وقالت اليهود: ليست النصارى على شيء من الدين الصحيح، وكذلك قالت النصارى في اليهود وهم يقرؤون التوراة والإنجيل، وفيهما وجوب الإيمان بالأنبياء جميعًا. كذلك قال الذين لا يعلمون من مشركي العرب وغيرهم مثل قولهم، أي قالوا لكل ذي دين: لست على شيء، فالله يفصل بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه مِن أمر الدين، ويجازي كلا بعمله.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وقالت اليهود ليست النصارى على شئ» معتد به وكفرت بعيسى «وقالت النصارى ليست اليهود على شئ» معتد به وكفرت بموسى «وهم» أي الفريقان «يتلون الكتاب» المنزل عليهم، وفي كتاب اليهود تصديق عيسى، وفي كتاب النصارى تصديق موسى والجملة حال «كذلك» كما قال هؤلاء «قال الذين لا يعلمون» أي المشركون من العرب وغيرهم «مثل قولهم» بيان لمعنى ذلك: أي قالوا لكل ذي دين ليسوا على شئ «فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون» من أمر الدين فيدخل المحقُّ الجنة والمبطل النار.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وذلك أنه بلغ بأهل الكتاب الهوى والحسد, إلى أن بعضهم ضلل بعضا, وكفر بعضهم بعضا, كما فعل الأميون من مشركي العرب وغيرهم. فكل فرقة تضلل الفرقة الأخرى, ويحكم الله في الآخرة بين المختلفين بحكمه العدل, الذي أخبر به عباده, فإنه لا فوز ولا نجاة إلا لمن صدق جميع الأنبياء والمرسلين, وامتثل أوامر ربه, واجتنب نواهيه, ومن عداهم, فهو هالك.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ) نزلت في يهود المدينة ونصارى أهل نجران وذلك أن وفد نجران لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود : فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت لهم اليهود ، ما أنتم على شيء من الدين ، وكفروا بعيسى والإنجيل ، وقالت لهم النصارى : ما أنتم على شيء من الدين ، وكفروا بموسى والتوراة فأنزل الله تعالى ( وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب ) [ وكلا الفريقين يقرءون الكتاب ، قيل : معناه ليس في كتبهم هذا الاختلاف فدل تلاوتهم الكتاب ومخالفتهم ما فيه على كونهم على الباطل ( كذلك قال الذين لا يعلمون ) يعني : آباءهم الذين مضوا ( مثل قولهم ) قال مجاهد : يعني : عوام النصارى ، وقال مقاتل : يعني مشركي العرب ، كذلك قالوا في نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه : إنهم ليسوا على شيء من الدين .وقال عطاء : أمم كانت قبل اليهود والنصارى مثل قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام قالوا لنبيهم : إنه ليس على شيء ( فالله يحكم بينهم يوم القيامة ) يقضي بين المحق والمبطل ( فيما كانوا فيه يختلفون ) الدين
﴿ تفسير الوسيط ﴾
فالآية الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك: وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى.. إلخ، لزيادة بيان طبيعة أهل الكتاب، المعوجة، وأن رمى المخالف لهم بأنه ضال شنشنة فيهم.والشيء: يطلق على الموجود، أو ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، وقد ينفى مبالغة في عدم الاعتداد به واليهود كفرت عيسى- عليه السلام- وما زالوا يزعمون أن المسيح المبشر به في التوراة لم يأت، وسيأتى بعد، فهم يعتقدون أن النصارى باتباعهم له ليسوا على أمر حقيقى منالتدين، والنصارى تكفر اليهود لعدم إيمانهم بالمسيح الذي جاء لإتمام شريعتهم، ونشأ عن هذا النزاع عداوة اشتدت بها الأهواء والتعصب حتى صار كل فريق منهم يطعن في دين الآخر، وينفى عنه أن يكون له أصل من الحق.وجملة وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ حالية، والكتاب للجنس. أى: قالوا ذلك وحالهم أنهم من أهل العلم والتلاوة للكتب، إذ اليهود يقرءون التوراة والنصارى يقرءون الإنجيل، وحق من حمل التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله وآمن به ألا يكفر بالباقي، لأن كل واحد من الكتابين مصدق للثاني، شاهد بصحته وكذلك كتب الله جميعا متواردة على تصديق بعضها البعض.وقوله: كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ معناه: كما أن أهل الكتاب قد قال كل فريق منهم فيمن خالفه إنه ليس على شيء من الدين الحق. فكذلك قال الذين لا يعلمون، وهم مشركو العرب، في شأن المسلمين: إنهم ليسوا على شيء من الدين الحق، فتشابهت قلوب هؤلاء وقلوب أولئك في الزيغ والضلال.والهدف الذي ترمى إليه هذه الجملة، هو أن إنكار اليهود والنصارى لرسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم لا ينبغي أن يثير شبهة على عدم صحتها، حيث يسبق إلى أذهان الضعفاء من الناس أن تلاوتهم للكتاب تجعلهم أعرف بالنبوة الصادقة من غيرها. فكأن القرآن يقول: إن تلاوتهم للكتاب وحدها لا ينبغي أن تكون شبهه.