ليس أهل الكتاب متساوين: فمنهم جماعة مستقيمة على أمر الله مؤمنة برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، يقومون الليل مرتلين آيات القرآن الكريم، مقبلين على مناجاة الله في صلواتهم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ليسوا» أي أهل الكتاب «سواءً» مستوين «من أهل الكتاب أمة قائمة» مستقيمة ثابتة على الحق كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وأصحابه «يتلون آيات الله آناء الليل» أي في ساعاته «وهم يسجدون» يصلُّون، حال.
﴿ تفسير السعدي ﴾
لما بين تعالي الفرقة الفاسقة من أهل الكتاب وبين أفعالهم وعقوباتهم، بين هاهنا الأمة المستقيمة، وبين أفعالها وثوابها، فأخبر أنهم لا يستوون عنده، بل بينهم من الفرق ما لا يمكن وصفه، فأما تلك الطائفة الفاسقة فقد مضى وصفهم، وأما هؤلاء المؤمنون، فقال تعالى منهم أمة قائمة أي: مستقيمة على دين الله، قائمة بما ألزمها الله به من المأمورات، ومن ذلك قيامها بالصلاة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون وهذا بيان لصلاتهم في أوقات الليل وطول تهجدهم وتلاوتهم لكتاب ربهم وإيثارهم الخضوع والركوع والسجود له.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ) قال ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل : لما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه قالت أحبار اليهود : ما آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم إلا شرارنا ولولا ذلك لما تركوا دين آبائهم فأنزل الله تعالى هذه الآية .واختلفوا في وجهها فقال قوم : فيه اختصار تقديره : ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة ، فترك الأخرى اكتفاء بذكر أحد الفريقين وقال الآخرون : تمام الكلام عند قوله ( ليسوا سواء ) وهو وقف لأنه قد جرى ذكر الفريقين من أهل الكتاب في قوله تعالى : ( منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ) [ ثم قال : ( ليسوا سواء ) يعني : المؤمنين والفاسقين ] ثم وصف الفاسقين فقال : ( لن يضروكم إلا أذى ) ووصف المؤمنين بقوله ( أمة قائمة )وقيل : قوله ( من أهل الكتاب ) ابتداء بكلام آخر ، لأن ذكر الفريقين قد جرى ، ثم قال : ليس هذان الفريقان سواء ثم ابتدأ فقال : من أهل الكتاب .قال ابن مسعود رضي الله عنه معناه : لا يستوي اليهود وأمة محمد صلى الله عليه وسلم القائمة بأمر الله الثابتة على الحق ، المستقيمة ، وقوله تعالى : ( أمة قائمة ) قال ابن عباس : أي مهتدية قائمة على أمر الله لم يضيعوه ولم يتركوه .وقال مجاهد : عادلة . وقال السدي : مطيعة قائمة على كتاب الله وحدوده ، وقيل : قائمة في الصلاة . وقيل : الأمة الطريقة .ومعنى الآية : أي ذو أمة أي : ذو طريقة مستقيمة .( يتلون آيات الله ) يقرءون كتاب الله وقال مجاهد : يتبعون ( آناء الليل ) ساعاته ، واحدها : إنى مثل نحى وأنحاء ، وإنى وآناء مثل : معى وأمعاء وإنى مثل منا وأمناء .( وهم يسجدون ) أي : يصلون لأن التلاوة لا تكون في السجود .واختلفوا في معناها فقال بعضهم : هي في قيام الليل ، وقال ابن مسعود هي صلاة العتمة يصلونها ولا يصليها من سواهم من أهل الكتاب .وقال عطاء : " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة " الآية يريد : أربعين رجلا من أهل نجران من العرب واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى وصدقوا محمدا صلى الله عليه وسلم وكان من الأنصار فيهم عدة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ، منهم أسعد بن زرارة والبراء بن معرور ومحمد بن سلمة ومحمود بن مسلمة وأبو قيس صرمة بن أنس كانوا موحدين ، يغتسلون من الجنابة ، ويقومون بما عرفوا من شرائع الحنيفية حتى جاءهم الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم فصدقوه ونصروه .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
