والله سبحانه يقضي بين الناس بالعدل فيما يستحقونه، والذين يُعبدون من دون الله من الآلهة لا يقضون بشيء؛ لعجزهم عن ذلك. إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم، البصير بأفعالكم وأعمالكم، وسيجازيكم عليها.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«والله يقضي بالحق والذين يدعون» يعبدون، أي كفار مكة بالياء والتاء «من دونه» وهم الأصنام «لا يقضون بشيءٍ» فكيف يكونون شركاء لله «إن الله هو السميع» لأقوالهم «البصير» بأفعالهم.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ لأن قوله حق، وحكمه الشرعي حق، وحكمه الجزائي حق وهو المحيط علمًا وكتابة وحفظا بجميع الأشياء، وهو المنزه عن الظلم والنقص وسائر العيوب، وهو الذي يقضي قضاءه القدري، الذي إذا شاء شيئًا كان وما لم يشأ لم يكن، وهو الذي يقضي بين عباده المؤمنين والكافرين في الدنيا، ويفصل بينهم بفتح ينصر به أولياءه وأحبابه. وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ وهذا شامل لكل ما عبد من دون الله لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ لعجزهم وعدم إرادتهم للخير واستطاعتهم لفعله. إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ لجميع الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات. الْبَصِيرُ بما كان وما يكون، وما نبصر وما لا نبصر، وما يعلم العباد وما لا يعلمون.قال في أول هاتين الآيتين وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ ثم وصفها بهذه الأوصاف المقتضية للاستعداد لذلك اليوم العظيم، لاشتمالها على الترغيب والترهيب.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه ) يعني الأوثان ( لا يقضون بشيء ) لأنها لا تعلم شيئا ولا تقدر على شيء ، قرأ نافع وابن عامر : " تدعون " بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء . ( إن الله هو السميع البصير ) .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- أن القضاء الحق في هذا اليوم مرده إليه وحده فقال: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ....أى: والله- تعالى- يقضى بين عباده قضاء ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل.وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ.. أى: والآلهة الذين يعبدهم الكفار من دون الله- تعالى- لا يقضون بشيء أصلا، لأنهم لا يعلمون شيئا، ولا يقدرون على شيء، وإذا فهم أعجز وأتفه من أن يلتفت إليهم.إِنَّ اللَّهَ- تعالى- هُوَ السَّمِيعُ لكل شيء الْبَصِيرُ بكل شيء، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( والله يقضي بالحق ) أي : يحكم بالعدل .وقال الأعمش : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] في قوله : ( والله يقضي بالحق ) قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة ، وبالسيئة السيئة ( إن الله هو السميع البصير ) .وهذا الذي فسر به ابن عباس في هذه الآية كقوله تعالى : ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) [ النجم : 31 ] . وقوله : ( والذين يدعون من دونه ) أي : من الأصنام والأوثان والأنداد ، ( لا يقضون بشيء ) أي : لا يملكون شيئا ولا يحكمون بشيء ( إن الله هو السميع البصير ) أي : سميع لأقوال خلقه ، بصير بهم ، فيهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وهو الحاكم العادل في جميع ذلك .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
والله يقضي بالحق أي يجازي من غض بصره عن المحارم ، ومن نظر إليها ، ومن عزم على مواقعة الفواحش إذا قدر عليها . والذين يدعون من دونه يعني الأوثان لا يقضون بشيء لأنها لا تعلم شيئا ولا تقدر عليه ولا تملك . وقراءة العامة بالياء على الخبر عن الظالمين وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم . وقرأ نافع وشيبة وهشام : " تدعون " بالتاء .إن الله هو السميع البصير هو زائدة فاصلة . ويجوز أن تكون في موضع رفع بالابتداء وما بعدها خبر ، والجملة خبر إن .
﴿ تفسير الطبري ﴾
( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) يقول: والله تعالى ذكره يقضي في الذي خانته الأعين بنظرها, وأخفته الصدور عند نظر العيون بالحق, فيجزي الذين أغمضوا أبصارهم, وصرفوها عن محارمه حذارَ الموقف بين يديه, ومسألته عنه بالحُسنى, والذين ردّدوا النظر, وعزمت قلوبهم على مواقعة الفواحش إذا قدّرت, جزاءها.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عبد الله بن أحمد المَرْوَزِيّ, قال: ثنا عليّ بن حسين بن واقد قال: ثني أبي, قال: ثنا الأعمش, قال: ثنا سعيد بن جبير, عن ابن عباس ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ ) إذا نظرت إليها تريد الخيانة أم لا( وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) إذا قدرت عليها أتزني بها أم لا؟ قال: ثم سكت, ثم قال: ألا أخبركم بالتي تليها؟ قلت نعم, قال: ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة, وبالسيئة السيئة ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) قال الحسن: فقلت للأعمش: حدثني الكلبيّ, إلا أنه قال: إن الله قادر على أن يجزي بالسيئة السيئة, وبالحسنة عشرا. وقال الأعمش: إن الذي عند الكلبيّ عندي, ما خرج مني إلا بحقير.حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ ) قال: نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( خَائِنَةَ الأعْيُنِ ) : أي يعلم همزه بعينه, وإغماضه فيما لا يحبّ الله ولا يرضاه.وقوله: ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ) يقول: والأوثان والآلهة التي يعبدها هؤلاء المشركون بالله من قومك من دونه لا يقضون بشيء, لأنها لا تعلم شيئا, ولا تقدر على شيء, يقول جلّ ثناؤه لهم: فاعبدوا الذي يقدر على كل شيء, ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم, فيجزي محسنكم بالإحسان, والمسيء بالإساءة, لا ما لا يقدر على شيء ولا يعلم شيئا, فيعرف المحسن من المسيء, فيثيب المحسن, ويعاقب المسيء.وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) يقول: إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم أيها الناس, البصير بما تفعلون من الأفعال, محيط بكل ذلك محصيه عليكم, ليجازي جميعكم جزاءه يوم الجزاء.واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة: " وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ" بالتاء على وجه الخطاب. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بالياء على وجه الخبر.والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
﴿ والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير ﴾