أولم يتبين لهؤلاء المكذبين للرسول: كم أهلكنا من قبلهم من الأمم السابقة يمشون في مساكنهم، فيشاهدونها عِيانًا كقوم هود وصالح ولوط؟ إن في ذلك لآيات وعظات يُستدَلُّ بها على صدق الرسل التي جاءتهم، وبطلان ما هم عليه من الشرك، أفلا يسمع هؤلاء المكذبون بالرسل مواعظ الله وحججه، فينتفعون بها؟
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«أو لم يهدِ لهم كم أهلكنا من قبلهم» أي يتبيَّن لكفار مكة إهلاكنا كثيرا «من القرون» الأمم بكفرهم «يمشون» حال من ضمير لهم «في مساكنهم» في أسفارهم إلى الشام وغيرها فيعتبروا «إن في ذلك لآيات» دلالات على قدرتنا «أفلا يسمعون» سماع تدبر واتعاظ.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يعني: أولم يتبين لهؤلاء المكذبين للرسول، ويهدهم إلى الصواب. كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ الذين سلكوا مسلكهم، يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ فيشاهدونها عيانًا، كقوم هود، وصالح، وقوم لوط. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ يستدل بها، على صدق الرسل، التي جاءتهم، وبطلان ما هم عليه، من الشرك والشر، وعلى أن من فعل مثل فعلهم، فُعِلَ بهم، كما فُعِلَ بأشياعه من قبل.وعلى أن اللّه تعالى مجازي العباد، وباعثهم للحشر والتناد. أَفَلَا يَسْمَعُونَ آيات اللّه، فيعونها، فينتفعون بها، فلو كان لهم سمع صحيح، وعقل رجيح، لم يقيموا على حالة يجزم بها، بالهلاك.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( أولم يهد ) لم يتبين ( لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ) آيات الله وعظاته فيتعظون بها .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم يسوق - سبحانه - فى أواخر السورة ما من شأنه أن يهدى الضالين إلى الصراط المستقيم ، وما يرشدهم إلى مظاهر نعمه عليهم ، وما يزيد النبى صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ثباتاً على ثباته ، ويقيناً على يقينة ، فيقول - عز وجل - ( أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا . . . إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ ) .والاستفهام فى قوله - تعالى - : ( أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا . . . ) لإِنكار عدم اهتدائهم إلى ما ينفعهم مع وضوح أسباب هذا الاهتداء . والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام . والخطاب للمشركين وعلى رأسهم كفار مكة . و " كم " خبرية بمعنى كثير . فى محل نصب لأهلكنا .والمعنى : أغفل هؤلاء المشركون عما أصاب الظالمين من قبلهم ، ولم يتبين لهم - لانطماس بصائرهم - أننا قد أهلكنا كثيراً من أهل الأزمان السابقة من قبلهم ، بسبب تكذيبهم لأنبيائهم ، وإيثارهم الكفر على الإِيمان .وقوله - تعالى - ( يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ) حال من الضمير فى ( لَهُمْ ) ، لتسجيل أقصى أنواع الجهالة والعناد عليهم . أى : أبلغ بهم الجهل والعناد أنهم لم يعتبروا بالقرون المهلكة من قبلهم ، مع أنهم يمشون فى مساكن هؤلاء السابقين ، ويمرون على ديارهم مصبحين وممسين ، ويرون بأعينهم آثارهم الدارسة ، وبيوتهم الخاوية على عروشها .ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يزيد فى تبكيتهم وتقريعهم فقال : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ ) .أى : إن فى ذلك الذى يرونه من مصارع الغابرين ، وآثار الماضين ، لآيات بينات ، وعظات بليغات ، فهلا تدبروا فى ذلك ، واستمعوا إلى صوت الحق بتعقل وتفهم؟فقوله - تعالى - : ( أَفَلاَ يَسْمَعُونَ ) حض لهم على الاستماع إلى الآيات الدالة على سوء عاقبة الظالمين ، بتدبر وتعقل واتعاظ ، وتحول من الباطل إلى الحق ، قبل أن يحل بهم ما حل بأهل الأزمنة الغابرة .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قول تعالى : أولم يهد لهؤلاء المكذبين بالرسل ما أهلك الله قبلهم من الأمم الماضية ، بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم إياهم فيما جاءوهم به من قويم السبل ، فلم يبق منهم باقية ولا عين ولا أثر ؟ ( هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) [ مريم : 98 ] ; ولهذا قال : ( يمشون في مساكنهم ) أي : وهؤلاء المكذبون يمشون في مساكن أولئك المكذبين فلا يرون فيها أحدا ممن كان يسكنها ويعمرها ، ذهبوا منها ، ( كأن لم يغنوا فيها ) [ الأعراف : 92 ] ، كما قال : ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) [ النمل : 52 ] ، وقال : ( فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) [ الحج : 45 ، 46 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( إن في ذلك لآيات ) أي : إن في ذهاب أولئك القوم ودمارهم وما حل بهم بسبب تكذيبهم الرسل ، ونجاة من آمن بهم ، لآيات وعبر ومواعظ ودلائل متظاهرة .( أفلا يسمعون ) أي : أخبار من تقدم ، كيف كان أمرهم ؟ .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون .قوله تعالى : أولم يهد لهم وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وقتادة وأبو زيد عن يعقوب ( نهد لهم ) بالنون ; فهذه قراءة بينة . النحاس : وبالياء فيها إشكال ; لأنه يقال : الفعل لا يخلو من فاعل ، فأين الفاعل ل ( يهد ) ؟ فتكلم النحويون في هذا ; فقال الفراء : كم في موضع رفع ب ( يهد ) وهذا نقض لأصول النحويين في قولهم : إن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ولا في كم بوجه ; أعني ما قبلها . ومذهب أبي العباس أن يهد يدل على الهدى ; والمعنى أو لم يهد لهم الهدى . وقيل : المعنى أو لم يهد الله لهم ; فيكون معنى الياء والنون واحدا ; أي أو لم نبين لهم إهلاكنا القرون الكافرة من قبلهم . وقال الزجاج : كم في موضع نصب ب ( أهلكنا ) . يمشون في مساكنهم يحتمل الضمير في يمشون أن يعود على الماشين في مساكن المهلكين ; أي وهؤلاء يمشون ولا يعتبرون . ويحتمل أن يعود على المهلكين فيكون حالا ; والمعنى : أهلكناهم ماشين في مساكنهم . إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون آيات الله وعظاته فيتعظون .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26)كما: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (أوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) يقول: أولم يبين لهم، وعلى القراءة بالياء في ذلك قرّاء الأمصار، وكذلك القراءة عندنا لإجماع الحجة من القرّاء، بمعنى: أولم يبين لهم إهلاكنا القرون الخالية من قبلهم، سنتنا فيمن سلك سبيلهم من الكفر بآياتنا، فيتعظوا وينزجروا. وقوله: (كَمْ) إذا قُرئ(يهْدِ) بالياء، في موضع رفع بيهد. وأما إذا قرئ ذلك بالنون (أوَلَمْ نَهْدِ) فإن موضع (كم) وما بعدها نصب. وقوله: (يَمْشونَ فِي مَساكِنهمْ) يقول تعالى ذكره: أولم يبين لهن كثرة إهلاكنا القرون الماضية من قبلهم يمشون في بلادهم وأرضهم، كعاد وثمود.كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أولَمْ يهْدِ لَهُمْ كَمْ أهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهمْ مِنَ القُرُونِ) عاد وثمود، وأنهم إليهم لا يُرجعون.وقوله: (إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ) يقول تعالى ذكره: إن في خلاء مساكن القرون الذين أهلكناهم من قبل هؤلاء المكذّبين بآيات الله من قريش من أهلها الذين كانوا سكانها وعمَّارها بإهلاكنا إياهم لما كذّبوا رسلنا، وجحدوا بآياتنا، وعبدوا من دون الله آلهة غيره التي يمرّون بها فيعاينونها، لآيات لهم وعظات يتعظون بها، لو كانوا أولي حجا وعقول، يقول الله: (أفلا يَسْمَعُونَ) عظات الله وتذكيره إياهم آياته، وتعريفهم مواضع حججه؟.
﴿ أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ﴾