القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 181 سورة آل عمران - لقد سمع الله قول الذين قالوا إن

سورة آل عمران الآية رقم 181 : سبع تفاسير معتمدة

سورة لقد سمع الله قول الذين قالوا إن - عدد الآيات 200 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 181 من سورة آل عمران عدة تفاسير - سورة آل عمران : عدد الآيات 200 - - الصفحة 74 - الجزء 4.

سورة آل عمران الآية رقم 181


﴿ لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ ﴾
[ آل عمران: 181]

﴿ التفسير الميسر ﴾

لقد سمع الله قول اليهود الذين قالوا: إن الله فقير إلينا يطلب منا أن نقرضه أموالا ونحن أغنياء. سنكتب هذا القول الذي قالوه، وسنكتب أنهم راضون بما كان مِن قَتْل آبائهم لأنبياء الله ظلمًا وعدوانًا، وسوف نؤاخذهم بذلك في الآخرة، ونقول لهم وهم في النار يعذبون: ذوقوا عذاب النار المحرقة.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء» وهم اليهود قالوه لما نزل (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) وقالوا لو كان غنيا ما استقرضناه «سنكتب» نأمر بكتب «ما قالوا» في صحائف أعمالهم ليُجازَوا عليه وفي قراءة بالياء مبينا للمفعول «و» نكتب «قتلَهم» بالنصب والرفع «الأنبياء بغير حق ونقول» بالنون والياء أي الله لهم في الآخرة على لسان الملائكة «ذوقوا عذاب الحريق» النار ويقال لهم إذا القوا فيها.

﴿ تفسير السعدي ﴾

يخبر تعالى، عن قول هؤلاء المتمردين، الذين قالوا أقبح المقالة وأشنعها، وأسمجها، فأخبر أنه قد سمع ما قالوه وأنه سيكتبه ويحفظه، مع أفعالهم الشنيعة، وهو: قتلهم الأنبياء الناصحين، وأنه سيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة، وأنه يقال لهم -بدل قولهم إن الله فقير ونحن أغنياء- ذوقوا عذاب الحريق المحرق النافذ من البدن إلى الأفئدة، وأن عذابهم ليس ظلما من الله لهم، فإنه ليس بظلام للعبيد فإنه منزه عن ذلك، وإنما ذلك بما قدمت أيديهم من المخازي والقبائح، التي أوجبت استحقاقهم العذاب، وحرمانهم الثواب.
وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود، تكلموا بذلك، وذكروا منهم "فنحاص بن عازوراء" من رؤساء علماء اليهود في المدينة، وأنه لما سمع قول الله تعالى: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا وأقرضوا الله قرضا حسنا قال: -على وجه التكبر والتجرهم- هذه المقالة قبحه الله، فذكرها الله عنهم، وأخبر أنه ليس ببدع من شنائعهم، بل قد سبق لهم من الشنائع ما هو نظير ذلك، وهو: قتلهم الأنبياء بغير حق هذا القيد يراد به، أنهم تجرأوا على قتلهم مع علمهم بشناعته، لا جهلا وضلالا، بل تمردا وعنادا.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله تعالى : ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ) قال الحسن ومجاهد : لما نزلت : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) قالت اليهود : إن الله فقير استقرض منا ونحن أغنياء ، وذكر الحسن : أن قائل هذه المقالة حيي بن أخطب .
وقال عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق : كتب النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا فدخل أبو بكر رضي الله عنه ذات يوم بيت مدارسهم فوجد ناسا كثيرا من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم ، ومعه حبر آخر يقال له أشيع .
فقال أبو بكر لفنحاص : اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة فآمن وصدق وأقرض الله قرضا حسنا يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب .
فقال فنحاص : يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرض أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني؟ فإن كان ما تقول حقا فإن الله إذا لفقير ونحن أغنياء ، وإنه ينهاكم عن الربا ويعطينا ، ولو كان غنيا ما أعطانا الربا .
فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال : والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه : " ما حملك على ما صنعت " ؟ فقال : يا رسول الله إن عدو الله قال قولا عظيما زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فغضبت لله فضربت وجهه ، فجحد ذلك فنحاص ، فأنزل الله تعالى ردا على فنحاص وتصديقا لأبي بكر رضي الله عنه : ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا ) من الإفك والفرية على الله فنجازيهم به ، وقال مقاتل : سنحفظ عليهم ، وقال الواقدي : سنأمر الحفظة بالكتابة ، نظيره قوله تعالى : ( وإنا له كاتبون ) ، ( وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ) قرأ حمزة " سيكتب " بضم الياء ، " وقتلهم " برفع اللام " ويقول " بالياء و ( ذوقوا عذاب الحريق ) أي : النار وهو بمعنى المحرق كما يقال : لهم عذاب أليم أي : مؤلم .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

قال ابن كثير: عن ابن عباس قال: لما نزل قوله- تعالى- مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً، فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً قالت اليهود: يا محمد!! افتقر ربك فسأل عباده القرض، فأنزل الله هذه الآية.
وروى محمد بن إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر الصديق بيت المدارس .
فوجد من يهود ناسا كثيرة قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له «فنحاص» وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر يقال له «أشيع» .
فقال له أبو بكر: ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم فو الله إنك لتعلم أن محمدا رسول من عند الله، قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل.
فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة من فقر، وإنه إلينا لفقير، ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء.
ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم.
ينهاكم عن الربا ويعطينا، ولو كان غنيا ما أعطانا الربا.
فغضب أبو بكر وضرب وجه فنحاص ضربا شديدا، وقال: والذي نفسي بيده لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو الله .
.
.
فذهب فنحاص إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا محمد: أبصر ما صنع بي صاحبك.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما حملك على ما صنعت يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله.
إن عدو الله قال قولا عظيما.
يزعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء.
فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجهه.
فجحد فنحاص ذلك وقال: ما قلت ذلك.
فأنزل الله فيما قال فنحاص: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا .
.
.
.
والمعنى: لقد سمع الله- تعالى- قول أولئك اليهود الذين نطقوا بالزور والفحش فزعموا أن الله- تعالى- فقير وهم أغنياء.
والمقصود من هذا السمع لازمه وهو العلم والإحاطة بما يقولون من قبائح، ثم محاسنهم على ما تفوهوا به من أقوال، وما ارتكبوه من أعمال، ومعاقبتهم على جرائمهم بالعقاب المهين الذين يستحقونه.
وقوله سَنَكْتُبُ ما قالُوا، وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ أى سنسجل عليهم في صحائف أعمالهم قولهم هذا، كما سنسجل عليهم قتلهم أنبياء الله بغير حق، فالإسناد مجازى والكتابة حقيقية.
أو المعنى: سنحفظه في علمنا ولا نهمله، وسنعاقبهم بما يستحقون من عقوبات، فيكون الإسناد حقيقة والكتابة مجاز.
والسين للتأكيد، أى لن يفوتنا أبدا تدوينه وإثباته، بل سنسجله عليهم ونعاقبهم عليه عقابا أليما بسبب أقوالهم القبيحة، وأعمالهم المنكرة.
وقد قرن- سبحانه- قولهم المنكر هذا، يفعل شنيع من أفعال أسلافهم، وهو قتلهم الأنبياء بغير حق وذلك لإثبات أصالتهم في الشر، واستهانتهم بالحقوق الدينية، وللتنبيه على أن قولهم هذا ليس أول جريمة ارتكبوها، ومعصية استباحوها، فقد سبق لأسلافهم أن قتلوا الأنبياء بغير حق، وللإشعار بأن هاتين الجريمتين من نوع واحد، وهو التجرؤ على الله- تعالى-، فقتل الأنبياء هو تعد على أمناء الله في الأرض الذين اختارهم لتبليغ رسالاته، وقولهم إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وهو تطاول على ذات الله، وكذب عليه، ووصف له بما لا يليق به- سبحانه- وبهذا كله يكونون قد عتوا عتوا كبيرا، وضلوا ضلالا بعيدا.
وأضاف- سبحانه- القتل إلى المعاصرين للعهد النبوي من اليهود، مع أنه حدث من أسلافهم لأن هؤلاء المعاصرين كانوا راضين بفعل أسلافهم ولم ينكروه وإن لم يكونوا قد باشروه، ومن رضى بجريمة قد فعلها غيره فكأنما قد فعلها هو.
وفي الحديث الشريف: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها.
ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها.
ووصف- سبحانه- قتلهم للأنبياء بأنه بِغَيْرِ حَقٍّ مع أن هذا الإجرام لا يكون بحق أبدا، للإشارة إلى شناعة أفعالهم، وضخامة شرورهم، وأنهم لخبث نفوسهم، وقسوة قلوبهم لا يبالون أكان فعلهم في موضعهم أم في غير موضعه.
ثم صرح- سبحانه بالعقوبة بعد أن كنى عنها فقال: وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ أى:سنجازيهم بما فعلوا، ونلقى بهم في جهنم، مخاطبين إياهم بقولنا: ذوقوا عذاب تلك النار المحرقة التي كنتم بها تكذبون.
ففي الآية الكريمة إيجاز بالحذف دل عليه سياق الكلام.
والذوق حقيقته إدراك المطعومات، والأصل فيه أن يكون في أمر مرغوب في ذوقه وطلبه، والتعبير به هنا عن ذوق العذاب هو لون من التهكم عليهم، والاستهزاء بهم كما في قوله- تعالى- فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

قال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزل قوله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) [ البقرة : 245 ] قالت اليهود : يا محمد ، افتقر ربك . يسأل عباده القرض ؟ فأنزل الله : ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ) الآية . رواه ابن مردويه وابن أبي حاتم .وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أنه حدثه عن ابن عباس ، رضي الله عنه ، قال : دخل أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، بيت المدراس ، فوجد من يهود أناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له : فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم ، ومعه حبر يقال له : أشيع . فقال أبو بكر : ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم ، فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله ، قد جاءكم بالحق من عنده ، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل ، فقال فنحاص : والله - يا أبا بكر - ما بنا إلى الله من حاجة من فقر ، وإنه إلينا لفقير . ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء ، ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ، ينهاكم عن الربا ويعطناه ولو كان غنيا ما أعطانا الربا ، فغضب أبو بكر ، رضي الله عنه ، فضرب وجه فنحاص ضربا شديدا ، وقال : والذي نفسي بيده ، لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو الله ، فاكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين ، فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أبصر ما صنع بي صاحبك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : " ما حملك على ما صنعت ؟ " فقال : يا رسول الله ، إن عدو الله قد قال قولا عظيما ، زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء ، فلما قال ذلك غضبت لله مما قال ، فضربت وجهه فجحد ذلك فنحاص وقال : ما قلت ذلك فأنزل الله فيما قال فنحاص ردا عليه وتصديقا لأبي بكر : ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ) الآية . رواه ابن أبي حاتم .وقوله : ( سنكتب ما قالوا ) تهديد ووعيد ، ولهذا قرنه بقوله : ( وقتلهم الأنبياء بغير حق ) أي : هذا قولهم في الله ، وهذه معاملتهم لرسل الله ، وسيجزيهم الله على ذلك شر الجزاء

﴿ تفسير القرطبي ﴾

لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريققوله تعالى : لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ذكر تعالى قبيح قول الكفار ولا سيما اليهود .
وقال أهل التفسير : لما أنزل الله من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال قوم من اليهود - منهم حيي بن أخطب ; في قول الحسن .
وقال عكرمة وغيره : هو فنحاص بن عازوراء - إن الله فقير ونحن أغنياء يقترض منا .
وإنما قالوا هذا تمويها على ضعفائهم ، لا أنهم يعتقدون هذا ; لأنهم أهل كتاب .
ولكنهم كفروا بهذا القول ; لأنهم أرادوا تشكيك الضعفاء منهم ومن المؤمنين ، وتكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - .
أي إنه فقير على قول محمد - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه اقترض منا .
سنكتب ما قالوا سنجازيهم عليه .
وقيل : سنكتبه في صحائف أعمالهم ، أي نأمر الحفظة بإثبات قولهم حتى يقرءوه يوم القيامة في كتبهم التي يؤتونها ; حتى يكون أوكد للحجة عليهم .
وهذا كقوله : وإنا له كاتبون .
وقيل : مقصود الكتابة الحفظ ، أي سنحفظ ما قالوا لنجازيهم .
" وما " في قوله ما قالوا في موضع نصب " بسنكتب " .
وقرأ الأعمش وحمزة " سيكتب " بالياء ; فيكون " ما " اسم ما لم يسم فاعله .
واعتبر حمزة ذلك بقراءة ابن مسعود : " ويقال ذوقوا عذاب الحريق " .
قوله تعالى : وقتلهم الأنبياء بغير حق أي ونكتب قتلهم الأنبياء ، أي رضاءهم بالقتل .
والمراد قتل أسلافهم الأنبياء ; لكن لما رضوا بذلك صحت الإضافة إليهم .
وحسن رجل عند الشعبي ، قتل عثمان - رضي الله عنه - فقال له الشعبي : شركت في دمه .
فجعل الرضا بالقتل قتلا ; - رضي الله عنه - .
قلت : وهذه مسألة عظمى ، حيث يكون الرضا بالمعصية معصية .
وقد روى أبو داود عن العرس بن عميرة الكندي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة فأنكرها - كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها .
وهذا نص .
قوله تعالى : بغير حق تقدم معناه في البقرة .
ونقول ذوقوا عذاب الحريق أي يقال لهم في جهنم ، أو عند الموت ، أو عند الحساب هذا .
ثم هذا القول من الله تعالى ، أو من الملائكة ; قولان .
وقراءة ابن مسعود " ويقال " .
والحريق اسم للملتهبة من النار ، والنار تشمل الملتهبة وغير الملتهبة .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّقال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية وآيات بعدها نزلت في بعض اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر الآثار بذلك:8300 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثنا محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة: أنه حدثه عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المِدْراس، فوجد من يهودَ ناسًا كثيرًا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فِنحاص، كان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حَبْرٌ يقال له أشيْع.
فقال أبو بكر رضي الله عنه لفنحاص: ويحك يا فِنحاص، اتق الله وأسلِم، فوالله إنك لتعلم أنّ محمدًا رسول الله، قد جاءكم بالحقّ من عند الله، تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة والإنجيل! قال فنحاص: والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير! وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنيُّا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم! ينهاكم عن الربا ويعطيناه! ولو كان عنا غنيًّا ما أعطانا الربا! (1) فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة، وقال: والذي نفسي بيده، لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عُنقك يا عدو الله! فأكذِبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين.
فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، انظر ما صنع بي صاحبك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ما حملك على ما صنعت؟ فقال : يا رسول الله، إن عدو الله قال قولا عظيمًا، زعم أنّ الله فقير وأنهم عنه أغنياء! فلما قال ذلك غضبت لله مما قال، فضربتُ وجهه.
فجحد ذلك فنحاص وقال: ما قلت ذلك! فأنزل الله تبارك وتعالى فيما قال فنحاص، ردًّا عليه وتصديقًا لأبي بكر: " لقد سَمِع الله قول الذين قالوا إنّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتبُ ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق " = وفي قول أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [سورة آل عمران: 186].
(2)8301 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة مولى ابن عباس قال: دخل أبو بكر = فذكر نحوه، غير أنه قال: " وإنا عنه لأغنياء، وما هو عنا بغنيٍّ، ولو كان غنيًّا "، ثم ذكر سائر الحديث نحوه.
(3)8302 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " لقد سمع الله قول الذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء "، قالها فنحاص اليهوديّ من بني مَرثد، لقيه أبو بكر فكلمه فقال له: يا فنحاص، اتق الله وآمن وصدِّق، وأقرض الله قرضًا حسنًا! فقال فنحاص: يا أبا بكر، تزعم أن ربنا فقير يستقرِضنا أموالنا! وما يستقرض إلا الفقير من الغني! إن كان ما تقول حقًّا، فإن الله إذًا لفقير! فأنزل الله عز وجل هذا، فقال أبو بكر: فلولا هُدنة كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بني مَرثد لقتلته.
8303 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: صك أبو بكر رجلا منهم = الذين قالوا: " إنّ الله فقير ونحن أغنياء "، لم يستقرضنا وهو غني؟! وهم يهود.
8304 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح قال: " الذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء "، لم يستقرضنا وهو غني؟= قال شبل: بلغني أنه فنحاص اليهودي، وهو الذي قال: " إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ" و " يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ".
8305 - حدثنا ابن حميد قال، حدثني يحيى بن واضح قال، حدثت عن عطاء، عن الحسن قال، لما نزلت: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [سورة البقرة: 245 سورة الحديد: 11] قالت اليهود: إنّ ربكم يستقرض منكم! فأنزل الله: " لقد سمع الله قول الذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء ".
8306 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن الحسن البصري قال: لما نزلت: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا قال: عجبت اليهود فقالت: إن الله فقير يستقرض! فنزلت: " لقد سمع الله قول الذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء ".
8307 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " الذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء "، ذكر لنا أنها نزلت في حُيَيّ بن أخطب، لما أنزل الله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً قال: يستقرضنا ربنا، إنما يستقرض الفقير الغنيَّ!8308 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: لما نزلت: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ، قالت اليهود: إنما يستقرض الفقير من الغني!! قال: فأنزل الله: " لقد سمع الله قول الذين قالوا إنّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء ".
8309 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد يقول في قوله: " لقد سمع الله قول الذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء "، قال: هؤلاء يهود.
(4)* * *قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذًا: لقد سمع الله قول الذين قالوا من اليهود: " إن الله فقير إلينا ونحن أغنياء عنه "، سنكتب ما قالوا من الإفك والفرية على ربهم، وقتلهم أنبياءهم بغير حق.
* * *واختلفت القرأة في قراءة قوله: " سنكتب ما قالوا وقتلهم ".
فقرأ ذلك قرأة الحجاز وعامة قرأة العراق: ( سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ) بالنون، " وقَتْلَهُمُ الأنْبِياءَ بغير حقٍّ" بنصب " القتل ".
* * *وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفيين: ( " سَيُكْتَبُ مَا قَالُوا وَقَتْلُهُمُ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ " ) بالياء من " سيكتب " وبضمها، ورفع " القتل "، على مذهب ما لم يسمّ فاعله، اعتبارًا بقراءة يذكر أنها من قراءة عبد الله في قوله: " ونقول ذوقوا "، يذكر أنها في قراءة عبد الله: " ويُقَالُ".
(5)فأغفل قارئ ذلك وجه الصواب فيما قصد إليه من تأويل القراءة التي تُنسب إلى عبد الله، وخالف الحجة من قرأة الإسلام.
وذلك أن الذي ينبغي لمن قرأ: " سيكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء " على وجه ما لم يسم فاعله، أن يقرأ: " ويقال "، لأن قوله: " ونقول " عطف على قوله: " سنكتب ".
فالصواب من القراءة أن يوفق بينهما في المعنى بأن يقرآ جميعًا على مذهب ما لم يسم فاعله، أو على مذهب ما يسمى فاعله.
فأما أن يقرأ أحدهما على مذهب ما لم يسم فاعله، والآخر على وجه ما قد سُمِّي فاعله، من غير معنى ألجأه على ذلك، فاختيار خارج عن الفصيح من كلام العرب.
(6)* * *قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: " سَنَكْتُب " بالنون " وقَتْلَهُمْ" بالنصب، لقوله: " وَنَقُول "، ولو كانت القراءة في" سيكتب " بالياء وضمها، لقيل: " ويقال "، على ما قد بيّنا.
* * *فإن قال قائل: كيف قيل: " وقتلهم الأنبياء بغير حق "، وقد ذكرت في الآثار التي رويتَ، أن الذين عنوا بقوله: (7) " لقد سمع الله قول الذين قالوا إنّ الله فقيرٌ" بعض اليهود الذين كانوا على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن من أولئك أحدٌ قتل نبيًا من الأنبياء، لأنهم لم يدركوا نبيًا من أنبياء الله فيقتلوه؟قيل: إنّ معنى ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه.
وإنما قيل ذلك كذلك، لأن الذين عنى الله تبارك وتعالى بهذه الآية، كانوا راضين بما فعل أوائلهم من قتل من قتلوا من الأنبياء، وكانوا منهم وعلى منهاجهم، من استحلال ذلك واستجازته.
فأضاف جلّ ثناؤه فعلَ ما فعله من كانوا على منهاجه وطريقته، إلى جميعهم، إذ كانوا أهل ملة واحدة ونحْلة واحدة، وبالرِّضى من جميعهم فَعل ما فعل فاعلُ ذلك منهم، على ما بينا من نظائره فيما مضى قبل.
(8)* * *القول في تأويل قوله : وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " ونقول " للقائلين بأن الله فقيرٌ ونحن أغنياء، القاتلين أنبياء الله بغير حقّ يوم القيامة=" ذوقوا عذاب الحريق "، يعني بذلك: عذاب نار محرقة ملتهبة.
(9)* * *و " النار " اسم جامع للملتهبة منها وغير الملتهبة، وإنما " الحريق " صفة لها يراد أنها محرقة، كما قيل: " عذابٌ أليم " يعني: مؤلم، و " وجيع " يعني: موجع.
----------------------------الهوامش :(1) كان في المخطوطة سقط بين ، فيها: "وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء.
ولو كان عنا غنيًا ما أعطانا الربا.
فغضب أبو بكر" ، واستدركت المطبوعة هذا السقط من الدر المنثور فيما أرجح (2: 105) ، فتركته كما هو ، لموافقته لما جاء في تفسير ابن كثير 2: 308 ، وإن خالف رواية ابن هشام في سيرته ، في بعض ألفاظ.
(2) الأثران: 8300 ، 8301 - سيرة ابن هشام 2: 207 ، 208 ، وهو تابع الأثر السالف رقم: 7695 ، مما روى الطبري من سيرة ابن إسحاق.
(3) انظر خبر فنحاص أيضًا في الأثر الآتي رقم: 8316.
(4) في المطبوعة: "هؤلاء اليهود" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(5) هذا كلام الفراء بلا شك ، في معاني القرآن 1: 249 ، ولكن وقع في نسخ الفراء خرم لم يتنبه إليه مصححو المطبوعة ، تمامه مما ذكره الطبري ورواه عنه كعادته.
والنص الذي في المطبوعة من معاني القرآن: "وقرئ: سيكتب ما قالوا ، قرأها حمزة اعتبارًا ، لأنها في مصحف عبد الله" ، وانقطع الكلام ، فظاهر أن فيه سقطًا ، وظاهر أن تمامه ما رواه الطبري من قراءة عبد الله التي اعتبر بها حمزة في قراءة"سيكتب".
(6) المعروف في كلامهم"ألجأه إلى كذا" ، واستعمل الطبري"ألجأه عليه" بمعنى حمله عليه ، على إرادة التضمين ، وهو كلام فصيح لا يعاب ، وهو من النوادر التي لم أجدها في كتاب ، وإن كنت أذكر أني قرأتها في بعض كتب الشافعي رحمه الله ، وغاب اليوم عني مكانها.
(7) في المطبوعة: "وقد ذكرت الآثار التي رويت" ، أسقطت"في" ، وهي ثابتة في المخطوطة.
(8) انظر ما سلف 2: 23 ، 24 ، 38 ، 39 ، 164 ، 165 وفهارس المباحث في الجزء الثاني ص 611 ، "إضافة أفعال الأسلاف إلى الأبناء.
.
.
".
(9) تفسير"الحريق" كما فسره أبو جعفر ، مما لا تكاد تظفر به في كتب اللغة ، بل قالوا: الحريق: اضطرام النار وتلهبها.
والحريق أيضًا اللهب".
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 110 ، ونصه: "النار اسم جامع ، تكون نارًا وهي حريق وغير حريق ، فإذا التهبت ، فهي حريق".

﴿ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ﴾

قراءة سورة آل عمران

المصدر : تفسير : لقد سمع الله قول الذين قالوا إن