ألا ترون اليهود والنصارى وهم يتلون الكتاب كيف أنكر كل فريق منهما أن يكون الآخر على شيء حقيقى من التدين، فسبيلهم في إنكار دين الإسلام كسبيل المشركين الذين أنكروه عن جهالة به.وفي هذه الجملة توبيخ شديد لأهل الكتاب، حيث نظموا أنفسهم- مع علمهم- في سلك من لا يعلم.وقوله: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. صدر بالفاء، لأن التوعد بالحكم بينهم يوم القيامة، وإظهار ما أكنته ضمائرهم من الهوى والضلال، متفرع عن هذه المقالات ومسبب عنها، وهو خبر المقصود منه التوبيخ والوعيد.والضمير المجرور بإضافة بين إليه راجع إلى الفرق الثلاث، وما كانوا فيه يختلفون يعم ما ذكر وغيره وقيل الضمير يعود على اليهود والنصارى.والاختلاف: تقابل رأيين فيما ينبغي انفراد الرأى فيه.ولم تصرح الآية الكريمة بماذا يحكم الله بينهم، لأنه من المعلوم أن من مظاهر حكم الله يوم القيامة إثابة من كان على حق، وعقاب من كان على باطل.وبذلك تكون الآية الكريمة قد فضحت أهل الكتاب، حيث بينت كيف أن كل فريق منهم قد رمى صاحبه بالضلال، وفي هذا تثبيت للمؤمنين ونهى لهم عن أن ينهجوا نهجهم.ثم تحدث القرآن عن سوء عاقبة من يسعى في خراب بيوت الله، فقال:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله تعالى : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب ) يبين به تعالى تناقضهم وتباغضهم وتعاديهم وتعاندهم . كما قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتتهم أحبار يهود ، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رافع بن حريملة ما أنتم على شيء ، وكفر بعيسى وبالإنجيل . وقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود : ما أنتم على شيء . وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة . فأنزل الله في ذلك من قولهما ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب ) قال : إن كلا يتلو في كتابه تصديق من كفر به ، أي : يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة ، فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى ، وفي الإنجيل ما جاء به عيسى بتصديق موسى ، وما جاء من التوراة من عند الله ، وكل يكفر بما في يد صاحبه .وقال مجاهد في تفسير هذه الآية : قد كانت أوائل اليهود والنصارى على شيء .وقال قتادة : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ) قال : بلى ، قد كانت أوائل النصارى على شيء ، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا . ( وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ) قال : بلى قد كانت أوائل اليهود على شيء ، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا .وعنه رواية أخرى كقول أبي العالية ، والربيع بن أنس في تفسير هذه الآية : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ) هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .وهذا القول يقتضي أن كلا من الطائفتين صدقت فيما رمت به الطائفة الأخرى . ولكن ظاهر سياق الآية يقتضي ذمهم فيما قالوه ، مع علمهم بخلاف ذلك ; ولهذا قال تعالى : ( وهم يتلون الكتاب ) أي : وهم يعلمون شريعة التوراة والإنجيل ، كل منهما قد كانت مشروعة في وقت ، ولكن تجاحدوا فيما بينهم عنادا وكفرا ومقابلة للفاسد بالفاسد ، كما تقدم عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة في الرواية الأولى عنه في تفسيرها ، والله أعلم .وقوله تعالى : ( كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم ) يبين بهذا جهل اليهود والنصارى فيما تقابلوا من القول ، وهذا من باب الإيماء والإشارة . وقد اختلف فيما عنى بقوله تعالى : ( الذين لا يعلمون )فقال الربيع بن أنس وقتادة : ( كذلك قال الذين لا يعلمون ) قالا وقالت النصارى مثل قول اليهود وقيلهم . وقال ابن جريج : قلت لعطاء : من هؤلاء الذين لا يعلمون ؟ قال : أمم كانت قبل اليهود والنصارى وقبل التوراة والإنجيل . وقال السدي : ( كذلك قال الذين لا يعلمون ) فهم : العرب ، قالوا : ليس محمد على شيء .واختار أبو جعفر بن جرير أنها عامة تصلح للجميع ، وليس ثم دليل قاطع يعين واحدا من هذه الأقوال ، فالحمل على الجميع أولى ، والله أعلم .وقوله تعالى : ( فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) أي : أنه تعالى يجمع بينهم يوم المعاد ، ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرة . وهذا كقوله تعالى في سورة الحج : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد ) [ الحج : 17 ] ، وكما قال تعالى : ( قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم ) [ سبأ : 26 ] .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون معناه ادعى كل فريق منهم أن صاحبه ليس على شيء ، وأنه أحق برحمة الله منه . وهم يتلون الكتاب يعني التوراة والإنجيل ، والجملة في موضع الحال .كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون والمراد ب الذين لا يعلمون في قول الجمهور : كفار العرب ; لأنهم لا كتاب لهم . وقال عطاء : المراد أمم كانت قبل اليهود والنصارى . الربيع بن أنس : المعنى كذلك قالت اليهود قبل النصارى . ابن عباس : قدم أهل نجران على النبي صلى الله عليه وسلم فأتتهم أحبار يهود ، فتنازعوا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالت كل فرقة منهم للأخرى لستم على شيء ، فنزلت الآية .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَقال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أهل الكتابين تنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم لبعض.* ذكر من قال ذلك:1811- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، وحدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير ، قالا جميعا- حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال، لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتتهم أحبار يهود ، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء ، وكفر بعيسى ابن مريم وبالإنجيل. فقال رجل من أهل نجران من النصارى: ما أنتم على شيء ، وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة. فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهما: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) ، إلى قوله: فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (1)1812- حُدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) ، قال: هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.* * *قال أبو جعفر: وأما تأويل الآية ، فإن قالت اليهود: ليست النصارى في دينها على صواب! ، وقالت النصارى: ليست اليهود في دينها على صواب! وإنما أخبر الله عنهم بقيلهم ذلك للمؤمنين ، إعلاما ، منه لهم بتضييع كل فريق منهم حكم الكتاب الذي يظهر الإقرار بصحته وبأنه من عند الله ، وجحودهم مع ذلك ما أنزل الله فيه من فروضه ، لأن الإنجيل الذي تدين بصحته وحقيته النصارى ، يحقق ما في التوراة من نبوة موسى عليه السلام، وما فرض الله على بني إسرائيل فيها من الفرائض ، وأن التوراة التي تدين بصحتها وحقيقتها اليهود تحقق نبوة عيسى عليه السلام ، وما جاء به من الله من الأحكام والفرائض.ثم قال كل فريق منهم للفريق الآخر ما أخبر الله عنهم في قوله: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) ، مع تلاوة كل واحد من الفريقين كتابه الذي يشهد على كذبه في قيله ذلك. فأخبر جل ثناؤه أن كل فريق منهم قال ما قال من ذلك ، على علم منهم أنهم فيما قالوه مبطلون ؛ وأتوا ما أتوا من كفرهم بما كفروا به على معرفة منهم بأنهم فيه ملحدون.فإن قال لنا قائل: أو كانت اليهود والنصارى بعد أن بعث الله رسوله على شيء ، فيكون الفريق القائل منهم ذلك للفريق الآخر مبطلا في قيله ما قال من ذلك؟قيل: قد روينا الخبر الذي ذكرناه عن ابن عباس قبل ، من أن إنكار كل فريق منهم ، إنما كان إنكارا لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي ينتحل التصديق به ، وبما جاء به الفريق الآخر ، لا دفعا منهم أن يكون الفريق الآخر في الحال التي بعث الله فيها نبينا صلى الله عليه وسلم على شيء من دينه ، بسبب جحوده نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وكيف يجوز أن يكون معنى ذلك إنكار كل فريق منهم أن يكون الفريق الآخر على شيء بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وكلا الفريقين كان جاحدا نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الحال التي أنزل الله فيها هذه الآية؟ ولكن معنى ذلك: وقالت اليهود: ليست النصارى على شيء من دينها منذ دانت دينها ، وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء منذ دانت دينها. وذلك هو معنى الخبر الذي رويناه عن ابن عباس آنفا. فكذب الله الفريقين في قيلهما ما قالا. كما:-1813- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء) ، قال: بلى ! قد كانت أوائل النصارى على شيء ، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا ، وقالت النصارى: (ليست اليهود على شيء)، ولكن القوم ابتدعوا وتفرقوا.1814- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) ، قال: قال مجاهد: قد كانت أوائل اليهود والنصارى على شيء.