فاستمَرُّوا على تكذيبه، فأصابهم الحر الشديد، وصاروا يبحثون عن ملاذ يستظلون به، فأظلتهم سحابة، وجدوا لها بردًا ونسيمًا، فلما اجتمعوا تحتها، التهبت عليهم نارًا فأحرقتهم، فكان هلاكهم جميعًا في يوم شديد الهول.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة» هي سحابة أظلتهم بعد حر شديد أصابهم فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا «إنه كان عذاب يوم عظيم».
﴿ تفسير السعدي ﴾
فَكَذَّبُوهُ أي: صار التكذيب لهم, وصفا والكفر لهم ديدنا, بحيث لا تفيدهم الآيات, وليس بهم حيلة إلا نزول العذاب.فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ أظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها مستلذين, لظلها غير الظليل, فأحرقتهم بالعذاب, فظلوا تحتها خامدين, ولديارهم مفارقين, ولدار الشقاء والعذاب نازلين.إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ لا كرة لهم إلى الدنيا, فيستأنفوا العمل، ولا يفتر عنهم العذاب ساعة, ولا هم ينظرون.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة ) وذلك أنه أخذهم حر شديد ، فكانوا يدخلون الأسراب فإذا دخلوها وجدوها أشد حرا فخرجوا ، فأظلتهم سحابة ، وهي الظلة ، فاجتمعوا تحتها ، فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا ، ذكرناه في سورة هود . ( إنه كان عذاب يوم عظيم )
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم يعجل - سبحانه - ببيان عاقبتهم السيئة فيقول : ( فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) .قال الآلوسى : وذلك على ما أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبى حاتم ، والحاكم عن ابن عباس : أن الله - تعالى - بعث عليهم حرا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم ، فدخلوا أجواف البيوت ، فدخل عليهم ، فخرجوا منها هرابا إلى البرية . فبعث الله - تعالى - عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس ، وهى الظلة ، فوجدوا لها بردا ولذة ، فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها ، أسقطها الله عليهم نارا .فأهلكتهم جميعا . .ففى الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين ، وذلك لأنهم قالوا : ( لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب والذين آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ . . ) فلما أرجفوا بنبى الله ومن تبعه . - أى : حاولوا زلزلتهم وتخويفهم - أخذتهم الرجفة .وفى سورة هود قال : ( وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة ) وذلك لأنهم استهزءوا بنبى الله فى قولهم : ( أصلاوتك تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ . . ) فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم . .وها هنا قالوا : ( فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السمآء ) على وجه التعنت والعناد فناسب أن ينزل بهم ما استبعدوا وقوعه فقال : ( فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة ) .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ولهذا قال تعالى : ( فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ) وهذا من جنس ما سألوا ، من إسقاط الكسف عليهم ، فإن الله سبحانه وتعالى ، جعل عقوبتهم أن أصابهم حر شديد جدا مدة سبعة أيام لا يكنهم منه شيء ، ثم أقبلت إليهم سحابة أظلتهم ، فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بظلها من الحر ، فلما اجتمعوا [ كلهم ] تحتها أرسل الله تعالى عليهم منها شررا من نار ، ولهبا ووهجا عظيما ، ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم ; ولهذا قال : ( إنه كان عذاب يوم عظيم ) .وقد ذكر الله تعالى صفة إهلاكهم في ثلاثة مواطن كل موطن بصفة تناسب ذلك السياق ، ففي الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ; وذلك لأنهم قالوا : ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا ) [ الأعراف : 88 ] ، فأرجفوا بنبي الله ومن اتبعه ، فأخذتهم الرجفة . وفي سورة هود قال : ( وأخذت الذين ظلموا الصيحة ) [ هود : 94 ] ; وذلك لأنهم استهزءوا بنبي الله في قولهم : ( أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد ) [ هود : 87 ] . قالوا ذلك على سبيل التهكم والازدراء ، فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم ، فقال : ( وأخذت الذين ظلموا الصيحة ) وهاهنا قالوا : ( فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين ) على وجه التعنت والعناد ، فناسب أن يحق عليهم ما استبعدوا وقوعه .( فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ) .قال قتادة : قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه : إن الله سلط عليهم الحر سبعة أيام حتى ما يظلهم منه شيء ، ثم إن الله أنشأ لهم سحابة ، فانطلق إليها أحدهم واستظل بها ، فأصاب تحتها بردا وراحة ، فأعلم بذلك قومه ، فأتوها جميعا ، فاستظلوا تحتها ، فأججت عليهم نارا .وهكذا روي عن عكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، وغيرهم .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، بعث الله إليهم الظلة ، حتى إذا اجتمعوا كلهم ، كشف الله عنهم الظلة ، وأحمى عليهم الشمس ، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى .وقال محمد بن كعب القرظي : إن أهل مدين عذبوا بثلاثة أصناف من العذاب : أخذتهم الرجفة في دارهم حتى خرجوا منها ، فلما خرجوا منها أصابهم فزع شديد ، ففرقوا أن يدخلوا إلى البيوت فتسقط عليهم ، فأرسل الله عليهم الظلة ، فدخل تحتها رجل فقال : ما رأيت كاليوم ظلا أطيب ولا أبرد من هذا . هلموا أيها الناس . فدخلوا جميعا تحت الظلة ، فصاح بهم صيحة واحدة ، فماتوا جميعا . ثم تلا محمد بن كعب : ( فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ) .وقال ابن جرير : حدثني الحارث ، حدثني الحسن ، حدثني سعيد بن زيد - أخو حماد بن زيد - حدثني حاتم بن أبي صغيرة حدثني يزيد الباهلي : سألت ابن عباس ، عن هذه الآية ( فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ) قال : بعث الله عليهم ومدة وحرا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم [ فدخلوا البيوت ، فدخل عليهم أجواف البيوت ، فأخذ بأنفاسهم ] فخرجوا من البيوت هرابا إلى البرية ، فبعث الله سحابة فأظلتهم من الشمس ، فوجدوا لها بردا ولذة ، فنادى بعضهم بعضا ، حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسلها الله عليهم نارا . قال ابن عباس : فذلك عذاب يوم الظلة ، إنه كان عذاب يوم عظيم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم قال ابن عباس : أصابهم حر شديد ، فأرسل الله سبحانه سحابة فهربوا إليها ليستظلوا بها ، فلما صاروا تحتها صيح بهم فهلكوا . وقيل : أقامها الله فوق رءوسهم ، وألهبها حرا حتى ماتوا من الرمد . وكان من أعظم يوم في الدنيا عذابا . وقيل : بعث الله عليهم سموما فخرجوا إلى الأيكة يستظلون بها فأضرمها الله عليهم نارا فاحترقوا . وعن ابن عباس أيضا وغيره : إن الله تعالى فتح عليهم بابا من أبواب جهنم ، وأرسل عليهم هدة وحرا شديدا فأخذ بأنفسهم ، فدخلوا بيوتهم فلم ينفعهم ظل ولا ماء فأنضجهم الحر ، فخرجوا هربا إلى البرية ، فبعث الله عز وجل سحابة فأظلتهم فوجدوا لها بردا وروحا وريحا طيبة ، فنادى بعضهم بعضا ، فلما اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله تعالى عليهم نارا ، ورجفت بهم الأرض ، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى ، فصاروا رمادا ; فذلك قوله : فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها وقوله : فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم . وقيل : إن الله تعالى حبس عنهم الريح سبعة أيام ، وسلط عليهم الحر حتى أخذ بأنفاسهم ، ولم ينفعهم ظل ولا ماء فكانوا يدخلون الأسراب ، ليتبردوا فيها فيجدوها أشد حرا من الظاهر . فهربوا إلى البرية ، فأظلتهم سحابة وهي الظلة ، فوجدوا لها بردا ونسيما ، فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا . وقال يزيد الجريري : سلط الله عليهم الحر سبعة أيام ولياليهن ثم رفع لهم جبل من بعيد فأتاه رجل فإذا تحته أنهار وعيون وشجر وماء بارد ، فاجتمعوا كلهم تحته ، فوقع عليهم الجبل وهو الظلة . وقال قتادة : بعث الله شعيبا إلى أمتين : أصحاب مدين وأصحاب الأيكة فأهلك الله أصحاب الأيكة بالظلة ، وأما أصحاب مدين فصاح بهم جبريل صيحة فهلكوا أجمعين .
﴿ تفسير الطبري ﴾
( فكذبوه ) يقول: فكذّبه قومه.( فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ) يعني بالظلة: سحابة ظللتهم, فلما تتاموا تحتها التهبت عليهم نارا, وأحرقتهم, وبذلك جاءت الآثار.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن زيد بن معاوية, في قوله: ( فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ) قال: أصابهم حرّ أقلقهم في بيوتهم, فنشأت لهم سحابة كهيئة الظلة, فابتدروها, فلما تتاموا تحتها أخذتهم الرجفة.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب, عن جعفر, في قوله: ( عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ) قال: كانوا يحفرون الأسراب ليتبردوا فيها, فإذا دخلوها وجدوها أشد حرا من الظاهر, وكانت الظلة سحابة.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني جرير بن حازم أنه سمع قتادة يقول: بعث شُعيب إلى أمتين: إلى قومه أهل مدين, وإلى أصحاب الأيكة. وكانت الأيكة من شجر ملتف; فلما أراد الله أن يعذّبهم, بعث الله عليهم حرّا شديدا, ورفع لهم العذاب كأنه سحابة; فلما دنت منهم خرجوا إليها رجاء بردها, فلما كانوا تحتها مطرت عليهم نارا. قال: فذلك قوله: ( فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ).حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثني سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد, قال: ثنا حاتم بن أبي صغيرة, قال: ثني يزيد الباهلي, قال: سألت عبد الله بن عباس, عن هذه الآية: ( فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) فقال عبد الله بن عباس: بعث الله عليهم ومدة وحرّا شديدا, فأخذ بأنفاسهم, فدخلوا البيوت, فدخل عليهم أجواف البيوت, فأخذ بأنفاسهم, فخرجوا من البيوت هرابا (3) إلى البرية, فبعث الله عليهم سحابة, فأظلتهم من الشمس, فوجدوا لها بردا ولذة, فنادى بعضهم بعضا, حتى إذا اجتمعوا تحتها, أرسلها الله عليهم نارا. قال عبد الله بن عباس: فذلك عذاب يوم الظلة,(إنه كان عذاب يوم عظيم).حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: " يَوْمُ الظُّلَّةِ" قال: إظلال العذاب إياهم.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: ( عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ) قال: أظلّ العذابُ قوم شُعيب.قال ابن جُرَيج: لما أنزل الله عليهم أوّل العذاب, أخذهم منه حر شديد, فرفع الله لهم غمامة, فخرج إليها طائفة منهم ليستظلوا بها, فأصابهم منها روح وبرد وريح طيبة, فصبّ الله عليهم من فوقهم من تلك الغمامة عذابا, فذلك قوله: ( عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ).حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر بن راشد, قال: ثني رجل من أصحابنا, عن بعض العلماء قال: كانوا عطلوا حدّا, فوسع الله عليهم في الرزق, ثم عطلوا حدّا, فوسع الله عليهم في الرزق, ثم عطلوا حدّا, فوسع الله عليهم في الرزق, فجعلوا كلما عطلوا حدّا وسع الله عليهم في الرزق, حتى إذا أراد إهلاكهم سلط الله عليهم حرّا لا يستطيعون أن يتقارّوا, ولا ينفعهم ظل ولا ماء, حتى ذهب ذاهب منهم, فاستظلّ تحت ظلة, فوجد روحا, فنادى أصحابه: هلموا إلى الروح, فذهبوا إليه سراعا, حتى إذا اجتمعوا ألهبها الله عليهم نارا, فذلك عذاب يوم الظلة.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو تميلة, عن أبي حمزة, عن جابر, عن ابن عباس, قال: من حدثك من العلماء ما عذاب يوم الظلة؟ فكذِّبْه.حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ) قوم شعيب, حبس الله عنهم الظل والريح, فأصابهم حرّ شديد, ثم بعث الله لهم سحابة فيها العذاب, فلما رأوا السحابة انطلقوا يؤمونها, زعموا يستظلون, فاضطرمت عليهم نارا فأهلكتهم.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) قال: بعث الله إليهم ظلة من سحاب, وبعث إلى الشمس فأحرقت ما على وجه الأرض, فخرجوا كلهم إلى تلك الظلة, حتى إذا اجتمعوا كلهم, كشف الله عنهم الظلة, وأحمى عليهم الشمس, فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى. وقوله: ( إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) يقول تعالى ذكره: إن عذاب يوم الظلة كان عذاب يوم لقوم شُعيب عظيم.--------------------------الهوامش :(3) هرابًا: لعله جمع هارب، ولم أجده في اللسان.
﴿ فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ﴾