فاستقم -أيها النبي- كما أمرك ربك أنت ومن تاب معك، ولا تتجاوزوا ما حدَّه الله لكم، إن ربَّكم بما تعملون من الأعمال كلها بصير، لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيكم عليها.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فاستقم» على العمل بأمر ربك والدعاء إليه «كما أمرت و» ليستقم «من تاب» آمن «معك ولا تطغوْا» تجاوزوا حدود الله «إنه بما تعملون بصير» فيجازيكم به.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم لما أخبر بعدم استقامتهم، التي أوجبت اختلافهم وافتراقهم, أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، ومن معه، من المؤمنين، أن يستقيموا كما أمروا، فيسلكوا ما شرعه الله من الشرائع، ويعتقدوا ما أخبر الله به من العقائد الصحيحة، ولا يزيغوا عن ذلك يمنة ولا يسرة، ويدوموا على ذلك، ولا يطغوا بأن يتجاوزوا ما حده الله لهم من الاستقامة.وقوله: إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ْ أي: لا يخفى عليه من أعمالكم شيء, وسيجازيكم عليها، ففيه ترغيب لسلوك الاستقامة، وترهيب من ضدها
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( فاستقم كما أمرت ) أي : استقم على دين ربك ، والعمل به ، والدعاء إليه كما أمرت ( ومن تاب معك ) أي : ومن آمن معك فليستقيموا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ، ولا تروغ روغان الثعلب .أخبرنا الإمام الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان ، أخبرنا والدي إملاء ، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق ، حدثنا محمد بن العلاء بن كريب ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ، قال : " قل آمنت بالله ثم استقم " .( ولا تطغوا ) لا تجاوزوا أمري ولا تعصوني ، وقيل : معناه ولا تغلوا فتزيدوا على ما أمرت ونهيت .( إنه بما تعملون بصير ) لا يخفى عليه من أعمالكم شيء . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد عليه من هذه الآية ، ولذلك قال : " شيبتني هود وأخواتها " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد السلام بن مطهر ، ثنا عمر بن علي ، عن معن بن محمد الغفاري ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ، وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة " .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم وأتباعه بالتزام الصراط المستقيم فقال- سبحانه-: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.والفاء للتفريع على ما تقدم من الأوامر والنواهي.والاستقامة- كما يقول القرطبي- هي الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال ... » .والطغيان: مجاوزة الحد. ومنه طغى الماء، أى ارتفع وتجاوز الحدود المناسبة.والمعنى: لقد علمت- أيها الرسول الكريم- حال السعداء وحال الأشقياء، وعرفت أن كل مكلف سيوفى جزاء أعماله.وما دام الأمر كذلك فالزم أنت ومن معك من المؤمنين طريق الاستقامة على الحق، وداوموا على ذلك كما أمركم الله، بدون إفراط أو تفريط، واحذروا ان تتجاوزوا حدود الاعتدال في كل أقوالكم وأعمالكم.ووجه- سبحانه- الأمر بالاستقامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تنويها بشأنه، وليبنى عليه قوله- كَما أُمِرْتَ، فيشير بذلك إلى أنه- عليه الصلاة والسلام- هو وحده المتلقى للأوامر الشرعية من الله- تعالى-.وقد جمع قوله- تعالى- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أصول الإصلاح الديني وفروعه، كما جمع قوله- تعالى- «ولا تطغوا» أصول النهى عن المفاسد وفروعه، فكانت الآية الكريمة بذلك جامعة لإقامة المصالح ولدرء المفاسد.قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: يأمر الله- تعالى- رسوله وعباده المؤمنين في هذه الآية بالثبات والدوام على الاستقامة، لأن ذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء، وينهاهم عن الطغيان وهو البغي، لأنه مصرعة حتى ولو كان على مشرك» .وقال الآلوسى: والاستقامة كلمة جامعة لكل ما يتعلق بالعلم والعمل وسائر الأخلاق.أخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه قال، لما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم شمروا شمروا، وما رؤي بعد ضاحكا» .وعن ابن عباس قال: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية أشد من هذه الآية ولا أشق» .وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: «قل آمنت بالله ثم استقم» .وجملة إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ تعليل للأمر بالاستقامة وللنهى عن الطغيان.أى: الزموا المنهج القويم، وابتعدوا عن الطغيان، لأنه- سبحانه- مطلع على أعمالكم اطلاع المبصر، العليم بظواهرها وبواطنها، وسيجازيكم يوم القيامة عليها بما تستحقون من ثواب أو عقاب.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة ، وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء ومخالفة الأضداد ونهى عن الطغيان ، وهو البغي ، فإنه مصرعة حتى ولو كان على مشرك . وأعلم تعالى أنه بصير بأعمال العباد ، لا يغفل عن شيء ، ولا يخفى عليه شيء .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصيرقوله تعالى : فاستقم كما أمرت الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولغيره . وقيل : له والمراد أمته ; قاله السدي . وقيل : " استقم " اطلب الإقامة على الدين من الله واسأله ذلك . فتكون السين سين السؤال ، كما تقول : أستغفر الله أطلب الغفران منه . والاستقامة الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال ; فاستقم على امتثال أمر الله . وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ! قال : قل آمنت بالله ثم استقم . وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن عثمان بن حاضر الأزدي قال : دخلت على ابن عباس فقلت أوصني ! فقال : نعم ! عليك بتقوى الله والاستقامة ، اتبع ولا تبتدع .ومن تاب معك أي استقم أنت وهم ; يريد أصحابه الذين تابوا من الشرك ومن بعده ممن اتبعه من أمته . قال ابن عباس ما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه ، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له : لقد أسرع إليك الشيب ! فقال : شيبتني هود وأخواتها . وقد تقدم في أول السورة . وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا علي السري يقول : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقلت : يا رسول الله ! روي عنك أنك قلت : شيبتني هود . فقال : نعم فقلت له : ما الذي شيبك منها ؟ قصص الأنبياء وهلاك الأمم ! فقال : لا ولكن قوله : " فاستقم كما أمرت " .ولا تطغوا نهى عن الطغيان ، والطغيان مجاوزة الحد ; ومنه إنا لما طغى الماء . وقيل : أي لا تتجبروا على أحد .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاستقم أنت ، يا محمد ، على أمر ربك ، والدين الذي ابتعثك به ، والدعاء إليه، كما أمرك ربك (23) ، (ومن تاب معك)، يقول: ومن رجع معك إلى طاعة الله والعمل بما أمره به ربه من بعد كفره ، (ولا تطغوا) ، يقول: ولا تعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه. (24) (إنه بما تعملون بصير) ، يقول: إن ربكم ، أيها الناس ، بما تعملون من الأعمال كلِّها ، طاعتها ومعصيتها ، " بصير " ، ذو علم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو لجميعها مبصرٌ. (25) يقول تعالى ذكره: فاتقوا الله، أيها الناس ، أن يطَّلع عليكم ربكم وأنتم عاملون بخلاف أمره ، فإنه ذو علم بما تعلمون، وهو لكم بالمرصاد.* * *وكان ابن عيينة يقول في معنى قوله: (فاستقم كما أمرت) ، ما:-18600- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان في قوله: (فاستقم كما أمرت) ، قال: استقم على القرآن.18601- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تطغوا) ، قال: الطغيان: خلاف الله ، وركوب معصيته . ذلك " الطغيان ".------------------الهوامش :(23) لنظر تفسير " الاستقامة " فيما سلف ص : 187 .(24) لنظر تفسير " طغى " فيما سلف ص : 34 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .(25) لنظر تفسير " بصير " فيما سلف من فهارس اللغة ( بصر ) .
﴿ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير ﴾