* * *وأما قوله: (وهم يتلون الكتاب) ، فإنه يعني به كتاب الله التوراة والإنجيل ، وهما شاهدان على فريقي اليهود والنصارى بالكفر ، وخلافهم أمر الله الذي أمرهم به فيه. كما:-1815- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير - وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل - قالا جميعا، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس في قوله: (وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم) ، أي كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر به: أي يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة فيها ما أخذ الله عليهم من الميثاق على لسان موسى بالتصديق بعيسى عليه السلام ، وفي الإنجيل مما جاء به عيسى تصديقُ موسى ، وما جاء به من التوراة من عند الله ; وكل يكفر بما في يد صاحبه. (2)* * *القول في تأويل قوله تعالى : كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله: (كذلك قال الذين لا يعلمون) . فقال بعضهم بما:-1816- حدثني به المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، (قال الذين لا يعلمون مثل قولهم)، قال: وقالت النصارى مثل قول اليهود قبلهم.1817- حدثنا بشر بن سعيد ، عن قتادة: (قال الذين لا يعلمون مثل قولهم) ، قال: قالت النصارى مثل قول اليهود قبلهم.* * *وقال آخرون بما:-1818- حدثنا به القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: قلت لعطاء: من هؤلاء الذين لا يعلمون؟ قال: أمم كانت قبل اليهود والنصارى ، وقبل التوراة والإنجيل.* * *وقال بعضهم: عنى بذلك مشركي العرب ، لأنهم لم يكونوا أهل كتاب فنسبوا إلى الجهل ، ونفي عنهم من أجل ذلك العلم.* ذكر من قال ذلك:1819- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط ، عن السدي: (كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم)، فهم العرب ، قالوا: ليس محمد صلى الله عليه وسلم على شيء.* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تبارك وتعالى أخبر عن قوم وصفهم بالجهل ، ونفى عنهم العلم بما كانت اليهود والنصارى به عالمين - أنهم قالوا بجهلهم نظير ما قال اليهود والنصارى بعضها لبعض مما أخبر الله عنهم أنهم قالوه في قوله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ . وجائز أن يكونوا هم المشركين من العرب ، وجائز أن يكونوا أمة كانت قبل اليهود والنصارى. ولا أمة أولى أن يقال هي التي عنيت بذلك من أخرى ، إذْ لم يكن في الآية دلالة على أي من أي ، ولا خبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتت حجته من جهة نقل الواحد العدل ، ولا من جهة النقل المستفيض.وإنما قصد الله جل ثناؤه بقوله: (كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم) ، إعلام المؤمنين أن اليهود والنصارى قد أتوا من قيل الباطل ، وافتراء الكذب على الله ، وجحود نبوة الأنبياء والرسل ، وهم أهل كتاب يعلمون أنهم فيما يقولون مبطلون ، وبجحودهم ما يجحدون من ملتهم خارجون ، وعلى الله مفترون ، مثل الذي قاله أهل الجهل بالله وكتبه ورسله ، الذين لم يبعث الله لهم رسولا ولا أوحى إليهم كتابا.وهذه الآية تنبئ عن أن من أتى شيئا من معاصي الله على علم منه بنهي الله عنها ، فمصيبته في دينه أعظم من مصيبة من أتى ذلك جاهلا به . لأن الله تعالى ذكره عظم توبيخ اليهود والنصارى بما وبخهم به في قيلهم ما أخبر عنهم بقوله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ ، من أجل أنهم أهل كتاب قالوا ما قالوا من ذلك على علم منهم أنهم مبطلون.* * *القول في تأويل قوله تعالى : فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه: فالله يقضي فيفصل بين هؤلاء المختلفين ، = القائل بعضهم لبعض: لستم على شيء من دينكم - يوم قيام الخلق لربهم من قبورهم - فيتبين المحق منهم من المبطل ، بإثابة المحق ما وعد أهل طاعته على أعماله الصالحة ، ومجازاته المبطل منهم بما أوعد أهل الكفر به على كفرهم به = فيما كانوا فيه يختلفون من أديانهم ومللهم في دار الدنيا.* * *وأما " القيامة " فهي مصدر من قول القائل: " قمت قياما وقيامة "، كما يقال: " عدت فلانا عيادة " و " صنت هذا الأمر صيانة ".* * *وإنما عنى " بالقيامة " قيام الخلق من قبورهم لربهم . فمعنى " يوم القيامة ": يوم قيام الخلائق من قبورهم لمحشرهم.------------------الهوامش :(1) الأثر : 1811 - في سيرة ابن هشام 2 : 197 - 198 .(2) الأثر : 1815 - في سيرة ابن هشام 2 : 198 .
﴿ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ﴾