القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 24 سورة الفتح - وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم

سورة الفتح الآية رقم 24 : سبع تفاسير معتمدة

سورة وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم - عدد الآيات 29 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 24 من سورة الفتح عدة تفاسير - سورة الفتح : عدد الآيات 29 - - الصفحة 514 - الجزء 26.

سورة الفتح الآية رقم 24


﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا ﴾
[ الفتح: 24]

﴿ التفسير الميسر ﴾

وهو الذي كفَّ أيدي المشركين عنكم، وأيديكم عنهم ببطن "مكة" من بعد ما قَدَرْتم عليهم، فصاروا تحت سلطانكم (وهؤلاء المشركون هم الذين خرجوا على عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ"الحديبية"، فأمسكهم المسلمون ثم تركوهم ولم يقتلوهم، وكانوا نحو ثمانين رجلا) وكان الله بأعمالكم بصيرًا، لا تخفى عليه خافية.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة» بالحديبية «من بعد أن أظفركم عليهم» فإن ثمانين منهم طافوا بعسكركم ليصيبوا منكم فأخذوا وأتي بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم فكان ذلك سبب الصلح «وكان الله بما يعملون بصيرا» بالياء والتاء، أي لم يزل متصفا بذلك.

﴿ تفسير السعدي ﴾

يقول تعالى ممتنا على عباده بالعافية، من شر الكفار ومن قتالهم، فقال: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ أي: أهل مكة عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ أي: من بعد ما قدرتم عليهم، وصاروا تحت ولايتكم بلا عقد ولا عهد، وهم نحو ثمانين رجلا، انحدروا على المسلمين ليصيبوا منهم غرة، فوجدوا المسلمين منتبهين فأمسكوهم، فتركوهم ولم يقتلوهم، رحمة من الله بالمؤمنين إذ لم يقتلوهم، وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا فيجازي كل عامل بعمله، ويدبركم أيها المؤمنون بتدبيره الحسن.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله - عز وجل - : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا ) قرأ أبو عمرو بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء ، واختلفوا في هؤلاء :أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عمرو بن محمد الناقد ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك رضي الله عنهم : أن ثمانين رجلا من أهل مكة ، هبطوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جبل التنعيم متسلحين يريدون غدر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فأخذهم سلما فاستحياهم ، فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية : " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم " .
قال عبد الله بن مغفل المزني : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن ، وعلى ظهره غصن من أغصان تلك الشجرة فرفعته عن ظهره ، وعلي بن أبي طالب بين يديه يكتب كتاب الصلح ، فخرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا ، فدعا عليهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " جئتم في عهد ؟ أو هل جعل لكم أحد أمانا ؟ " فقالوا : اللهم لا فخلى سبيلهم ، [ فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية ] .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم ذكرهم- سبحانه- بنعمة من نعمه التي أنعمها عليهم في رحلتهم هذه التي انتهت بصلح الحديبية فقال: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ، بِبَطْنِ مَكَّةَ، مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ .
.
.
والمراد ببطن مكة: الحديبية، وسميت بذلك لأنها قريبة من مكة.
أى: وهو- سبحانه- الذي منع المشركين- بقدرته وحكمته من مهاجمتكم والاعتداء عليكم، ومنعكم من مهاجمتهم وقتالهم، في هذا المكان القريب من مكة، وكان ذلك بعد أن نصركم عليهم، وجعلكم أعلى منهم في القوة والحجة والثبات، وكان- سبحانه- وما زال بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً.
وقد ذكروا في هذا الظفر روايات منها ما أخرجه الإمام مسلم وغيره عن أنس قال: لما كان يوم الحديبية، هبط على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.
ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح، من قبل جبل التنعيم، يريدون غرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعا عليهم، فأخذوا فعفا عنهم، فنزلت هذه الآية» .
فالآية الكريمة تذكير من الله- تعالى- لعباده المؤمنين، بجانب من نعمه عليهم، ورحمته بهم.
وهو تذكير يتعلق بأمور شاهدوها بأعينهم، وعاشوا أحداثها، وعند ما يأتى التذكير بالأمور المشاهدة المحسوسة، يكون أدعى إلى الشكر لله- عز وجل-.
ثم ذكرهم- سبحانه- بنعمة أخرى من نعمه عليهم، وكشف لهم عن جانب من حكمته في منع القتال بينهم وبين مشركي مكة، وفي هدايتهم إلى هذا الصلح فقال:

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

وقوله : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا ) : هذا امتنان من الله على عباده المؤمنين حين كف أيدي المشركين عنهم ، فلم يصل إليهم منهم سوء ، وكف أيدي المؤمنين من المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام ، بل صان كلا من الفريقين ، وأوجد بينهم صلحا فيه خيرة للمؤمنين ، وعاقبة لهم في الدنيا والآخرة . وقد تقدم في حديث سلمة بن الأكوع حين جاءوا بأولئك السبعين الأسارى فأوثقوهم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إليهم وقال : " أرسلوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه " . قال : وفي ذلك أنزل الله : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ) الآية .وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح ، من قبل جبل التنعيم ، يريدون غرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا عليهم فأخذوا - قال عفان : فعفا عنهم - ونزلت هذه الآية : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم )ورواه مسلم وأبو داود في سننه ، والترمذي والنسائي في التفسير من سننيهما ، من طرق ، عن حماد بن سلمة ، به .وقال أحمد - أيضا - : حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا الحسين بن واقد ، حدثنا ثابت البناني ، عن عبد الله بن مغفل المزني قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن ، وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي بن أبي طالب وسهل بن عمرو بين يديه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : " اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم " ، فأخذ سهل بيده وقال : ما نعرف الرحمن الرحيم . اكتب في قضيتنا ما نعرف . قال : " اكتب باسمك اللهم " ، وكتب : " هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة " . فأمسك سهل بن عمرو بيده وقال : لقد ظلمناك إن كنت رسوله ، اكتب في قضيتنا ما نعرف . فقال : " اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله " . فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح ، فثاروا في وجوهنا ، فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ الله بأسماعهم ، فقمنا إليهم فأخذناهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هل جئتم في عهد أحد ؟ أو : هل جعل لكم أحد أمانا ؟ " فقالوا : لا . فخلى سبيلهم ، فأنزل الله : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا ) . رواه النسائي من حديث حسين بن واقد ، به .وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب القمي ، حدثنا جعفر ، عن ابن أبزى قال : لما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة ، قال له عمر : يا نبي الله ، تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ولا كراع ؟ قال : فبعث إلى المدينة ، فلم يدع فيها كراعا ولا سلاحا إلا حمله ، فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل ، فسار حتى أتى منى ، فنزل بمنى ، فأتاه عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة ، فقال لخالد بن الوليد : " يا خالد ، هذا ابن عمك أتاك في الخيل ، فقال خالد : أنا سيف الله ، وسيف رسوله - فيومئذ سمي سيف الله - يا رسول الله ، ارم بي أين شئت . فبعثه على خيل ، فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، فأنزل الله : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة [ من بعد أن أظفركم عليهم ] ) إلى : ( عذابا أليما ) . قال : فكف الله النبي عنهم من بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها كراهية أن تطأهم الخيل .ورواه ابن أبي حاتم عن ابن أبزى بنحوه . وهذا السياق فيه نظر ; فإنه لا يجوز أن يكون عام الحديبية ; لأن خالدا لم يكن أسلم ; بل قد كان طليعة المشركين يومئذ ، كما ثبت في الصحيح . ولا يجوز أن يكون في عمرة القضاء ، لأنهم قاضوه على أن يأتي من العام المقبل فيعتمر ويقيم بمكة ثلاثة أيام ، فلما قدم لم يمانعوه ، ولا حاربوه ولا قاتلوه . فإن قيل : فيكون يوم الفتح ؟ فالجواب : ولا يجوز أن يكون يوم الفتح ; لأنه لم يسق عام الفتح هديا ، وإنما جاء محاربا مقاتلا في جيش عرمرم ، فهذا السياق فيه خلل ، قد وقع فيه شيء فليتأمل ، والله أعلم .وقال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم ، عن عكرمة مولى ابن عباس : أن قريشا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين ، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصيبوا من أصحابه أحدا ، فأخذوا أخذا ، فأتي بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعفا عنهم وخلى سبيلهم ، وقد كانوا رموا إلى عسكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجارة والنبل . قال ابن إسحاق : وفي ذلك أنزل الله : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ) الآية .وقال قتادة : ذكر لنا أن رجلا يقال له : " ابن زنيم " اطلع على الثنية من الحديبية ، فرماه المشركون بسهم فقتلوه ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلا فأتوه باثني عشر فارسا من الكفار ، فقال لهم : " هل لكم علي عهد ؟ هل لكم علي ذمة ؟ " . قالوا : لا . فأرسلهم ، وأنزل الله في ذلك : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ) الآية .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا .
قوله تعالى : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة وهي الحديبية .
من بعد أن أظفركم عليهم روى يزيد بن هارون قال : أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فأخذناهم سلما فاستحييناهم ، فأنزل الله تعالى : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وقال عبد الله بن مغفل المزني : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن ، فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ الله بأبصارهم ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ هل جئتم في عهد أحد أو هل جعل لكم أحد أمانا ] .
قالوا : اللهم لا ، فخلى سبيلهم .
فأنزل الله تعالى : وهو الذي كف أيديهم عنكم الآية .
وذكر ابن هشام عن وكيع : وكانت قريش قد جاء منهم نحو سبعين رجلا أو ثمانين رجلا للإيقاع بالمسلمين وانتهاز الفرصة في أطرافهم ، ففطن المسلمون لهم فأخذوهم أسرى ، وكان ذلك والسفراء يمشون بينهم في الصلح ، فأطلقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهم الذين يسمون العتقاء ، ومنهم معاوية وأبوه .
وقال مجاهد : أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - معتمرا ، إذ أخذ أصحابه ناسا من الحرم غافلين فأرسلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذلك الإظفار ببطن مكة .
وقال قتادة : ذكر لنا أن رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال له زنيم ، اطلع الثنية من الحديبية فرماه المشركون بسهم فقتلوه ، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خيلا فأتوا باثني عشر فارسا من الكفار ، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ هل لكم علي ذمة ] قالوا لا ؟ فأرسلهم فنزلت .
وقال ابن أبزى والكلبي : هم أهل الحديبية ، كف الله أيديهم عن المسلمين حتى وقع الصلح ، وكانوا خرجوا بأجمعهم وقصدوا المسلمين ، وكف أيدي المسلمين عنهم .
وقد تقدم أن خالد بن الوليد كان في خيل المشركين .
قال القشيري : فهذه رواية ، والصحيح أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت .
وقد قال سلمة بن الأكوع : كانوا في أمر الصلح إذ أقبل أبو سفيان ، فإذا الوادي يسير بالرجال والسلاح ، قال : فجئت بستة من المشركين أسوقهم متسلحين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، فأتيت بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وكان عمر قال في الطريق : يا رسول الله ، نأتي قوما حربا وليس معنا سلاح ولا كراع ؟ فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة من الطريق فأتوه بكل سلاح وكراع كان فيها ، وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عكرمة بن أبي جهل خرج إليه في خمسمائة فارس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالد بن الوليد : [ هذا ابن عمك أتاك في خمسمائة ] .
فقال خالد : أنا سيف الله وسيف رسوله ، فيومئذ سمي بسيف الله ، فخرج ومعه خيل وهزم الكفار ودفعهم إلى حوائط مكة .
وهذه الرواية أصح ، وكان بينهم قتال بالحجارة ، وقيل بالنبل والظفر .
وقيل : أراد بكف اليد أنه شرط في الكتاب أن من جاءنا منهم فهو رد عليهم ، فخرج أقوام من مكة مسلمون وخافوا أن يردهم الرسول - عليه السلام - إلى المشركين لحقوا بالساحل ، ومنهم أبو بصير ، وجعلوا يغيرون على الكفار ويأخذون عيرهم ، حتى جاء كبار قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : اضممهم إليك حتى نأمن ، ففعل .
وقيل : همت غطفان وأسد منع المسلمين من يهود خيبر لأنهم كانوا حلفاءهم فمنعهم الله عن ذلك ، فهو كف اليد .
ببطن مكة فيه قولان : أحدهما : يريد به مكة .
الثاني : الحديبية ; لأن بعضها مضاف إلى الحرم .
قال الماوردي : وفي قوله : من بعد أن أظفركم عليهم بفتح مكة .
وتكون هذه نزلت بعد فتح مكة ، وفيها دليل على أن مكة فتحت صلحا لقوله - عز وجل - : كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهمقلت : الصحيح أن هذه الآية نزلت في الحديبية قبل فتح مكة ، حسب ما قدمناه عن أهل التأويل من الصحابة والتابعين .
وروى الترمذي قال : حدثنا عبد بن حميد قال حدثني سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس : أن ثمانين هبطوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الصبح وهم يريدون أن يقتلوه ، فأخذوا أخذا فأعتقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله تعالى : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم الآية .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ، وقد تقدم .
وأما فتح مكة فالذي تدل عليه الأخبار أنها إنما فتحت عنوة ، وقد مضى القول في ذلك في ( الحج ) وغيرها .
وكان الله بما تعملون بصيرا

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)يقول تعالى ذكره لرسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: والذين بايعوا بيعة الرضوان: ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ) يعني أن الله كفّ أيدي المشركين الذين كانوا خرجوا على عسكر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, بالحديبية يلتمسون غِرَّتَهُمْ ليصيبوا منهم, فبعث رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأتى بهم أسرى, فخلى عنهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, ومنّ عليهم ولم يقتلهم فقال الله للمؤمنين: وهو الذي كفّ أيدي هؤلاء المشركين عنكم, وأيديكم عنهم ببطن مكة, من بعد أن أظفركم عليهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار* ذكر الرواية بذلك:حدثنا محمد بن عليّ بن الحسن بن شقيق, قال: سمعت أبي يقول: أخبرنا الحسين بن واقد, قال: ثني ثابت البناني, عن عبد الله بن مغفل, أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان جالسا في أصل شجرة بالحُدَيبية, وعلى ظهره غصن من أغصان الشجرة فرفعتها عن ظهره, وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بين يديه وسهيل بن عمرو, وهو صاحب المشركين, فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لعليّ: اكْتُبْ : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, فأمسك سُهَيل بيده, فقال: ما نعرف الرحمن, اكتب في قضيتنا ما نعرف.
فقال رسول الله: اكْتُبْ باسْمِكَ اللَّهُم, فكتب, فقال: هذا ما صالح محمد رسول الله أهل مكة, فأمسك سُهَيل بيده, فقال: لقد ظلمناك إن كنت رسولا اكتب في قضيتنا ما نعرف قال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وأنا رسول الله, فخرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح, فثاروا في وجوهنا, فدعا عليهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فأخذ الله بأبصارهم, فقمنا إليهم فأخذناهم, فقال لهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: هَلْ خرَجْتُم فِي أمان أحَدٍ, قال: فخلى عنهم, قال: فأنزل الله ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ) .
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا الحسين بن واقد, عن ثابت, عن عبد الله بن مغفل, قال: كنا مع النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بالحُديبية في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن, وكان غصن من أغصان تلك الشجرة على ظهر النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فرفعته عن ظهره, ثم ذكر نحو حديث محمد بن عليّ, عن أبيه.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق قال: ثني من لا أتهم - عن عكرمة, مولى ابن عباس, أن قريشا كانوا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين, وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, ليصيبوا من أصحابه أحدا, فأخذوا أخذا, فأُتي بهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فعفا عنهم، وخلى سبيلهم, وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بالحجارة والنبل.
قال ابن حميد, قال سلمة, قال ابن إسحاق: ففي ذلك قال ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ ).
.
.
الآية .
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: أقبل معتمرا نبيّ الله, فأخذ أصحابه ناسا من أهل الحرم غافلين, فأرسلهم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فذلك الإظفار ببطن مكة.
حدثنا محمد بن سنان القزّاز, قال: ثنا عبيد الله ابن عائشة, قال: ثنا حماد بن سلمة, عن ثابت, عن أنس بن مالك أن ثمانين رجلا من أهل مكة, هبطوا على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم, فأخذهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأعتقهم, فأنزل الله ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ ).
.
.
إلى آخر الآية .
وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا به بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ ).
.
.
الآية, قال: بطن مكة الحديبية (1) يقال له رهم: اطلع الثنية من الحديبية, فرماه المشركون بسهم فقتلوه, فبعث رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خيلا فأتوه باثني عشر فارسا من الكفار, فقال لهم نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: هل لكم عليّ عهد؟ هل لكم عليّ ذمة, قالوا: لا فأرسلهم, فأنزل الله في ذلك القرآن ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ ).
.
.
إلى قوله ( بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ).
وقال آخرون في ذلك: ما حدثنا به ابن حميد, قال: ثنا يعقوب القُمِّيّ, عن جعفر, عن ابن أبزى, قال: لما خرج النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بالهدي, وانتهى إلى ذي الحليفة, قال له عمر: يا نبيّ الله, تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ولا كراع, قال: فبعث إلى المدينة فلم يدع بها كراعا ولا سلاحا إلا حمله; فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل, فسار حتى أتى منى, فنزل بمِنى, فأتاه عينه أن عكرِمة بن أبي جهل قد خرج علينا في خمس مئة, فقال لخالد بن الوليد: يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل, فقال خالد: أنا سيف الله وسيف رسوله, فيومئذ سمي سيف الله, يا رسول الله, ارم بي حيث شئت, فبعثه على خيل, فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة, ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة, ثم عاد في الثالثة حتى أدخله حيطان مكة, فأنزل الله ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ ).
.
.
إلى قوله عَذَابًا أَلِيمًا قال: فكفّ الله النبيّ عنهم من بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها من بعد أن أظفره عليهم كراهية أن تطأهم الخيل بغير علم.
وقوله ( وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ) يقول تعالى ذكره: وكان الله بأعمالكم وأعمالهم بصيرا لا يخفى عليه منها شيء.
------------------------الهوامش:(1) لعل فيه سقطا .
وفي ابن كثير عن قتادة : " ذكر لنا أن رجلا يقال له ابن زنيم اطلع على الثنية إلخ " .

﴿ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا ﴾

قراءة سورة الفتح

المصدر : تفسير : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم