القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 108 سورة المائدة - ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها

سورة المائدة الآية رقم 108 : سبع تفاسير معتمدة

سورة ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها - عدد الآيات 120 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 108 من سورة المائدة عدة تفاسير - سورة المائدة : عدد الآيات 120 - - الصفحة 125 - الجزء 7.

سورة المائدة الآية رقم 108


﴿ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِٱلشَّهَٰدَةِ عَلَىٰ وَجۡهِهَآ أَوۡ يَخَافُوٓاْ أَن تُرَدَّ أَيۡمَٰنُۢ بَعۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡمَعُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ ﴾
[ المائدة: 108]

﴿ التفسير الميسر ﴾

ذلك الحكم عند الارتياب في الشاهدين من الحلف بعد الصلاة وعدم قبول شهادتهما، أقرب إلى أن يأتوا بالشهادة على حقيقتها خوفًا من عذاب الآخرة، أو خشية من أن ترد اليمين الكاذبة من قِبَل أصحاب الحق بعد حلفهم، فيفتضح الكاذب الذي ردت يمينه في الدنيا وقت ظهور خيانته. وخافوا الله -أيها الناس- وراقبوه أن تحلفوا كذبًا، وأن تقتطعوا بأيمانكم مالا حرامًا، واسمعوا ما توعظون به. والله لا يهدي القوم الفاسقين الخارجين عن طاعته.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«ذلك» الحكم المذكور من رد اليمين على الورثة «أدنى» أقرب إلى «أن يأتوا» أي الشهود أو الأوصياء «بالشهادة على وجهها» الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة «أو» أقرب إلى أن «يخافوا أن تُرد أيمان بعد أيْمانهم» على الورثة المدعين فيحلفون على خيانتهم وكذبهم فيفتضحون ويغرمون فلا يكذبوا «واتقوا الله» بترك الخيانة والكذب «واسمعوا» ما تؤمرون به سماع قبول «والله لا يهدي القوم الفاسقين» الخارجين عن طاعته إلى سبيل الخير.

﴿ تفسير السعدي ﴾

قال الله تعالى في بيان حكمة تلك الشهادة وتأكيدها، وردها على أولياء الميت حين تظهر من الشاهدين الخيانة: ذَلِكَ أَدْنَى أي: أقرب أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا حين تؤكد عليهما تلك التأكيدات.
أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ أي: أن لا تقبل أيمانهم، ثم ترد على أولياء الميت.
وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ أي: الذين وصْفُهم الفسق، فلا يريدون الهدى والقصد إلى الصراط المستقيم.
وحاصل هذا، أن الميت - إذا حضره الموت في سفر ونحوه، مما هو مظنة قلة الشهود المعتبرين- أنه ينبغي أن يوصي شاهدين مسلمين عدلين.
فإن لم يجد إلا شاهدين كافرين، جاز أن يوصي إليهما، ولكن لأجل كفرهما فإن الأولياء إذا ارتابوا بهما فإنهم يحلفونهما بعد الصلاة، أنهما ما خانا، ولا كذبا، ولا غيرا، ولا بدلا، فيبرآن بذلك من حق يتوجه إليهما.
فإن لم يصدقوهما ووجدوا قرينة تدل على كذب الشاهدين، فإن شاء أولياء الميت، فليقم منهم اثنان، فيقسمان بالله: لشهادتهما أحق من شهادة الشاهدين الأولين، وأنهما خانا وكذبا، فيستحقون منهما ما يدعون.
وهذه الآيات الكريمة نزلت في قصة "تميم الداري" و "عدي بن بداء" المشهورة حين أوصى لهما العدوي، والله أعلم.
ويستدل بالآيات الكريمات على عدة أحكام: منها: أن الوصية مشروعة، وأنه ينبغي لمن حضره الموت أن يوصي.
ومنها: أنها معتبرة، ولو كان الإنسان وصل إلى مقدمات الموت وعلاماته، ما دام عقله ثابتا.
ومنها: أن شهادة الوصية لابد فيها من اثنين عدلين.
ومنها: أن شهادة الكافرين في هذه الوصية ونحوها مقبولة لوجود الضرورة، وهذا مذهب الإمام أحمد.
وزعم كثير من أهل العلم: أن هذا الحكم منسوخ، وهذه دعوى لا دليل عليها.
ومنها: أنه ربما استفيد من تلميح الحكم ومعناه، أن شهادة الكفار -عند عدم غيرهم، حتى في غير هذه المسألة- مقبولة، كما ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.
ومنها: جواز سفر المسلم مع الكافر إذا لم يكن محذور.
ومنها: جواز السفر للتجارة.
ومنها: أن الشاهدين -إذا ارتيب منهما، ولم تبد قرينة تدل على خيانتهما، وأراد الأولياء- أن يؤكدوا عليهم اليمين، ويحبسوهما من بعد الصلاة، فيقسمان بصفة ما ذكر الله تعالى.
ومنها: أنه إذا لم تحصل تهمة ولا ريب لم يكن حاجة إلى حبسهما، وتأكيد اليمين عليهما.
ومنها: تعظيم أمر الشهادة حيث أضافها تعالى إلى نفسه، وأنه يجب الاعتناء بها والقيام بها بالقسط.
ومنها: أنه يجوز امتحان الشاهدين عند الريبة منهما، وتفريقهما لينظر عن شهادتهما.
ومنها: أنه إذا وجدت القرائن الدالة على كذب الوصيين في هذه المسألة - قام اثنان من أولياء الميت فأقسما بالله: أن أيماننا أصدق من أيمانهما، ولقد خانا وكذبا.
ثم يدفع إليهما ما ادعياه، فتكون القرينة -مع أيمانهما- قائمة مقام البينة.


﴿ تفسير البغوي ﴾

( ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ) أي : ذلك الذي حكمنا به من رد اليمين أجدر وأحرى أن يأتي الوصيان بالشهادة على وجهها ، وسائر الناس أمثالهم ، أي أقرب إلى الإتيان بالشهادة على ما كانت ، ( أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ) أي : أقرب إلى أن يخافوا رد اليمين بعد يمينهم على [ المدعي ] فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم فيفتضحوا ويغرموا فلا يحلفون كاذبين إذا خافوا هذا الحكم ، ( واتقوا الله ) أن تحلفوا أيمانا كاذبة أو تخونوا أمانة ، ) ( واسمعوا ) الموعظة ، ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم بين - سبحانه - وجه الحكمة والمصلحة فيما شرعه مما تقدم تفصيله فقال ( ذلك أدنى أَن يَأْتُواْ بالشهادة على وَجْهِهَآ أَوْ يخافوا أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ) .
فاسم الإِشارة ( ذلك ) يعود إلى ما شرعه الله من أحكام تتعلق بالوصية التي تكون في السفر ويموت صاحبها .
أي : ذلك الحكم المذكور ( أدنى أَن يَأْتُواْ بالشهادة على وَجْهِهَآ ) أي : أقرب إلى أن يؤدي الأوصياء الشهادة في هذه الحادثة وأمثالها على وجهها الصحيح .
أي : على حقيقتها من غير تغيير لها خوفا من عذاب الآخرة .
فالوجه في قوله ( على وَجْهِهَآ ) بمعنى الذات والحقيقة .
والجملة الكريمة بيان لحكمة مشروعية التحليف بالتغليظ المتقدم ، وقوله : ( أَوْ يخافوا أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ) بيان لحكمة رد اليمين على الورثة .
وهو معطوف على مقدر ينبئ عنه المقام فكأنه قيل : ذلك الذي شرعناه لكم أقرب إلى أن يأتي الأوصياء بالشهادة على وجهها الصحيح فكأنه قيل : ذلك الذي شرعناه لكم أقرب إلى أن يأتي الأوصياء بالشهادة على وجهها الصحيح ويخافوا عذاب الآخرة بسبب اليمين الكاذبة ، أو يخافوا أن ترد أيمان على الورثة بعد أيمانهم فيظهر كذبهم على رؤوس الأشهاد ، فيكون ذلك الخوف داعيا لهم إلى النطق بالحق وترك الكذب والخيانة .
فأي الخوفين حصل عندهم سيقودهم إلى التزام الحق وترك الخيانة وإيصال الحقوق لذويها كاملة غير منقوصة .
فمن لم يمنعه خوف اله من أن يكذب أو يخون لضعف دينه منعه خوف الفضيحة على رءوس الأشهاد .
ثم قال - سبحانه ( ذلك أدنى ) أي أقرب إلى الحق وأبعد عن الباطل لأن معرفة الحق من كل وجوهه وجزئياته ، مرجعها إلى الله العليم بخفايا الأمور وبواطنها وبواعثها .
أما الحاكم فإنه يحكم على حسب ما يظهر له من حق ، وحكمه قابل للخطأ والصواب .
والضمير في قوله ( يَأْتُواْ ) ( يخافوا ) ( وَأَيْمَانِهِمْ ) يعود إلى الأوصياء الذين أوصاهم الميت بإيصال ما يريد إيصاله لورثته ، ثم حدث شك من الورثة في أمانتهم .
وجاء الضمير مجموعا مع أن السياق لاثنين فقط ، لأن المراد ما يعم هذين المذكورين وما يعم غيرهما من بقية الناس .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : ( واتقوا الله واسمعوا والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين ) .
أي : واتقوا الله في كل ما يأتون وتذرون من أموركم واسمعوا ما تؤمرون به سماع إذاعان وقبول وطاعة واعلموا أن الله - تعالى - لا يوفق القوم الخارجين عن طاعته إلى طريق الخير والفلاح ، لأنهم آثروا الغي على الرشد واستحبوا العمى على الهدى .
فهذا الخنام للآية الكريمة اشتمعل على ابلغ ألوان التحذير من معصية الله ومن مخالفة أمره .
هذا؛ ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتي :1 - الحث على الوصية وتأكيد أمرها ، وعدم التهاون فيها بسبب السفر أو غيره ، لأن الوصية تثبت الحقوق ، وتمنع التنازل ولهذا شدد الإِسلام في ضرورة كتابة الوصية ، والشخص قوى معافي ، ففي صحيح مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " .
قال ابن عمر - راوي هذا الحديث - : " ما مرت على ليلة منذ سمعت رسول الله قال ذلك إلا وعندي وصيتي " .
2 - الإِشهاد على الوصية في الحضر والسفر ، ليكون أمرها أمرها أثبت ، والرجاء في تنفيذها أقوى ، فإن عدم الإِشهاد عليها كثيراً ما يؤدي إلى التنازل وإلى التشكك في صحتها .
