ما يحزن غيرهم من أهوال يشاهدونها ويحسونها في هذا اليوم العصيب، وهم يوم القيامة وما يشتمل عليه من مواقف متعددة. فالمراد بالفزع الأكبر: الخوف الأكبر الذي يعترى الناس في هذا اليوم.وفضلا عن ذلك فإن الملائكة تستقبلهم بفرح واستبشار، فتقول لهم على سبيل التهنئة:هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ به في الدنيا من خالقكم- عز وجل- في مقابل إيمانكم وعملكم الصالح.قالوا: وهذا الاستقبال من الملائكة للمؤمنين، يكون على أبواب الجنة، أو عند الخروج من القبور.ثم ختم- سبحانه- سورة الأنبياء ببيان جانب من أحوال هذا الكون يوم القيامة، وببيان سننه في خلقه، وببيان نعمه على عباده، وببيان ما أمر به نبيه صلّى الله عليه وسلّم، فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( لا يحزنهم الفزع الأكبر ) قيل المراد بذلك الموت . رواه عبد الرزاق ، عن يحيى بن ربيعة عن عطاء .وقيل : المراد بالفزع الأكبر : النفخة في الصور . قاله العوفي عن ابن عباس ، وأبو سنان سعيد بن سنان الشيباني ، واختاره ابن جرير في تفسيره .وقيل : حين يؤمر بالعبد إلى النار . قاله الحسن البصري .وقيل : حين تطبق النار على أهلها . قاله سعيد بن جبير ، وابن جريج .وقيل : حين يذبح الموت بين الجنة والنار . قاله أبو بكر الهذلي ، فيما رواه ابن أبي حاتم ، عنه .وقوله : ( وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) ، يعني : تقول لهم الملائكة ، تبشرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم : ( هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) أي : قابلوا ما يسركم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : لا يحزنهم الفزع الأكبر وقرأ أبو جعفر وابن محيصن ( لا يحزنهم ) بضم الياء وكسر الزاي . الباقون بفتح الياء وضم الزاي . قال اليزيدي : حزنه لغة قريش ، وأحزنه لغة تميم ، وقد قرئ بهما . والفزع الأكبر أهوال يوم القيامة والبعث ؛ عن ابن عباس . وقال الحسن : هو وقت يؤمر بالعباد إلى النار . وقال ابن جريج وسعيد بن جبير والضحاك : هو إذا أطبقت النار على أهلها ، وذبح الموت بين الجنة والنار وقال ذو النون المصري : هو القطيعة والفراق . وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ثلاثة يوم القيامة في كثيب من المسك الأذفر ولا يحزنهم الفزع الأكبر ، رجل أم قوما محتسبا وهم له راضون ، ورجل أذن لقوم محتسبا ، ورجل ابتلي برق في الدنيا فلم يشغله عن طاعة ربه . وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : مررت برجل يضرب غلاما له ، فأشار إلي الغلام ، فكلمت مولاه حتى عفا عنه ؛ فلقيت أبا سعيد الخدري فأخبرته ، فقال : يا ابن أخي ! من أغاث مكروبا أعتقه الله من النار يوم الفزع الأكبر سمعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتتلقاهم الملائكة أي تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا يومكم الذي كنتم توعدون وقيل : تستقبلهم ملائكة الرحمة عند خروجهم من القبور عن ابن عباس هذا يومكم أي ويقولون لهم ؛ فحذف . الذي كنتم توعدون فيه الكرامة .
﴿ تفسير الطبري ﴾
اختلف أهل التأويل في الفزع الأكبر أي الفزع هو؟ فقال بعضهم: ذلك النار إذا أطبقت على أهلها.ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا يحيى بن يمان ، قال : ثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ ) قال: النار إذا أطبقت على أهلها.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، قال: قال ابن جريج ، قوله ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ ) قال: حين يطبق جهنم ، وقال: حين ذبح الموت.وقال آخرون: بل ذلك النفخة الآخرة.ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ ) يعني النفخة الآخرة.وقال آخرون: بل ذلك حين يؤمر بالعبد إلى النار.ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن رجل ، عن الحسن ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ ) قال: انصراف العبد حين يُؤْمر به إلى النار.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال: ذلك عند النفخة الآخرة ، وذلك أن من لم يحزنه ذلك الفزع الأكبر وآمن منه ، فهو مما بعدَه أحرى أن لا يفزَع ، وأن من أفزعه ذلك فغير مأمون عليه الفزع مما بعده.وقوله ( وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ) يقول: وتستقبلهم الملائكة يهنئونهم يقولون ( هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) فيه الكرامة من الله والحِباء والجزيل من الثواب على ما كنتم تنصَبون في الدنيا لله في طاعته.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن زيد.حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) قال: هذا قبل أن يدخلوا الجنة.
﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