فالضمير في قوله- تعالى- لَيْسُوا سَواءً يعود لأهل الكتاب الذين تقدم الحديث عنهم وهو اسم ليس، وخبرها قوله سَواءً والجملة مستأنفة للثناء على من يستحق الثناء منهم بعد أن وبخ القرآن من يستحق التوبيخ منهم.قال ابن كثير: والمشهور عند كثير من المفسرين أن هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن شعبة وغيرهم. أى لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب، وهؤلاء الذين أسلموا، ولهذا قال- تعالى- لَيْسُوا سَواءً أى ليسوا كلهم على حد سواء بل منهم المؤمن ومنهم المجرم .وقوله- تعالى- مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ استئناف مبين لكيفية عدم التساوي ومزيل لما فيه من إيهام.أى: ليس أهل الكتاب متساوين في الكفر وسوء الأخلاق، بل منهم طائفة قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه مستقيمة على طريقته ثابتة على الحق ملازمة له، لم تتركه كما تركه الأكثرون من أهل الكتاب وضيعوه.فمعنى قائمة. مستقيمة عادلة من قولك أقمت العود فقام بمعنى استقام.أو معناها: ثابتة على التمسك بالدين الحق، ملازمة له غير مضطربة في التمسك به، كما في قوله- تعالى- إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً أى ملازما لمطالبته يحقك. ومنه قوله- تعالى- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ أى ملازما له.والمراد بهذه الطائفة من أهل الكتاب التي وصفها الله- تعالى- بأنها أُمَّةٌ قائمة أولئك الذين أسلموا منهم واستقاموا على أمر الله وأطاعوه في السر والعلن، كعبد الله بن سلام، وأصحابه، والنجاشيّ ومن آمن معه من النصارى. فهؤلاء قد آمنوا بكل ما يجب الإيمان به، ولم يفرقوا بين أنبياء الله ورسله، فمدحهم الله على ذلك وأثنى عليهم.ثم تابع القرآن حديثه عن أوصافهم الكريمة فقال يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ.وقوله يَتْلُونَ من التلاوة وهي القراءة، وأصل الكلمة من الإتباع، فكأن التلاوة هي إتباع اللفظ اللفظ.والمراد بآيات الله هنا: ما أنزله على رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم من قرآن.وقوله: آناءَ اللَّيْلِ أى أوقاته وساعاته. والآناء جمع إنى- كمعا وأمعاء- أو جمع أنى- كعصا-، أو جمع أنى وإنى وإنو. فالهمزة في آناء منقلبة عن ياء كرداء: أو عن واو ككساء.والمراد بالسجود في قوله: وَهُمْ يَسْجُدُونَ الصلاة لأن السجود لا قراءة فيه وإنما فيه التسبيح، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنى نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» .والمعنى: ليس أهل الكتاب متساوين في الاتصاف بما ذكر من القبائح، بل منهم قوم سلموا منها، وهم الذين استقاموا على الحق ولزموه، وأكثروا من تلاوة آيات الله في صلاتهم التي يتقربون بها إلى الله- تعالى- آناء الليل وأطراف النهار.قال الآلوسى ما ملخصه. والمراد بصلاتهم هذه التهجد- على ما ذهب إليه البعض-.وعلل هذا بأنه أدخل في المدح وفيه تتيسر لهم التلاوة، لأنها في المكتوبة وظيفة الإمام.والذي عليه بعض السلف أنها صلاة العتمة. واستدل عليه بما أخرجه الإمام أحمد والنسائي وابن جرير والطبراني عن ابن مسعود قال أخر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: «أما إنه لا يصلى هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب» . وعبر عن الصلاة بالسجود، لأنه أدل على كمال الخضوع والصلاة تسمى سجودا وسجدة، وركوعا وركعة .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال ابن أبي نجيح : زعم الحسن بن يزيد العجلي ، عن ابن مسعود في قوله تعالى : ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ) قال لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم .وهكذا قال السدي ، ويؤيد هذا القول الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده .حدثنا أبو النضر وحسن بن موسى قالا حدثنا شيبان ، عن عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود قال : أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ، ثم خرج إلى المسجد ، فإذا الناس ينتظرون الصلاة : فقال : " أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم " . قال : وأنزلت هذه الآيات : ( ليسوا سواء من أهل الكتاب [ أمة قائمة ] ) إلى قوله ( والله عليم بالمتقين ) .والمشهور عن كثير من المفسرين - كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره ، ورواه العوفي عن ابن عباس - أن هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وغيرهم ، أي : لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب [ وهؤلاء الذين أسلموا ، ولهذا قال تعالى : ( ليسوا سواء ) أي : ليسوا كلهم على حد سواء ، بل منهم المؤمن ومنهم المجرم ، ولهذا قال تعالى : ( من أهل الكتاب ] أمة قائمة ) أي : قائمة بأمر الله ، مطيعة لشرعه متبعة نبي الله ، [ فهي ] ) قائمة ) يعني مستقيمة ( يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ) أي : يقومون الليل ، ويكثرون التهجد ، ويتلون القرآن في صلواتهم
﴿ تفسير القرطبي ﴾
ثم أخبر فقال ليسوا سواء تم الكلام . والمعنى : ليس أهل الكتاب وأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - سواء ; عن ابن مسعود . وقيل : المعنى ليس المؤمنون والكافرون من أهل الكتاب سواء . وذكر أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال : أخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله تعالى في هذه الساعة غيركم قال : وأنزلت هذه الآية ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة إلى قوله : والله عليم بالمتقين وروى ابن وهب مثله . وقال ابن عباس : قول الله عز وجل من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون من آمن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال ابن إسحاق عن ابن عباس لما أسلم عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسيد بن عبيد ، ومن أسلم من يهود ; فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ورسخوا فيه ، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم : ما آمن بمحمد ولا تبعه إلا شرارنا ، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره ; فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون . إلى قوله : وأولئك من الصالحين . وقال الأخفش : التقدير من أهل الكتاب ذو أمة ، أي ذو طريقة حسنة . وأنشد :وهل يأممن ذو أمة وهو طائعوقيل : في الكلام حذف ; والتقدير من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة ، فترك الأخرى اكتفاء بالأولى ; كقول أبي ذؤيب :عصاني إليها القلب إني لأمره مطيع فما أدري أرشد طلابهاأراد : أرشد أم غي ، فحذف . قال الفراء : أمة رفع ب سواء ، والتقدير : ليس يستوي أمة من أهل الكتاب قائمة يتلون آيات الله وأمة كافرة . قال النحاس : هذا قول خطأ من جهات : إحداها أنه يرفع ( أمة ) ب ( سواء ) فلا يعود على اسم ليس بشيء ، ويرفع بما ليس جاريا على الفعل ويضمر ما لا يحتاج إليه ; لأنه قد تقدم ذكر الكافر فليس لإضمار هذا وجه . وقال أبو عبيدة : هذا مثل قولهم : أكلوني البراغيث ، وذهبوا أصحابك . قال النحاس : وهذا غلط ; لأنه قد تقدم ذكرهم ، وأكلوني البراغيث لم يتقدم لهم ذكر . و آناء الليل ساعاته . وأحدها إنى وأنى وإني ، وهو منصوب على الظرف . و يسجدون يصلون ; عن الفراء والزجاج ; لأن التلاوة لا تكون في الركوع والسجود . نظيره قوله : وله يسجدون أي يصلون . وفي ( الفرقان ) : وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن وفي النجم فاسجدوا لله واعبدوا " . وقيل : يراد به السجود المعروف خاصة . وسبب النزول يرده ، وأن المراد صلاة العتمة كما ذكرنا عن ابن مسعود ; فعبدة الأوثان ناموا حيث جن عليهم الليل ، والموحدون قيام بين يدي الله تعالى في صلاة العشاء يتلون آيات الله ; ألا ترى لما ذكر قيامهم قال وهم يسجدون أي مع القيام أيضا . الثوري : هي الصلاة بين العشاءين . وقيل : هي في قيام الليل . وعن رجل من بني شيبة كان يدرس الكتب قال : إنا نجد كلاما من كلام الرب عز وجل : أيحسب راعي إبل أو راعي غنم إذا جنه الليل انخذل كمن هو قائم وساجد آناء الليل .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِقال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه " ضُربت عليهم الذلة "، ألزموا الذلة. و " الذلة "" الفعلة " من " الذل "، وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع. (26)* * *" أينما ثقفوا " يعني: حيثما لقوا. (27)* * *يقول جل ثناؤه: ألزِم اليهود المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم الذلة أينما كانوا من الأرض، وبأي مكان كانوا من بقاعها، من بلاد المسلمين والمشركين =" إلا بحبل من الله، وحبل من الناس "، كما:-7630- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا هوذة قال، حدثنا عوف، عن الحسن في قوله: " ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة "، (28) قال: أدركتهم هذه الأمة، وإن المجوس لتجبيهم الجزية.7631- حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال: حدثنا عباد، عن الحسن في قوله: " ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس "، قال: أذلهم الله فلا مَنْعة لهم، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين.* * *وأما " الحبل " الذي ذكره الله في هذا الموضع، (29) فإنه السبب الذي يأمنون به على أنفسهم من المؤمنين وعلى أموالهم وذراريهم، من عهد وأمان تقدم لهم عقده قبل أن يُثْقَفوا في بلاد الإسلام. كما:-7632- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " إلا بحبل من الله "، قال: بعهد =" وحبل من الناس "، قال: بعهدهم.7633- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس "، يقول: إلا بعهد من الله وعهد من الناس.7634- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.7635- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد، عن عثمان بن غياث، قال، (30) عكرمة: يقول: " إلا بحبل من الله وحبل من الناس "، قال: بعهد من الله، وعهد من الناس.7636- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إلا بحبل من الله وحبل من الناس "، يقول: إلا بعهد من الله وعهد من الناس.7637- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: " إلا بحبل من الله وحبل من الناس "، يقول: إلا بعهد من الله وعهد من الناس.7638- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله : " أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس "، فهو عهد من الله وعهد من الناس، كما يقول الرجل: " ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم "، فهو الميثاق.7639- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد: " أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس "، قال: بعهد من الله وعهد من الناس لهم = قال ابن جريج، وقال عطاء: العهدُ حبل الله.7640- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله : " أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس "، قال: إلا بعهد، وهم يهود. قال: والحبل العهد. قال: وذلك قول أبي الهيثم بن التَّيَّهان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتته الأنصار في العقبة: " أيها الرجل، إنا قاطعون فيك حبالا بيننا وبين الناس "، يقول: عهودًا، قال: واليهود لا يأمنون في أرضٍ من أرض الله إلا بهذا الحبل الذي قال الله عز وجل. وقرأ: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [سورة آل عمران: 55]، قال: فليس بلد فيه أحد من النصارى إلا وهم فوق يهود في شرق ولا غرب، هم في البلدان كلها مستذَلُّون، قال الله: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا [سورة الأعراف: 168]، يهود. (31)7641- حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: " إلا بحبل من الله وحبل من الناس "، يقول: بعهد من الله وعهد من الناس.7642- حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، مثله.* * *قال أبو جعفر: واختلف أهل العربية في المعنى الذي جلب " الباء " في قوله: " إلا بحبل من الله وحبل من الناس "، فقال بعض نحويي الكوفة: (32) الذي جلب " الباء " في قوله: " بحبل "، فعل مضمر قد تُرك ذكره. قال: ومعنى الكلام: ضُربت عليهم الذلة أينما ثقفوا، إلا أن يعتصموا بحبل من الله = فأضمر ذلك، واستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر: (33)رَأَتْنِي بِحَبْلَيْها فَصَدَّتْ مَخَافَةًوَفِي الحَبْلِ رَوْعَاءُ الفُؤَادِ فَرُوقُ (34)وقال: أراد: أقبلت بحبليها، وبقول الآخر: (35)حَنْتنِي حَانِيَاتُ الدَّهْرِ حَتَّىكأَنِّي خَاتِلٌ أَدْنُو لِصَيْدِ (36)قَرِيبُ الخَطُوِ يَحْسِبُ مَنْ رَآنِيوَلْسُت مقَيدًا أَنِّى بِقَيْدِفأوجب إعمال فعل محذوف، وإظهار صلته وهو متروك. (37) وذلك في مذاهب العربية ضعيف، ومن كلام العرب بعيد. وأما ما استشهد به لقوله من الأبيات، فغير دالّ على صحة دعواه، لأن في قول الشاعر: " رأتني بحبليها "، دلالة بينة في أنها رأته بالحبل ممسكًا، ففي إخباره عنها أنها " رأته بحبليها "، إخبارٌ منه أنها رأته ممسكًا بالحبلين. فكان فيما ظهر من الكلام مستغنًى عن ذكر " الإمساك "، وكانت " الباء " صلة لقوله: " رأتني"، كما في قول القائل: (38) " أنا بالله "، مكتف بنفسه، ومعرفةِ السامع معناه، أن تكون " الباء " محتاجة إلى كلام يكون لها جالبًا غير الذي ظهر، وأن المعنى: " أنا بالله مستعين ".* * *وقال بعض نحويي البصرة، قوله: " إلا بحبل من الله " استثناء خارجٌ من أول الكلام.قال: وليس ذلك بأشد من قوله: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا [سورة مريم: 62]* * *وقال آخرون من نحويي الكوفة: هو استثناء متصل، والمعنى: ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا، أي: بكل مكان = إلا بموضع حبل من الله، كما تقول: ضُربت عليهم الذلة في الأمكنة إلا في هذا المكان.* * *وهذا أيضًا طلب الحق فأخطأ المفصل. وذلك أنه زعم أنه استثناء متصل، ولو كان متصلا كما زعم، لوجب أن يكون القوم إذا ثقفوا بحبل من الله وحبل من الناس غير مضروبة عليهم المسكنة. وليس ذلك صفة اليهود، لأنهم أينما ثقفوا بحبل من الله وحبل من الناس، أو بغير حبل من الله عز وجل وغير حبل من الناس، فالذلة مضروبة عليهم، على ما ذكرنا عن أهل التأويل قبل. فلو كان قوله: " إلا بحبل من الله وحبل من الناس "، استثناء متصلا لوجب أن يكون القوم إذا ثُقفوا بعهد وذمة أن لا تكون الذلةُ مضروبةً عليهم. وذلك خلاف ما وصَفهم الله به من صفتهم، وخلافُ ما هم به من الصفة، فقد تبين أيضًا بذلك فساد قول هذا القائل أيضًا.* * *قال أبو جعفر: ولكن القول عندنا أن " الباء " في قوله: " إلا بحبل من الله "، أدخلت لأن الكلام الذي قبل الاستثناء مقتضٍ في المعنى " الباء ". وذلك أن معنى قوله: " ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا " ضربت عليهم الذلة بكل مكان ثقفوا = ثم قال: " إلا بحبل من الله وحبل من الناس " على غير وجه الاتصال بالأول، ولكنه على الانقطاع عنه. ومعناه: ولكن يثقفون بحبل من الله وحبل من الناس، كما قيل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً [سورة النساء: 92]، فالخطأ وإن كان منصوبًا بما عمل فيما قبل الاستثناء، فليس قوله باستثناء متصل بالأول بمعنى: " إلا خطأ "، فإن له قتله كذلك = ولكن معناه: ولكن قد يقتله خطأ. فكذلك قوله : " أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله " ، وإن كان الذي جلب " الباء " التي بعد " إلا " الفعل الذي يقتضيها قبل " إلا "، فليس الاستثناء بالاستثناء المتصل بالذي قبله، بمعنى: أن القوم إذا لُقوا، فالذلة زائلة عنهم، بل الذلة ثابتة بكل حال. ولكن معناه ما بينا آنفا.* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: " وباءوا بغضب من الله "، وتحمَّلوا غضب الله فانصرفوا به مستحقِّيه. وقد بينا أصل ذلك بشواهده، ومعنى " المسكنة " وأنها ذل الفاقة والفقر وخُشوعهما، ومعنى: " الغضب من الله " فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (39)* * *وقوله: " ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله "، يعني جل ثناؤه بقوله: " ذلك "، أي بوْءُهم الذي باءوا به من غضب الله، وضْربُ الذلة عليهم، بدل مما كانوا يكفرون بآيات الله = يقول: مما كانوا يجحدون أعلام الله وأدلته على صدق أنبيائه، وما فرض عليهم من فرائضه =" ويقتلون الأنبياء بغير حق "، يقول: وبما كانوا يقتلون أنبياءهم ورسل الله إليهم، اعتداءً على الله وجرأة عليه بالباطل، وبغير حق استحقوا منهم القتل.* * *قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: ألزِموا الذلة بأي مكان لُقوا، إلا بذمة من الله وذمة من الناس، وانصرفوا بغضب من الله متحمِّليه، وألزموا ذل الفاقة وخشوع الفقر، بدلا مما كانوا يجحدون بآيات الله وأدلته وحججه، ويقتلون أنبياءه بغير حق ظلمًا واعتداء.* * *القول في تأويل قوله : ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فعلنا بهم ذلك بكفرهم، وقتلهم الأنبياء، ومعصيتهم ربَّهم، واعتدائهم أمرَ ربهم.* * *وقد بينا معنى " الاعتداء " في غير موضع فيما مضى من كتابنا بما فيه الكفاية عن إعادته (40) .* * *فأعلم رُّبنا جل ثناؤه عبادَه، ما فعل بهؤلاء القوم من أهل الكتاب، من إحلال الذلة والخزي بهم في عاجل الدنيا، مع ما ذخر لهم في الأجل من العقوبة والنكال وأليم العذاب، (41) إذ تعدوا حدودَ الله، واستحلوا محارمه = تذكيرًا منه تعالى ذكره لهم، وتنبيهًا على موضع البلاء الذي من قِبَاله أتوا لينيبوا ويذّكروا، وعِظة منه لأمتنا أن لا يستنُّوا بسنتهم ويركبوا منهاجهم، (42) فيسلك بهم مسالكهم، ويحل بهم من نقم الله ومثُلاته ما أحل بهم. كما:-7643- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون "، اجتنِبُوا المعصية والعدوان، فإن بهما أهلِك مَنْ أُهْلك قبلكم من الناس.---------------------الهوامش :(26) انظر تفسير"ضربت عليهم الذلة" فيما سلف 2: 136.(27) انظر تفسير"ثقف" فيما سلف 3: 564.(28) سقط من الناسخ: "وباءوا بغضب من الله" ، ومضت على ذلك المطبوعة ، فأثبت وجه التلاوة.(29) انظر تفسير"الحبل" فيما سلف قريبا ص: 70 ، 71.(30) في المخطوطة: "عثمان بن عتاب" ، والصواب ما في المطبوعة.(31) الأثر: 7640 - مضى مختصرًا برقم: 7155.(32) هو الفراء في معاني القرآن 1: 230.(33) هو حميد بن ثور الهلالي.(34) ديوانه: 35 ، ومعاني القرآن للفراء 1: 230 ، واللسان (نسع) و (فرق) وفي رواية البيت في مادة (فرق) خطأ قبيح وتصحيف ، صوابه ما في التفسير هنا. وأما رواية الديوان فهي:فَجِئْتُ بِحَبْلَيْهَا، فَرَدَّتْ مَخَافةًإِلى النَّفْسِ رَوْعَاءُ الجنانِ فَرُوقُو"روعاء الجنان": شديدة الذكاء ، حية النفس ، شهمة ، كأن بها فزعًا من حدتها وخفة روحها. و"فروق": شديدة الفزع. لم يرد ذمًا ، ولكنه مدح ناقته بحدة الفؤاد ، تفزع لكل نبأة من يقظتها ، كما قالوا في مدحها: "مجنونة". يقول ذلك في ناقته: رأتني أقبلت بالحبلين ، لأشد عليها رحلي ، فصدت خائفة. يصفها بأنها كريمة لم تبتذلها الأسفار. ثم قال: فلما شددت عليها الرحل ، كانت في الحبل ذكية شهمة ، تتوجس لكل نبأة من يقظتها وتوقدها.(35) هو أبو الطمحان القينى ، حنظلة بن الشرقي ، من بني كنانة بن القين. وهو أحد المعمرين وينسب هذا الشعر أيضًا لعدي بن زيد ، وللمسحاج بن سباع الضبي.(36) كتاب المعمرين: 57 ، ومعاني القرآن للفراء 1: 230 ، والأغاني 2: 353 ، 356 ، وفيه أيضا 12: 347 ، وحماسة البحتري: 202 ، وأمالي القالي 1: 110 ، وأمالي الشريف 1: 46 ، 257 ، ومجموعة المعاني: 123 ، والمعاني الكبير: 1214 ، مع اختلاف كبير في الرواية ، واللسان (ختل) ، وغيرها. هذا ، وقد اقتصرت المطبوعة والمخطوطة على البيت الأول ، وهو عمل فاسد جدًا ، وليس من فعل أبي جعفر بلا شك ، ولكنه من سهو الناسخ. لأن أبا جعفر نقل مقالة الفراء في معاني القرآن ، وإسقاط البيت الثاني ، وهو بيت الشاهد ، فساد عظيم ، فأثبت البيت ، وأثبت أيضًا تعقيب الفراء عليه ، وهو قوله: "يريد مقيدًا بقيد" ، ولم أضع هذا بين أقواس ، لأن سهو الناسخ أمر مقطوع به بالدليل البين.وكان في المخطوطة والمطبوعة: "أحنو لصيد" ، وهو تصحيف لا شك فيه. ذلك أن أبا جعفر إنما ينقل مقالة الفراء ، وهو في كتاب الفراء ، وفيما نقله عنه الناقلون في المراجع السالفة ، هو الذي أثبته. هذا مع ظهور التصحيف وقربه ، ومع فساد معنى هذا التصحيف ، ومع فقدان هذه الرواية الغريبة. وقوله: "خاتل" ، يعني صائدًا ، يقال: "ختل الصيد" ، أي: استتر الصائد بشيء ليرمي الصيد ، فهو في سبيل ذلك يمشي قليلا قليلا في خفية ، لئلا يسمع الصيد حسه. فهذا هو الختل والمخاتلة.(37) "الصلة" هنا: الجار والمجرور.(38) في المطبوعة: "كما في قول القائل" بزيادة"في" ، وهي أشد إفسادًا للكلام من تصحيف هذا الناسخ في بعض ما يكتب. وقوله: "مكتف بنفسه" خبر لقوله: "كما قول القائل" وقوله: "ومعرفة السامع" معطوف على قوله: "بنفسه" أي: مكتف بنفسه وبمعرفة السامع معناه.(39) انظر تفسير"باء" فيما سلف 2: 138 ، 345. وتفسير"غضب الله" 1: 188 ، 189 / 2: 138 ، 345. وتفسير"ضربت عليهم" 2: 136 / 7: 110 وتفسير"المسكنة" 2: 137 ، 292 ، 293 / 3: 345 / 4: 295.(40) انظر ما سلف 2: 142 ، 167 ، 307 / 3 : 375 ، 376 ، 564 ، 580 / 4: 583 ، 584 ، وغيرها.(41) في المطبوعة: "مع ما ادخر لهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهما سواء في المعنى.(42) في المطبوعة: "منها جهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو أجود.
﴿ ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ﴾