3 - شرعية اختيار الأوقات والأمكنة والصيغ المغلظة التي تؤثر في قلوب الشهود وفي قلوب مقسمى الأِيمان ، وتحملهم على النطق بالحق .
قال صاحب المنار : ويشهد لاختيار الأوقات جعل القسم بعد الصلاة ، ومثله في ذلك اختيار المكان ومما ورد في السنة في ذلك ما رواه مالك وأحمد وأبو داود .
عن جابر مرفوعا ، " لا يحلف أحد عند منبري كاذاب إلا تبوأ مقعده من النار " .
ويشهد بجواز التغليظ على الحالف على صيغة اليمين - بأن يقول فيه ما يرجى أن يكون رادعا للحالف عن الكذب - ما جاء في الآيات الكريمة من قوله - تعالى - ( فَيُقْسِمَانِ بالله إِنِ ارتبتم لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قربى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ الله إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ الآثمين ) .
4 - جواز تحليف الشهود إذا ارتاب الحكام أو الخصوم في شهادتهم ، وقد روى عن ابن عباس أنه حلف المرأة التي شهدت في قضية رضاع بين زوجين .
5 - جواز شهادة غير المسلمين على المسلمين عند الضرورة ، وقد بسط الإِمام القرطبي القول في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :الأول : أن الكاف والميم في قوله ( اثنان ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ ) ضمير للمسلمين ، وفي قوله ( أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) للكافرين .
فعلى هذا تكون شهادة أهل الكتاب على المسلمين جائزة في السفر إذا كانت وصية .
وهو الأشبه بسياق مع ما تقرر من الأحاديث .
وهوقول ثلاثة من الصحابة الذين شاهدوا التنزيل وهم : أبو موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود وعبدالله بن عباس ، وتبعهم في ذلك جمع من التابعين ، واختاره أحمد بن حنبل وقال : شهادة أهل الذمة جائزة على المسلمين في السفر عند عدم المسلمين ، كلهم يقولون : " منكم " من المؤمنين .
ومعنى ( مِنْ غَيْرِكُمْ ) يعني الكفار .
القول الثاني : أن قوله - سبحانه - ( أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) منسوخ وهذا قول زيد بن أسلم؛ والنخعي ومالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم من الفقهاء .
واحتجوا بقوله - تعالى - ( مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدآء ) وبقوله : ( وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ ) فهؤلاء زعموا أن الآية الدين من آخر ما نزل وأن فيها ( مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدآء ) فهو ناسخ لذلك ، ولم يكن الإِسلام يومئذ إلا بالمدينة فجازت شهادة أهل الكتاب .
وهو اليوم طبق الأرض فسقطت شهادة الكفار وقد أجمع المسلمون على أن شهادة الفساق لا تجوز والكفار فساق فلا تجوز شهادتهم .
قال القرطبي : قلت : ما ذكرتموه صحيح إلا أنا نقول بموجبه وأن ذلك جائز في شهادة أهل الذمة على المسلمين في الوصية في السفر خاصة للضرورة بحيث لا يوجد مسلم وأما مع وجو مسلم فلا .
ولم يأت ما ادعيتموه من النسخ عن أحد ممن شهد التنزيل ، وقد قال بالأولى ثلاثة من الصحابة ومخالفة الصحابة إلى غيرهم ينفر عنه أهل العلم .
ويقوى هذا أن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا ، حتى قال ابن عباس والحسن وغيرهما : إنه لا منسوخ فيها ، وما ادعوه من النسخ لا يصح ، فإن النسخ لابد فيه من إثبات الناسخ على وجه ينافي الجمع بينهما مع تراخي الناسخ فما ذكروه لا يصح أن يكون ناسخا ، فإنه في قصة غير قصة الوصية لمكان الحاجة والضرورة ، ولا يمتنع اختلاف الحكم عند الضرورات .
القول الثالث : أن الآية لا نسخ فيها .
قاله الزهري والحسن وعكرمة ، ويكون معنى قوله ( منكم ) أي من عشيرتكم وقرابتكم .
.
ومعنى ( أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) أي : من غيرالقرابة والعشيرة .
وهذا ينبي على معنى غامض في العربية ، وذلك أن معنى ( آخر ) في العربية من جنس الأول ، تقول : مررت بكريم وكريم آخر ولا تقول مررت بكريم وخسيس آخر ، فوجب على هذا أن يكون قوله ( أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) أي عدلان من غير عشيرتكم من المسلمين .

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

وقوله : ( ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ) أي : شرعية هذا الحكم على هذا الوجه المرضي من تحليف الشاهدين الذميين وقد استريب بهما ، أقرب إلى إقامتهما الشهادة على الوجه المرضي .وقوله : ( أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ) أي : يكون الحامل لهم على الإتيان بالشهادة على وجهها ، هو تعظيم الحلف بالله ومراعاة جانبه وإجلاله ، والخوف من الفضيحة بين الناس إذا ردت اليمين على الورثة ، فيحلفون ويستحقون ما يدعون ، ولهذا قال : ( أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم )ثم قال : ( واتقوا الله ) أي : في جميع أموركم ) واسمعوا ) أي : وأطيعوا ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) يعني : الخارجين عن طاعته ومتابعة شريعته .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

ذلك أدنى ابتداء وخبر .
أن في موضع نصب .
( يأتوا ) نصب ب أن .
( أو يخافوا ) عطف عليه .
( أن ترد ) في موضع نصب ب ( يخافوا ) .
أيمان بعد أيمانهم قيل : الضمير في يأتوا ويخافوا راجع إلى الموصى إليهما ; وهو الأليق بمساق الآية ، وقيل : المراد به الناس ، أي : أحرى أن يحذر الناس الخيانة فيشهدوا بالحق خوف الفضيحة في رد اليمين على المدعي ، والله أعلم .
قوله تعالى : واتقوا الله واسمعوا أمر ; ولذلك حذفت منه النون ، أي اسمعوا ما يقال لكم ، قابلين له متبعين أمر الله فيه .
والله لا يهدي القوم الفاسقين فسق يفسق ويفسق إذا خرج من الطاعة إلى المعصية ، وقد تقدم ، والله أعلم .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ذلك " ، هذا الذي قلت لكم في أمر الأوصياء = إذا ارتبتم في أمرهم، واتهمتموهم بخيانة لمالِ من أوصى إليهم، من حبسهم بعد الصلاة, واستحلافكم إيَّاهم على ما ادَّعى قِبَلهم أولياء الميت =" أدنى " لهم " أن يأتوا بالشهادة على وجهها " ، يقول: هذا الفعل، إذا فعلتم بهم، أقربُ لهم أن يصدُقوا في أيمانهم, (164) ولا يكتموا, ويقرُّوا بالحق ولا يخونوا (165) =" أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم " ، يقول: أو يخاف هؤلاء الأوصياء إن عثر عليهم أنهم استحقُّوا إثمًا في أيمانهم بالله, أن تردَّ أيمانهم على أولياء الميت، بعد أيمانهم التي عُثِر عليها أنها كذب, فيستحقُّوا بها ما ادّعوا قِبَلهم من حقوقهم, فيصدقوا حينئذٍ في أيمانهم وشهادتهم، مخافةَ الفضيحة على أنفسهم، وحذرًا أن يستحقّ عليهم ما خانُوا فيه أولياء الميِّت وورثته.
* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
وقد تقدّمت الروايةُ بذلك عن بعضهم, نحن ذاكرو الرواية في ذلك عن بعضِ من بَقي منهم.
12979 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا ، يقول: إن اطُّلع على أنّ الكافرين كذبَا = فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا ، يقول: من الأولياء, فحلفا بالله أنّ شهادة الكافرين باطلة، وأنا لم نعتد, فتردّ شهادة الكافرين، وتجوز شهادة الأولياء.
يقول تعالى ذكره: ذلك أدنى أن يأتي الكافرون بالشهادة على وجهها, أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم.
وليس على شُهود المسلمين أقسْام, وإنما الأقسام إذا كانوا كافرين.
12980 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة " الآية, يقول: ذلك أحرَى أن يصدقوا في شهادتهم, وأن يخافوا العَقِب.
(166)12981 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله: " أو يخافوا أن تردَّ أيمان بعد أيمانهم " ، قال: فتبطل أيمانهم, وتؤخذ أيمانُ هؤلاء.
* * *وقال آخرون: [معنى ذلك تحبسونهما من بعد الصلاة.
ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها, على أنهما استحقا إثمًا, فآخران يقومان مقامهما].
(167)* ذكر من قال ذلك:12982 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط, عن السدي قال : يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما, فيحلفان بالله: " لا نشتري به ثمنًا قليلا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين, أنّ صاحبكم لبهذا أوصى, وأنّ هذه لتركته ".
فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا: " إنكما إن كنتما كتمتما أو خنتما، فضحتكما في قومكما، ولم أجز لكما شهادة، وعاقبتكما ".
فإن قال لهما ذلك, فإنّ ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها.
* * *القول في تأويل قوله : وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وخافوا الله، أيها الناس, وراقبوه في أيمانكم أن تحلفوا بها كاذبةً، وأن تُذْهبوا بها مال من يَحْرم عليكم ماله, وأن تخونوا من اتَّمنكم (168) =" واسمعوا "، يقول: اسمعوا ما يقال لكم وما توعظون به, فاعملوا به، وانتهوا إليه =" والله لا يهدي القوم الفاسقين "، يقول: والله لا يوفِّق من فَسَق عن أمر ربّه، فخالفه وأطاع الشيطانَ وعصى ربَّه.
* * *وكان ابن زيد يقول: " الفاسق "، في هذا الموضع، هو الكاذب.
(169)12983 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد: " والله لا يهدي القومَ الفاسقين " ، الكاذبين، يحلفون على الكذب.
* * *وليس الذي قال ابن زيد من ذلك عندي بمدفُوعٍ, إلا أن الله تعالى ذكره عَمَّ الخبر بأنه لا يهدي جميع الفسَّاق, ولم يخصص منهم بعضًا دون بعض بخبر ولا عقلٍ, فذلك على معاني" الفسق " كلها، حتى يخصِّص شيئًا منها ما يجب التسليمُ له، فيُسلِّم له.
* * *ثم اختلف أهل العلم في حكم هاتين الآيتين, هل هو منسوخ, أو هو مُحكَم ثابت؟فقال بعضهم: هو منسوخ* ذكر من قال ذلك:12984 - حدثنا أبو كريب قال ، ثنا ابن إدريس, عن رجل قد سماه, عن حماد, عن إبراهيم قال : هي منسوخة.
12985 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قال: هي منسوخة = يعني هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ، الآية.
* * *وقال جماعة: هي محكمة وليست بمنسوخة.
وقد ذكرنا قولَ أكثرهم فيما مضَى.
* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن حكم الآية غيرُ منسوخ (170) وذلك أن من حكم الله تعالى ذكره الذي عليه أهل الإسلام, من لدن بعث الله تعالى ذكره نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا, أنّ من ادُّعِي عليه دَعْوى ممَّا يملكه بنو آدم، أنّ المدَّعَى عليه لا يبرئه مما ادُّعي عليه إلا اليمين، إذا لم يكن للمدَّعِي بيّنة تصحح دَعواه = وأنه إن اعترف في يَدِ المدَّعى [عليه] سلعةً له, (171) فادَّعَى أنها له دون الذي في يده, فقال الذي هي في يده: " بل هي لي، اشتريتها من هذا المدَّعِي", أنّ القول قول من زَعَم الذي هي في يده أنه اشتراها منه، دون من هي في يده مع يمينه، إذا لم يكن للذي هي في يده بيّنة تحقق به دعواه الشراءَ منه.
فإذ كان ذلك حكم الله الذي لا خلافَ فيه بين أهل العلم, وكانت الآيتان اللتان ذكر الله تعالى ذكره فيهما أمرَ وصية الموصِي إلى عدلين من المسلمين، أو إلى آخرين من غيرهم, إنما ألزَم النبي صلى الله عليه وسلم، فيما ذكر عنه، الوصيَّين اليمينَ حين ادَّعَى عليهما الورثة ما ادَّعوا، ثم لم يلزم المدَّعَى عليهما شيئًا إذ حلفا, حتى اعترفت الورثة في أيديهما ما اعترفُوا من الجام أو الإبريق أو غير ذلك من أموالهم، فزعما أنهما اشترياه من ميتهم, فحينئذ ألزم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ورثَة الميِّت اليمين, لأن الوصيين تحوَّلا مُدَّعِيين بدعواهما ما وجدَا في أيديهما من مال الميِّت أنه لهما، اشتريَا ذلك منه، فصارَا مُقِرَّين بالمال للميِّت، مدَّعيين منه الشراء, فاحتاجا حينئذ إلى بيِّنةٍ تصحِّح دعواهما، وصارتْ وورثة الميتِ ربِّ السلعة، (172) أولى باليمين منهما.
فذلك قوله تعالى ذكره: فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا ، الآية.
فإذ كان تأويل ذلك كذلك، فلا وجه لدعوَى مدَّعٍ أن هذه الآية منسوخة, لأنه غير جائز أن يُقْضَى على حُكم من أحكام الله تعالى ذكره أنه منسوخ، إلا بخبَرٍ يقطع العذرَ: أمّا من عند الله، أو من عند رسوله صلى الله عليه وسلم, أو بورود النَّقل المستفيض بذلك.
فأمَّا ولا خبر بذلك, ولا يدفع صحته عقل, فغير جائز أن يقضى عليه بأنه منسوخ.
---------------الهوامش :(164) انظر تفسير"أدنى" فيما سلف 6: 78/7: 548.
(165) انظر تفسير"على وجهه" فيما سلف 2: 511.
(166) في المطبوعة: "وأن يخافوا العقاب" ، والصواب ما في المخطوطة و"العقب" (بفتح فكسر): العاقبة ، وذلك عاقبة أمرهما في وبطلان أيمانهم ، وعاقبة رد الفضيحة على أنفسهم.
(167) هذه الجملة كلها مضطربة المعنى ، ولا تطابق الأثر التالي ، وظني أن في الكلام سقطًا ، أسقط الناسخ سطرًا أو نحوه ، وتركتها على حالها في المخطوطة والمطبوعة ، ولكني وضعتها بين قوسين ، شكًّا مني في صحتها.
(168) انظر ما كتبته في"اتمن" فيما سلف ص: 197 ، تعليق: 3.
(169) انظر تفسير"الفاسق" بهذا المعنى من تفسير ابن زيد ، فيما سلف رقم: 12103 في الجزء 10: 376.
ثم انظر تفسير"الفسق" فيما سلف من فهارس اللغة (فسق).
(170) في المطبوعة والمخطوطة: "أن حكم الآية منسوخ" ، وهو خطأ فاحش ، فإن أبا جعفر يقول بعد ذلك أنها غير منسوخة ، كما سترى ، فالصواب ما أثبته.
(171) في المطبوعة: "وأنه إن اعترف وفي يدي المدعي سلعة" ، غير ما في المخطوطة ، وفيها: "وأنه إن اعترف في يد المدعي سلعة" ، فأثبت ذلك ، وهو الصواب ، وزدت"عليه" بين القوسين ، لأنه حق المعنى.
وقوله: "اعترف" بمعنى: عرفها وميزها ، كما سيأتي في سائر الفقرة.
(172) في المطبوعة: " .
.
.
تصحح دعواهما ، وورثة الميت رب السلعة" ، حذف قوله"وصارت" ، مع أن الكلام لا يستقيم إلا بها ، وهي في المخطوطة ثابتة ، إلا أن الناسخ أساء كتابتها.

﴿ ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين ﴾

قراءة سورة المائدة

المصدر : تفسير : ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها